“لم أكن أعرف. يبدو الأمر الآن مختلفًا تمامًا …”

 

اتّسعت عينا أبلين عند سماع كلام المدير.

 

“بالنظر إلى الوضع الحالي ، من الصعب تخيّل الماضي. حتّى نحن لم نتوقّع أن يتغيّر هكذا”

 

“لا عجب أن جدّي كان قلقًا”

قالت أبلين مبتسمة.

 

“لحظة ، أين قلتِ إنّك استأجرتِ غرفة؟”

 

“في شارع لوبنت”

 

“آه”

 

تغيّر وجه المدير إلى تعبيرٍ أكثر قتامة عند سماع كلام أبلين.

 

“ما الخطب؟”

 

“حسنًا ، لقد تحسّن الوضع مقارنةً بالماضي ، لكن تلك المنطقة شهدت بعض الحوادث السيئة”

 

“حوادث سيئة؟”

 

عند سماع نبرة أبلين القلقة ، لوّح المدير بيده كأنّه يبدّد مخاوفها.

 

“لكن لا داعي للقلق. يعيش هناك الكثير من الطلاب الآن ، لذا سيكون الأمر على ما يرام”

 

“سأكون حذرة”

 

“يبدو أنّني أخفتكِ دون داعٍ. لا تقلقي كثيرًا. شرطة بريسن تراقب كلّ شيء بعيونٍ مفتوحة”

 

أومأت أبلين مبتسمة لكلامه السريع لتهدئتها.

 

“لكن ، حتّى لو أعدتِ فتح متجر المصابيح ، ماذا ستفعلين إذا لم يكن لديكِ مصابيح للبيع؟ ما هو موجود الآن سينفد يومًا ما”

 

أومأت أبلين لنظرة المدير القلقة.

 

“سمعتُ أنّ هناك ورش زجاج كان جدّي يتعامل معها. أخطط لزيارتها و التحدّث إليهم”

 

“آه ، تقصدين شارع ورش الزجاج”

 

“نعم”

 

“يجتمع هناك أفضل حرفيّي الزجاج. ستجدين الكثير من المصابيح الملوّنة هناك”

 

“نعم ، هكذا سمعت. جدّي تعلّم مهنته هناك أيضًا”

 

“لكن هذا كلّه سيكلّف مالاً”

 

“أعرف”

 

“تلك المصابيح الزخرفيّة الجميلة ليست باهظة فقط عند البيع ، بل تكلّف الكثير لصنعها أيضًا”

 

نقر المدير بلسانه بقلق.

 

“لا يزال لديّ المصابيح التي صنعها جدّي”

“صحيح ، أجمل المصابيح التي رأيتها كانت من صنع السيد رادوين.”

 

رفع المدير إبهامه بحماس.

“أتمنّى لكِ نتائج جيّدة”

 

ابتسمت أبلين لردّ المدير ، مخفيةً قلقها ، و نظرت إلى اللوحات الموضوعة في ركن المتجر.

 

* * *

 

أخذت أبلين نفسًا عميقًا و دفعت باب المعرض الفنيّ لتدخل.

 

سارت مباشرةً إلى حيث يقف صاحب المعرض و وقفت أمامه.

 

“أمـم ، بخصوص ما تحدّثنا عنه سابقًا …”

 

“سابقًا …؟”

 

كانت اللوحات التي أحضرتها كبيرة و ثقيلة ، تغطّي وجه أبلين ، فبدت و كأنّها تتحدّث مع صاحب المعرض عبر حائطٍ صغير.

 

“نعم ، المرّة السابقة”

 

نظرت أبلين إلى صاحب المعرض من خلف اللوحات.

 

“آه ، الفتاة من تلك المرّة”

أومأ صاحب المعرض برأسه كأنّه تعرّف عليها أخيرًا.

 

“أحضرتُ لوحاتٍ يمكن بيعها”

 

أشارت أبلين بعينيها إلى اللوحات التي تحملها بكلتا يديها.

