قراءة ممتعة~~~

تجمّد جسد يوان في مكانه. شعر وكأن الدم انسحب من جسده دفعة واحدة فانخفضت حرارة جسده بسرعة.

قيل سيريت ركبت السفينة المتجهة إلى ريفيه. هذا ما قاله ديريك قبل لحظات. التفت يوان ذو الوجه البارد إلى ديريك.

كان وجه ديريك الذي سمع كلام رئيس الخدم معه قد شحب بالفعل. سأل ديريك رئيس الخدم بصوت مستعجل.

“هل هي بالتأكيد السفينة المتجهة إلى ريفيه؟”

“نعم، غرقت في لحظة تقريباً، ويبدو أن من نجا منها قليل جداً. لا نعرف فجأة ما الذي حدث.”

تنهد رئيس الخدم بعمق مراراً.

حدّق ديريك في يوان بعينين يائستين.

“سمو الدوق.”

ارتجف صوت ديريك وهو ينادي يوان. كان اسم الدوقة موجوداً بالفعل في قائمة ركاب السفينة المتجهة إلى ريفيه.

“ماذا نفعل يا سمو الدوق؟ بما أن السفينة غادرت من ميناء لوسول، أعتقد أنه يجب على سموك الذهاب بنفسه.”

سأل رئيس الخدم بوجه حائر.

كان ميناء لوسول ضمن أراضي الدوق، فكان على يوان أن يتولى الأمر.

استدار يوان بوجه بلا أي تعبير. لم يعد يسمع كلمات ديريك ولا كلمات رئيس الخدم بشكل صحيح.

كانت فكرة أن السفينة التي ركبتها سيريت للهرب منه قد غرقت غير واقعية، فظل رأس يوان فارغاً تماماً.

“سمو الدوق.”

ناداه ديريك وهو يتبع يوان النازل عبر الدرج. توتر المساعد أمام وجه سيده الذي مُحيَت منه المشاعر.

“سنذهب إلى ميناء لوسول.”

“نعم. سأعد العربة.”

نزل ديريك الدرج أولاً. أما يوان فنزل ببطء، خطوة بعد خطوة، وهو يفكر في سيريت.

‘لا أندم على حبي لك.’

‘بفضل حبي لك حصلت على هدية عظيمة. هدية ثمينة جداً. وهذا وحده يكفي.’

‘الشخص الذي أحببته حتى تآكل قلبي كان أنت يا يوان. حتى لو لم تكن تعلم.’

مع كل درجة يهبطها، تردد كلام سيريت في أذنه.

قالت إنها تحبه، ومع ذلك حاولت الهرب منه بركوب سفينة إلى بلد آخر. 

ما خطب المرأة بالضبط… 

مسح يوان وجهه بيده.

عيناه المحتقنتان بالدم رفعتا نظرهما إلى السماء التي توقفت فيها الثلوج. كانت زرقاء باردة مثل عيني سيريت.

إلى أين ذهبتِ؟ تركتِني وذهب إلى أين؟

قلتِ إنكِ تحبينني. قلتِ إنكِ تحبينني.

سالت دمعة واحدة من عيني يوان المليئتين بالبؤس.

***

جو ميناء لوسول كان فوضوياً. تلقى يوان تقرير المسؤول عن الميناء وأصدر تعليماته من أجل إدارة الحادث.

كان شكل يوان وهو يتعامل مع الأمور يشبه شخصاً لم يحدث له شيء على الإطلاق.

تفاجأ ديريك قليلاً من رؤية سيده يبدو كما هو عادة. لكن بعد أن لاحظ أن ضوء عيني يوان كان ينطفئ بين الحين والآخر، أدرك أن حالته ليست جيدة.

“هذه قائمة الناجين الذين وصلوا للتو. هناك شخص واحد بلا وعي لذلك لم يتمكنوا من تأكيد اسمه.”

قدّم المسؤول القائمة إلى يوان.

أخذ يوان القائمة وتفحص الأسماء بسرعة. كان هناك ثلاثة عشر ناجياً، ولم يكن اسم سيريت بينهم.

“أين الناجون الآن؟ ماذا عن الشخص الذي بلا وعي؟”

“يقال إنه نُقل إلى مستشفى لوسول.”

وبمجرد سماع كلام المسؤول خرج يوان فوراً من مكتب إدارة الميناء وتوجه إلى العربة.

كان يمكن رؤية الجثث التي تم انتشالها تدخل الميناء واحدة تلو الأخرى، لكن يوان عمداً لم ينظر إليها.

