عندما اتّجهت نظرة جوينا المفعمة بالضغينة نحو سيلفيا، ضحكت سيلفيا بسخرية وكأنّها تستخفّ بها.
“ما هذه النّظرة؟ هل تظنّين حقًا أنّني سأندم؟”
“….”
“نظرًا للعلاقة السابقة بيننا، كنتُ أفكّر في توظيفكِ في معرض سييلا إذا كنتِ موافقة. فكّري في الأمر، ليس من الضّروري أن يرسم الجميع لوحات فقط لأنّهم تخرّجوا من الأكاديميّة، أليس كذلك؟”
“أنا… سأصبح رسّامة.”
عند هذه الكلمات، أومأت سيلفيا برأسها ببطء.
“سأحترم هذه الإرادة على الأقل.”
“سأغادر الآن. سأحرص على إخلاء أغراضي من الاستوديو في أقرب وقت ممكن.”
نظرت سيلفيا إلى ظهرها لبضع لحظات ثمّ أطلقت تنهيدة خفيفة.
“… لهذا السّبب أقول إنّ الأشخاص عديمي الأصل لا يصلحون.”
كلّما قلّ ما يملكه المرء، كلّما أصبح أكثر شراسة وسعى للصّعود بقوّة.
وكان هذا أشدّ وضوحًا في حالات من يفتقرون إلى الموهبة أو يملكونها بشكل ضئيل. فكلّما شعروا بما ينقصهم، زادت رغبتهم في التسلّق إلى الأعلى.
بالطّبع، استغلّت سيلفيا هذه النّقطة أحيانًا لتجعل من يدعمونها تابعين لها بإغرائهم بالرّعاية …
‘لكن هذه المرّة لم تنجح.’
لذلك، كلّما فكّرت سيلفيا في الأمر، ازداد إعجابها بأبيلين.
كانت أبيلين تمتلك موهبة متألّقة أكثر من أيّ شخص آخر، ومع ذلك لم تكن تعرف قيمة ما بين يديها، وهذا ما جعلها أكثر جاذبيّة.
والأهمّ من ذلك، أنّ اهتمام ابنها بالتبنّي اللافت للنّظر بها كان يروق لها جدًا.
في ليلة الحفل الرّاعي، عندما سمعت أنّهما اختفيا معًا وسط حشد الجموع دون أن يتركا أثرًا، أدركت سيلفيا بيقين.
أبيلين ستكون نقطة ضعف كاليوس.
ارتسمت ابتسامة راضية على شفتي سيلفيا في تلك اللحظة.
“سيّدتي المديرة.”
“ما الأمر؟”
“لقد جاءت الآنسة أبيلين لزيارتكِ.”
* * *
نظرت الإمبراطورة إلى وجه ابن أخيها الجالس أمامها وقالت بتعبير جادّ: “لم يعد بإمكاننا التأخير أكثر. والدتكَ في السّماء ستبكي إن رأت هذا.”
“عمّ تتحدّثين؟”
نظر كاليوس إلى الإمبراطورة إليد ذات الوجه المتجهّم وسألها بهدوء.
“لا تتظاهر بالجهل! انظر إلى هذا!”
حدّق كالياس بصمت في الصّحيفة التي مُدّت أمامه.
“إنّها صحيفة.”
“صحيفة؟”
كرّرت الإمبراطورة كلماته بنبرة محاكية.
“عندما رأى جلالته هذا، سألني بحدّة من هذه المرأة، واضطررتُ للإجابة بصعوبة بالغة.”
“….”
“هل كنتَ تخفي عنّي … امرأة كهذه، يا كاليوس؟”
استجوبته إليد وكأنّها على وشك أن تفقد أنفاسها.
كان عنوان المقال الذي أشارت إليه يدُها يصرخ: [من هي حبيبة الدّوق؟].
“هل ما زلتِ تصدّقين الفضائح المنشورة في الصّحف؟ هذه الأعمدة الرخيصة للنميمة؟”
“لا يوجد سبب لعدم تصديقها. الجميع يعلم أنّ الكثير ممّا يُكتب في أعمدة النميمة صحيح. قد يُبالغون أحيانًا، لكنّه ليس كذبًا محضًا.”
“كان هذا حفلًا راعيًا.”
“وماذا في ذلك؟”
“لقد حضرته بصفتي ممثّلًا لفندق أربادين.”
“ومن هي المرأة التي كانت إلى جانبك؟”
“شريكتي.”
“شريكتك من؟”
“من تقليد حفل الرّعاية ارتداء الأقنعة، فما أهميّة من تكون؟”
توقّفت نظرة كاليوس على زهور السّويت بي التي زيّنت طاولة الشّاي.
“اليوم اخترتِ زهور السّويت بي.”
جذبت الزّهور البنفسجيّة الجميلة انتباهه.
ظنّت الإمبراطورة أنّ كاليوس يحاول تغيير الموضوع بذكره الزّهور فجأة، فتقلّب وجهها غضبًا.
