غادر إيسدانتي غرفة تياريس بعد أن ترك لها تلك الكلمات. كان قد رأى كيف خمدت نظرات الغضب المشتعلة في عينيها،
إلا أن فكرة واحدة فقط استولت بالكامل على عقله:
إذا كان سبب رغبتها في الرحيل هو الطفل، فليكن هناك طفلٌ آخر.
كان يشعر بشدة أن تياريس، التي كانت تنوي العيش معه في دوقية نافارانت، قد غيّرت رأيها بسبب الطفل.
لو لم تفقده، لما كانت لتفكر في الرحيل.
“هل هذا هو الحل الصحيح؟”
رغم التفكير المتكرر، لم يستطع إيسدانتي فهم مشاعره تمامًا. لم يخبره أحد من قبل… كيف يُحَبّ الإنسان.
لقد تعلّم أن يُخفي ضعفه، وأن يقف دومًا فوق الآخرين. هكذا نشأ، وهكذا نجا.
إيسدانتي لطالما بنى علاقاته ضمن دائرة من الأشخاص الخاضعين له. كان سيدًا ومهيمنًا في عالمه.
ولم يسبق له أن فقد شيئًا عزيزًا. لأنه ببساطة، لم يكن هناك ما يعتبره عزيزًا. حتى “ماما”، التي منحها قليلًا من مشاعره،
هي الآن مفقودة. ولهذا السبب، ازدادت حدته عندما قالت تياريس إنها سترحل عنه.
“يجب أن أبقيها قربي.”
فقط هكذا يمكنه حمايتها. كان إيسدانتي قد أعدّ بالفعل لكل ما قد يحدث حين تُكشف هوية تياريس.
لقد درّب فرسانه من أجل أن يكونوا قادرين على التسلل إلى القصر الإمبراطوري في أي
لحظة.
لأنه كان واثقًا أن سييرهان لن يبقى ساكنًا حين يعلم أن تياريس تنتمي إلى بيت مركيز تارمينون.
قوة الأثر المقدس كانت سيفًا ذا حدّين. كان بإمكانها منح السيطرة على الإمبراطورية، لكنها تأتي بثمن باهظ من الألم يفوق الخيال.
“أنا بالكاد استطعت تحمّلها رغم استخدامها لبرهة، فكيف بمن حرك الإمبراطورية كلها بها؟”
تذكّر ما ورد في تقرير أحد أعضاء “كاييو”، عملائه السريين في القصر الإمبراطوري. التقرير ذكر أن سييرهان لم يغادر غرفته لمدة أسبوع تقريبًا.
وبعد خسارته لمركيز تارمينون، بات يبحث عن أفراد تلك السلالة كمن فقد عقله.
حين وصل تفكيره إلى هذا الحد، أغلق إيسدانتي عينيه بإحكام. لم تكن تلك نيّته. عندما عاد كقائد منتصر بعد احتلال إمبراطورية إيرتيمون،
كان ما يريده هو الزواج من تياريس. ولأجل ذلك الزواج، كان هناك شرط واحد: أن يُسلِّم الشخص الذي أراده سييرهان.
وبما أن إيسدانتي يمتلك أقوى شبكة استخبارات خاصة في الإمبراطورية، فقد كانت المهمة سهلة جدًا. قبض على مركيز تارمينون المختبئ، وسلّمه مباشرة إلى القصر. بذلك كسب ثقة سيفيرهان، واستطاع أن يقف إلى جانب تياريس.
“لا أندم على ذلك.”
لم يكن يستطيع التراجع عن شيء الآن. حتى لو عاد بالزمن، لتصرّف بنفس الطريقة. لأنه كان يسعى لإيجاد مكانه. لا، في الحقيقة، كان يسعى للهروب من همسات الأثر المقدس.
وكأنه استجاب لإرادته، أضاء الحجر الأحمر المثبّت في سيفه. كأنه يسخر منه: “تظن أنك تستطيع التخلي عني والمغادرة؟”
> [لو رأيتَ أحد أفراد عائلة هيبيروس، لفهمت.]
حتى صوت الأثر المقدس الذي يتحدث فجأة بات شيئًا اعتاد عليه. ابتعد إيسدانتي عن الممر متجهًا إلى حديقة هادئة خالية من الناس. كان بإمكانه العودة إلى غرفته في الجناح المنفصل، لكن وجود جيريميان هناك أزعجه.
