99
الفصل 99 : عقدٌ مع الشيطان ¹⁰
***
لأول مرةٍ منذُ فترةٍ، جاء البارون إلى ويلآس لتقديم تقريرٍ عن التحقيق الذي أمرهُ ليونارد به.
التقى الاثنان في حديقةٍ هادئة وتحدثا.
“لماذا أحضرتَ هَذا الكلب؟”
“لَمْ أُحضرهُ أنا. عندما علم بأنني مُتجهٌ إلى السيدة كورديليا، صعد إلى العربة بنفسهِ.”
نظر البارون إلى لوتي التي كانت تتثاءب بتكاسُل وضحك بهدوء. وضعت لوتي رأسها بلا اكتراثٍ على الأرض وبدأت تغفو تحت أشعة الشمس.
“هَذا هو التقرير الذي طلبته.”
كانت الحديقة خاليةً في مُنتصف النهار، حيثُ كان النُبلاء فقط هم مَن يتجولون في هَذا الوقت.
جلس ليونارد واضعًا ساقًا فوق الأخرى وبدأ يقرأ الوثائق التي جمعها البارون. كانت الوثائق أثقل مِما توقع، مِما استغرق وقتًا لقراءتها، وسرعان ما ارتسمت على وجههِ علاماتُ خيبة الأمل.
“ما هَذا؟”
“تم تغيّرُ العاملين في قصر فاسكويز باستمرار، والوحيد الذي يتذكر السيدة فاسكويز هو كبير الخدم.”
“كم عددُ الأشخاص الذين تم تغيّرهم؟ هل لديهم وسواسٌ قهري؟”
خلال العشرين سنة الماضية، عمل في قصر فاسكويز مئاتُ الأشخاص لفتراتٍ قصيرةٍ جدًا. في العادة، يعمل الخدم في بيوت النبلاء لفتراتٍ طويلة قد تصل لعشر سنواتٍ أو أكثر، لكن هَذا الوضع كان استثنائيًا.
“يبدو أنْ السبب لَمْ يكُن الوسواس القهري، بل التأخر في دفع الرواتب، مِما جعلهم يًغادرون سريعًا أكثر مِن نصف المُغادرين لَمْ يتلقوا رواتبهم كاملة.”
“هاه.”
تنهد ليونارد ووضع الوثائق بجانبه.
كان قد أمر بالتحقيق مع العاملين على أمل العثور على أحدٍ يعرفُ شيئًا عن ولادة كورديليا، ولكن النتائج كانت مُخيبةً للآمال.
“وماذا عن كبير الخدم؟ هل يعرفُ شيئًا؟”
“حسنًا… حتى هو جاء بعد ولادة السيدة كورديليا بفترةٍ طويلة، لذا لَمْ يتمكن مِن تقديم أيِّ معلوماتٍ. لكنهُ اقترح البحث عن المُربية.”
“المُربية؟ آه، تلكَ التي مِن إيراثكوس، صحيح؟”
تذكر ليونارد فجأةً حديث كورديليا عن وجود مُربيةً مِن إيراثكوس، التي علمتها لغة فيدوس مِن القارة الجنوبية.
“أجل، صحيح. كانت المُربية على علاقةٍ وثيقة بالسيدة فاسكويز، لكنها غادرت عندما كانت السيدة كورديليا في العاشرة تقريبًا.”
“إلى أين ذهبت؟”
“نحنُ نبحثُ عنها الآن، ولكن إذا كانت قد عادت إلى إيراثكوس، فقد يستغرقُ الأمر بعض الوقت.”
“لا يهُم كم سيستغرق، فقط تأكد مِن العثور عليها.”
“لكن، هل ليّ أنْ أسألكَ لماذا فجأةً أمرت بالتحقيق عن ولادة السيدة كورديليا؟”
سأل البارون بنبرةٍ مُهذبة. صمت ليونارد، إذ لَمْ يرغب في زرع أيِّ أفكارٍ أو أحكامٍ مُسبقة خاطئة بشأن كورديليا قبل أنْ تتضح الأمور بالكامل.
“أنا فقط فضولي.”
“حسنًا، فهمت.”
وكأيِّ تابعٍ مُخلص، أدرك البارون أنهُ لا يرغب في التحدث عن السبب، وتوقف عن طرح الأسئلة.
“هُناك شيءٌ آخر أيضًا. ماكسيميليان وروزالين إيمبلي اتجها معًا نحو الجنوب، لكنهما انفصلا قبل ركوب السفينة في أنسين. لحقنا بـ ماكسيميليان، ويبدو أنهُ قد اتصل بالسحرة المنفيين. وجدنا آثارًا سحرية غامضة في أماكن عدة. وقد قُتل كُل مرافقي إيمبلي وكذَلك الفرسان الذين كانوا معهم. اكتشف فريق التعقب الثاني الأمر بعد فوات الأوان.”
