فقد كانت سيريت قد حصلت على ما يكفي من الإثباتات في حياتها السابقة، فلم تكن بحاجة إلى إثبات آخر من يوان.
فقد رأت مرات لا تُحصى كيف كان يوان يدفع بها حتى يغلبها النوم من الإرهاق، ثم يستيقظ في اليوم التالي بكامل حيويته.
كانت تعرف هذا الرجل أكثر من أي شخص آخر. لم تكن بحاجة إلى التأكد مجددًا.
نزلت سيريت من السرير وسحبت حبل الجرس. وبعد قليل، دخل أحد الخدم.
“الدوق مريض، فلتستدعِ الطبيب أوسنغُل.”
“سمو الدوق مريض؟ حسنًا، فهمت.”
ألقى الخادم نظرة واحدة على يوان الممدد على السرير، ثم غادر الغرفة بسرعة.
ما إن خرج الخادم حتى مدّ يوان يده وأمسك بيد سيريت. شبك يوان أصابعها بين أصابعه ورفع رأسه لينظر إليها.
“ليس الطبيب أوسُنغُل، بل أنت.”
“ماذا؟”
“لا أريد طبيباً. أريد زوجتي.”
سحب يوان يد سيريت التي تشابكت أصابعها كما لو أنه يدعوها للاستلقاء على السرير. كان يظن أن معانقة سيريت والتدحرج معها في السرير طوال اليوم سيكون أكثر فاعلية لعلاج نزلة البرد من الفحص الطبي.
“المريض يحتاج إلى طبيب، لا إلى زوجة.”
انتزعت سيريت يدها من يد يوان بنظرة تخبره ألا يهذي.
وفي تلك اللحظة دخل الطبيب أوسُنغُل إلى غرفة النوم. بما أن الطبيب أوسُنغُل كان قد حضر مسابقة الصيد ويقيم داخل القصر، فقد تمكن من القدوم بسرعة لفحص يوان.
“انه مصاب بنزلة برد. إذاً أرجو أن تعتني به جيداً.”
سلمت سيريت يوان للطبيب الذي دخل، وغادرت غرفة النوم بخطوات سريعة. إذا بقيت أكثر فسوف يجرّها يوان معه بالكلام.
بعد ذلك لم تقترب سيريت عمداً حتى من غرفة يوان. وبسبب مرضه كانت مضطرة للتحرك كثيراً بالنيابة عنه فلم يكن لديها وقت لتتفقده أصلاً.
ودّعت سيريت المشاركين في مسابقة الصيد بدلاً عن يوان، وتفقدت مقدار اللحم والجلود التي حصلوا عليها من المسابقة.
وحين انتهت من إعطاء التعليمات بتوزيع اللحم والجلود التي حصل عليها المشاركون على سكان القصر، كان الوقت قد أصبح مساءً بالفعل.
تناولت سيريت العشاء في غرفة الطعام مع إيف. وبسبب تحركاتها المنشغلة كان جسدها ثقيلًا قليلًا وتفتقر إلى الطاقة.
كحّت، ومع سعال سيريت بدت إيف بملامح قلقة.
“ألم تُصب سيريت أيضًا بنزلة برد؟ لقد كنتِ تسعلين منذ قليل.”
“جسمي ليس على ما يرام قليلًا.”
“يبدو أنكِ أصبتِ به من الدوق.”
“لم أُصب! إطلاقًا لا!”
عند سماع كلمات إيف، ارتبكت سيريت مسبقًا وهزّت رأسها بعنف. كلمات إيف بدت وكأنها تعني أنها التقطته لأنها فعلت أشياء كهذه مع يوان، فشعرت بالعرق البارد.
أمام ردّ سيريت الرافض بشدة، بدت إيف في حيرة قليلًا لكنها واصلت الكلام بابتسامة.
“خذي الدواء بعد الطعام. حتى الدوق مرض لذا لا يمكننا افتراض أنكِ لن تمرضي. لقد نمتِ في كهف بارد، فهل سيكون جسدك بخير؟”
“آه، صحيح.”
ابتسمت سيريت ابتسامة محرجة لكلام إيف المتتابع.
ليس هذا ما كانت تقصده. أكلت سيريت كمبوت الكمثرى* المقدم كتحلية بوجه محرج.
عندما ابتلعت الكمبوت شعرت بألم قليل في حلقها فقبضت أنفها بتعبير منقبض. يبدو أنها مصابة بنزلة برد فعلًا. بالنهاية انتقل إليها من يوان.
‘سيكون الأمر أغرب إذا لم ينتقل. فطوال الليل…’
كانت سيريت تتمتم في سرها، لكنها ارتاعت من الفكرة التي خطرت لها فجأة وأصابتها شرقة.
عندما بدأت تسعل بوجه محمّر، نهضت إيف من مكانها مذعورة واقتربت من سيريت.
قدّمت إيف الماء وربّتت على ظهر سيريت، بينما أعطت تعليمات للخادمة الواقفة بأن تحضر الدواء. الخادمة عادت سريعًا وهي تحمله.
“خذي هذا وارتاحي باكرًا.”
