احمرّ وجه تياريس فجأة. لم يكن ذلك حديثًا مناسبًا أثناء انتظار الطعام. إيسدانتي، على الرغم من إتقانه لآداب النبلاء،
كان أحيانًا يرتكب مثل هذه الهفوات.
لا أعلم إن كانت هفوة أم متعمّدة.
لم تكن تدري كيف يجب أن ترد على ذلك الكلام. كدوقة، لم تستطع أن تلوّث لسانها بكلام فاحش كهذا يتحدث عن “ما بين الساقين”.
ومنذ البداية، لم يكن هناك من يجرؤ على توجيه مثل هذا الحديث إليها، لذا لم تعرف كيف تتصرف أمام كلمات إيسدانتي.
ولعله لم يكن ينتظر منها ردًا، إذ فتح فمه مجددًا وقال:
“لم يحدث بيننا أي تواصل جسدي حتى الآن، فكيف نشأت مثل هذه الشائعة؟ لا يمكن أن يكون الأمر إلا بفعل فاعل، أليس كذلك؟”
“……!”
مرّ شخص في ذهن تياريس. أخوها غير الشقيق، الطامع دائمًا في وراثة الدوقية، اسمه تريز ريمون.
حتى اللحظة الأخيرة، تمسّك بالبقاء داخل الدوقية زاعمًا أن بإمكانه استخدام قوى “الدم الملعون”.
لكن، كونه ابن راقصة وليس حتى ابنة جارية، لم يعترف به شيوخ الدوقية مطلقًا.
ولأنه لم يكن لها سوى منافس واحد، تمكنت تياريس بسهولة من الاستحواذ على لقب الدوق.
لم يُعتبر ابنًا شرعيًا، ولم يُدرج اسمه حتى في سجلّ أنساب أسرة نابارانتي، فكانت تياريس الابنة الوحيدة المعترف بها.
ذلك الوغد!
رغم أن زواجها من إيسدانتي كان بأمرٍ من الإمبراطور، إلا أن أحدًا لم يكن يعلم به لأنه لم يُعلن بعد.
وهناك الكثير من الأعمال المتأخرة، وعليها الآن أن تُخبر الأسر النبيلة بالأمر، وتوضح أنه تنفيذٌ لإرادة الإمبراطور.
“يبدو أن لديك فكرة عن من يكون.”
توجّهت نظرة إيسدانتي الحادة نحوها. بدا منزعجًا من اكتشاف أن ثمة أمرًا لم يكن على علم به، إلا أن تياريس التزمت الصمت.
وحين شردت بأفكارها، وضع إيسدانتي فنجان الشاي أمامه على الطاولة بصوت مسموع. ولما دوّى صوت الطَرق،
رفعت تياريس رأسها. عندها، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي إيسدانتي، الجالس في الجهة المقابلة.
“الآن فقط تنظرين إليّ.”
“…… آسفة.”
اعتذرت تياريس دون أن تشعر. لم يكن أمامها خيار آخر، فهما الوحيدان داخل غرفة الاستقبال.
وبحسب آداب النبلاء، فإن ترك الطرف المقابل دون حديث لفترة طويلة يُعد إهانة متعمّدة.
حتى وإن لم يكن ذلك مقصودًا.
“لا بأس. أنا معتاد على الانتظار.”
“هل لي أن أسألك، ما الذي كنت تنتظره؟”
“…… أمرٌ انتظرت حدوثه طويلًا.”
“يبدو أنه لم يتحقق بعد.”
“نعم، لكنه سيتحقق قريبًا.”
رغبت تياريس في معرفة ما الذي ينتظره، لكنها لم تسأله المزيد. واكتفت بهزّ رأسها، ثم أضافت:
“آمل أن تحقق ما تريده.”
“…… شكرًا لك.”
تغيرت ملامح إيستانتي بشكل غريب. ضاق عينيه وكأنه يقيس شيئًا ما، فنظرت إليه تياريس بثبات.
سواء أعجبها أم لا، فقد أصبح مصيرهما واحدًا الآن. كانت تظن أن ما يريده، أيًا كان، سيكون في صالح دوقية نابارانتي.
ربما كان ذلك تفكيرًا ساذجًا، لكنها أرادت أن تصدّقه.
الثقة شيء، والتحقّق شيء آخر.
كانت تياريس قد قررت بالفعل أن تُحقق خلف إيسدانتي. وقد أرسلت مساعدها شيشين ليجمع معلومات حوله.
لا شك أن إيسدانتي أنقذ دوقيتها من أزمة مالية بفضل المال الذي قدّمه، لكن لا يمكن الاعتماد عليه وحده، لذا وضعت خطة محكمة.
فبمجرد أن تسترجع رأس المال من التجارات والاستثمارات التي شاركت فيها، ستتحسن أوضاعها المالية.
“العشاء قد تم تحضيره.”
“سنأتي الآن.”
ردّت تياريس على كبير الخدم، ثم رمقت إيسدانتي بإشارة، فنهض من مكانه، وقامت هي أيضًا.
وعندما مدّ يده بشكل طبيعي ليقدّم لها ذراعه للمرافقة، مدت يدها دون تردد. بدا الثنائي وهما يسيران في ممرات الدوقية كلوحة متناغمة.
شعر إيسدانتي الأحمر اللامع شكّل تباينًا مع شعر تياريس بلون العسل، لكن الانسجام بينهما كان واضحًا.
أما عيناها الزرقاوان، فرغم اختلافهما عن عينيه الحمراوين، إلا أن كليهما حمل نفس الهالة.
تياريس التي مشت بخطى نبيلة، وإيستانتي الذي سار بثقة دون تردد، كانا متشابهان في الكبرياء.
أما وجهيهما الخاليين من التعبير، فقد كانا صورة مألوفة في زيجات النبلاء: زواج مبني على الشروط لا الحب.
وانحنى خدم القصر احترامًا وهم يمرّون أمامهما.
لماذا المسافة طويلة هكذا؟
لم تظهر قاعة الاكل بعد في الأفق، ولم تفهم تياريس لماذا شعرت بأن الطريق من غرفة الاستقبال إلى قاعة الأكل طويل بهذا الشكل.
كانت يدها تلامس يده بشكل متكلّف، لكن إيسدانتي شدّ على يدها، فشعرت فجأة بتغيّر في الجو. وعندما مرر إبهامه برفق على ظهر يدها، تباطأت خطواتها للحظة.
“ما بكِ، يا دوقة؟”
بعينين بريئتين، رمقها إيستانتي بنظرة ملؤها العبث.
اضطرت تياريس لأن تعض على لسانها كي لا تنفلت منها شتيمة.
لم نتزوج بعد، ومع ذلك يبدأ بهذا النوع من التلامس!
بدأت حرارة خفيفة تتصاعد من ظاهر يدها، حيث كان يفركها بلطف خفي.
“القائد…”
“يكفي أن تناديني إيسدانتي. فنحن على وشك الزواج، ويجب أن تنادي اسمي.”
أرادت أن ترفض، لكن لم يكن لديها مبرر وجيه لذلك. صحيح أن زواجهما كان زواج مصلحة،
لكن من المهم أن يبدو جيدًا أمام الآخرين. لم يكن من المصلحة أن يعرف الناس أن هذا الزواج كان أشبه ببيع قسري تحت ضغط الإمبراطور.
لو لم يكن جيريمان، لما اضطرت لهذا الزواج أصلًا.
الديون التي خلفها للإمبراطورية ولبيوت القمار كانت تفوق قدرة الدوقية على السداد. وفي أحد أوجهها،
كانت تشعر ببعض الامتنان لإسدانتي، الذي عرض تسوية تلك الديون.
“إسدانتي.”
“يبدو رائعًا على لسانك.”
كانت مجرد كلمات أراد بها أن يبدو لطيفًا، لكن تياريس سمعت في داخلها صوت قلبها ينبض بقوة.
السبب هو أنها التقت بعينيه مباشرة، وكان يبتسم لها بتلك الابتسامة الرقيقة وصوته العميق الدافئ.
مَن أنه لا يُظهر كثيرا أي تعبير على وجهه، حين ابتسم لها أضاء ما حوله.
رغم أن الوقت كان متأخرًا ولم تكن الأحجار السحرية تُضيء إلا بخفوت في ممرات القصر، فقد شعرت وكأن المكان حوله قد أنار فجأة.
ولتخفي وجهها الذي بدأ يميل للاحمرار، أدارت رأسها سريعًا.
“ما الشيء الذي أردتِ سؤالي عنه؟”
“لا، لا شيء.”
كان إبهامه الذي كان يربّت به على ظهر يدها قد توقف عن الحركة. وبما أن من غير اللائق عند النبلاء الخوض في الماضي،
لم تفتح تياريس الموضوع مجددًا. لم تكن تدري أن إسدانتي كان لا يزال ينظر إلى جانب وجهها وهي تمشي.
عندما وصلا إلى قاعة الطعام، قُدمت الأطباق أمامهما. بدا وكأن الطاهي قد أدرك ذوقها، فقد اقتصر طعامها على حساء دافئ وسلطة،
وهو ما يناسب شهيتها الضئيلة. أما أمام إسدانتي، فقد وُضعت أطباق أخرى، لكنها لم تهتم،
فقد كانت راضية عن الحساء الذي أمامها. وما إن شربت منه قليلاً، حتى أحسّت بالدفء يتسلل إلى جسدها.
شعرت كأن إرهاق اليوم كله بدأ يتلاشى. فقد ألقت خنجرًا على أحدهم، وشهدت الموت بعينيها.
لم تقل ذلك بصوت مسموع، لكنها كانت تكابد صعوبة بالغة لتحمّل كل ذلك. ومع ذلك، كان لزامًا عليها أن تتحمّل
لأن من يضع التاج على رأسه، عليه أن يتحمّل ثقل المسؤولية.
“يبدو أن الطعام قد راق لك.”
قال إسدانتي فجأة، وهي تتابع طعامها بصمت.
“نعم.”
رغم أنها لا تحب أن يُقاطعها أحد أثناء الطعام، إلا أن الطعام الذي أحبّته جعلها ترد عليه بشكل تلقائي ومريح.
ابتسم إسدانتي، وبدأ يقطع قطعة اللحم الموضوعة أمامه.
“يبدو أن شرائح الستيك لذيذة بدورها، لكن من المؤسف أنك لا تستمتعين بها.
قطعة اللحم، لا بد أن يكون فيها شيء من الحمرة حتى تكون لذيذة. لقد أحسنتِ باختيار الطاهي.”
وبكلمات ذات مغزى، التهم قطعة اللحم التي لا تزال وردية اللون، بحيث يمكن رؤية لون الدم فيها بوضوح.
عندما رأت ذلك، شعرت تياريس بأن ما يأكله قد لا يكون لحمًا فقط، بل ربما هي نفسها.
كانت أعصابها، التي هدأها الحساء، توشك على التوتر من جديد.
بدأت مشاعر القلق تنتابها. ماذا لو استمرّت في الانجرار وراءه بهذا الشكل، وانتهى بها الحال بأن يُلتهمها في لقمة واحدة؟
حاولت أن تبقى هادئة، وبلعت ملعقة أخرى من الحساء، لكن الحساء الذي كان يدفئها قبل لحظات، قد برد فجأة، وذهبت نكهته
.
دون أن تُعلق، دفعت الطبق إلى جانبها.
“هل انتهيتِ من تناول الطعام؟”
سألها إسدانتي وهو يرفع المنديل ويمسح فمها.
في الحقيقة، كانت تريد أن تأكل أكثر، لكن شهيّتها اختفت تمامًا.
“كان لذيذًا.”
“هذا يسرّني.”
رغم أن أكثر من نصف الطبق كان لا يزال ممتلئًا، لم يُلحّ عليها إسدانتي لتكمل طعامها. وبما أن من قواعد المائدة النبيلة أن يتم تناول الحلوى معًا بعد الطعام،
فقد جلست تياريس تنتظره حتى يُنهي طعامه.
وبينما كانت تراقبه وتبلع جرعة من الماء على استحياء، واصل هو تناول طعامه بثبات حتى النهاية.
رغم أن كمية الطعام الموضوعة أمامه كانت كثيرة، إلا أنه أنهى كل شيء، حتى أن الطبق بدا نظيفًا تمامًا.
فقالت تياريس بإعجاب:
“لقد أكلته كله فعلاً.”
كان ذلك تعليقًا نابعًا من دهشة حقيقية، دون أن يكون هدفها السخرية أو إثارة ردة فعل. لكنها لم تتوقع رد فعله.
رفع
رأسه ببطء، والتقت عيناه بعينيها. وعندما وقعت نظراته الحمراء اللامعة على عينيها، ارتجف كتف تياريس لا إراديًا.
ثم اختفى اللهيب الذي كان يتراقص في عينيه، وفتح فمه أخيرًا:
“في ساحة المعركة، من لا يأكل جيدًا… يموت.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"