 

“همم … دعيني أرى”

 

نظر صاحب المعرض بملل إلى أبلين و هي تُخرج اللوحات واحدةً تلو الأخرى.

 

“مرسومةٌ جيّدًا”

قال صاحب المعرض بعد أن تفحّص لوحات أبلين.

 

أضاء وجه أبلين ، التي كانت تراقب بقلق ، قليلاً.

 

“حقًا؟”

 

“ليست سيئة كلوحاتٍ زخرفيّة. سأعطيكِ 200 روك”

 

“ماذا؟”

 

“على كلّ هذه”

أشار صاحب المعرض بعينيه إلى اللوحات التي أحضرتها أبلين.

 

فتحت أبلين فمها بارتباك.

 

“هل هذا كلّ شيء؟ حتّى لو كانت لوحاتٍ زخرفيّة …”

 

“في بريسن ، الرسّامون الموهوبون يتكاثرون. هل تعرفين كم عدد الأشخاص الذين يصطفّون ليبيعوا لوحاتهم؟ هذا لا شيء”

 

نقر صاحب المعرض بلسانه على خيبة أمل أبلين.

 

“250 روك”

 

“…”

 

“لن أعطي أكثر من ذلك”

 

رفع صاحب المعرض ذقنه و هو يمسح شاربه.

 

“لكن …”

 

نظرت أبلين إلى الصندوق الذي يحتوي على لوحاتها ، التي رسمتها جميعًا بعناية.

 

لم تتوقّع سعرًا مرتفعًا ، لكنّ المبلغ المعروض بدا منخفضًا جدًا.

 

كأنّه قرأ أفكارها ، فتح صاحب المعرض فمه مجدّدًا.

 

“إذا كنتِ تفكّرين في الذهاب إلى مكانٍ آخر ، فافعلي. لكن لن تجدي فرقًا كبيرًا”

 

نظرت أبلين إليه بتردّد عند سماع تأكيده.

نقر صاحب المعرض بلسانه مجدّدًا و هو ينظر إليها.

 

“قيمة الرسّام هي قيمة اللوحة”

 

“…”

 

“و هذا يُحدّد بواسطة المشتري. لا تعرفين شيئًا عن هذا”

 

كانت أبلين ، حتّى لو نشأت في الريف ، تعلم أنّ كلام صاحب المعرض ليس خاطئًا.

 

فجأة ، شعرت أنّ فكرتها بجمع المال من بيع لوحاتها كانت ساذجة.

 

“ليس مهماً ما ترسمينه ، بل من يرسمه. لا فائدة من رسم الزهور أو الناس كلّ يوم. إذا لم تكوني رسّامةً مشهورة ، فالقيمة واحدة”

 

عند سماع تذمّر صاحب المعرض ، شعرت أبلين بنشوةٍ مفاجئة.

 

“أتقصد أنّه إذا وُجِد شخصٌ مستعدّ لشراء لوحتي بسعرٍ مرتفع ، فستزداد قيمتي كرسّامة؟”

 

“بالطبع. لكن من سيُنفق مبلغًا كبيرًا على لوحة رسّامٍ مغمور؟”

 

ضحك صاحب المعرض بصوتٍ عالٍ كما لو أنّه سمع شيئًا مضحكًا.

 

“كان الأمر نفسه مع سييلا”

 

“ماذا؟”

 

“آه ، يبدو أنّك لا تعرفين سييلا”

 

هزّت أبلين رأسها ، فقال صاحب المعرض بحماس: “اسمعي ، سييلا باعت لوحتها الأولى هنا”

 

“لوحة سييلا؟”

 

أضاءت عينا أبلين ، فتابع صاحب المعرض بحماسٍ أكبر: “ما زلتُ أتذكّر. كانت تلك اللوحة بـ50 روك. اشتريتها و بعتها. الآن أفكّر أنّه كان خسارة ، لكن هكذا كان الوضع آنذاك”

 

“…”

 

“في العام التالي ، هل تعرفين كم أصبحت قيمة لوحات سييلا؟ ارتفعت حوالي مئة ضعف”

 

“مئة ضعف …”

 

“لكن حتّى لو كان لديك المال ، لم تكن تستطيع الحصول على لوحة. لوحات سييلا لم تكن لأيّ أحد”

 

اتّسعت عينا أبلين بدهشة و هي تسمع عن أيّام سييلا المغمورة بشكلٍ غير متوقّع.