قدّمت إيف دواء الزكام لسيريت.
تلقته سيريت دون أي اعتراض. يبدو أنه من الأفضل تناول الدواء والراحة مبكرًا كما قالت إيف.
بعد تناول دواء نزلة البرد والعودة إلى غرفة النوم، نامت سيريت أبكر من المعتاد.
وعند بزوغ الفجر قليلًا، شعرت بمن يسحبها إلى حضنه.
كانت رائحة يوان المألوفة تفوح، فقالت سيريت وهي لا تفتح عينيها وتمتمت.
“يوان، هل أصبحتَ أفضل قليلًا؟”
“لا. أنا لست بخير.“
أجاب يوان بنبرة تحمل قليلًا من الخيبة.
كان منزعجًا من أن سيريت لم تزره ولو لمرة واحدة، فحين استيقظ جاء ليزعجها متعمدًا.
لكن جسد سيريت كان دافئًا قليلًا.
فكر أن العدوى ربما انتقلت إليها، فبدأ يوان يشعر بالقلق.
“لا تمرض.لا أحب عندما تمرض.”
نفس سيريت الدافئ وهي تتمتم جعل يوان يقطب جبينه.
أدرك فورًا أن نزلة البرد قد انتقلت منها بسببه، فضم سيريت بقوة إلى صدره.
“أنا آسف.”
همس يوان في أذن سيريت.
لم ينم يوان طوال الليل وظل يراقب حالة سيريت.
ومع ازدياد أنينها، انشغل طوال الوقت بالعناية بها.
اختُتمت مسابقة الصيد ذلك العام بمرض الزوجين الدوق والدوقة بنزلة برد بعد أن تاها في الغابة سويًا.
***
بعد إنهاء العشاء والتوجه إلى المكتب، التقى يوان بالمساعد ديريك.
كان ديريك يزور مقر الدوقية من العاصمة مرة كل أسبوع.
كان يأتي في يوم محدد أسبوعيًا لتقديم تقارير حول وضع الأعمال أو ما يتعلق بالإمبراطورية.
لكن اليوم لم يكن يوم الزيارة المحدد، لذلك ظهرت لمعة استغراب على وجه يوان عندما رأى ديريك.
“سمو الدوق، لقد جئت برسالة من جلالة الإمبراطور.”
“من جلالة الإمبراطور؟”
“نعم، يبدو أن الأمر عاجل.”
أخرج ديريك الرسالة من حقيبته وقدمها إلى يوان.
تلقى يوان الرسالة وأومأ برأسه كما لو أنه يطلب من ديريك أن يتبعه.
توجه يوان ومعه ديريك إلى المكتبة.
جلس يوان أمام المكتب وفتح رسالة هندرسون.
وأثناء قراءته للرسالة التي أرسلها هندرسون، عقد يوان حاجبيه قليلًا ووضع الرسالة على المكتب.
“يقول إنهم اكتشفوا منجمًا في إمرات.”
كانت صناعة النفط واحدة من الصناعات الصاعدة بقوة.
كان هندرسون مهتمًا بصناعة النفط، لكنه كان يشعر بالأسف لعدم وجود حقول نفط مكتشفة داخل الإمبراطورية ايلون.
أسرة فريكتيوستر كانت قد حصلت على حقوق استخراج النفط في ريفيه، البلد المجاور لإيلون، وكانت بالفعل تقوم باستخراج النفط هناك، لكن هندرسون كان كلما رأى يوان يتحسر قائلًا لماذا لا توجد حقول نفط في ايلون.
ولكن يبدو أن حتى في ايلون توجد حقول نفط.
المشكلة أن مالكة تلك الأرض كانت ليديا.
“حقل نفط؟”
اتسعت عينا ديريك.
لقد فهم فورًا لماذا كان الإمبراطور يستعجله لإحضار الدوق إلى القصر، ولماذا أمر بإيصال الرسالة فورًا.
كانت امرات أرضًا مملوكة للإمبراطورية جيلاً بعد جيل.
وبما أن النفط اكتُشف هناك، فقد كانت فرصة ليصبح بيت الإمبراطورية أكثر ثراءً.
“يقول إن آتي إلى العاصمة بسرعة.”
“يبدو أنه عليك الذهاب.”
“سأذهب.”
أومأ يوان برأسه بوجه غير راغب.
لم يكن يريد أن يفترق عن سيريت ولو لفترة قصيرة، لكنه لم يكن يملك خيارًا.
في ايلون لم يكن هناك سوى أسرة فريكتيوستر تمتلك تقنية استخراج النفط.
وبما أن الإمبراطور أرسل رسالة مباشرة يطلب فيها حضور الدوق إلى القصر، فعليه إظهار وجهه على الأقل.
“آه، وبالمناسبة. نتائج التحقيق في الخطوط التي طلبت التحقق منها وصلت.”
أخرج ديريك وثيقة من الحقيبة وقدمها ليوان.
بينما كان يوان يقلب الصفحات قال ديريك.
“رسائل الدوقة ووصية صوفيا، رأي خبير الخطوط فيها أنها من كتابة الشخص نفسه.”
التعليقات لهذا الفصل " 109"