مأساة. وافقت كورديليا على تلكَ الكلمة. راودها افتراضٌ لا معنى لهُ عما كان سيحدُث لو اختارت ليديا خيارًا آخر. لأول مرةٍ شعرت برغبةٍ في التحدُث إلى ليديا.
“لستُ ألوم السيد روزنبلور. الأمرُ فقط كان شيئًا كهَذا حدث وحسب.”
هُناك الكثيرُ مِن الأمور التي تحدثُ في هَذا العالم، أمورٌ هائلةٌ مثلُ القدر، لا يُمكن للإنسان منعُها أو إيقافها مهما حاول. عندما يواجهُ المرء شيئًا كهَذا، فلا مفرَ مِن أنْ يشعُرَ بالعجز.
رغم أنْ موقف روزنبلور تجاه كورديليا كان غيرَ عادلٍ، إلا أنها لَمْ تكُن عاجزةً عن فهمِ مشاعرهِ تمامًا. فَفي مواجهة تلكَ التعاسة الساحقة، يُصبح كُل شخصٍ ضعيفًا وحقيرًا.
لقد شعرت فقط بخيبة أملٍ تجاه روزنبلور. كانت تتوقعُ منهُ استجابةً أكثرَ نُضجًا.
خيبةُ الأمل… أدركت أثناء الحديث ماهية هَذا الشعور المُزعج الذي كانت تشعرُ بهِ تجاهه.
“هُناك أمورٌ تحدثُ في هَذا العالم لا يُمكن فهمُها بالعقل. كما أنْ ليديا، التي تملكُ كل شيء، قد أحرقت جسدها بالكامل للحصول على شيءٍ واحدٍ فقط.”
حاولت كورديليا أنْ تُضيف بعض الكلمات التي قد تبدو كعزاء، لكنها توقفت. أيُّ كلماتٍ قد تقولها لَن تصل إلى أذنيه. مهما كانت الكلمات، لَن تغيّر ما حدث.
“وداعًا.”
بدلاً مِن ذَلك، قدمت لهُ تحية وداع. انحنت باحترام نصف انحناءة. رُبما كانت هَذهِ هي النهاية.
استدارت كورديليا وغادرت.
“هُناك ثلاثة أطباء مُقيمين في قلعة إيمبلي، لكن اثنين منهُم خرجا لعلاج الجنود، والطبيب الآخر برفقة السيد.”
رد كبير الخدم وهو يمسحُ عرقهُ المُتصبب عندما طلبت منهُ كورديليا إرسال طبيبٍ لعلاج إصابتها. كان الحرُ في منطقة هاشيموس، الواقعة جنوب إيرش، يفوقُ التصور، حتى أنْ فصل الخريف كان يقترب، إلا أنْ العرق كان يتصببُ منهُم كالمطر.
“حقًا؟ إذن لا بأس. أخبر أيَّ واحدٍ منهُم إذا كان لديهِ وقت، أنْ يأتي إليّ، آه…”
توقفت عن الكلام فجأةً عندما تذكرت أنْ أنطون قد استعاد وعيّهُ.
“قال بإنه لا بأس أنْ تأتي. بل هو قد سألني أولًا عن حالتكِ الصحية.”
“حقًا؟”
قامت كورديليا مِن على المقعد بسرعةٍ وهي تبدو مُبتهجة. شعرت بوخزٍ في كاحلها مِن الألم، لكنها استطاعت المشي.
قادها كبيرُ الخدم إلى الغرفة التي كان يُقيّم فيها الدوق. لَمْ يكُن المكان بعيدًا، لذا وصلوا بسرعة.
عندما فتح الباب، انبعثت رائحةُ أدويةٍ قوية. تجعدَ أنفُ كورديليا قليلاً وهي تقتربُ مِن السرير الذي كان أنطون مُستلقيًا عليهِ. وعندما رآها، التقت أعينُهما.
“كيفَ حالُكَ؟”
“لستُ سيئًا. مُعلمُكِ قد أغرقني بالسحر.”
لَمْ يكُن وجههُ سيئًا بالنسبة لشخصٍ قد عاد مِن حافة الموت، مِما جعل كلماتهِ تبدو صادقة. أشار أنطون بيدهِ إلى شيء ما.
“هل أقدمُ لكَ الماء؟”
“لا، اجلسي على الكرسي بدلًا مِن الوقوف. سمعتُ بأنكِ أصبتِ في كاحلكِ.”
