“أيًا كانت الشروط التي قد يُقدمها المرشحون الآخرون لمنصب الكونت، أنا الأفضل بلا شك.”
كان كلامُ أنديل صحيحًا، وكورديليا هزّت رأسها بالموافقة بسهولة.
“حسنًا. بعد انتهاء الجنازة، سأكتبُ رسالةً إلى المجلس وأخبرهم بكم أنتَ مًناسبٌ لمنصب الكونت يا سيد روترافين.”
“يُسعدني أننا قد وصلنا إلى تفاهم.”
يبدو أنْ أنديل والبارون لانكاستر كانا راضيين عن الاتفاق، فغادرا مُبتسمين.
بعد أنْ أنهت كورديليا الأمورَ المُهمة، اقترب يوم نقل نعش كريج إلى المقبرة.
منذُ الصباح، كان المطرُ يهطلُ بغزارةٍ، وهو طقسٌ مُناسب للغاية لمراسم الجنازة.
“دعونا نصلي مِن أجل الكونت إبرامز، الذي كان مثالًا للرحمة وقدوة لكثيرين في حياته. ورغم أنهُ قد غادر هَذهِ الحياة إلى السماء، فإنْ لطفهُ سيبقى في الذاكرة إلى الأبد.”
بدأ الكاهن، الذي أُرسل مِن المعبد، بإلقاء خطابٍ طويل ومعتاد لتأبين الكونت. لكن، بطبيعة الحال، لَمْ يكُن هًناك أحدٌ مِن الحاضرين يستمعُ له بالفعل.
كان الجميع يتبادلون النظرات الجانبية ويتساءلون عن مَن سيخلفُ منصب الكونت.
كانت كورديليا، وهي تُمسكُ بمظلتها، تُراقب نعش كريج وهو يُدفن تحت التراب.
“وداعًا يا كريج. وأنا آسفةٌ لتأخير دفنكَ.”
رغم أنهُ لَمْ يكُن زوجًا جيدًا في حياته، إلا أنهُ عند موته أصبح أفضل مما كان عليهِ في أيِّ وقتٍ آخر. لذا تلاشت مشاعر الضغينة التي كانت تحملُها في بداية زواجهما.
بينما كانت تودع كريج للمرة الأخيرة، اختفى النعش تمامًا تحت التراب.
“إذا كان هُناك أيُّ شيءٍ تودون قولهُ للكونت، فهَذا هو الوقت المُناسب.”
كان الحاضرون في الجنازة، في الغالب، مِن أولئكَ الذين كانت لهُم أعمالٌ مع إبرامز أو كانوا يسعونَ للسيطرة على منصب الكونت. لَمْ يكُن هُناك أحدٌ حزينًا على وفاة كريج.
وكما كان مُتوقعًا، لَمْ يتحدث أحد. أنهى الكاهن مراسم التأبين دوّن أنْ يُفاجأ بالصمت. مع تأدية صلاة قصيرة، انتهى الدفن.
رغم أنْ هُناك خطواتٍ أخرى للجنازة لَمْ تُنفذ بعد، إلا أنْ الجزء الأكبر منها قد انتهى. وبينما كانت كورديليا تهمُ بالعودة إلى القصر، ركض خادم نحوها بسرعة.
“سيدتي، لقد، ها، وصل ضيفٌ.”
“الآن؟”
كانت تتوقع أنْ يكون الضيف قد وصل مُتأخرًا بعد انتهاء الدفن، لكنها تفاجأت بما قالهُ الخادم بعد ذَلك.
“مِن إلفينباوم.”
“مَن الذي جاء؟”
“إلفينباوم يا سيدتي. كان يحملُ شعار النمر الأسود.”
كان صوت الخادم مُرتفعًا بما يكفي ليسمعهُ الحاضرون في الجنازة، وبدأوا في التحدث فيما بينهم عند سماع اسم إلفينباوم.
وقبل أنْ تسأل الخادم ما إذا كان قد رأى الأمر بشكلٍ صحيح، ظهر صاحبُ الاسم.
كان روزنبلور، المُبلل بالمطر، قد تغيّر، وبدت عليهِ علاماتُ الإرهاق. ومع ذَلك، فإنْ هَذا زاد مِن إبراز ملامح وجههِ الحادة.