سيريت ستكون حية. يجب أن تعيش ليقابلها بنفسه.

ركب يوان العربة متوجهاً إلى مستشفى لوسول. وعندما وصل إلى المستشفى التقى بالناجين واحداً تلو الآخر بنفسه، لكن سيريت لم تكن بينهم.

“الناجي الذي بلا وعي… قالوا إنه امرأة، صحيح؟”

سأل يوان ديريك الواقف إلى جانبه.

“نعم يا سمو الدوق.”

أجاب ديريك بصوت منخفض.

أومأ يوان برأسه واتجه بخطواته نحو غرفة الناجي فاقد الوعي. فتح الباب ودخل واقترب ببطء من المرأة النائمة.

لم تكن المرأة النائمة هي سيريت. في الحقيقة، بمجرد أن فتح الباب ورأى الشعر البني عرف أنها ليست هي، لكن رغم ذلك اقترب ليتأكد من وجهها.

حدّق يوان بالمرأة النائمة دون أن يرمش. آخر ناجية أيضاً لم تكن سيريت.

“هاا.”

أطلق ديريك تنهيدة عميقة عندما رأى أنها ليست سيريت.

لم يكن لدى ديريك وجه ليقابل به يوان. لو أنه تعامل مع الأمر بشكل صحيح، لكان منع الدوقة من ركوب تلك السفينة. لو أنه فقط أعاد فحص العربة بعد أن غادرت العجوز.

لم يرفع يوان نظره عن وجه المرأة الأخيرة وقال بصوت بلا ارتفاع ولا انخفاض.

“لنعد إلى ميناء لوسول.”

كان عليه التحقق من الجثث التي أعيدت إلى الميناء. استدار يوان وغادر غرفة المريض. كل شيء كان يشعر به وكأنه غير حقيقي.

وبالعودة إلى الميناء، راح يوان يفحص وجوه الجثث التي تم انتشالها واحدةً تلو الأخرى. كذلك لم تكن سيريت ضمنهم.

لم تكن سيريت في أي مكان.

***

في عمق الليل، عاد يوان إلى قصر الدوق ودخل غرفة سيريت المظلمة.

استلقى على السرير الذي فقد صاحبته وحدّق بخواء في السقف المظلم.

أين تكون زوجتي التي غادرتني الآن؟ هل هي غارقة في أعماق البحر، تهرب مني إلى مكان أبعد؟

“لماذا تذهبين بعيداً إلى هذا الحد.”

تمتم يوان بصوت منخفض.

لقد هربت سيريت بعيداً جداً لدرجة أنه لم يعد يستطيع العثور عليها. كان يريد أن يبحث عنها بجنون، لكنها ذهبت إلى مكان لا يمكن الوصول إليه.

“وماذا من المفترض أن أفعل أنا؟”

أغمض يوان عينيه.

ألا تخافين أعماق البحر؟ بحر الشتاء سيكون بارداً. ألا تشعرين بالوحدة في بحر لا يوجد فيه أحد؟

“سيريت.”

أين أنتِ؟

سأذهب لأحضركِ. 

انهمرت الدموع من عيني يوان المغمضتين لتبلل وسادة سيريت.

هل كانت تلك الأحلام التي رآها مرات لا تحصى تنبؤاً لهذا اليوم؟ بما أنها غرقت في البحر وهي تهرب مني، فهل أنا الذي قتلتها؟ ضحك يوان بلا قوة.

في النهاية صار كل شيء كما في ذلك الحلم. في النهاية، تماماً كما في الحلم…

كان يريد أن يحلم. ففي الأحلام يستطيع رؤية وجه سيريت. حتى لو كان وجهاً بارداً متجمداً، فهو يريد رؤيته.

بدأ وعي يوان يتلاشى تدريجياً. غرق بسرعة في النوم.

***

كان يوان يمسك بقوة يد سيريت التي كانت مستلقية وهي تنزف.

حدقت عينها الزرقاء الباردة التي فقدت بريقها في يوان.

“سيريت.”

ناداها يوان بصوت خالٍ من أي مشاعر.

في تلك اللحظة، امتلأت الغرفة بماء البحر البارد.

ارتفع جسدا يوان وسيريت تحت الماء، وتمسك هو بقوة بيد المرأة التي كانت تكاد تنجرف مع التيار.

جرّ يوان سيريت إلى صدره.

جسد سيريت كان بارداً مثل بحر الشتاء.

لكن حتى مع ذلك الجسد البارد، طالما أنها بين ذراعيه، كان يوان قادراً على الابتسام.

سيريت. سيريت.

“سيريت.”