“تفهم ماذا؟”
> [أنهم لم يعودوا يسمعون صوت الأثر المقدس.]
أومأ إيسدانتي برأسه تجاه كلام الأثر. لو كان سيفيرهان يسمع صوت الأثر المقدس، لما ترك تياريس تغادر ببساطة. حتى أثر نافارانت كان قد نصحه سابقًا بالإبقاء عليها إلى جانبه.
> [عليهم أن يدفعوا ثمن خطاياهم.]
ضحك إيسدانتي ساخرًا على لهجة التأكيد في صوت الأثر. إن كان الأمر كذلك، فَلِمَ لَمْ يستخدم الأثر قوّته لمعاقبتهم في البداية؟ لماذا ترك عائلة كاملة تُباد، ثم الآن فقط يتحدث عن الثمن؟ يا له من تناقض ساخر.
> [الأثر المقدس لا يمكنه استخدام قوته دون المرور عبر السلالة. لذلك، لا يمكنه إنزال العقوبة عليهم مباشرة.] “لكن كان بإمكانك نصحهم، على الأقل.”
كان يجب أن يُقال لهم منذ البداية، ألا يفعلوا ذلك مع تارمينون. عندها، لكان بإمكانهم تجنّب كل هذا. بعد هذا التعليق من إيسدانتي، لم ينبس الأثر بكلمة أخرى. شعر بصمت غريب وهو يتوجه بخطى بطيئة إلى الجناح المنفصل. الآن، حان وقت الحديث مع جيريميان.
“هل أتيت، سيدي؟”
رحّب به “نيرفين” عندما دخل إيسدانتي الجناح المنفصل. منذ أن دخلت “كلوي” هذا الجناح، لم يعد إيسدانتي يزوره إلا عند الضرورة. لم يكن يرغب في إثارة الشكوك، كما أنه سئم من تصرفات كلوي، التي تحاول باستمرار التسلل إلى غرفته.
“أين جيريميان؟” “السيد الدوق السابق لا يغادر غرفته.”
تألّق في عيني إيسدانتي نور بارد. كان يعلم أن جيريميان والده، لكنه لم يناده قط بـ”أبي”. لأنه لم يرغب في الاعتراف به كأب.
لو اعترف به، لوجب عليه أيضًا أن يقبل كل ما فعله جيريميان بتياريس. لهذا فصل نفسه عنه تمامًا.
“هل دخل أو خرج أحد من عنده؟” “لم يزره أحد… لدرجة مريبة.” “لدرجة مريبة، ها…”
كان جيريميان دوق نافارانت السابق. من المستحيل ألا يزوره أحد. ألم يكن دوق باين صديقه المقرّب؟
“هل هناك أي أثر لتسلّل أحدهم خفية؟”
الفصل 68: طواعية من أجلك
ارتجف نيرفين خفية من نبرة صوت إيسدانتي المنخفضة والمغمورة بالبرود. بدا كأن الأمر باغته تمامًا، وكأنه لم يتوقع هذا الاحتمال قط. عندها، تذكر إيسدانتي الفرسان المكلّفين بالحراسة أمام غرفة جيريميان.
“ليست مهاراتهم بتلك الجودة.”
لم يكونوا سيئين إلى حد مخزٍ، لكنهم لم يكونوا من الصفوة. كانوا في المستوى المتوسط من بين أتباعه، ولذا فإن شخصًا متمرسًا يمكنه بسهولة أن يتسلل دون أن يُرصد.
“سأستبدل الحرس.”
“لا، لا تفعل.”
“في هذه الحالة…”
“إن غيّرناهم فجأة، قد نثير الشبهات، لذا اتركهم كما هم. لكن، اجعل أحد النخبة من فرقة الفرسان يقوم بدورية عند نافذة تلك الغرفة.”
“أمرك.”
وقف إيسدانتي أمام باب غرفة جيريميان. فتح الباب دون أن يطرق، لكن جيريميان لم يُبدِ أي رد فعل يذكر. لم يلتفت حتى ناحيته. وبينما راح إيسدانتي يراقب بصمت ملامحه الجانبية وهو يقلب صفحات الكتاب، كان جيريميان هو من بادر بالكلام.