“يا للأسف، يبدو أنْ الدفن قد انتهى بالفعل. أعتذرُ، كورديليا، لقد تأخرت.”
اعتذر كما لو كان حضورهُ هُنا أمرًا مُتفقًا عليهِ. لَمْ تتذكر كورديليا أنها دعتهُ، لذا بدا اعتذارهُ غريبًا.
“لَمْ تتأخر حقًا. ما زالت الزهور لَمْ تذبُل بعد. لكن، كيف علمتَ بالمكان يا سيد روزنبلور؟”
“بالطبع، جئتُ لتأبين الكونت إبرامز. رغم أنْ لقاءنا كان قصيرًا، إلا أنهُ كان مؤثرًا للغاية.”
أخذ وردةً مِن الخادم ووضعها على القبر، ثم انحنى بوقار.
“أتمنى لهُ الراحة الأبدية.”
كان واضحًا أنْ تعازيهِ كانت صادقةً. وربما كان روزنبلور هو الوحيد مِن بين الحاضرين الذي حزن حقًا على وفاة كريج.
“شكرًا على قدومكَ، سيد روزنبلور.”
“هَذا أقل ما يُمكنني فعلُه.”
سارت كورديليا مع روزنبلور نحو القصر. ورغم أنْ العديد مِن الحاضرين كانوا يرغبون في التحدث معه، إلا أنْ كورديليا قد تجاهلتهم، فقد كان يبدو عليهِ الإرهاق الشديد.
أرشدتهُ إلى غرفة الضيوف مُباشرةً. رغم أنْ الفصل كان ربيعًا، إلا أنْ المطر جعل الجو باردًا. قدمت لهُ منشفةً وساعدتهُ على الاحتماء بالقرب مِن المدفأة.
“الآن، بعد أنْ أصبحنا وحدنا، يُمكنكَ أنْ تتحدث بحرية.”
“ماذا تعنين؟”
“سببُ قدومكَ إلى هُنا.”
“……”
“هل حدثَ شيءٌ ما؟”
“……متى كانت آخر مرةً تواصلتِ فيها مع ليديا؟”
“ليديا؟ دعني أفكر… كان ذَلك منذُ حوالي شهر. التقينا أنا ومُعلمي وليديا في مقهى وشربنا الشاي. كان ذَلك آخر مرةٍ معها.”
بعد ذَلك اللقاء، لَمْ تتلق كورديليا أيَّ رسالةٍ مِن ليديا، لكنها لَمْ تكترث، مُعتقدةً بأنها كانت مشغولة.
كورديليا نفسها كانت غارقةً في أمور وفاة كريج ومشاكل شقيقها دينيس، لذا لَمْ تُفكر كثيرًا في ليديا.
“ليديا.”
نطقَ روزنبلور اسمها ثم توقف لفترةٍ طويلة قبل أنْ يُكمل حديثهُ، كما لو كان يُعاني مِن ألمٍ شديد.
“ليديا اختفت. مرٍ أكثرُ مِن أسبوعين على ذَلك.”
“ماذا تعني؟ كيف اختفت ليديا؟ إلى أين ذهبت؟”
“للأسف، لا أعرف وجهتها. لذا كنتُ أبحثُ عنها في كُل مكان في إيرشيه.”
“آه.”
شعرت كورديليا بصدمةٍ مُفاجئة. أدركت أنْ ليديا لَمْ تخرج فقط هاربةً مِن المنزل، بل كان الأمرُ أكثر خطورةً.
أنْ تختفي شابةٌ نبيلة، وخصوصًا مِن عائلةٍ ذاتُ سمعةٍ مرموقة مثل إلفينباوم، ليس بالأمر العادي.
أول فكرةٍ رومانسية قد تخطرُ ببالها هي الهروب مع حبيب، لكن كورديليا تعرفُ مَن تُحب ليديا، لذا استبعدت هَذهِ الاحتمالية تمامًا.
إذًا، لا يتبقى الكثير مِن الخيارات.
“هل مِن المُمكن أنْ يكون أحدهم قد أخذها بالقوة؟”
“لا أستبعدُ هَذا الاحتمال أيضًا.”
