“…”
“لقد زرتُ المتجر عدّة مرات عندما كان جدّكِ لا يزال موجودًا”
“فهمتُ”
خرج صوتها مشدودًا.
“كنتُ أحبّ المصابيح هناك. لكن في يومٍ من الأيام ، توقّفوا عن فتح المتجر”
جذبها صوته المنخفض من قدميها.
لم تستطع أبلين أن تستدير لتنظر إليه.
كانت تخشى أن تنهمر الأسئلة التي لا تستطيع السيطرة عليها إذا فعلت.
“أنا سعيدة لأنّك أحببتَ المصابيح التي صنعها جدّي”
كانت تشعر بخفقان قلبها يتسارع بقوة ، كما لو كان يدوّي في صدرها.
“حسنًا ، يجب أن أعود إلى المتجر”
على الرغم من أنّه كلامٌ بديهي ، بدا و كأنّه عذرٌ رديء.
أمسكت أبلين بمقبض الباب و أدارته بسرعة لكي لا يُكتشف أمرها.
* * *
كانت العربة تسير على طريق الأشجار بنفس السلاسة التي جاءت بها إلى قصر الدوق.
استغرق مغادرة القصر وقتًا طويلاً ، و عودتها إلى وسط بريسن استغرقت وقتًا أطول.
لم تعد المناظر الجميلة التي جذبت عينيها في طريق القدوم سوى مشاهد عابرة الآن.
جلست أبلين ساكنة في العربة ، تتذكّر كلماته لها واحدةً تلو الأخرى.
[لأنّ موهبتكِ أعجبتني]
كان من الصعب تصديق أنّه قدّر موهبتها فقط من رؤية بضع لوحات أحضرتها من إلفنوود.
[ما رأيكِ في قبول عرضي؟ الأجر لن يكون مخيّبًا. سيكون مفيدًا أيضًا لتشغيل متجركِ]
قدّم الدوق عرضًا جيّدًا بلا شك. كان ذلك أمرًا لا يمكن إنكاره.
طلب رسم لوحة من عائلة الدوق ، خاصة صورة الدوقة المتوفاة ، كان أمرًا أكثر أهمية.
كثير من الفنّانين يشتهرون في عالم الفن برسم صورٍ شخصيّة للأرستقراطيين.
كلّما كان الشخص ذو مكانةٍ أعلى أو جمالٍ بارز أو شهرة ، ارتفعت قيمة اللوحة.
الدوقة المتوفاة من عائلة أربادن الشهيرة كانت كافية لتكون بداية ناجحة.
‘و علاوة على ذلك ، الرعاية …’
و مع ذلك ، لم تجد الشجاعة لقبول يده الممدودة.
<علاقة الفنّان و الراعي هكذا دائمًا. لماذا يرعى الأثرياء فنّانًا موهوبًا لكنّه فقير؟ لأنّهم يريدون شيئًا آخر>
لم يكن ذلك فقط بسبب كلام صاحب المعرض.
<أبلين ، انظري. في العاصمة ، إذا كنتِ موهوبة ، يمكنكِ النجاح. إذا وجدتِ راعيًا يقدّر موهبتكِ ، يمكنكِ تحقيق أحلامكِ دون القلق بشأن المال. ستحصلين على داعمٍ قويّ>
كانت والدتها ، التي كثيرًا ما شعرت بالملل من الحياة الريفيّة ، تتحمّس كطفلة عندما تسمع أخبار العاصمة.
كانت تستمع بشغف إلى قصص الفنّانين الشباب الذين بدأوا يبرزون في بريسن.
كان معظمهم فقراء ، يعيشون في منازل بالكاد تتّسع لهم ، لا يأكلون جيّدًا ولا ينامون ، منغمسين في الرسم.
عندما يكتشف راعٍ ثريّ موهبتهم ، يظهرون في عالم الفن في بريسن كسندريلا.
<إذا جذبتِ انتباه الناس ، يمكنكِ دخول القصر الملكي ، و الزواج من أرستقراطيّين. لوحةٌ واحدة يمكن أن تجلب الثروة و الشهرة>
تذكّرت بوضوح صوت والدتها الحالم.
كانت عيناها تلمعان أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
<من يدري؟ ربّما أرسم يومًا صورة الإمبراطورة!>
كانت والدتها تبدو سعيدة جدًا ، ففكّرت أبلين أنّ كلّ ما يسعد والدتها هو جيّد.
<بالطبع ، لستُ بحاجة للبحث عن راعٍ ، أليس كذلك؟ لديّ والدكِ>
عانقتها والدتها و قبّلت جبهتها.
<يومًا ما ، عندما نعيش مع والدكِ ، سنتجوّل في بريسن معًا. هناك أشياء جميلة و مدهشة لا تُقارن بهذه القرية>
<بريسن مدينة كبيرة و جميلة>
على الرغم من أنّها لم تزرها قط ، تحدّثت والدتها عن بريسن كما لو كانت تراها أمام عينيها.
<يومًا ما ، عندما نعيش مع والدكِ>
لم يأتِ ذلك اليوم بالطبع.
أكبر درسٍ تركته والدتها لها لم يكن كيفيّة الرسم ، بل كيفيّة الحذر من الانجراف وراء الطموحات الخاطئة.
