“إضافةً إلى ذَلك، إذا فكرتِ في الجهود التي بذلتها لتحظى بكِ، فَلَن تندم أبدًا على إنجابكِ.”
“الجهود التي بذلتها لتحظى بيّ؟”
عند سؤال كورديليا، توقفت ماتيلدا لأول مرة.
تضاربت مشاعرُها. فَمِن ناحيةٍ كانت ترغبُ في حماية ابنة تلميذتها العزيزة التي أحبتها كثيرًا، ومِن ناحيةٍ أخرى كانت تؤمن بقوةٍ بأنه يجبُ القضاء على كورديليا إذا كانت نصفَ شيطان.
ورغم تهديدات ليونارد الدموية، أصرت ماتيلدا على تمسًكها بهَذا الإيمان. ولكن عندما بدأت تتخيلُ المشاعر التي دفعت غريتا إلى عقد صفقةٍ مع الشيطان، باتت مشاعرُها مُضطربةً.
“… غريتا كانت دائمًا ضعيفةٌ جسديًا، لذا كان قرارها في إنجاب طفلٍ قرارًا كبيرًا.”
“صحيح. سمعتُ مِن الطبيب أنْ والدتي ازدادت حالتُها سوءًا بعد أنْ أنجبتني. لو لَمْ تكُن قد أنجبتني، لما توفيت مُبكرًا.”
ازداد وجهُ كورديليا كآبةً أكثرُ مِن ذيّ قبل، ولكن ماتيلدا سارعت إلى مُعارضتِها.
“لماذا تُفكرين هَكذا؟ أنا واثقةٌ أنْ غريتا لَمْ تُفكر بتلكَ الطريقة. لو كانت تعلمُ كيف كبرتِ، لكانت فخورةً بكِ. لا يُمكنني تخيلُ مشاعرها عندما أنجبتكِ.”
“لا تلومي نفسكِ. كما قالت السيدة ماتيلدا، السيدة فاسكويز الراحلة لَمْ تندم أبدًا على إنجابكِ، كورديليا.”
“شكرًا لكما على قول ذَلك. شكرًا لكِ، سيدة ماتيلدا.”
ابتسمت كورديليا بخفةٍ لتلكَ الكلمات اللطيفة مِن الاثنين. تنفست ماتيلدا للحظةٍ. رغم أنها لَمْ تكُن ترى أيَّ تشابهٍ في الشخصية أو المظهر بين كورديليا ووالدتها، فإن تلكِ الابتسامة الخافتة التي بدت وكأنها ستختفي في أيِّ لحظة كانت تُشبه غريتا بلا شك.
نهضت ماتيلدا فجأةً مِن مقعدها.
“انتظري قليلاً.”
“نعم؟”
تركت الاثنتين واتجهت إلى الخلف.
بعد لحظاتٍ، سُمعت أصوات طقطقةٍ، وسرعان ما بدأت أكواب الشاي وإبريق الشاي تُحلق في الهواء ونزلت برفقٍ على الطاولة. كانت ماتيلدا تصبُ الشاي بحزمٍ شديد وتقدمهُ إلى كورديليا.
“اشربي.”
“أه، حسنًا.”
شعرت كورديليا ببعض الاستغراب مِن تقديم الشاي بشكلٍ مُفاجئ، لكنها شربت قليلاً منهُ بعد أنْ نفخت عليه لتبرده. بمُجرد أنْ أخذت رشفة، سارعت ماتيلدا بالسؤال.
ما الذي يُمكن أنْ تشعر به مِن طعم الشاي؟ فهو في نهاية المطاف ماءٌ مع نكهةٍ بسيطة.
ولكن بسبب نظرة ماتيلدا الحازمة، اضطرت كورديليا لتصنُع كلماتٍ مُعقدة لوصف الطعم.
“كلما شربتُ أكثر، تظهرُ نكهةٌ أعمق. و… نعم. الرائحة التي تبقى في الفم رائعة، والطعم لِمْ يسبق ليِّ أنْ جربت مثله مِن قبل…”
“لا. اشربي مرةً أخرى.”
قالت ذَلك بحزمٍ أكبر، وكان يبدو أنْ الكلمة المُناسبة هي “أمر”.
في النهاية، شربت كورديليا إبريق الشاي بالكامل بسبب إصرار ماتيلدا. وفي كًل مرةٍ تشرب، كانت ماتيلدا تسأل عن الطعم، حتى نفدت منها الكلمات لوصفه. ومع مرور الوقت، تحول وجهُ روزنبلور الذي كان يُراقب الأمر إلى تعبيرٍ غريب.
شعرت كورديليا بالشبع الشديد لدرجة أنْ الماء بدأ يرتفع مِن معدتها إلى حلقها، فوضعت الكأس وقالت:
“آه، أنا آسفة، سيدة ماتيلدا. لقد شبعت ولا أستطيعُ شرب المزيد.”
تنهدت ماتيلدا بعمقٍ وهي تنظرُ إلى الإبريق الفارغ. كانت تأملُ أنْ يتغير الطعم بعد بضعِ رشفات، لكن النتيجة كانت كما هي.
“سيدة ماتيلدا، كورديليا مِن الشمال، حيثُ مِن الصعب الحصول على الشاي، لذا مِن الطبيعي أنْ تجد صعوبةً في تمييز طعمه.”
سارع روزنبلور للدفاع عنها.
“الأمر ليس كذَلك… لا، لا يهُم. ليس مِن الحكمة التسرُع في الحكم. ليس هناك شيءٌ مؤكدٌ بعد.”
