“وهل كنت تعتقد أن أشخاصاً قُيّدت حريتهم، سيظلون عاقلين؟ وهم من النبلاء أيضاً؟”
لم يكن الأمر كذلك. كان إيسدانتي واثقاً من ذلك. فـ”تارمينون” كانت أسرة ماركيزية.
وهي من العائلات النبيلة التي تلي مباشرة دوقيات النبلاء التي تمتلك اثنين من “الأدوات المقدسة”.
لا شك أن هيبتها كانت عظيمة. أفراد أسرة الماركيز هذه، قد أُبيدوا عن بكرة أبيهم واعتُقِلوا جميعاً بين ليلة وضحاها.
وحدها والدة تياريس كانت الناجية الوحيدة، التي تمكنت من الفرار.
(رغم أنها ماتت لاحقاً).
بما أنه هو من قبض على الماركيز الفارّ وسلّمه، فلم يتبقَ الآن سوى تياريس.
غرق إيسدانتي في التفكير ولم ينبس ببنت شفة. راقبه جيريمان وهو صامت، ثم تحدث مجدداً:
“لكن، أنت… لا تسأل شيئاً عن والدتك.”
“هل يجب أن أشعر بالفضول؟”
خرجت الكلمات حادة. لم تكن بنبرة طيبة. فجيريمان كان أحد الذين اتهموا أسرة تارمينون بالخيانة.
فما عساه يقول له؟ بل هو من تظاهر بأنه والد تياريس وخدعها. كان عقل إيسدانتي مشغولاً كلياً بتياريس،
ولم يكن يعلم أن جيريمان كان يراقب ملامحه الكئيبة بعناية.
كان المكتب فارغاً. على الأقل، هكذا شعرت تياريس. بعد أن قضت وقتاً في شرب الشاي مع إيسدانتي، شعرت أن ذلك الفراغ قد امتلأ قليلاً…….
“لا يشعر المرء بوجود الشيء عند قدومه، بل عند رحيله.”
حاولت ألا تعتمد على الآخرين. فالشخص الذي يمتلك السلطة، يكون وحيداً بطبيعته. ولكن،
منذ أن تعرفت على إيسدانتي، بدأ شيء ما يتغير بداخلها. متى بدأ ذلك تحديداً؟
“عندما أوقف يد والدي؟ أم عندما جاء بأمرٍ رسمي؟”
كانت مشاعرها تميل نحوه تدريجياً. وقد شعرت تياريس بذلك بوضوح، فبذلت جهدها لتضبط نفسها.
فهي دوقة، وإن لم تحافظ على اتزانها، قد تنجرف دوقية نابارانت خلف إيسدانتي.
كانت مشوشة لدرجة أنها لم تستطع قراءة الكلمات في المستندات. كانت الأوراق أمامها تتعلق باتفاقية استثمار جديدة.
إيسدانتي، زوجها، كان قد أعطاها مالاً يكفي لسداد ديون الدوقية وزيادة، وقد استثمرت ذلك المال.
كان هذا الاستثمار موجهًا نحو نقابة تجارية ترغب في استخراج الذهب من مناجم في إمبراطورية إيرتيمون التي خضعت لإيسدانتي.
تمتمت تياريس وهي تعيد تركيزها على الأوراق:
“مسألة إمبراطورية إيرتيمون مقلقة.”
خطر ببالها ما قاله نيرفين، مساعد إيسدانتي، قبل قليل.
“قال بوضوح إنهم من بقايا إيرتيمون.”
لم تكن تعرف أي نقابة قدمت هذه الاتفاقية، ولكن إن كان ذلك الكلام صحيحاً، فربما تخسر المال الذي استثمرته ولن تستطيع استرداده.
رغم أن إمبراطورية إيرتيمون خضعت لإمبراطورية هيبيروس، إلا أنها لم تستقر بعد بشكل كامل. كتبت تياريس “معلّق” على الأوراق.
بعد أن أنهت تلك الأوراق، حولت نظرها بسرعة إلى التقرير الموضوع بجانبها. كان تقريراً أمرت شيشين بجمعه حول خلفية إيسدانتي وطفولته.
لم تجد وقتاً لتفقد التقرير سابقاً بسبب زيارات إيسدانتي المتكررة لمكتبها، ولكن الآن، وهو منشغل بأمور إيرتيمون، رأت أن الفرصة سانحة.
على الأقل، لن يتمكن من الحضور لبعض الوقت.
ما إن فتحت تياريس التقرير وبدأت بقراءته، حتى بدأت تقلب الصفحات بسرعة. لم يكن التقرير صفحة واحدة.
لقد خُصصت ثلاث صفحات فقط لتلخيص حياة إنسان، وهو أمر جعلها تشعر بالفراغ، لكنها لم تجد وقتاً لتتوقف عند هذا الشعور. فحياة إيسدانتي،
التي سُطّرت بحروف باردة، كانت شديدة القسوة.
