ما إن توقفت العربة عند ساحة الصيد حتى رفعت سيريت رأسها عن كتف يوان.
بفضل استنادها إليه وأخذها قسطاً من الراحة، لم تعد معدتها تتقلب كثيراً. شعرت أنها إن تعرضت للهواء البارد فسيتوقف الغثيان تماماً، لذا كانت ترغب بالنزول بسرعة من العربة.
يوان نزل أولاً، ثم مد يده نحوها. أمسكت سيريت بيده ونزلت من العربة.
ما إن وطئت الأرض حتى أحاط بجسدها الهواء البارد. كان موقع الصيد في الغابة أبرد بكثير من قصر الدوقية نفسه.
انكمشت سيريت وهي تتفحص المكان. خيام الصيد أقامها الخدم مسبقاً وكانت مصطفة في كل الاتجاهات.
“وصلتما. سأصطحبكما إلى الخيمة التي ستقيمان فيها.”
اقترب أحد الخدم بانحناءة مهذبة، ثم قادهما إلى خيمة الصيد الخاصة بهما.
دخل يوان وسيريت إلى الداخل. في الوسط وُضع سرير وبجانبه طاولة صغيرة مع كرسيين. وفي أحد الجوانب وُضعت علاقة لتعليق الملابس.
أشعل الخادم الفحم في موقد الخيمة، ثم قام السائق بترتيب حقائب الاثنين في زاوية قبل أن يغادر.
جلست سيريت فوراً أمام الموقد. انكمش جسدها وهي تتدفأ بالنار، فارتسمت على شفتي يوان ابتسامة لطيفة.
“هل البرد شديد عليكِ؟”
“نعم. ربما لأننا في الغابة لذا الجو أبرد بكثير من قصر الدوقية.”
“إذاً…”
يوان فتح ذراعيه على اتساعهما وهو يحدّق بسيريت.
عند تصرّف يوان أمالت سيريت رأسها باستغراب. ووجهها يقول وماذا تريد أن أفعل؟ رمشت سيريت بعينيها، فتابع يوان كلامه.
“أظن أن حضن زوجك سيكون أدفأ بكثير من هذا الموقد.”
“لا حاجة بذلك!”
انتفضت سيريت وهي تهز رأسها.
رغم أنها تقول لنفسها دائمًا إنها لن تفعل، إلا أنها كل ليلة تجد نفسها داخل حضن يوان. وكان ذلك محرجًا لدرجة أنها لا يمكنها فعله وهي بكامل وعيها.
“سأحترم رغبة زوجتي.”
أومأ يوان بخفة وجلس بجوار سيريت التي احمرّ وجهها. كان ينظر إلى جانب وجهها العابس وهو يكتم ضحكته.
بعد وقت قصير من راحتهم، دخل أحد الخدم وأخبرهما بأن كل شيء جاهز. عند كلام الخادم نهض كلًا من سيريت ويوان من مكانيهما.
ثم غادرا الخيمة واتجها نحو الساحة الصغيرة الموجودة عند مدخل الغابة.
عند الساحة الصغيرة تجمّع النبلاء الذين وُجّهت إليهم الدعوة، إضافةً إلى أشخاص يرتبطون بأعمال يوان. أغلبهم عائلات تربطها صداقة طويلة ببيت فريكتوستر، لذا كانوا أشخاصًا رأتهم سيريت منذ طفولتها.
عندما ظهر الاثنان، صمتت الساحة الصغيرة التي كانت صاخبة قبل لحظة في الحال.
وقف يوان أمام الناس ونقل لهم شكره على تلبية الدعوة، وتمنى لهم أن يستمتعوا. ما إن انتهى يوان من حديثه، تسلّمت سيريت البندقية من الخادم واستدارت بجسدها نحو مدخل الغابة. الآن كان وقت سيريت.
عند مدخل الغابة كان هناك سياج حديدي، وفوق باب السياج وُضعت دمية ثعلب خشبية. يجب إصابة تلك الدمية لتبدأ بطولة الصيد.
عندما رأت سيريت دمية الثعلب الخشبية بالفعل، شعرت بالتوتر.
إضافةً إلى ذلك، كانت تشعر من خلفها بنظرات تقول لنرَ ما الذي تستطيع فعله الدوقة التي ينقصها الكثير، مما جعل جسدها يتصلّب مرارًا. لم تكن المرة الأولى لكنها شعرت أنها أكثر ارتجافًا من المرة الأولى.
“هاا”
أطلقت سيريت زفيرًا بوجهٍ متوتر.
كانت ترغب في إصابته من المحاولة الأولى. تسللت نظرتها إلى يوان الواقف بعيدًا عنها قليلًا.
عندما تلاقت أعينهم، تقدّم يوان بخطوات واسعة نحو سيريت. وعندما اقترب منها، أمسك بكتفيها.
“هل تريدين المساعدة؟”
“نعم.”
هزّت سيريت رأسها بسرعة. في المرة السابقة أيضًا ضبط يوان وضعيتها فأصابت قطعة الخشب مباشرة، لذلك التقطت يده بسرعة.
أومأ يوان وكأنه فهم، ثم لفّ ذراعه حول ظهر سيريت. في تلك الحالة، عدّل وضعيتها، ثم همس بصوت منخفض في أذنها.
“سدديها كما ينبغي.”
عند سماع صوتهالهامس، توترت سيريت وتجمد جسدها.
“أرخي توترك. ولا تنسي حبس نفسكِ عند الضغط على الزناد.”
