“هل كان هناك أيّ إزعاج؟”

خطا الرجل خطوةً نحوها.

 

مع كلّ خطوةٍ اقترب بها ، شعرت أبلين بأنّ حضوره الطاغي يكاد يخنقها.

 

كما شعرت في المتجر ، كان وجوده يملأ الفراغ كأنّ المكان مكتظ.

 

على الرغم من أنّ المكتب كان أكبر بكثير من المتجر ، إلا أنّ الشعور كان نفسه.

 

“لا شيء على الإطلاق. بفضل عنايتك ، جئتُ براحة”

 

أمسكت أبلين بعلبة المصباح بقوة دون وعي.

كأنّها لا تملك شيئًا تعتمد عليه سواها.

 

“كيف كان الطريق إلى هنا؟”

 

“فكّرت أنّه جميلٌ جدًا”

 

“هل أعجبكِ المكان؟”

 

“كيف لا يعجبني؟”

بينما كانت تجيب بسرعة ، التقت عيناها بعيني كاليوس.

 

“أقصد ، هذا القصر”

 

أومأ برأسه.

“هل يمكنني أن أسأل ما الذي أعجبكِ تحديدًا؟”

 

“كانت هناك لوحات كثيرة”

 

تذكّرت أبلين اللوحات التي رأتها في طريقها إلى المكتب.

كانت ذكرى دهشتها من رؤية لوحاتٍ شهيرة تزيّن الممرات لا تزال حيّة.

 

كان هذا القصر بمثابة متحفٍ فنيّ ضخم ، و هو بحدّ ذاته عملٌ فنيّ.

 

“أنا … آسفة”

شعرت أنّ فمها يجفّ باستمرار.

 

“عن ماذا؟”

 

“لم أكن أعرف أنّك شخصٌ عظيم إلى هذا الحد”

 

ضيّقت عينا الرجل.

“شخصٌ عظيم؟”

 

“أنتَ دوق أربادن ، أليس كذلك؟”

 

عندما سمعت من مدير المبنى عنه ، ظنّت أنّه شخصٌ لن تلتقيه أبدًا.

 

لكن أن تتبادل النكات السخيفة مع مثل هذا الشخص في متجر المصابيح ، و أن تركض معه تحت المطر ، و تركب عربته ، كان ذلك لا يُصدّق.

 

عندما تفكّرت في الأمر ، بدا كلّ شيءٍ كحلم.

 

“هل أخطأتِ بحقّي في شيء ، يا آنسة أبلين؟”

تمدّدت زاوية فمه بنعومة.

 

“هل هناك خطأٌ لم أنتبه له؟ أودّ معرفة ما هو”

 

“هذا …”

توقّفت أبلين ، فمها مفتوح ، غير قادرةٍ على الإجابة.

 

لم تستطع قول إنّها شعرت بلحظةٍ من القرب معه عندما تحدّثت عن والدتها ، أو أنّها اعتقدت للحظة أنّه شخصٌ مقرب.

 

“على أيّ حال ، تسبّبتُ في إزعاجك لأنّني لم أحضر المصباح”

 

“لكن الآنسة أبلين هي من جاءت إلى هنا متعبةً بنفسها”

 

“… لقد وعدتُ بذلك”

خرج صوتها متردّدًا ، كأنّها تشعر بالضعف.

 

كانت تفكّر فقط في الرغبة بالهروب من هذا المكان الخانق و الرجل الطاغي الذي يسيطر عليه.

 

“لقد أحضرت المصباح”

أشارت أبلين إلى المصباح الموضوع على الطاولة.

 

“و ماذا عن هذا؟”

لكن نظرة كاليوس كانت موجّهة نحو الحزمة الورقيّة بجانبه.

 

“… حضّرته بدلاً من المصباح الذي أردتَ شراءه. آمل أن يكون هديّةً جيّدة لوالدتك”

 

تألّقت عيناه باهتمام.

 

“هل يمكنني فتحه؟”

 

أومأت أبلين ، فتوجّه دون تردّد إلى الحزمة.

راقبت أبلين يديه و هو يفكّ الغلاف بتوترٍ شديد.

 

سسس-!

عندما سقط الورق الذي يغلّف اللوحة ، ظهر محتواها بالكامل.

 

ظهرت نظرة إعجاب على وجه كاليوس.

 

“لم أكن أتوقّع هذا ، لكنّه حقيقي”

 

جالت عيناه ببطء على بتلات الزهرة الحمراء.

 

“ألم تكن هذه لوحةً ثمينة بالنسبة لكِ؟”

التفتت عيناه الضاحكتان نحوها.

 

“…”

 

“هل من المقبول أن تعطيني مثل هذا الشيء؟”

 

حدّقت أبلين في عينيه المنتظرتين و هي تبتلع ريقها دون وعي.

 

“المصباح هو آخر شيءٍ صنعه جدّي ، لذا لا يمكنني بيعه ، لكن هذه اللوحة … ليست كذلك”

 

“…”

 

“بما أنّك قلتَ إنّ والدتك أحبّت الأنيمون ، أردتُ إعطاءها لك”

 

“هل هذا سبب إعطائي الهديّة؟”

 

تردّدت أبلين للحظة عند سؤاله الذي بدا كتحقيق ، ثم قالت: “أنا ممتنّة لأنّك أوصلتني في يومٍ ممطر. كنتَ أوّل زبون في متجرنا بعد إعادة فتحه ، و اشتريتَ مصباحًا في اليوم الأوّل ، لذا هذه الهديّة لا بأس بها. و أيضًا …”

 

“و أيضًا؟”

نظرت أبلين إلى المعطف الملطّخ بالماء.