{ السنة الإمبراطورية 323 – يظهر في الأحياء الخلفية بعمر 7 سنوات. يجتاز اختبار خلافة “ماما” التي تسيطر على تلك الأحياء. }
{ السنة الإمبراطورية 324 – في نوفمبر، بعمر 8 سنوات، يقصي جميع المنافسين ويصبح الوريث الوحيد. بسبب الجرائم التي ارتكبها في تلك الفترة، يصدر بحقه أمر توقيف، إلا أنه يُبرّأ بعد تحقيقات مطولة. }
…
{ السنة الإمبراطورية 338 – في فبراير، يشارك في الحرب بعمر 22 سنة. يستولي منفرداً على مقاطعة تابعة لإيرتيمون. يفتح أولى نيران إنهاء الحرب الطويلة. }
…
{ السنة الإمبراطورية 339 – في مارس، بعمر 23 سنة، ينتصر بالكامل في الحرب ضد إمبراطورية إيرتيمون. وبعد النصر، وعندما عرض عليه الإمبراطور مكافأة بوصفه بطل الحرب، طلب أن يكون زوج دوقة نابارانت. }
“العام 339؟”
نحن الآن في مايو من العام 340. كل من تياريس وإيسدانتي في الرابعة والعشرين من عمرهما.
قرأت تياريس تلك العبارة التي تنص على أنه طلب منصب زوج الدوقة قبل أكثر من عام، فتفاجأت بشدة.
“كنت أظن أن جلالته وافق فوراً، لكن يبدو أن الأمر لم يكن كذلك.”
لا بد أن الإمبراطور قد رفض في البداية، ثم أجبرته الظروف على الموافقة لاحقاً. فكرت تياريس أنها يجب أن تعرف السبب.
حتى تدرك لِمَ أصبحت مرتبطة بإيسدانتي بهذه الطريقة.
“آه، هل كان كل هذا بلا جدوى؟”
لقد نسيت. نسيت الحقيقة بأنها ليست من سلالة دوقية نابارانت. نسيت تلك الحقيقة، وراحت بكل هدوء تُجري تحقيقاً خلفياً عن إيسدانتي،
تتبعت آثاره محاولة أن تعرف شيئاً عن زواجهما. تمتمت تياريس بخيبة أمل ونهضت من مقعدها.
حين نظرت من النافذة، بدت أمامها مشاهد القصر بأكملها.
أسفل النافذة مباشرة، كان فرسان إيسدانتي يقفون للحراسة. منذ دخول إيسدانتي إلى دوقية نابارانت،
تحوّل المكان إلى حصن لا يمكن التسلل إليه. لم يكن هناك لحظة واحدة دون رقابة، حتى فرسان الدوقية أنفسهم كانوا يتلقون تدريبات تحت إشرافه.
لم تكن هناك فرص كثيرة لمشاهدة أسلوب المبارزة الخاص بسيّد السيف،
ولهذا، حتى أولئك الذين أبدوا مقاومة في البداية باتوا الآن ينتظرون ظهوره في ساحة التدريب.
في هذه الدوقية، كانت مكانة تياريس تتقلص تدريجياً. كبير الخدم، الذي لم يكن يوماً من رجالها،
كان منشغلاً كل يوم بالتردد على جيريمان، وحتى شيشين بدأ يتغيب عن المكتب كثيراً في الآونة الأخيرة.
وحدهم خدم الدوقية، الذين ظنوا أن تياريس هي من فتحت المكتبة السرية التي أسسها إيسدانتي، كانوا يشعرون بخشية تجاهها.
“قوة الأداة المقدسة؟ أي قوة؟”
لم يكن في يدها شيء. لا تملك شيئاً سوى هذا المنصب الزائف الذي يسمى “دوقة”. بل حتى هذا،
كان في حقيقته ملكاً لإيسدانتي. وإن طلبه منها، فعليها أن تتنازل عنه في أي لحظة.
“تياريس تارمينون.”
نطقت تياريس الاسم الذي بدا غريباً على مسمعها. ما نوع هؤلاء الأقارب من آل تارمينون الذين دفعوها إلى هذا المكان؟
كل ما يدور في ذهنها هو أن أسرة ماركيز تارمينون لم تكن مذنبة، بل لُفقت لها تهمة زور.
أرادت أن تكلف شيشين بالتحري، لكن خروجه الآن سيجذب الأنظار.
فمنذ دخول إيسدانتي إلى دوقية نابارانت، إن بدأ أحدهم بالتقصي عن آل تارمينون، قد يظنه البعض من أتباعهم.
وإن تبيّن أنه ليس كذلك، فستتوجه الشكوك مباشرة إليها. كان عليها أن تتصرف بمنتهى الحذر.
بدأت تفكر: هل عليها أن تحرك أولئك الظلال الذين لا يعلم شيشين عنهم شيئاً؟
كانوا الأشخاص الذين فرضهم جيريمان حين تولّت تياريس منصب الدوقة. ورغم أنها أقسمت له بأنها لن تستخدمهم،
ها هي على وشك أن تنقض هذا القسم. فلم يكن أمامها طريق آخر للتحري عن آل تارمينون.
لم تكن بحاجة إلى ما ظهر علناً من تاريخ تلك الأسرة، بل إلى أسرارهم التي أخفوها،
إلى السبب الذي جعل الدوقيتين والأسرة الإمبراطورية كلها تسعى لتلفيق التهمة لأسرة ماركيز تارمينون.
هذا ما كانت بحاجة إليه.
عندما ضغطت تياريس على جانب من جدار مكتبها، انفتح الجدار بسلاسة. دخلت إلى الداخل،
ودوّنت رسالة على ورقة هناك. رسالة موجّهة إلى منظمة الظل السرّية لدوقية نابارانت، المعروفة باسم “أومبره”،
تطلب فيها التحقيق بشأن أسرة ماركيز تارمينون.
عندما عادت تياريس إلى المكتب، كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب.
عندها فقط أدركت أنها قضت اليوم كله دون تناول وجبة مناسبة.
سحبت حبلاً لإحضار الخدم. دخلت الخادمة التي كانت بانتظار النداء.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"