طردَ أنطون الطبيب وجلس وحدهُ على الكرسي مُحاولاً تهدئة أنفاسه.
“هاه…”
كم مِن الوقت قد مضى؟
نهض مرةً أخرى بخطى مُتثاقلةٍ وتوجه إلى غرفة ابنتهِ. كانت المُربية تقوم بتدليك ذراعي وساقي روزالين، وعندما رأت أنطون قادمًا، وقفت فجأةً.
“هل وصلتَ، سيدي؟”
“كيف حالُ روزالين؟”
“كما كانت في الصباح.”
كان ذَلك يعني أنها ليست بخير. طلب أنطون مِن المُربية المُغادرة، وجلس على الكرسي الذي كانت تجلسُ عليه. ثم بدأ بتدليك ذراع ابنتهِ بنفسِ طريقة المُربية. كانت نحيلةً للغاية، مثل غُصن شجرةٍ في الشتاء.
“أبي؟”
“عودي للنوم.”
“أشعرُ بالعطش.”
قام بصب الماء في الكوب الموضوع على الطاولة الصغيرة بجانب السرير وقدم لها الكوب. لَمْ تتمكن روزالين مِن شُرب سوى القليل قَبل أنْ تُعيده إليه.
نظر أنطون إلى الكوب الذي اخذهُ منها. كان هُناك دمٌ ممزوجٌ في الماء.
“سوف نذهب معًا إلى أنسين ونُقيم حفل زفافنا هُناك. في الحديقة التي تُزهر فيها الورود التي أحبها. وسنُربي طفلُنا معًا… آه، أبي. فكرتُ في بعض الأسماء لِطفلنا.”
كان وجهُ روزالين يبدو أكثر إشراقًا بعض الشيء. بدأت تتحدثُ بحماسٍ عن ماكسيميليان وما تودُ أنْ تفعلهُ معه، مثل عصفورٍ قد استيقظ لتوهِ في الصباح. ولَمْ يُفوت أنطون أيَّ لحظةٍ مِن هَذا المشهد.
ابنتي، كنزي، بحري، شمسي، كُل شيء بالنسبة ليّ.
“افعليّ ما تَرينهُ مُناسبًا.”
“أنسين حارةٌ، أليس كذلك؟”
“افعليّ ما ترغبين بهِ.”
“أبي!”
جلست روزالين فجأةً بعد أنْ كانت نصف مُستلقية. كانت عيناها الكُهرمانية تتألقُ بشدةٍ. أمسكت بذراع أنطون وهزته بحماسة.
“هل ستُنقذ ماكسيميليان؟ هل ستُخرجهُ مِن السجن؟”
“نعم. سأفعلُ ذَلك، لكن عليكِ تناول وجباتكِ بانتظام حتى لو كنتِ لا ترغبيّن في ذَلك. وتناولي دواءكِ أيضًا.”
“بالطبع، أشعرُ فجأةً بالجوع. أريدُ أنْ آكل.”
“لقد كنتِ بالكاد تشربين الماء للتو، لا تُجهدي نفسكِ.”
“أشعرُ أنني أستطيعُ تناول ثورٍ كاملٍ الآن.”
ضحك أنطون ببساطةٍ على كلام ابنتهِ. استدعت روزالين أحد الخدم وطلبت منهُ إحضار طعام لإثبات ما قالته.
لَمْ تأكُل سوى طبقٍ صغيرٍ مِن الحساء السائل، لكن أنطون قد شعر بالرضا. في تلكَ اللحظة، اقترب الخادم بهدوء منهُ وهمس:
“وصل السيد فاسكويز. هل أُدخله؟”
“فاسكويز؟ نعم، أدخلهُ.”
ذهب أنطون إلى غرفة الاستقبال.
بعد قليل، دخل رجلٌ عجوز يرتدي ملابس فاخرةً وهو يعرج.
“أوه، سيد إمبلي، قد مضى وقتٌ طويل.”
“فيكونت فاسكويز. شكرًا لأنكَ قد تكبدتَ عناء المجيء إلى هُنا. اجلس.”
أشار بيدهِ إلى الكرسي المُقابل لهُ. تفحص بابلو فاسكويز غُرفة الاستقبال بنظرةٍ جشعة قبل أنْ يجلس بتفاخُر.
“إذن، سمعتُ بأنكَ أردتَ رؤيتي. ما الأمر؟”
كان صوتُ بابلو مليئًا بالغطرسة.
“هاها، يبدو أنكَ مُتعجلٌ جدًا. دعنا ندخُل في الموضوع مباشرةً، أليس كذلك؟”
“أجل، لماذا قد نضيع الوقت؟”
“هَذا يُناسبني. لكن ماذا حدث لساقكَ؟”
“هَذهِ؟”
كبح بابلو غضبهُ عندما رأى قدمهُ اليُمنى وحاول التظاهُر بأن الأمر لا يستحق الذكر.
“لا شيء مهم. أصبتُ أثناء الصيد.”
“يبدو أنْ الفيكونت فاسكويز يصطادُ حتى في الربيع.”
“هممم.”
تجنب بابلو الإجابة. شعر أنطون ببعض الريبة لكنهُ لَمْ يُلّح في السؤال. لَمْ يكُن الأمر ذا أهميةٍ كبيرة.