كان يوان يهمس باسم سيريت مراراً داخل الحلم، ثم فتح عينيه.

جلس يوان وهو يبتسم ابتسامة خفيفة واهنة وبلا قوة.

كان عالماً بلا سيريت.

***

كان يوان مضطراً أن يعيش في عالم بلا سيريت.

ومع ذلك كان يحتمل الأمر إلى حد ما.

الصدمة بأن سيريت خرجت تماماً من حياته كانت تخترق قلبه بين حين وآخر، لكنه كان بخير.

سيعتاد على العيش… ربما مع مرور الوقت سيعيش دون أن يشعر بأي شيء.

أنهى يوان عشاءه ببضع ملاعق من الحساء، ثم تمشى في حديقة القصر الإقليمي التي غطتها الثلوج.

العالم الذي غطاه الظلام كان يشبه قاع البحر العميق، أشبه بأنفاسه تختنق.

أين وصلتِ في ذلك البحر؟ إلى أي عمق غصتِ؟

عندما فكّر في سيريت التي كانت تائهة في مكان ما من البحر، شعر بألمًا جسديًا في صدره.

عندما يفكر في سيريت كان قلبه ينقبض.

كان يوان يلهث ممسكاً صدره، ثم التفت ببطء إلى الخلف حين شعر بشيء يلامس ساقه.

روب، جرو السيد نيسن، كان ينظر إليه وهو يهز ذيله.

“روب.”

انحنى يوان على ركبته وربّت على رأس روب الجالس.

تذكر الذكريات عندما كان يتجول في الغابة مع سيريت، فارتفعت زاوية شفتيه.

لكن الشفاه التي ارتفعت انحنت فوراً بألم. وبدأت دموع يوان بالتساقط قطرة بعد أخرى.

ظلّ مشهد سيريت وهي تحمل روب يلوح أمام عينيه.

“…سيريت.”

اجتاحته الذكريات المنقوشة في صدره فجأة وشعر كما لو أن الحزن غطاه بالكامل.

لم يستطع يوان تحمّل الحزن الشديد، فانثنت ركبتاه. وانفجر بالبكاء.

حقيقة بأنه لن يرى سيريت مجدداً كانت تمزق قلبه إرباً.

طفح منه فجأة شعور بالاستياء تجاه سيريت التي تركته ورحلت بعيداً، فكرهها يوان للحظة.

“لا. لا أفعل يا سيريت.”

شعر يوان بالذنب بسبب مشاعره تجاهها، فهز رأسه وهو يتمتم.

لم يرغب في منح زوجته ولو ذرة واحدة من الكراهية أو اللوم. أراد أن يمنحها فقط الحب والعطف.

“أنا آسف يا سيريت.”

لم يستطع تحمّل نفسه بعدما كرهها ولو للحظة واحدة.

كان روب أمامه يتململ وينتحب بقلق. ثم بدأ يمشي متجهاً إلى مكان ما.

لم يُرِد يوان أن يبقى وحيداً، فتبع روب. ذهب روب إلى الدفيئة الموجودة في الحديقة الخلفية.

دخل يوان الدفيئة خلف روب، ومسح المكان بعينيه.

بينما كان ينظر إلى الأزهار المتفرقة التي تتفتح هنا وهناك، أدرك فجأة أنه لا يعرف حتى ما هي نوع الأزهار التي تحبها سيريت.

“هاا.”

ازدرى نفسه لأنه لا يعرف الأزهار التي تُحبها المرأة التي يحبها.

ابتسم يوان بمرارة وهو ينظر إلى الزهور في الدفيئة متخيلًا أيها قد تحبه سيريت.

ثم توقف يوان فجأة عن المشي.

كان ذلك لأن صورة سيريت ظهرت أمام عينيه، كانت واقفة أمام أزهار الإيبيريس البيضاء.

‘صغيري، هذه أزهار إيبيريس. إنها الأزهار المفضلة لأمك. جدك يطلق عليها اسم كانديدفت. عندما يأتي الربيع، تتفتح هذه الأزهار بكثرة في حقول موشيلي، إنها جميلة جداً. سأريكِ ذلك لاحقاً.’

كانت سيريت تلامس أزهار الإيبيريس بلطف وهي تتمتم بوجه سعيد.

كان يوان يحدق بها بذهول، ثم فتح فمه ببطء.

“سيريت.”

يبدو أن سيريت سمعت صوته، فاستدارت لتنظر إليه.

كانت تربت على بطنها المنتفخ وهي تبتسم.

يتبع^^

ترجمة نينا @justninaae