 

“و أيضًا ، لم أستطع إزالة البقع من هذا المعطف بقدراتي. يبدو أنّني لن أتمكّن من شراء واحدٍ مثله”

 

تحدّثت أبلين بصراحة.

كان من الصعب حتّى معرفة من أين تشتري مثل هذا المعطف.

 

“يبدو أنّني تلقّيت شيئًا أكثر مما يستحق”

 

“ليس كذلك”

هزّت أبلين رأسها بسرعة و فتحت فمها.

 

“إنّها لوحة دراسيّة ، لن تُباع بثمنٍ مرتفع. فقط … تقبّلها كتعبيرٍ عن الصدق”

 

تذكّرت كلام صاحب المعرض الذي قال إنّ قيمة اللوحة تعتمد على قيمة الفنّان.

 

“المصباح الذي اشتريته باهظ الثمن. تصميمه أكثر تعقيدًا …”

ضحك كاليوس عند سماع كلامها.

 

“آه ، لقد اشتريتُ شيئًا باهظًا”

 

“لم أقصد ذلك ، لكن …”

 

“لا بأس. الأشياء الجميلة لها ثمنها”

 

بينما كانت أبلين تتلعثم ، جال ببصره على اللوحة ببطء مرّةً أخرى.

 

“ستفرح والدتي”

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتيه المثاليّتين.

 

“لكن سأحتفظ بها أنا”

 

“ماذا؟”

عندما سألت أبلين بدهشة ، أجاب بوجهٍ مرح: “ألم تكن هديّة لي؟”

 

“هذا … صحيح ، لكن …”

 

“لذا سأبقيها هنا لأراها”

 

تفاجأت أبلين بردّه غير المتوقّع.

“أنتَ ستُبقي هذه اللوحة؟”

 

“أعتقد أنّها ستبدو جيّدة على هذا الحائط”

 

“إذن ، هذه اللوحة …”

 

كانت هناك لوحة تصور قصر عائلة الدوق معلّقة على الحائط.

كأنّها تصور مشهدًا شتويًا ، كانت اللوحة مليئة باللون الأبيض.

 

اتّسعت عينا أبلين عندما تعرّفت على اسم الفنّان في زاوية اللوحة.

 

كانت لوحةً لفنّان مناظر طبيعيّة شهير تُباع بأسعارٍ باهظة في المزادات.

 

أن يقول إنّه سينزع مثل هذه اللوحة ليعلّق لوحتها.

ظنّت أنّه يمزح.

 

لكن قبل أن تتمكّن أبلين من قول شيء ، اقترب من الحائط ، و نزع اللوحة المعلّقة ، و علّق لوحة الأنيمون التي أحضرتها.

 

“يبدو أنّها مناسبة”

 

لم تستطع أبلين الإجابة بسهولة.

 

كانت الزهرة التي تفتّحت على جدار المكتب المليء بالألوان الباهتة تبدو غريبة بكلّ الطرق.

 

كأنّ شيئًا دخيلاً قد تسلّل إلى المكان.

 

“لأكون صريحة ، لا أعتقد أنّها مناسبة”

لم تستطع أبلين أن تقول بفمها إنّها تبدو جيّدة ، حتّى لو كانت لوحتها.

 

“يبدو أنّ ذوقي رديء”

ضحك بهدوء ، و احمرّ وجه أبلين.

 

شعرت بالحرج الشديد من لوحة الأنيمون المعلّقة على الحائط.

 

“لا داعي لتعليقها هنا. أعني … لا تبدو مناسبة هنا ، أو في أيّ مكانٍ هنا”

 

“في أيّ مكان هنا؟”

 

“هذا المكان مليء باللوحات الجميلة. لوحتي البسيطة لا تناسبه. لذا … سأستعيدها. أعتذر عن الإزعاج”

 

عندما اقتربت أبلين من الحائط ، مدّ ذراعه ليمنعها.

 

“هل تستردّين ما أعطيتنيه؟”

 

“لا داعي لتعليق شيءٍ كهذا بدافع اللطف. لقد فعلتُ شيئًا غبيًا حقًا”

 

“أنا لا أُعيد ما يصل إلى يدي”

هبط صوته بنبرةٍ خطرة إلى حدٍ ما.

 

“…”

 

تراجعت أبلين خطوةً عند كلامه.

شعرت كأنّ الهواء حولها تغيّر ، و كادت تختنق.

 

“لقد أخطأتُ. سأذهب الآن”

 

عندما استدارت ، تفاجأت بمظهر الدوق أمامها و توقّفت.

 

“لماذا أنتِ مرتبكة هكذا؟”

سأل و هو يسند جسدها المتعثّر.

 

“لا ، لم أرتبك”

 

على عكس كلامها ، ظهرت ابتسامةٌ ماكرة على شفتيه عند رؤية نظرتها القلقة.

 

“هل يطاردكِ أحد؟”

أزال يده من ذراعها و سأل.

 

“لا. لقد أنهيتُ مهمتي ، لذا سأعود الآن”

 

بينما كانت أبلين تتجاوزه بعد تحيّةٍ سريعة ،

طق-! أُمسك جسدها الهشّ بيد الرجل مجدّدًا.

 

“…”

 

رفعت أبلين رأسها ببطء لتنظر إليه.

 

“ألم تفكّري بشيءٍ غريب؟”

 

“… ماذا؟”

 

“إذا كان الهدف هو المصباح ، كان يمكنني أخذه مباشرة. لماذا أصررتُ على إحضاركِ بالعربة؟”

 

“…”

 

“ألم تفكّري أنّ لديّ نوايا خفيّة؟”

 

“لم … لم أفكّر بذلك …”

تألّقت عيناه بشكلٍ أعمق و هو ينظر إلى أبلين التي تتلعثم بوجهٍ مشوّش.

 

“هدفي ، يا آنسة أبلين ، هو أنتِ”