المسافة بينهما تقلّصت فجأة حتى أصبحا قادرين على استشعار أنفاس بعضهما. انتقلت نظرات يوان من عيني سيريت إلى شفتيها.
“وماذا ستمنحني غير عينيك؟” سألت سيريت وهي واعية تمامًا لنظراته.
“قبلة مملوءة بالمديح؟”
“وهل في تلك القبلة مديح حقًا؟”
بل ستكون سخرية، لا مديحًا. ضحك على فتاة ريفية جاهلة لا تعرف شيئًا. التوت شفتا سيريت بسخرية.
“هذا ما يمكنك أن تكتشفيه بنفسك.”
صوت يوان المنخفض، وعيناه نصف مطرقتين، لامس أذنها.
كان بصره ثابتًا على شفتيها الممتلئتين الحمراوين، وكأن لا شيء في العالم سواهما، لا يحيد عنهما لحظة.
هواء متوتر جرى بين الاثنين، والجو داخل العربة صار مشحونًا.
ارتفع بصر يوان ببطء من شفتيها إلى عينيها. نظرة بدت وكأنها تطلب الإذن حطّت على سيريت.
حتى في تلك الليلة الأولى التي قضياها معًا، كانت له النظرة ذاتها. نظرة تقول؛
“لن أقترب منك إلا إذا سمحتِ لي.”
ومع أنها لم تكن سوى امرأة أُحضرت لتكون بديلة للإنجاب، إلا أنه أبدى حدًّا أدنى من اللباقة. يوان فريكتويستر كان رجلًا مهذبًا، على أي حال.
لكنها خُدعت بتلك النظرة؛ فابتسمت حينها بخجل واحمرار. غير أنّ لحظة سماحها له، خلع يوان قناع الرجل المهذب.
في لحظة واحدة تحوّل من فارسٍ مهذّب إلى وحش كاسر. قُبلاته الخشنة ويداه التي مزّقت ثيابها لم يكن بالإمكان وصفها أبدًا بأنها تصرفات “رجل نبيل”.
لقد التهم يوان كيان سيريت كله في لحظة.
ولأن سيرت إينّوهاتر لم تكن بالنسبة له “سيدة”، لم يحتج أن يكون معها “رجلًا مهذبًا”.
بالطبع، لم يكن هناك أي شعور بالحب في سريرٍ كان الغرض منه الإنجاب فقط. ولو عاد بها الزمن، لبصقت في وجهه بدل أن تمنحه تلك الابتسامة الخجولة.
ابتسمت سيريت بسخرية؛
“لا أظن أنني أحتاج ذلك.”
وبابتسامتها الساخرة انسحبت بعيدًا عنه، مانحةً نفسها مسافة. المشاعر التي سأعطيك إياها الآن ليست ابتسامة خجولة، بل ضغينة وكراهية.
اعتدلت في جلستها ونظرت مباشرة إلى يوان. فاعتدل هو الآخر، وارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية هادئة.
“يمكنك التأكد وقتما شئت.”
قال بصوت متكاسل، وهو يعقد ساقًا على ساق، بعينين تحملان إغراءً فاضحًا. تعبير تعرفه سيريت جيدًا.
فهو اعتاد أن يضع ذلك الوجه في السرير. وفي كل مرة، لم تكن تعرف كيف تتصرف.
كم كان ذلك ممتعًا بالنسبة له! أن يرى امرأة لا تعني له أكثر من “ماشية”، تشعر بالخجل والارتباك… لا بد أنه كان يراها مثيرة للشفقة حقًا.
هل لذلك كان يعذبها بهذا الشكل؟ مهما توسلت ـ بأنه محرج، بأنه مخزٍ، بأنه مؤلم ـ لم يكن ينصت.
حتى حين ترجّت قائلة: “لا يعجبني هذا”، كان يوان يطوّعها لإرادته. في السرير لم يكن يومًا فارسًا مهذبًا، بل كان طاغية متسلّطًا.
“ولِمَ سأفعل؟ لا أريد.” أجابت سيريت بكبرياء وهي تدير نظرها نحو النافذة. طرحت خلفها ذكريات حياتها السابقة وحدقت في الشوارع حيث بدأ الظلام يحلّ.
شعرت بنظرات يوان المثابرة تتبعها، لكنها رفضت تمامًا أن تلتقي عينيه. وظلّت نظراتهما متقاطعة على هذا الشكل حتى توقفت العربة.
***
كانت قاعة الرقص الكبرى في القصر الإمبراطوري، المزينة ببذخ، تعجّ بالنبلاء المدعوين.