“السحرة المنفيون؟ تقصد المطرودين؟”
“نعم. لا نعلمُ بماذا وعدهم ماكسيميليان، لكن يبدو أنهُ يتحركُ الآن معهم.”
“يا لهُ مِن فأرٍ بارعٍ بالهروب.”
عبّر ليونارد عن أنزعاجه. بالرغم مِن فقدانه لقوته السحرية، كان ماكسيميليان لا يزال سريعًا في الهروب بشكلٍ مُدهش.
“هل انفصل عن إيمبلي تمامًا؟”
“نعم. بناءًا على التقارير حتى الآن، يبدو أنهُ يتحرك فقط مع السحرة. وهُناك شيءٌ آخر، لكنهُ ليس مؤكدًا بعد.”
تردد البارون قليلاً قبل أنْ يقول: “يبدو أنْ روزالين إيمبلي قد ماتت.”
“ماتت؟ كيف؟”
“يبدو أنها توفيت أثناء الولادة.”
“هممم.”
بدأ ليونارد يفركُ ذقنه. الأمور تزدادُ تعقيدًا. فقدان ابنتهِ المحبوبة قد يدفع الدوق إيمبلي للانتقام، ورُبما قد يسعى لقتل ماكسيميليان. لكنهُ كان يخشى أنْ يفقد أنطون عقلهُ ويُهاجم عائلة أتيلي.
“هل عرف ماكسيميليان بذَلك وهرب؟”
“لا نعلم حتى الآن.”
“آه.”
شعر ليونارد فجأةً بالغضب.
كان يجبُ أنْ يقتلهُ في ديلوانا.
نادرًا ما ندم ليونارد على أفعالهِ، لكنهُ الآن نادمٌ على إبقاء ماكسيميليان حيًا. كان يُخطط لقتلهِ بطريقةٍ مؤلمة بسبب خيانته، لكن الأمور تعقدت بشكلٍ مُزعج.
“وماذا عن السيد مينوفيو؟ هل انضم إليهم؟”
“تلقيتُ رسالةً منهُ بالأمس. سيتوجه إلى أنسين أولاً.”
“حسنًا. لا داعي لأسره. اقتلوه فورًا إذا وجدتموه.”
“هل أنتَ مُتأكد؟ ألَمْ تكُن تنوي مُحاكمته؟”
“لَمْ أعد مُهتمًا بالمُحاكمة. لقد اكتشفتُ شيئًا أكثر إثارة.”
الغضب الذي كان يشتعل كبركان قد اختفى منذُ فترةٍ طويلة. هَذهِ الأيام، ما يُسيطر على جسدهِ وروحهِ ليس الكراهية التي تجرحً صدره، بل الحُب.
بعد أنْ لاحظ ليونارد أنْ نظراتهِ كانت مُركزة على أتجاهٍ مُعين، تبعه البارون ونظر في نفس الاتجاه. بالطبع، كانت كورديليا تسيرُ باتجاههما مِن بعيد. يبدو أنها لاحظتهما، حيثُ لوحت بيدها مِن بعيد. رد اابارون برفع يدهِ قليلاً.
“متى سيكون الوقت المُناسبًا لإقامة حفل الزفاف؟”
“عن ماذا تتحدث؟”
“ألا تظُن أنْ الربيع سيكون مُناسبًا؟ إذا بدأنا التحضير مِن الآن، يُمكننا إنهاء ترتيبات الزفاف في القلعة.”
قال بارون مُمازحًا. جلس ليونارد واضعًا يدهُ على ذقنه وهو يُراقب كورديليا التي كانت تقترب. التقت عيناهما. في الواقع، لَمْ يستطع أنْ يُبعد عينيهِ عنها.
“كفى. هل تُريدني أن أدخُل الحفل وحدي؟”
لَمْ يُنكر مشاعرهُ. كان البارون يجدُ في ضعفِ سيدهُ شيئًا مضحكًا ومؤلمًا في آن واحد.
“أهَ ماذا يُزعجكَ؟ مَن يجرؤ على رفض عرض زواجٍ مِن سيدي؟”
“أخشى أنْ تكون هي مَن ترفض.”
فقط بعد أنْ نطق ليونارد بهَذهِ الكلمات أدرك ما الذي يخشاه.
منذُ أنْ أصبح مُدركًا لمشاعرهُ، حاول أنْ يفهم مشاعر كورديليا. ولكن مهما حاول تفسير الأمور بشكلٍ إيجابي، كان مِن الواضح جدًا أنها لا تشعرُ تجاههُ بأيِّ مشاعر رومانسية.
في البداية، كان واثقًا. كان يملكُ الكثير مِن المزايا، وكان ذكيًا وجذابًا، ولو استمر في تعداد مزاياه لما انتهى. ولكن اكتشف لاحقًا أنْ كُل ذَلك لا يعني شيئًا لكورديليا.