أغلقت أبلين عينيها و اتّكأت على ظهر العربة.
تذكّرت رائحة العطر التي شمّتها عندما كانت تجلس مقابل الرجل في العربة ، و عندما سقطت في أحضانه بسبب اهتزاز العربة.
هزّت أبلين رأسها برفق لتطرد تلك الأوهام. كلّ شيء انتهى.
الرجل الذي قابلته في متجر المصابيح كان حقًا وهمًا عابرًا خلقته المصابيح لليلةٍ واحدة.
وهمٌ لن تراه مجددًا.
لذا ، لن ترمي بنفسها إلى لهيبٍ مشتعل و جميل.
* * *
بعد مغادرة أبلين ، عاد كاليوس إلى مكتبه و وقف أمام اللوحة لفترةٍ طويلة.
حدّق في الأنيمون الحمراء ، واقفًا كأنّه متجذّر في مكانه.
لم تتحرّك عيناه ، التي بدت و كأنّها لن تنفصل عن اللوحة ، إلا عندما سمع صوتًا.
طق-! طق-!
مع طرقٍ خفيف ، دخل صبيٌّ على كرسيٍّ متحرّك.
كان للصبي شعرٌ أشقر فاتح و عينان زرقاوان و بشرةٌ شاحبة. عندما التقت عيناه بكاليوس ، أومأ برأسه.
أشار الصبي إلى الخادم الذي يدفع الكرسي ، ثم دفع الكرسي بنفسه ليقترب من كاليوس.
“فابيان”
عند نداء كاليوس ، ابتسم الصبي ببريق.
“كيف حالك؟”
“كانت أمي قلقة جدًا هذا الصباح لأنّ الحمى ارتفعت. لكن كما ترى ، أنا بخير”
على الرغم من كلامه ، كان وجه الصبي شاحبًا. كانت شفتاه متشقّقتين من أثر الحمى ، و تعبيره المتوتّر كان يدلّ على أنّ فابيان قضى الليل مريضًا.
لكن أخاه الأصغر ، كعادته ، لم يعترف بسهولة بحالته السيئة.
لو أظهر كاليوس قلقًا زائدًا ، كان من المتوقّع أن يتلقّى ردًا حادًا.
لذا ، كان أشخاص قصر الدوق يتجنّبون القلق الصريح على هذا الفتى ذو الطباع الحادة.
“لم تنم أمي الليلة بأكملها و هي ترعاني ، و عندما تأكّدت أنّ الحمى انخفضت ، ذهبت مباشرة إلى المتحف”
“فهمتُ”
أومأ كاليوس برأسه.
تقبّل عادة أخيه القديمة في إخفاء مرضه دون تعليق.
“قالت إنّه إرثٌ تركه والدنا ، لذا يجب أن نزدهر به”
ضحك فابيان. بدا وجهه الشاحب هشًا كالزجاج الذي سينكسر قريبًا.
“أمي دائمًا جادّة بشأن إدارة المتحف”
“عادَتْ متأخرة أمس ، و لم تنم جيدًا بسببي”
كان هناك شعورٌ عميق بالذنب في صوت الابن الصغير.
“صحتك هي فرحتها”
“و ماذا يتغيّر إذا سهرت بجانبي؟ كان يمكنها أن تنام بدلاً من السهر …”
“لن تستطيع النوم براحة و هي تتركك ، لذا من الأفضل لها أن تشعر بالراحة هكذا”
عضّ فابيان شفتيه.
“أنا دائمًا عبء”
“توقّف عن قول ذلك”
وبّخ كاليوس أخاه بهدوء.
كان يعلم أنّ فابيان قد يقول أشياء أقسى عادةً ، لكنّه يصبح أكثر هدوءًا أمام أخيه الوحيد.
“بالمناسبة …”
توقّف الصبي فجأة و نظر بعناية إلى اللوحة المعلّقة على الحائط.
“ما هذه اللوحة؟”
أشار فابيان إلى الأنيمون الحمراء.
“هل أعجبتك؟”
أومأ فابيان ببطء.
“إنّها جميلة. من رسمها؟ هل هو الفنّان الذي قدّمته أمي مؤخرًا؟”
“لا”
هزّ كاليوس رأسه ، فسأل فابيان بوجهٍ متعجّب: “إذن من؟”
“هذا اهتمامٌ نادر منك ، يا فابيان”
ضحك كاليوس كأنّ ردّ فعل أخيه مفاجئ.
دفع فابيان عجلات الكرسي ليقترب من اللوحة.
ظهرت فضوليّة غير عاديّة على وجه الصبي و هو يتفحّص اللوحة.
كانت عيناه الحادتين تلمعان بحيويّة.
راقب كاليوس تلك النظرة باهتمام.
إرضاء ذوق أخيه الصعب لم يكن أمرًا سهلاً ، لذا كان رؤية هذا المشهد نادرًا.
“اللون يعجبني”
“و ماذا أيضًا؟”
“تبدو كزهرةٍ حيّة. لا ، ليست زهرة …”
عبس فابيان كأنّه يبحث عن الكلمات المناسبة.
“كأنّها الحمرة نفسها”
لمس فابيان اللوحة بحذر ، كما لو كانت تتوهّج بالنيران.
“أريد مقابلة من رسمها”
التعليقات لهذا الفصل " 16"