وجوههم المتورّدة وهم يتجمعون في حلقات صغيرة للحديث، كانت تنضح بالمرح. لم يظهر عليهم أي ملل، وكأنهم انتظروا هذا اليوم طويلًا.
الجميع كانوا يستمتعون بالحفل، إلا سيريت، التي اكتفت بالجلوس في زاوية تحتسي الشامبانيا بملامح متعبة.
منذ أن وطئت القاعة، بدا الحفل لها شاقًا للغاية.
فمنذ دخلت برفقة يوان، لم تتوقف النظرات الفضولية عن التوجّه نحوها.
كان طبيعيًا أن تحظى خطيبة دوق يوان فريكتويستر الريفية بكل هذا الاهتمام.
في حياتها السابقة، كادت أن تُغمى عليها من وقع تلك النظرات.
لكنها الآن لم تبالِ. فقد اختبرت ذلك من قبل، وليس ثمة ما يخيف امرأة ذاقت الموت.
إضافة إلى ذلك، هذه المرة لم تكن النظرات تحمل احتقارًا أو ازدراءً كما في السابق، بل دهشةً وإعجابًا خفيًا.
“إنها أكثر أناقة وجمالًا مما توقّعنا.”
“ذوق الدوق راقٍ فعلًا.”
“جمالها يُضاهي الآنسة إليوت.”
ابتسمت سيريت في سرّها وهي تتذكر تلك الهمسات.
في تلك اللحظة، أعلن صوتٌ وصول العائلة الإمبراطورية. وضعت سيريت كأسها بسرعة وعدّلت من جلستها.
فُتحت الأبواب، ودخل الإمبراطور المُسنّ مع العائلة الإمبراطورية، واتجهوا نحو المقاعد المخصّصة لهم، فيما انحنى النبلاء احترامًا.
بعد تبادل التحايا، وقفت سيريت مستقيمة ونظرت نحو مقاعد العائلة الإمبراطورية. هناك، جلست ليديا إليوت بجانب الإمبراطور.
ليديا كانت متألقة كعادتها. شعرها البني الكثيف انسدل على ظهرها بموجات لامعة، وعيناها الزرقاوان تشعّان ببريق ساحر.
فستانها الأخضر، المربوط بشريط أبيض عند الخصر، زاد من إبراز جمالها.
جمالها الآسر منحها هالة فريدة، جمالٌ خطر، كأن المرء قد يختنق ببطء إن وقف بجانبها.
قطّبت سيريت حاجبيها قليلًا وهي تحدق في ليديا. فليديا، بدقة الكلام، لم تكن عضوًا في العائلة الإمبراطورية. ومع ذلك، جلست هناك بكل صفاقة. فهي بالفعل ابنة الجارية المقرّبة لدى الإمبراطور.
“لقد كنتِ هنا إذًا.” اقترب يوان من سيريت.
“نعم.” أجابت بهدوء وهي تلقي عليه نظرة عابرة.
“علينا تحية جلالته الإمبراطور.” وعبر وجهه لوهلة ظلٌّ من الضيق.
أن يظهر الضجر أمام لقاء الإمبراطور الذي يعتبر شرفًا لا يُنال إلا مرة في العمر… لا يقدر على ذلك سوى يوان فريكتويستر.
انبهرَت سيريت قليلًا بملامح الضيق التي بدت على يوان.
“نعم، أفهم.”
أمسكت سيريت بذراع يوان وسارت معه نحو الإمبراطور. في حياتها السابقة، كانت قد ارتجفت كالجدي حين وقفت أمامه. أما اليوم، فلا أثر للخوف.
“نُحيّي النور المجيد للإمبراطورية، جلالة الإمبراطور.” قال يوان بانحناءة رسمية، رغم ملامحه الباردة.
“همم، حسنًا… إذًا أنتِ هي.” قال الإمبراطور وهو يبدو غير مرتاح.
في تلك اللحظة، أحسّت سيريت بنظرة حادة. التفتت لتجد عيني ليديا الباردتين تحدقان بها.
وما أن التقت نظراتهما، حتى رسمت ليديا ابتسامة لطيفة وكأنها لم تكن تحدّق بها ببرود قبل ثوانٍ.
قالت ليديا للإمبراطور بابتسامة مشرقة؛
“لقد صادفت الآنسة إينّوهاتر أمام متجر الخياطّة منذ مدة، يا جلالة الإمبراطور.”
“أحقًا؟” رد الإمبراطور بوجه يغمره الحنان.
