إذًا، هــــل تكرهني؟
“هل قلتَ إن إيسدانتي قد عاد؟”
سألت تياريس، التي خرجت إلى الحديقة لقراءة الوثائق بعدما ضاقت بها أنفاس المكتب،
وهي تعيد السؤال إلى هالبرت.
“نعم.”
“لكن لماذا…؟”
(لماذا لم يأتِ إليّ؟)
كانت تؤمن أنه إن عاد إيسدانتي، فإن أول من سيقابله هو هي.
(لكن لماذا لم يأتِ؟)
توقفت يد تياريس وهي تقلّب الوثائق. كانت تلك الوثائق تخص استثمارًا في إمبراطورية إيرتيمون، وقد أُعيد طرحها مجددًا.
حدّقت فيها مطولًا، ثم مزّقتها بتعبير يحمل مزيجًا من المشاعر.
“لماذا هذا الملف…؟”
“لا ترفعوا مستندات استثمار إيرتيمون في الوقت الحالي.”
أجابت تياريس باختصار على تساؤل سيتشن، فانحنى هذا الأخير برأسه دون أن يعلّق.
“مفهوم.”
“ما حال الأراضي؟”
“تحسنت بفضل الأموال التي دُفعت على عجل.”
“جيّد.”
وكانت كل تلك الأموال من إيسدانتي.
تنهدت تياريس ثم وجهت نظرها إلى سيتشن.
“هل كنت مشغولًا مؤخرًا؟”
“لا، أبدًا.”
“لكن لم أرَك منذ مدة.”
“إن كان هذا ما شعرتِ به، فسأكون أكثر حذرًا.”
أحسّت تياريس ببعض الغرابة تجاه سيتشن، الذي لم يجرؤ على النظر إليها، لكنها لم تعر الأمر اهتمامًا كبيرًا.
فإيسدانتي الآن أهم من أي شيء.
“حسنًا.”
لم تطلب منه أن ينتبه، فقد كانت تثق به بما يكفي ليهتم بذلك من تلقاء نفسه.
ورأت أن هذا هو الاحترام الذي يستحقه رجل عمل طويلًا كمساعد لدوق.
(لكن، لماذا لم يأتِ؟)
كانت تتعمّد إطالة الحديث مع سيتشن لتمضية الوقت، ومع ذلك، لم يظهر إيسدانتي.
(في مثل هذا الوقت كان يفترض أن يكون هنا…)
نظرت تياريس نحو أشجار الحديقة. الفصول بدأت تتغير، والنسيم صار يحمل شيئًا من الدفء، وخضرة الحديقة ازدادت عمقًا.
عندما نهضت من مقعدها، تحرك سيتشن وهالبرت معها.
“أرغب فقط في نزهة قصيرة في الحديقة. لا حاجة لأن تتبعاني.”
“مفهوم.”
انسحب سيتشن فورًا، لكن هالبرت لم يفعل. ظل يتبعها من بعيد بإصرار، وتياريس لم تمنعه.
“متى عاد إيسدانتي؟”
“أمس، يا سيدتي.”
“أمس؟”
أن يعود بالأمس ولا يأتي لرؤيتها حتى الآن… بدا الأمر وكأن هناك مشكلة جدية.
أخفت تياريس ارتجاف أصابعها الناتج عن القلق، وبدأت تمشي ببطء.
أشعة الشمس المتسللة بين الأشجار كانت جميلة. مدت يدها مأخوذةً بذلك المنظر، لكن لم تمسك بشيء.
يدها التي قبضت على الفراغ كانت تشبهها هي تمامًا كانت تتشبث بما ليس لها، وفي النهاية لم يتبقّ لها شيء.
(أن أرى منظرًا بهذا الجمال ثم أفكر بأفكار كهذه…)
ضحكت بمرارة. ولم تحاول أن تخفي سخرية نفسها من نفسها.
شعرت بتردد بسيط في حركة هالبرت، لكنها لم تتوقف عن الضحك.وما إن لم تستطع كبح ضحكتها المتسربة، حتى سمعت صوتًا.
“أنتِ هنا.”
“كنتَ تعرف مكان وجودي أصلًا.”