“بما أننا لا نميلُ إلى المُراوغة، دعني أكون صريحًا. هل سمعتَ بأنْ أتيلي ينوي عقد مُحكمة؟”
“نعم، سمعتُ بذَلك. يقولون بإنهُ سيُقاضي أخاه.”
“صحيح. ما أريدهُ هو منعَ حدُث هَذهِ المُحاكمة.”
“وما علاقتكَ أنتَ بمُحاكمة أتيلي؟”
“أتيلي يعتزمُ استدعاء إمبلي إلى المُحكمة. وهَذا أمرٌ غيرُ مقبول بالنسبة ليّ.”
“أوه. هل يعني هَذا أنْ إمبلي كان لها دوّرٌ في ما حدث لـ أتيلي؟”
ظهر بريقٌ في عيني بابلو. كان تصرفهُ وكأنهُ قد حصل على فرصةٍ ذهبية، وكان ذَلك واضحًا بشكلٍ مُزعج. شعر أنطون بالاشمئزاز مِن تصرفه لكنهُ لَمْ يُظهر ذَلك.
“دوّر؟ هاها، هَذا كلام خطيرٌ. إمبلي ليس لها أيٌّ علاقةٍ بذَلك. الأمرُ فقط أنْ أتيلي يُريد أنْ يصُب غضبهُ على أحد. لأنهُ عندما أُعلن عن وفاته، دعمتُ خلافة ماكسيميليان للقب.”
“ألَمْ يكُن هُناك عائلاتٌ أخرى قد قامت بذَلك أيضًا؟”
“كانت هُناك بعضُ العائلات التي عارضت إقامة جنازةٍ بلا جُثة في البداية. كُل ما فعلتهُ هو أنني قد صدقتُ كلام الابن الثاني.”
“همم، فهمتُ الوضع. إذن، ما هو المُقابل إذا ساعدتكَ؟”
“إلا يجبُ أن تسأل عن المهمة قبلَ أنْ تعرفَ المُقابل؟”
“المُقابل هو ما سيحددُ إنْ كنتُ سأتصرف أم لا.”
“حقًا…”
“حقًا؟”
أخفى أنطون كلماتهِ الحادة خلف ابتسامةِ مُزيفة.
“أعجبتني طريقتُكَ الحماسية.”
“هاها، عادةً ما أسمعُ مثل هَذا الكلام.”
“سأعطيكَ المُقابل الذي يُرضيك. ولكن هُناك شيءٌ واحد يجبُ أنْ نوضحه أولاً.”
“ما هو؟”
“ابنتُكَ، كورديليا إبرامز. أليست هي التلميذة الوحيدة لأتيلي؟”
“لماذا تسألُ عنها؟”
ما إنْ تم ذكرُ كورديليا حتى عبُسَ بابلو فورًا.
“قد تدعي بأنكَ ستُساعدني مِن الأمام، ولكن مِن الخلف قد تتواصل مع ابنتكَ وتقفُ في صف أتيلي.”
“أوه، لا تقلق بشأن ذَلك. فأنا لا أتعاملُ مع تلكَ الفتاة الوقحة.”
“ماذا؟”
“إنها فتاةٌ ماكرةٌ وشريرة. لا تعرفُ كيف تحترمُ والدها. لقد ورثت ذَلك مِن أمها.”
بابلو استمر في الحديث بشكلٍ سيء عن ابنتهِ لفترةٍ طويلة. كان الحقدُ يشتعلُ فيه، وكأنهما ليسا أبًا وابنته، بل أعداء.
لَمْ يستطع أنطون فهم طريقة تفكيره. أليس الأطفال هُم أثمنُ ما لدى الأبوين؟
خصوصًا أنْ تلكِ الابنة هي التلميذةُ الأولى لأتيلي، الذي يعتبرها مِن أقرب الناس إليّه. وفي الآونة الأخيرة، انتشر في المُجتمع الراقي خبرُ أنه قد حملها بين ذراعيهِ وغادر حفلة الساراسين.
“صحيح. دينيس فاسكويز، هو الذي سيقود عائلة فاسكويز مِن بعدي. يمتلكُ مهاراتٍ مُميزة في المُبارزة. وقد جاء معي إلى العاصمة ليرى المدينة.”
على عكس حديثهِ السابق، امتلأت عينا بابلو بالفخر.
أنطون قد وجد ذَلك غريبًا. مهما كانت مهاراتُ دينيس فاسكويز رائعةً في المبارزة، لا يُمكن مقارنتها بابنتهِ، التي تُعتبر تلميذة أتيلي، ومع ذَلك يبدو أنهُ يُفضل ابنهُ أكثر.
كان مِن المُمكن أنْ تكون خطةً مُثيرةً للأهتمام لو استغل ابنهُ كـ إداةٍ للضغط على ابنتهِ.
لقد استدعى فاسكويز فقط كواحدةٍ مِن الأدوات المُختلفة التي يُمكن استخدامها للضغط على الملك، لكنهُ قد أدرك أنهُ قد يكون أكثر فائدةً مما توقع.
“تقول إنْ ابنكَ موهوبٌ في المُبارزة؟ حسنًا، هَذا مُمتاز. الفرسان في فرقة الأيائل الفضية يحتاجون إلى شخصٍ مثل ابنكَ. سأخبرُ جلالتهُ عن ذَلك.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 61"