 

“منذ ذلك الحين ، لم تُعرض لوحات سييلا في المعارض العاديّة. كان هناك شخصٌ يشتري لوحاتها حصريًا”

 

“شخصٌ يشتري لوحاتها …؟”

 

“راعٍ”

 

خفّض صاحب المعرض صوته كما لو كان يكشف سرًا عظيمًا.

 

“هناك نبلاء يرعون رسّامين شبابًا موهوبين لكنّهم فقراء”

 

“…”

 

“إذا وجدتِ الشخص المناسب ، يمكنهم كتابة توصية للأكاديميّة الإمبراطوريّة ، أو بيع لوحاتك بسعرٍ مرتفع مباشرة. في المقابل ، يحتكر الرعاة لوحات الرسّام”

 

“ماذا يعني الاحتكار؟”

 

“يعني أنّه لا يمكن بيع اللوحات دون موافقة الراعي. يجب أن يوافق الراعي قبل عرض اللوحة في السوق”

 

“هذه علاقة غير حرّة”

عبست أبلين ، تشعر أنّ الأمر غير عادل.

 

“هكذا هي علاقة الرسّام و الراعي. لماذا يرعى الأغنياء رسّامًا موهوبًا و فقيرًا؟ لأنّ لديهم ما يريدونه”

 

ضحك صاحب المعرض ، ثمّ سعل عندما تقابلت عيناه مع عيني أبلين.

 

“على أيّ حال ، الأشخاص الأغنياء لديهم القدرة على السيطرة على الموهوبين”

 

“…” 

 

“في حالة سييلا ، كان هناك متحفٌ خاصّ بلوحاتها ، لذا لا بدّ أنّ الراعي أحبّها و لوحاتها كثيرًا. بفضل ذلك ، أصبحت سييلا رسّامةً تُعامل بمثل هذا التقدير حتّى بعد وفاتها”

 

استمعت أبلين إلى كلام صاحب المعرض بهدوء.

 

“هل تريدين بيع لوحاتك بسعرٍ مرتفع؟ إذن ، ابحثي عن طريقة لجعل اسمك معروفًا”

 

“طريقة لجعل اسمي معروفًا؟”

 

“نعم. بالنسبة لرسّامة مغمورة بلا مال أو علاقات أو نسبٍ نبيل ، الراعي ضروريّ للنجاح”

 

“…”

 

“من مظهرك ، يبدو أنّكِ قادمة من الريف ، لذا من الأفضل أن تفهمي الأمور هنا جيدًا”

 

أصبح تعبير أبلين أكثر تعقيدًا.

 

“إذا لم تبيعي ، فاخرجي”

لوّح صاحب المعرض بيده كأنّه مشغول.

 

تحوّل انتباهه إلى سيداتٍ نبيلاتٍ دخلن المعرض للتوّ ، متجاهلاً أبلين تمامًا.

 

كان من الطبيعيّ أن يكون المشترون للوحات الزخرفيّة من الأثرياء.

 

الرغبة في امتلاك شيءٍ أكثر قيمة هي شعورٌ مشترك.

 

لذا ، حتّى لو كانت لوحة طبيعة صامتة ، فإنّ لوحة رسّامٍ مشهور ستكون أغلى بكثير.

 

250 روك.

 

كان المبلغ غير كافٍ لتغطية فائدة شهرٍ واحد من القرض ، لكن حتّى هذا كان مرحّبًا به الآن.

 

“أنا …”

اضطرّت أبلين إلى استدعاء صاحب المعرض.

 

“سأبيع”

 

“حسنًا ، كما تشائين”

 

نظر إليها صاحب المعرض بوجهٍ مشرق قليلاً.

 

“لكن ، سأتلقّى المبلغ بناءً على ما يُباع”