هزّت ماتيلدا رأسها في محاولةٍ لتجاوز خيبة أملها. بينما كانت كورديليا تُحاول كتم ما ارتفع مِن الشاي إلى حلقها.
***
لَمْ يستطع أنطون إيمبلي تصديقَ عينيهِ. كان يشعرُ وكأنْ برودة يديها الشديدة كانت كاذبةً. هل هَذا حُلم؟ وإذا لَمْ يكُن حُلمًا، فَما هو؟
“سيدي… سيدي…”
كانت صوفيا تبكي مُنهارةً. كانت قد بكت لدرجة أنْ عينيها ق. أصبحتا متورمتين. وكذَلك باقي الخدم قد بدؤوا بالبكاء.
العالم مِن حولهِ كان يهتزُّ. حاول أنطون الوقوف بثباتٍ، لكنهُ قد وجد صعوبةً كبيرةً في ذَلك.
“روزي… روزي… روزي…”
لَمْ يستطع أنْ ينطق سوى ياسم ابنته.
لماذا تنامين هَكذا؟ والدُكِ قد أتى. انهضي، يا ابنتي.
يا كنزي. يا بحري. يا شمسي. يا كُل ما أملُك.
“آآه، آآه، آآه!”
كان جسد روزالين مُتيبسًا. مما يعني أنها توفيت منذُ عدة أيامٍ.
رغم أنْ صوفيا كانت قد أرسلت إليّهِ برسالةٍ تُخبرهُ عن الهجوم الذي تعرضت لهُ ابنته، إلا أنهُ لَمْ يأكل أو ينام طوال الطريق. الآن، كان الندم يغمرهُ. لو كان قد أتى في وقتٍ أقرب، لو كان قد وصل إلى جانب ابنتهِ بسرعةٍ أكبر، لما كانت روزالين قد أغلقت عينيها في هَذا المكان الموحش وحدها.
أنطون احتضن جسد روزالين وبدأ يصرخُ كوحشٍ جريح.
كانت الغرفة مملوءةً بالحزن لدرجة أنْ حتى أنفاسهم كانت مليئةً بالألم. دموع الأب انهمرت على وجهِ ابنته. كانت الفتاة نحيلةً كالعادة، مثل أغصان الشجرٍ في الشتاء، لكنها الآن بالكاد كانت جلدً على عظم.
أخذ أنطون يُدلكُ ذراع روزالين مرارًا. كان يفعلُ ذَلك لكي يعود الدفء لجسد ابنته البارد، لكن مهما دلك ذراعيها، لَمْ تفتح روزالين عينيها.
أضافت الخادمة الصغيرة وهي تشهق بالبكاء. أنطون ظلّ يُلامس وجهَ روزالين بلا توقف. بدا وكأنها ستفتحُ عينيها في أيِّ لحظة. وبينما كان يُحدق في وجهها لفترةٍ طويلة، فجأةً اجتاحهُ غضبٌ عارم.
كان السبب وراء كُل هَذهِ الكارثة الشخص الذي جعل روزالين تُنجب الطفل. استدار واندفع نحو ماكسيميليان الذي كان واقفا في الزاوية، وصفعهُ على وجههِ.
“ماذا كنتَ تفعل؟ أيُها الحقير لقد طلبتُ منكَ شيئًا واحدًا فقط ولَمْ تستطع حتى القيام بذَلك بشكلٍ صحيح؟”
كانت الصفعة قويةً لدرجة أنْ ماكسيميليان ترنح بشدة. ومع ذَلك، لَمْ يهدأ غضبُ أنطون، فبدأ يضربهُ بقبضتهِ دوّن توقف. لَمْ يُقاوم ماكسيميليان على الإطلاق وتلقى الضربات بالكاملة.
“سأُمزقُكَ إربًا. سأقتلعُ عينيكَ وأدوسهُما وأخرج أحشائك لألقيها إلى الكلاب الضالة بسببكَ، بسبب نُفايةٍ مثلكَ ماتت ابنتي!”
” مَن قتل روزالين هو أتيلي.”
ماكسيميليان بصق الدم المُتجمع في فمهِ وتحدث بهدوء. صاح أنطون بغضبٍ.
“نعم! الدم القذر الذي يجريّ في عروقكَ هو ما قتل ابنتي!”
“روزلين أنجبت الطفل قبل شهرين مِن موعد ولادتها لأن أتيلي هاجم عربة روزلين. لو لَمْ يفعل، لما أنجبت روزلين الطفل فجأةً في هِذا الريف.”
“لو لَمْ تحمل منذُ البداية، ولو لَمْ تغوِ روزي بلسانكَ الماكر، لما حدث هَذا. لَمْ تكُن روزي لتأتي إلى أنسين هاربةً بهَذا الشكل!”
قال أنطون وهو ينظر إليّهِ بغضب. حنى ماكسيميليان
رأسهُ قليلاً وتحدث.
“صحيح، ايُها الدوق. لو لَمْ تحمل روزلين، لما بدأت هَذهِ المأساة. لكن مَن أخذها منكَ هو ليونارد أتيلي. لقد هاجم العربة عن قصد، رُغم علمهِ بعدم وجودي فيها وقتل الفُرسان جميعهم وحطم العربة التي كانت تركبُ فيها روزلين. وكأنهُ كان يتمنى أنْ تُجهض.”
“ماذا؟…”
اهتزّت عينا أنطون للمرة الأولى. ماكسيميليان لَمْ يفوت تلكَ اللحظة. أنزل حاجبيهِ مُتصنعًا الحزن.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 94"