“… أنتَ.”
كان ابن أخيها يتهرّب من الأسئلة ببراعة دون أن يجيب بوضوح، ممّا أثار استياءها.
“لو كنتَ من الذين يتردّدون على الحفلات باستمرار، لما اهتممتُ. حتّى لو كنتَ برفقة أيّ امرأة، لكان الأمر مجرّد شائعة صغيرة وانتهى. لكن أن يُنشر هكذا بعناوين ضخمة…”
“كلّها مجرّد تكهّنات. لا يوجد شيء لا يمكن أن يُخلَق تحت أقلام الصّحفيّين.”
“….”
نظرت الإمبراطورة إلى وجه كاليوس لفترة طويلة، ثمّ أطلقت تنهيدة عميقة.
“حسنًا، لنترك الأمر. ما المهمّ في ذلك؟”
“قرار حكيم.”
ابتسم كاليوس بملامح وسيمة بشكل مفرط، ممّا جعل إليد، الضّعيفة أمام الوجوه الجميلة، تكاد تسقط تحت سحره مرّة أخرى.
“همم، الأمر المهمّ ليس المرأة التي أحضرتها إلى الحفل، بل تلك التي ستقضي بجانبك حياتك بأكملها.”
عندما بدأت الإمبراطورة في الحديث عن الموضوع الرّئيسيّ، نظر إليها كاليوس بتعبير ملل.
“هل تتذكّر القائمة التي قدّمتها لك؟ قائمة العرائس المحتملات.”
“لقد رأيتها. لقد أدركتُ أنّ ذوقكِ رفيع جدًا، يا عمّتي.”
ضحكت إليد بسخرية على إجابته المهذّبة لكنّها خالية من الجديّة.
“لن تنجو من هذا اليوم بمثل هذه الكلمات.”
“ماذا تقصدين؟”
“هناك شخص ستُقابله اليوم.”
مرّت ابتسامة غامضة على شفتي الإمبراطورة إليد.
* * *
كانت أبيلين تجلس في مكتب مديرة معرض سييلا الذي زارته مرّة أخرى.
“إذن، أتيتِ لزيارتي؟”
تحدّثت سيلفيا إلى أبيلين بنبرة ناعمة للغاية، مختلفة تمامًا عن تلك التي استخدمتها مع جوينا.
“نعم، الأمر … يتعلّق بالانتقال إلى المنزل الذي ذكرتِه من قبل.”
أطلقت أبيلين الموضوع مباشرة.
“قلتِ إنّكِ لا تريدين الانتقال، فما الذي جعلكِ تغيّرين رأيكِ؟”
“أريد الخروج من فيلا السيّدة بيلا في أقرب وقت ممكن.”
كان هذا القرار الذي توصلت إليه بعد ليالٍ بلا نوم منذ زيارة كاليوس.
لم يعد بإمكانها البقاء هناك بعد الآن.
حتّى لو كانت إيزابيلا تعاملها كالدّجاجة الأم التي تحمي صغارها، وحتّى لو كان فابيان يحبّها.
لم يعد ذلك ممكنًا.
“ألم تكوني ترغبين في البقاء هناك من أجل فابيان؟”
بدا أنّ سيلفيا تجد تغيير رأي أبيلين المفاجئ غريبًا.
“الآن أنتِ راعيتي، سيّدتي. وقد اقتنعتُ بكلّ ما قلتهِ.”
“حقًا؟ ذكيّة كما توقّعت.”
ابتسمت سيلفيا برضا.
“السّاكن السابق سيغادر قريبًا، لذا يمكنكِ الانتقال إلى ذلك المنزل. كلّ شيء مجهّز هناك، لذا ستحتاجين فقط إلى حزم أغراضكِ البسيطة.”
“شكرًا لكِ.”
“لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا، سأخبركِ من خلال فيليب.”
“حسنًا، فهمتُ.”
“لكن … يبدو أنّكِ ذاهبة إلى مكان ما؟”
تفحّصت عينا سيلفيا ملابس أبيلين ثمّ استقرّتا على حقيبة الأدوات الفنيّة التي تمسك بها بقوّة.
“الأمر … هناك شخص طلب منّي رسم بورتريه، لذا أنا ذاهبة إلى منزله.”
“هذا غير مقبول.”
“ماذا؟”
“أنتِ إستيل، يا أبيلين. هل يُعقل أن ترسمي أيّ لوحة؟”
“لقد كان هذا طلبًا تلقّيته من قبل. لا يمكنني إلغاؤه الآن.”
“حسنًا، لا بأس. لكن… أن تكوني إستيل يجب أن يبقى سرًا في الوقت الحالي.”
“….”
“النّاس ينجذبون أكثر إلى الأسرار. في اليوم الذي تعلنين فيه عن أعمالك رسميًا، عندها سنكشف عن كلّ شيء.”
التعليقات لهذا الفصل " 95"