“كانت قد حجزت المتجر مسبقًا، لذا لم نتبادل سوى التحية عند الباب. أليس كذلك يا آنسة إينّوهاتر؟”
كانت كلماتها تحمل تلميحًا خفيًا: لم أدخل المتجر بسببها.
اهتزّت ابتسامة سيريت قليلًا، لكنها ردت بهدوء:
“لقد كان الدوق من قام بالحجز لذلك اليوم، فهكذا جرت الأمور.”
وبمهارة، نقلت اللوم إلى يوان.
“واه، كم هو لطيف منه! لكن بسببه ضاع عليّ الفستان الذي رغبت به.” قالت ليديا وهي تلقي بنظرة غنج نحو يوان. فارتجفت ابتسامة سيريت من الغيظ.
كم كان مشهدها وهي تدلل عليه مقززًا… شعرت سيريت برغبة أن تصرخ؛ أريد فسخ هذه الخطوبة! وتمضي مبتعدة. لكنها تماسكت.
“نعم.” أجاب يوان بوجه جامد. وبرغم لا مبالاته الظاهرة، شعرت سيريت أن ذلك كان قناعًا متعمدًا.
“الفستان الذي رغبتِ به؟” تفاعل الإمبراطور مع كلمات ليديا.
“الفستان الذي ترتديه الآنسة إينّوهاتر. كان هو الفستان الذي رغبت به.” أجابت بابتسامة بريئة.
تجمدت ملامح سيريت بدهشة. ماذا؟! كانت المدام بارن قد أكدت أن الفستان لم يُعرَض على أي أحد سواها.
لكن ليديا دومًا تضع الآخرين في مواقف محرجة ومهينة.
“ولِمَ لم تطلبي خياطته من جديد؟” سأل الإمبراطور.
“وكيف لي؟ لا يمكنني حضور الحفل بفستان مماثل لفستان الآنسة إينّوهاتر. سيصبح أحدنا أضحوكة.” ردت ليديا.
والأضحوكة المقصودة، بطبيعة الحال، كانت سيريت. لكنها تجاهلت الأمر قائلة بابتسامة؛
“لو كنت أعلم أن الآنسة إليوت وضعت عينها على هذا الفستان، لما اخترته. كان خطأي إذ لم تذكر المدام بارن شيئًا. أرجو أن تغفري لي بسخاء.”
“يا الهي! لا تقولي ذلك، آنسة إينّوهاتر. في الحقيقة، أعتقد أن الأمر انتهى لصالحك. فالفستان يليق بك بحق.” قالت ليديا وهي تلوّح بيدها.
“شكرًا لكرم قولك.” ردت سيريت مبتسمة. ابتسمت ليديا بدورها، لكن نظراتهما المتبادلة كانت أبعد ما تكون عن الود.
“أتيتي من موشيلي؟” سأل ولي العهد.
“نعم، يا صاحب السمو ولي العهد.” أجابت سيريت.
“لقد سمعت الكثير عن جمال موشيلي. أتمنى أن أزورها يومًا ما.” قالت وليّة العهد.
“سيكون شرفًا لموشيلي أن تستقبلكم.” أجابت سيريريت بلطف.
“أمّا نأخذ عطلتنا هذا العام في موشيلي؟” قال ولي العهد ممازحًا زوجته.
“أنت مشغول يوميًا.” ردت بخفة، فضحك ولي العهد.
“إن زرنا موشيلي، يمكننا الإقامة في قصر آل إينّوهاتر.”
“أنتم مرحب بكم في أي وقت، يا صاحب السمو.” أجابت سيريت بابتسامة مشرقة، لكنها في سرّها تمتمت: لا داعي لقدومكم.
بعد محادثة قصيرة مع العائلة الإمبراطورية، همّت هي ويوان بالعودة. لكن صوت ليديا استوقفهما:
“يوان.”
ما إن نطقت اسمه بمودّة حتى انعوجت شفتا سيريت بابتسامة ساخرة. التفت يوان نحوها متسائلًا.
افعلا ما تشاءان! قالت في نفسها وهمّت بالمغادرة.
لكن يوان أمسك بذراعها، فاضطرت للبقاء بجانبه. ظهر استياء عابر على وجه ليديا.
“تفضلي بالكلام، آنسة إليوت.” قال يوان باحترام، مخالفًا لنداوتها في مناداته باسمه الأول.
“هل ستمنحني الرقصة الأولى؟” سألت ليديا.
يتبع في الفصل القادم^-^
تابعوني بالانستا حبايبي @ninanachandesu
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 11"
وجع ليديا كريههه مره الحمدلله يوان مسك سيريت ولا كنت بشك فيه معها🤣🤣