في بعض الأحيان، كان يشعرُ بالألم عندما ينظرُ إلى وجهها. لأول مرةٍ، كان يفهمُ معنى الشعور بالعجز عندما تمدُّ يدكَ ولا تستطيع الوصول. في الوقت نفسه، كانت كورديليا تزدادُ تألقًا، وكان يخشى أنْ يعرف الجميع كم هي مُشرقة.
“مُعلمي! بارون!”
“لا تركضي. قد تسقطين.”
وقف ليونارد وسار باتجاه كورديليا. وبطبيعية، عدّل خصلةً مِن شعرها التي كانت مُلتصقةَ بجبهتها. كانت لمستُه رقيقةً ودافئة.
ألقى بارون التحية على كورديليا.
“آنسة كورديليا، لَمْ أركِ منذُ مدة. هل انتهت مراسمُ الجنازة على خير؟”
“نعم، تمت بشكلٍ جيد. بالمُناسبة، هَذهِ أول مرةٍ أركَ فيها يا بارون منذُ جنازة كريج. آه؟ لوتي؟”
اقتربت الكلبة الرمادية ببطء نحو كورديليا. جثت على ركبتها وبدأت تُربت على وجه لوتي…
“يال هَذا الظُلم. لا تُريدين أنْ المسكِ اليوم أيضًا؟”
استدارت لوتي بسرعةٍ وتراجعت. نهضت كورديليا وعلاماتُ الخيبة على وجهها. سأل ليونارد:
“ألَمْ أخبركِ أنْ تبقي مشغولةً بواجباتكٍ؟ كيف عرفتِ أنني هُنا؟”
“في الواقع، كنتُ أبحث عن السيد روزنبلور بسبب ليديا. بحثتُ عنهُ في كُل مكان، وعندما لَمْ أجده، فكرتُ أنهُ رُبما جاء إلى الحديقة، وهَكذا وجدتُكَ.”
“ولماذا تبحثين عن ليديا؟”
“بعد أنُ غادرتَ، تحدثتُ مع كاندياس…”
“آآآه!”
“ما هَذا؟!”
صرخاتٌ بعيدةٌ سُمعت مِن مكانٍ ما. بعد لحظاتٍ، ظهر شخصٌ مُغطى بالدماء مِن بين الأشجار.
“وحش، امرأة، آه!”
لَمْ تكُن تبدو بكامل قواها العقلية. نطقت ببعض الكلمات غيرِ المفهومة ثم ركضت خارج الحديقة.
سحب ليونارد كورديليا نحوهُ بقوةٍ. كانت كورديليا مرعوبةً، وأمسكت بحافة ملابسهِ بإحكام.
“ما… ما الذي يحدُث؟”
“لا أعلم.”
كان البارون أيضًا في حالة تأهُب، كان يتفحصُ المُحيط بجدية. عاد صوتُ الصراخ مرةً أخرى، وركض عددٌ مِن الأشخاص نحوهم. عند رؤيتهم لكورديليا ورفاقها، صرخوا:
“اهربوا! اهربوا بسرعة!”
“ما الأمر؟”
“ساحرٌ مجنونٌ يقتُل الجميع!”
قالت المرأة تلكَ الكلمات وهي تحتضنُ طفلها ثم ركضت بسرعةٍ مرةً أخرى.
“ساحر مجنون؟”
“هل يُمكن أنْ يكون انفجارًا سحريةً؟”
“علينا التحقق. ابقي هُنا.”
“مُعلمي، هل تنوي الذهاب؟”
أمسكت كورديليا بيدهِ محاولةً منعهُ مِن الرحيل. عند رؤية القلق في عينيها، طبطب اابارون على كتفها ليُطمئنها.
“لا تقلقي. لا يوجد في هَذا المكان مَن يُمكنهُ أنْ يؤذي السيد.”
“ولكن… ماذا لو… إذا كان لا بد مِن الذهاب، دعني أذهب معكَ. لا أريدُ أنْ أبقى هُنا وحدي وأتعرض للأذى.”
أمسكت كورديليا بملابسهِ بقوة، فضحك ليونارد ومدّ يدهُ نحوها.
“مِن أين جاءتكِ كُل هَذهِ المخاوف فجأة؟”
أمسكت كورديليا بيدهِ فورًا. سار ليونارد في الاتجاه المُعاكس الأشخاص الهاربين.
ومع استمرارهم في السير، بدأ تنفُس كورديليا يزدادُ صعوبةً. بدأت قوتُها تضعُف، وبدت على وشك السقوط.
“هاه…”
“ما بكِ؟ هل أنتِ بخير؟”
“آه…”
تفاجأ ليونارد وأمسك بذراعها لحمايتها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》