كان الجواب غامضًا، لكن كورديليا فهمت معناهُ على الفور.
“هل يعني ذَلك أنكَ لستَ مُتأكدًا ما إذا كانت قد رحلت بإرادتها أم لا؟”
“لو كان الأمرُ أختطافًا مِن أجل المال، لكنّا قد تلقينا اتصالات بالفعل، لكن لَمْ نتلق أيَّ شيءٍ منذُ ذَلك اليوم. علاوةً على ذَلك، اكتشفنا أنها قد أخذت بعض الآثار المُقدسة قبل اختفائها، ولَمْ نعثر عليها في أيِّ مكانٍ داخل القصر.”
“همممم.”
بالتأكيد، الوضعُ مُحيرٌ. وهَذهِ الظروف الغامضة تجعلُ الأمور أكثر جنونًا.
تردد روزنبلور للحظة، ثم قال:
“في الواقع، قبل أيامٍ قليلة مِن اختفاء ليديا، تأثرت بشدةٍ بخبر وفاة زوجكِ يا كورديليا.”
“حقًا؟”
“نعم. لقد كانت مُتفاجئةً للغاية، وسألت الخادم الذي جاء بالخبر مرارًا وتكرارًا عما إذا كان الأمرُ مؤكدًا.”
“يبدو أنها كانت مُتأثرةً.”
“مِن الطبيعي أنْ تتفاجأ، لكن الخادمة قالت بإنها كانت تشعرُ بقلقٍ شديد بعد ذَلك اليوم، لدرجة أنها لَمْ تتمكن مِن النوم جيدًا.”
“ليديا؟”
بالرغم مِن أنها أظهرت رد فعلٍ مُبالغًا فيه، إلا أنْ ليديا لَمْ تُرسل أيَّ رسالةٍ لكورديليا. والأمرُ الغريبُ هو أنْ ليديا لَمْ تكُن تعرف كريج، فما الذي أثار قلقها مِن وفاته؟
“هل كانت ليديا تعرفُ الكونت إبرامز؟”
“لا، على الإطلاق. بحسبِ علمي، لَمْ يكُن بينهما أيُّ صلةٍ. كريج تعرض لحادث عربة في اليوم الذي وصل فيه إلى العاصمة.”
“إذًا، هل تحدثتما عن زوجكِ مِن قبل؟ أعتذر إنْ كان سؤالي غيرُ لائق، لكني أتيتُ إلى هُنا ببعض الأمال اليائسة.”
“لا بأس، سأجيب عن أيِّ شيء أنْ أستطعت. هممم… سألتني ذات مرةٍ بشكلٍ عابر عن زوجي وما كان عليه، فأجبتها. لكن كانت مُحادثةً قصيرة ولَمْ تبدِ ليديا اهتمامًا كبيرًا، لذا لا يوجد شيءٌ خاص عن ذَلك.”
“فهمت.”
ملأت ملامحُ خيبة الأمل وجه روزنبلور على الفور. كان مِن الصعب على كورديليا أنْ تتخيل ما الذي دفعهُ للسفر كُل هَذهِ المسافة في هَذا الوضع اليائس.
“لديّ بعض الرسائل التي تبادلتُها مع ليديا في أتيلي. هل تود إلقاء نظرةٍ عليها؟”
“هَذا سيكون إزعاجًا كبيرًا لكِ.”
لكن روزنبلور لَمْ يستطع رفض ذَلك. أطلقت كورديليا مزحةً لتخفيف الأجواء.
“لا تقلق، لا توجد محادثاتٌ سيئةُ عنكَ فيها.”
“كورديليا.”
“إنها مُجرد رسائل يومية، ربما لَن تكون ذات فائدةٍ كبيرة، لكن قد تجدُ فيها شيئًا لا أعرفًه. يمكنكَ الاطلاع عليها متى شئت. وليديا صديقتي، لذا أرغبُ في المُساعدة بأيِّ شكلٍ مُمكن.”
“شكرًا جزيلًا يا كورديليا.”
أعرب عن امتنانهِ بصدق، وبدت ملامحهُ متوهجةً بعض الشيء في ضوء النار.
“لا تقلق كثيرًا. مهما كانت الأسباب، ليديا ستعود إلينا.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 77"