ما دام هالبرت معها، فمن الطبيعي أن يعرف إيسدانتي مكانها.
“تبدين… سعيدة.”
“ربما.”
استدارت تياريس نحوه.
لم يكن هناك شيء سعيد بالفعل، لكنها ابتسمت.إيسدانتي رأى ابتسامتها الفارغة، ولم يظهر أي تغيير على وجهه.
“وربما لا.”
“هذا… مؤسف.”
“ما هو المؤسف؟”
“كنتُ أتوقع أن تقولي إنك سعيدة لأنني عدت.”
اتسعت عينا تياريس عند سماع كلماته غير المتوقعة.مرت نسمة دافئة بينهما، لكنها شعرت بقشعريرة ومسحت ذراعها.
“… هل تشعرين بالبرد؟”
“… بالطبع لا. أنا بخير.”
كان الوقت أوائل الصيف، والجو دافئ، فلا سبب يدعو للبرد.عندما مد إيسدانتي يده نحوها،
تراجعت تياريس خطوة إلى الوراء.
وعندما لامست يده الهواء، تمتمت تياريس، من دون وعي، بكلمات اعتذار.
“آه، آسفة.”
“… لا بأس.”
حين رأت التعبير المعتم على وجهه، شعرت تياريس بالأسف دون سبب واضح.الجو المحرج الذي غلّفهما جعلهما غير قادرين على متابعة النزهة.
“أُه… سمعت أنك عدت أمس.”
“نعم.”
“هل كنت مشغولًا؟”
“وصلت… متأخرًا.”
شعرت تياريس بالارتياح عند سماع ذلك.
على الأقل، لم يكن يتجنبها.
“فهمت.”
“نعم.”
“هل تناولتَ الغداء؟”
“لا.”
“هل… تود أن تتناوله معي؟”
“إن دعوتِني، فسأكون سعيدًا بذلك.”
لم يكن هناك من وقت يمكن أن تقضيه تياريس مع إيسدانتي سوى وقت تناول الطعام.
(حين أفكر بالأمر… هذا صحيح.)
ومع أنه زوجها، لخصت تياريس إلى أنها بحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت معه. عندها،
أشارت إلى الخدم الواقفين بجانبها.
“غادرو قاعة الطعام.”
“مفهوم، يا دوقتي.”
وبينما انسحب عدد من خدم الدوقية، اقترب منها إيسدانتي الذي كان يراقبها. هذه المرة، لم تتجنبه.
“الآن وقد مضى وقت على عقد الزواج…”
“… هذا صحيح.”
لقد مضى ما يكفي لتغيّر الفصول.
“إن لم يكن لديك مانع، فهل تودين التنزّه معي؟”
“نعم.”
وضعت يدها بكل رضا على يده الممدودة. كانت يد تياريس الناعمة تلامس راحة يده الخشنة، التي طالما أمسكت بالسيف.
أمسكت تياريس بيده بإحكام. شعرت أن مجرد هذا الفعل كافٍ ليحسّن مزاجها.
بدت الدقائق التي كانت تمرّ ببطء وكأنها بدأت تسرع قليلًا.وفي الوقت نفسه،
تجاهلت تياريس خفقات قلبها المتسارعة.
“الجو جميل اليوم.”
“نعم، كذلك هو.”
رغم أن الحديث كان عاديًا، فقد كانت تياريس راضية به.فهي لا تعرف الكثير عنه، ولا تدري ما الذي ينبغي أن تقوله.
(هل ينبغي أن أسأل؟)
كانت تتساءل كيف كانت حياته قبل أن يأتي إلى دوقية نابارانت.كانت قد سألت هالبرت بلطف ذات مرة،
لكن جوابه كان أن عليها أن تسأل إيسدانتي مباشرة. لعلّ هذه الفرصة المناسبة.
(كيف كانت حياتك قبل أن تأتي إلى دوقية نابارانت؟… لا، هذا يبدو سطحيًا جدًا.)
نظرت تياريس بطرف عينها إلى وجهه من الجانب، ثم حركت شفتيها… لكنها لم تستطع النطق.
“هل هناك ما تودين قوله لي؟”
“أوه، هَم…”
رغم وجود الكثير من الأشياء التي كانت تريد قولها، لم تتمكن من الرد على سؤاله المفاجئ.