“سمعت أن جلالته قد استدعاك.”
“أعلم جيدًا أنك لست من أرسل تلك الرسالة المجهولة.”
“بالطبع. لو كنت أنا، لما كتبت شيئًا يمكن كشفه بتلك السهولة.”
“لكنّك ارتكبت خطأ… لقد أخفيت عني مكان ماما.”
“لم تكتشف الأمر إلا الآن؟ لا يزال أمامك الكثير، يا فتى.”
“أين هي؟”
علم مؤخرًا أن جيريميان هو من خبّأ ماما وأجبرها على كتابة رسالة لكلوي. وكان قد توجّه لرؤية تياريس لحل المسألة، لكنه صُدم عندما علم أنها ذهبت إلى القصر تلبيةً لاستدعاء سيفيرهان، مما جعله يهرع إلى هناك.
ثم، بسبب ما تلا ذلك من أمور مؤلمة، لم يجد الفرصة لمواجهته بشأن هذه القضية.
“ابني… الوريث الشرعي لدوقية نافارانت، لا يستطيع أن يدير أموره لأنه خضع لامرأة تافهة.”
لم يكن لدى إيسدانتي رد. فهو بالفعل كان يؤجل أمورًا مهمة بسبب انشغاله بتياريس.
“حسنًا، هل تحدث إليك الأثر المقدس؟ عن عائلة تياريس؟”
“أكنت تعرف؟”
“ذلك الأثر ثرثار بما يكفي. من المستحيل ألا أعرف.”
أغلق جيريميان الكتاب الذي كان يقرأه.
“سألتها بإصرار: هل تسمعين صوت الأثر المقدس؟”
“فعلتَ ذلك بها؟!”
“قلت لها إنها لن تصبح دوقة نافارانت الحقيقية إن لم تكن تسمع صوته.”
“رغم أن بقية العائلات لا تسمع صوت الأثر، ضغطت عليها بذلك؟!”
لم يرد جيريميان على كلامه. وجهه بدا غير مبالٍ تمامًا، وكأن الأمر لا يعنيه. كبح إيسدانتي غضبه بصعوبة بينما يراقب ملامح ذلك الرجل الحقير، والتي لم تتغير قط.
“كنتَ تعلم أنها ليست من دم نافارانت.”
“وماذا في ذلك؟”
رغم نبرة صوته الحادة، هزّ جيريميان كتفيه بلا مبالاة. رد فعله اللامكترث جعل عيني إيسدانتي تتوهجان.
“لا يجب أن تُمدح إن كنت تريد إبقاء تلك الفتاة في دوقية نافارانت.”
“جيريميان!”
“ألست تريد الشيء نفسه؟ لا تريد لها أن تغادر هذه الدوقية، أليس كذلك؟”
أصاب كبد الحقيقة. انفجر الغضب في صدر إيسدانتي، لكنه لم يستطع أن ينكر. ألم يكن هو نفسه قبل لحظات يحاول إبقاء تياريس بأي وسيلة، حتى بالكلمات الملتوية؟
“في النهاية، أنت ابني، من دمي.”
“لا.”
“ستُـنكر ذلك؟”
“قلت لك، لا!”
علت نبرة إيسدانتي فجأة. تصاعدت نية القتل من جسده، وتراقصت الهالة الحمراء من حوله، لكن جيريميان اكتفى بالقهقهة.
“ما يهمك ليس ماما أو غيرها، بل هذه الدوقية. وتحديدًا… تياريس التي فيها.”
“اصمت.”
“هل تريد أن أخبرك كيف تبقيها قريبة منك؟”
كان صوته كهمسة أفعى تلتف حول أذنه. أراد إيسدانتي أن يقطع عنقه في تلك اللحظة. أراد أن يُسكت هذا اللسان الذي يُظهر له أعمق أسراره دون إذنه.
“الفتاة فقدت طفلها، فلا بد أنها تفكر في الرحيل. ستحتاج إلى مساعدتي. أنا الذي استطعتُ إبقاء تياريس في هذه الدوقية لعقود.”
“قلت لك، اصمت!”
اندفع سيف إيسدانتي نحو جيريميان. مرّ السيف بحدة قاطعة عبر كمّه، لكنه لم يترك أي أثر على جسده
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات