لماذا يزعجني هذا؟
لم تفهم أبيلين مشاعرها الخاصّة.
“لا يهمّني الأمر.”
حاولت إقناع نفسها، لكن دون جدوى.
لقد دعت الإمبراطورة إلغرينا وعائلة الكونت باميلو إلى جلسة شاي.
كانت أبيلين تعرف ما يعنيه ذلك.
لقد رتّبت الإمبراطورة لقاءً زواجيًا.
ربّما كان كاليوس يعرف ذلك أيضًا وذهب.
في فضاء القصر الأنيق، ستجلس الإمبراطورة و كاليوس وعائلة الكونت باميلو معًا، يشربون الشّاي ويستمتعون.
هكذا عاشوا دائمًا، وهكذا سيستمرّون في العيش.
كانوا أناسًا يملكون عالمًا خاصًا بهم وإطار حياة ثابت.
كان هذا أمرًا طبيعيًا بالنّسبة إليهم.
لكن بالنّسبة إليها، كان بعيدًا جدًا.
عندما تخيّلت كاليوس يتصرّف بأدب وأناقة مع إلغرينا، شعرت بغضب يعتمل في صدرها.
لقد تصرّف معها بكلّ جرأة وقلّة احترام، لكنّه سيقدّم لإلغرينا صورة الرّجل النّبيل المثاليّ.
لو عرفت إلغرينا حقيقة ما يخفيه، كيف سيكون وجهها؟
“….”
ظلّت صورة إلغرينا المبتهجة وهي تتبع الكونتيسة بضحكاتها تتردّد في أذنيها.
هزّت أبيلين رأسها محاولة طرد هذه الصّورة من ذهنها.
بينما كانت تسرع في ترتيب ألوانها وفرشاتها ولوحتها، حدث شيء.
كوووم—!
انزلقت يدها وسقطت حقيبة الأدوات الفنيّة على الأرض.
نظرت أبيلين بذهول إلى الألوان والفرشات المتناثرة في كلّ مكان.
انحنت بسرعة لتلتقطها، لكن يديها كانتا ترتعشان.
كلّما التقطت لونًا، سقطت فرشاة، وكلّما التقطت فرشاة، سقطت اللوحة.
في النّهاية، ألقت أبيلين الفرشاة التي كانت تمسكها.
ارتدّت الفرشاة على الأرض، مخلّفة بقعة على السّجادة.
“افعلي ذلك ببطء.”
مدّت يد فجأة والتقطت الأدوات المتساقطة من على الأرض.
“….”
رفعت أبيلين رأسها لترى أنطوان واقفًا أمامها.
لم تشعر بدخوله، ممّا جعلها تدرك أنّها كانت في حالة ذهول تامّ.
“آسفة…”
اعتذرت أبيلين أوّلًا وسط فوضى أفكارها، ثمّ عادت إلى رشدها عندما رأت البقعة على السّجادة.
“هذا، سأتولّاه أنا.”
“لا بأس، اجلسي.”
أجلس أنطوان أبيلين المذعورة على الأريكة.
“أنا سأتولّى الأمر.”
التقط أنطوان الأدوات المتساقطة بهدوء، ومسح بقعة الألوان على السّجادة بمنشفة مبلّلة حتّى أصبحت نظيفة.
“انظري، أصبحت كما كانت. إذا سألت والدتي، سأقول إنّني سكبت النّبيذ، فلا داعي للقلق.”
قدّم إجابات متوقّعة ببراعة.
لكن وجه أبيلين أصبح أكثر شحوبًا.
“آسفة. لقد … فعلتُ شيئًا غبيًا.”
كان خطأ يمكن لأيّ شخص ارتكابه، لكنّ مشاعرها تجلّت دون قصد.
منذ أن بدأت الرّسم، لم ترمِ أدواتها أبدًا، ولو مرّة واحدة.
حتّى لو كان ذلك في لحظة غضب، لم تفهم لماذا فعلت ذلك.
بل إنّها لم تفهم لماذا كانت غاضبة أصلًا.
‘لأنّ ذلك الرّجل سيلتقي بابنة الكونت؟’
“هل هناك شيء يزعجكِ؟”
كان أنطوان لا يزال جالسًا على ركبتيه ينظر إليها.
شعرت أبيلين أنّه يشبه جروًا ينظر إلى سيّده، فكادت أن تنفجر ضاحكة رغمًا عنها.
“لا.”
أجابت بصعوبة.
إذا قالت إنّه لا شيء، فسيصبح كذلك، أليس كذلك؟
لذا حاولت أن تبدو غير مبالية قدر الإمكان.
كان ذلك صحيحًا. لم يكن هناك أيّ سبب لاضطرابها.
“لم يحدث شيء.”
“لكن لماذا …”
توقّف أنطوان عن السّؤال فجأة، مدركًا أنّ طرح المزيد من الأسئلة على وجه أبيلين الشّاحب لن يكون جيّدًا.
“حسنًا، قد تحدث مثل هذه الأيّام أحيانًا.”
“….”
هزّ أنطوان كتفيه وكأنّ الأمر لا يهمّه.
“لقد انزلقت يدكِ فقط، أليس كذلك؟”
“… نعم.”
لم يكن في صوت أبيلين أيّ قوّة، وكأنّ روحها قد سُحبت، فبدا وجهها كدمية متحرّكة.
“الأدوات ثقيلة، سيكون من الصّعب حملها بمفردكِ. دعيني أوصلكِ.”
بما أنّها أرسلت عربة الأجرة التي أتت بها، كان عليها السّير إلى الطّريق الرّئيسيّ لاستقلال واحدة.
لكن مثل هذه الأمور لم تكن مشكلة.
“لا بأس. أنا معتادة على حملها بمفردي.”
“لكن إذا أسقطتيها عن طريق الخطأ في الطّريق، ألن تتضرّر لوحتكِ؟”
توقّفت أبيلين للحظة عند سؤال أنطوان الدّقيق.
“هذه اللوحة تخصّ أختي، لذا لا بأس إذا تدخّلتُ قليلًا، أليس كذلك؟”
“….”
لم تجد أبيلين ردًا فوريًا، ولم يخطر ببالها سبب لرفض عرضه.
لماذا يجب أن ترفض؟
لم تكن مقيّدة بشيء. كان بإمكانها أن تفعل ما تريد بحريّة.
لم تكن سيلفيا تهتمّ كثيرًا بحياتها الخاصّة، بل كانت تهتمّ فقط بنشاطها كرسّامة.
بل، على العكس …
<يجب أن تلتقي برجل جيّد أيضًا، أليس كذلك؟>
عندما تذكّرت هذا الكلام، ابتلعت أبيلين ريقها.
كاليوس سيذهب إلى اللقاء الذي رتّبته الإمبراطورة، لذا لم يكن هناك داعٍ للقلق بشأنه.
ولم يكن له الحقّ في التدخّل فيما تفعله.
“نعم، أوصلني.”
خرجت الكلمات من فمها بمجرّد أن انتهت أفكارها.
“مثل المرّة الماضية.”
على الرّغم من أنّ وجهها كان لا يزال شاحبًا كالشّبح، بدا أنطوان سعيدًا جدًا بكلامها.
“حسنًا. سأطلب تحضير العربة فورًا.”
“شكرًا.”
“بما أنّنا نتبادل التّحيّات، هل يمكنني قبول شكر آخر؟”
“ماذا تقصد؟”
“اليوم مشمس، والمياه في القناة تتلألأ بشكل رائع. الطّقس مثاليّ لتناول الطّعام في الهواء الطّلق في مطعم قريب.”
“….”
لم تفهم أبيلين كلامه على الفور، فأغمضت عينيها بدهشة، ثمّ أدركت فجأة ونظرت إليه بحرج.
‘إنّه طلب موعد’
ابتسمت أبيلين رغمًا عنها وهي ترى أنطوان يبتسم بعرض فمه.
* * *
ساعة ونصف.
أخرج كاليوس ساعته الجيبيّة بسرعة وحسب مدّة جلسة الشّاي المملّة هذه.
شعر وكأنّ عشر ساعات قد مرّت، لكنّه تفاجأ أنّها كانت ساعة ونصف فقط.
بدت الإمبراطورة مصمّمة، إذ دعت عائلة الكونت باميلو، وكانت البطلة هي إلغرينا، ابنة الكونت وزوجته.
كانت إلغرينا، بشعرها الأشقر الكريميّ المنسدل وعينيها الخضراوين اللامعتين اللتين ورثتهما من والدها، تخفض عينيها بخجل كلّما التقت عيناها بعيني كاليوس.
نادرًا ما كانت تبادر بالحديث معه.
كانت الإمبراطورة هي من تتحدّث إليها عادةً، وكانت إلغرينا تجيب بأدب ولطف.
ثمّ كانت الإمبراطورة تشدّ كالياس إلى الحديث.
“بالمناسبة، كاليوس قال ذلك أيضًا.”
“كاليوس يحبّ ذلك أيضًا.”
“كاليوس يعرف ذلك جيّدًا.”
كان يتسلّم دفّة الحديث بسلاسة ويتبادل بضع كلمات مع إلغرينا.
ضحكت الإمبراطورة والكونتيسة باميلو حتّى على المواضيع التافهة، وبدت إلغرينا مبهورة بأسلوب كاليوس النّبيل ومتحمسة.
عندما كانت تكثر من الكلام، كانت الكونتيسة ترسل إشارة بعينيها، فتغلق إلغرينا فمها بهدوء وتشرب رشفة من الشّاي.
كان نمطًا متكرّرًا بشكل مدهش.
خلال ذلك، كانت عينا كاليوس تتوقّفان أحيانًا على زهور السّويت بي التي تزيّن طاولة الشّاي.
بالأحرى، على لون بتلاتها الصّغيرة الجميلة.
“يبدو أنّ الدّوق يحبّ الزّهور.”
“….”
أدرك كاليوس فجأة أنّ الصّمت موجّه إليه، فرفع رأسه.
كانت ثماني عيون تراقب زهور السّويت بي التي كان ينظر إليها.
“هل هذه الزّهور جميلة إلى هذا الحدّ؟”
عندما سألت إلغرينا، ضحكت الإمبراطورة بهدوء.
“كاليوس يحبّ كلّ ما هو جميل. في المرّة الماضية، لم يستطع رفع عينيه عن زهور السّوسن التي زيّنتُ طاولة الشّاي، أليس كذلك، يا كاليوس؟”
كان الجميع ينتظر إجابته، وعيونهم موجّهة إليه.
“نعم.”
عند إجابته القصيرة، اتّسعت عينا إلغرينا.
“أنا أحبّ كلّ ما هو جميل.”
مثل تلك المرأة ذات العينين الشّبيهتين ببتلات الزّهور البنفسجيّة.
“لا أستطيع أن أصرف نظري عنها.”
ابتسم كاليوس بخفّة، فانتشرت ابتسامة على شفتي إلغرينا عندما التقت عيناهما.
التعليقات لهذا الفصل " 97"