وكأنه لا يعلم سبب توترها، مرّر يده برفق على خصرها ثم ابتعد.
قال لها ألّا تتوتر. تمتمت سيريت في داخلها باستياء، لكنها شعرت، لسبب ما، بأنها ستصيب الهدف هذه المرة.
وقد تطابق ذلك الإحساس تمامًا. انطلقت الرصاصة فأصابت تمثال الثعلب الخشبي بدقة. سقط تمثال الثعلب إلى الأسفل وانفتح باب السور على مصراعيه.
“أوه.”
تعالت أصوات إعجاب الناس وتصفيقهم.
ابتسمت سيريت ابتسامة واسعة وهي تلتفت نحو الناس بشعورٍ بالفخر.
كانت النظرات تقول لا بأس بها، فزاد ذلك من سرور سيريت كثيرًا. في حياتها السابقة كانت النظرات تعني حتى هذا لا تستطيعين فعله.
اقترب يوان من سيريت بوجهٍ مرتاح.
“أحسنتِ.”
ربت يوان برفق على كتف سيريت.
كان يظن أنها ستفشل مرة أو مرتين، لكنها نجحت من أول محاولة. ربما حقًا ستمسك بثعلبٍ واحد على الأقل.
“رأيتَ مهارتي، أليس كذلك؟ احرص على حماية ظهرك يا سمو الدوق.”
دخل المشاركون في الصيد معًا إلى الغابة. كان الصيد حكرًا على الرجال، وباستثناء سيريت لم يكن بين المشاركين سوى الرجال فقط.
قواعد مسابقة الصيد كانت بسيطة. الشخص الذي يعود ومعه أكبر عدد من الثعالب أو الطيور أو الأرانب يكون هو الفائز.
بالطبع تختلف النقاط باختلاف الحيوان، فصيد عشرة أرانب أقل نقاطًا من صيد ثعلب واحد.
الحيوان الذي يمنح أعلى قدر من النقاط هو الدب. وإذا أحضر أحدهم دبًا فسيكون هو الفائز بذلك العام مباشرة.
الغابة طريقها وعر، وتوجد فيها ذئاب شرسة أو دببة، لذلك كانت مسابقة الصيد تُعد من النوع الخطِر. وبسبب ذلك تلقت سيريت وحدها، بصفتها المشاركة الأنثى الوحيدة، كل قلق المشاركين الآخرين.
“هل ستكونين بخير؟”
“قد تلتقي بدب لم يدخل في سباته بعد.”
قلقَ البارون مارتيل والفيكونت ليندهوم على سيريت واحدًا تلو الآخر.
“لا تقلقوا. لن أدخل إلى الداخل بعمق.”
كانت سيريت تريد صيد ثعلب، لكنها تعرف جيدًا أن الثعلب ليس ساذجًا، فإذا لم تُتح لها الفرصة ستتراجع سريعًا.
كانت سيريت ترغب في صيد ثعلب، لكنها كانت تعرف أن الثعلب ليس غبيًا، وإن لم تُتح لها الفرصة فستتخلى سريعًا.
“الدوقة ستصطاد فقط حجرًا واحدًا ثم ستعود.”
قال يوان بملامح تحمل قليلًا من المشاكسة للرجلين. عند ذلك رمش البارون مارتيل والفيكونت ليندهوم بعينيهما.
“حجرًا؟.”
“تصطاده؟”
ظن الاثنان أن حيوانًا جديدًا باسم حجر قد ظهر، فأمالا رأسيهما باستغراب.
أطلقت سيريت تنهيدة صغيرة وابتسمت بخفة.
“سمو الدوق يمازحني فقط الآن.”
“آهّا.”
أدرك البارون مارتيل والفيكونت ليندهوم أن ذلك كان مزاحًا من الدوق الشاب، فضحكا بشكل متكلّف. يا لها من مزحة ممتعة. هاها.
“سأرافق الدوقة، فلتتقدموا أنتم أولًا.”
ألقى يوان نظرة على الأشخاص القريبين منه وتحدث.
لأنه يجب أن يبقى إلى جانب سيريت، فلم يكن ينوي الدخول عميقًا في الغابة اليوم أيضًا.
عند كلام يوان، قال الناس إنهم سيتقدمون أولًا وبدأوا بالمشي نحو داخل الغابة. وبينما كانت سيريت تراقب ظهورهم وهي تبتعد، حوّلت نظرها نحو يوان.
“أنا بخير، تقدم أولًا يا سمو الدوق.”
“كيف يمكنني أن أثق بكِ؟”
ارتفعت زاوية فم يوان عند كلام سيريت.
“نعم؟”
“إن سرتُ أمامكِ، أشعر أن رصاصة قد تُزرع في ظهري.”
أمسك يوان بالبندقية التي كانت سيريت تحتضنها وهزّها قليلًا. على وجهه ارتسمت ملامح مشاكسة.
“آه… سيكون هذا مضيعة لحياتك.”
“بالطبع. فزوجتي جميلة إلى هذا الحد.”
ترك يوان البندقية، وأمسك طرف ذقن سيريت ورفعه قليلًا. نظراته تجوّلت ببطء على وجهها.
حيثما مرّت نظراته شعرت بحرقة كأن النار قد لمستها. كانت نظرات فحسب، لكن بدا وكأن شفتيه قد لامستاها، فابتلعت ريقها.
التعليقات لهذا الفصل " 103"