أحضر الخادم الذي كان يقفُ بجانب الجدار كرسيًا بسرعة ووضعهُ خلف كورديليا. لكن لطفُ أنطون لَمْ يتوقف هُنا. بل نادى الطبيب الذي كان يقفُ بعيدًا وأشار إلى كورديليا قائلاً:
“أنا الآن بخير. اهتمَ بهَذهِ الفتاة.”
“حاضر، سيدي.”
انحنى الطبيب، الذي بدا عليهِ الوقار، بتهذيبٍ واستجاب للأمر. ورغم أنْ كورديليا كانت بالفعل بالغة، إلا أنها لَمْ تعترض على وصفهِ لها بالفتاة، بل سمحت للطبيب بمُعاينة حالتها.
فحص الطبيب كاحلها بعنايةٍ واكتشف أنهُ مُجرد التواءٍ بسيط. بعد ذَلك وصف لها مرهمًا وبعض الأدوية.
“سأرسل الأدوية مع أحد الخدم.”
غادر الطبيب والخادم الغرفة بعد أنْ أنهى حديثهُ. الآن، لَمْ يبقَ في الغرفة سوى كورديليا وأنطون.
كان أنطون يُحدق في الشمس الغاربة عبرَ النافذة. لَمْ تقاطعهُ كورديليا، تاركةً لهُ الوقت. وبعد مرور فترةٍ، تحدث أنطون دوّن أنْ يرفعَ نظرهُ عن النافذة.
“رأيتُ لارا في حُلمي.”
تذكرت كورديليا أنْ هَذا الاسم يعود إلى زوجة أنطون. كان وجههُ المُنعكس في النافذة مليئًا بالندم والذكريات والحُزن العميق.
“بعد وفاة لارا، كنتُ دائمًا أفكر في أنني أريدُ الموت. تمنيتُ لو أختفي مِن هَذا العالم عند استيقاظي صباح اليوم التالي. لكن كان لديّ روزالين. كان عليّ حمايتُها، لذَلك استطعتُ أنْ أعيش يومًا بعد يوم بصعوبة.”
“أفهم.”
لَمْ تُحاول كورديليا أنْ تُقدم لهُ كلمات عزاءٍ مُتسرعة، بل اكتفت بإجابةٍ بسيطة ثم صمتت مُجددًا.
“قد يبدو هَذا عذرًا، لكن كلماتُ ماكسيميليان كانت كالأمل الأخير بالنسبة ليّ في ذَلك الوقت. اعتقدتُ أنه إذا استطاع أتيلي إحياء نفسهِ، فقد يكون بإمكانهِ فعل الشيء نفسه لأبنتي. لو لَمْ أصدق ذَلك، لما استطعتُ أنْ أتنفس.”
عندما انتهى مِن اعترافهِ الطويل، التفت أخيرًا لينظُر إلى كورديليا.
“لقد أخبرَ أتيلي مجلس النبلاء بكُل شيء. وعندما أتعافى، سيتمُ تقديمي للمحاكمة.”
“ماذا يعني ذَلك؟”
“لقد ساعدتُ ماكسيميليان في الهرب مِن السجن، وهددتُ أحد النبلاء بالسُم. إنها جرائمٌ خطيرة، ولا أعتقدُ أنْ العقوبة ستكون خفيفةً.”
“الإعدام؟”
“إذا كنتِ تريدينهُ، فَهَذا مُمكن.”
كانت تسألُ ببساطة، لكن الإجابة الجدية أدهشت كورديليا، وجعلتها تشعرُ ببعض الارتباك.
“تتحدثُ وكأنْ الأمر لا يعنيك.”
“لِمْ أدرك ما فعلتُه إلا بعد أنْ انتهى كُل شيء. أنا آسف لما سببتُه لكِ.”
“ولكن، مهما كان جرمُكَ كبيرًا، هل يُمكن حقًا تنفيذ الإعدام بحق الدوق؟ ألا تقول هَذا فقط لتكسبَ تعاطُفي؟”
عندما شككت كورديليا بنظرةٍ مُرتابة، ضحك أنطون بهدوء.
“هاهاها، يبدو أنكِ لا تُدركين مدى قوة أتيلي بعد. إذا أراد، بإمكانهِ حتى خلعُ ملك إيرشيه.”
كورديليا كانت تنسى أحيانًا أنْ ليونارد هو رئيس عائلة أتيلي العظيمة، لكنها في مثل هَذهِ اللحظات كانت تُدرك مدى عظمة مُعلمها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 133"