لم يضغط عليها إيسدانتي، بل انتظرها بصمت.
شعرت تياريس بأنفاسها تُحبس وهي تنظر إلى عينيه الحمراوين.
عيناها كانتا كعيني جيريمان، ذلك الرجل الذي رغبت يومًا في أن تشبهه.
لاحظ إيسدانتي ارتباك عينيها فتوقف عن السير.
“تشبه.”
“ماذا؟”
“تشبه والدك.”
قالتها بصوت بالكاد يُسمع.ومع ذلك، تمكن إيسدانتي من فهمه، فمدّ يده ليمسح خدها.
“وهل تكرهينني لذلك؟”
لم يكن لديها وقت لتتراجع عن وجهه الذي اقترب منها فجأة.يده التي أمسكت بذقنها لم تُفلِتها.
كانت شفتاه على وشك أن تلامس شفتَيها… ثم توقفتا قبلهما بلحظة.
“إن كنتِ تكرهين ذلك، يمكنكِ أن تتراجعي.”
وصل صوته المنخفض إلى أذنها، لكن وجه تياريس بقي كما هو دون حراك.
“هل ستقول مجددًا إن هذا سهل؟
“بالطبع لا.”
ثم نزلت شفاه إيسدانتي على شفتيها.
الشعور الناعم الذي لامس شفتيها جعل قلبها يخفق بلذة،
وارتعشت أصابعها فلم تجد ما تفعله سوى أن تمسك بطوق ثوبه بلطف.
ثم لامست يد إيسدانتي يدها المرتجفة.
وعندما غطت يده الدافئة يدها، تفتحت شفاهها قليلًا.
“هَه!”
عضّ بلطف شفتها السفلى، ثم مرّر لسانه على شفتيها التي احمرّت من أثر اللمسة.
حين التفت جسدها بانفعال، سحبها إيسدانتي إليه من خصرها.
كانت يده على خصرها حارّة بشكل واضح.
ومع ما شعرت به من حرارة عبر ثيابها، كتمت تياريس أنينها.
ولما اخترق لسانه شفتيها، راح يمرّ فوق سقف حلقها ببطء.
حركته المتأنية والمشتعلة جعلت كتفيها يرتجفان، وجفناها المغلقان يهتزان.
التوتر شلّ تنفّسها.
“عليكِ أن تتنفسي من أنفك.”
همس بذلك وهو يبتعد قليلًا، فأخرجت تياريس زفيرًا طويلًا.ثم عاد ليقبلها مجددًا.
“آه!”
عضّ طرف لسانها بلطف، فخرج صوت أنين منها دون قصد.كانت ساقاها توشك أن تنهارا، لكن ذراعي إيسدانتي أمسكتا بها بقوة.
لسانه الذي دخل فمها راح يتفحّص صف أسنانها، وحرارته عندما لامست سقف حلقها جعلت لسانها يذوب وينجذب نحوه.
امتلأ رأسها بشعور شديد، حتى تلاشى كل شيء من ذهنها.ونسيت تمامًا أن هناك خدمًا يراقبونها عن بُعد.
كل ما تبقّى في ذهنها كان إيسدانتي، بعينيه الحمراوين الممتلئتين بالشغف، وشعره الذي يشبه لون النبيذ الأحمر.
رجل خطير، يشبه النبيذ الحلو الذي يفقدك صوابك إن شربتَ منه كثيرًا.
(ماذا سيحدث لي إن جرفتني مشاعري نحوه بهذا الشكل؟)
خطر لها هذا السؤال فجأة، لكن بمجرد أن مرّت يده على ظهرها،
اختفت كل تلك الأفكار المعقدة.
من بين شفتيها المتورمتين، انزلقت خيوط فضية طويلة.
انتظر إيسدانتي بصبر حتى تهدأ أنفاسها المتقطعة.
ونظر إليها وهي تسند جبينها إلى صدره وتتنفس بصعوبة، وكان في عينيه حدة مؤلمة.
اقترب من أذنها وهمس بصوت ناعم:
“من الأفضل أن نتناول الطعام… لاحقًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 38"