3
فصل 3
مرّت الأيّام، وقد مضى عدّة أيّام منذ بدأتُ العيش في متجر العبيد.
“ها قد انتهيتُ. الآن لن تغطي غرّتك عينيك، أليس كذلك؟”
“نـ نـ-نعم… ششـ-شكرًا.”
خلال هذه الفترة، اقتربتُ من سيسيل بما يكفي لأساعده في ربط غرّته.
عندما رفعتُ شعره الطويل الذي كان يغطّي عينيه،
وربطتُه على شكل ذيل حصان صغير، تمكّنتُ أخيرًا من رؤية وجهه بوضوح.
كان سيسيل جميلًا بشكلٍ لا يُصدّق، جمالٌ يكاد يكون مبالغًا فيه لطفلٍ.
لقد أضيف لدينا هنا طفلٌ آخر يمكن أن يصبح ممثل إلى القائمة.
كانت ليزي بالفعل جميلةً بما يكفي لتتفوّق على الأطفال الممثلين المحترفين، لكنّ سيسيل كان بإمكانه منافستها بسهولة.
بينما كنتُ أحدّق في ذيل الحصان الصغير الذي يتأرجح فوق رأس سيسيل، شعرتُ فجأة بثقلٍ ناعمٍ يميل نحوي من الجانب.
التفتُّ برأسي لأرى سبب الثقل.
“مم…”
كانت ليزي، التي كانت تنتظر بهدوءٍ بينما أربط شعر سيسيل، قد غفَت وأسندت رأسها برفقٍ على كتفي.
‘يا لها من لطيفة.’
كان رأسها الصغير، بشعرها الذهبيّ، متّكئًا على كتفي بتوازنٍ هشّ.
رغبتُ في أن تنام براحةٍ أكبر، فعدلتُ وضعيّتي و تمهلتُ في وضعها على حجري.
تحرّكت قليلاً، وفركت رأسها بساقيّ كأنّها تبحث عن مكانٍ أفضل، ثمّ أمسكت دميتها بقوّةٍ واستقرّت في وضعٍ مريح.
و سرعان ما غرقت في نومٍ عميق.
في هذه الأثناء، جلس سيسيل بجانبي بشكلٍ طبيعيّ.
“سيسيل، هنا. أعطني يديك.”
“لـ-لكنّهما… لم يشفيا تمامًا بعد…”
عند طلبي المفاجئ، تردّد سيسيل وحاول إخفاء يديه.
لكنّني أمسكتُ برفقٍ بمعصميه وفحصتُ أظافره بعنايةٍ.
لحسن الحظّ، بدأت البقع البيضاء والتشقّقات الناتجة عن سوء التغذية تتحسّن.
عندما رأيتُ بنفسي أنّ صحّته تتعافى ببطء، تركتُ يديه وابتسمتُ براحةٍ.
“إنّهما يتحسّنان. إذا واصلتَ الأكل جيّدًا، لن تتشقّق أظافرك بعد الآن، ولن تؤلمك أيضًا.”
“حـ-حسنًا… شـ-شكرًا…”
في لحظةٍ ما، احمرّ وجه سيسيل مثل شعره.
بدا مرتبكًا وهو يعبث بأطراف أصابعه.
كان لطيفًا جدًّا، فلم أستطع مقاومة تمرير يدي على شعره.
ثمّ نقلتُ نظري لمراقبة الآخرين في الغرفة.
‘الأطفال الآخرون لا يزالون على حالهم.’
من بين الأطفال الأربعة هنا―الذي كلٌّ منهم كارثةٌ تمشي على قدمين―تحسّنت حالة ليزي وسيسيل، لكن الاثنين الباقيين ظلّا كما رأيتهما أوّل مرّة.
مثل الدمى المكسورة، ظلّا منكمشين في زاويةٍ.
على عكس سيسيل، لم يكونا يرفضان الوجبات، لكنّ ذلك لم يعنِ أنّهما يبدوان أكثر صحّةً.
‘خاصّة ذلك الفتى هناك…’
ركّزتُ على الفتى ذي الشعر الأسود الجالس وظهره للغرفة.
اسمه آبيل.
عُمره المتوقّع حوالي ثماني سنوات.
في القصّة الأصليّة، كان آبيل الشخصيّة الأكثر قسوةً في التعامل مع النبلاء. و هنا، سبق أن اكتسب سمعةً كمثيرٍ للمشاكل.
كأنّه قرّر ألّا يقبل شيئًا من هذا المكان―رفض النوم على السرير المؤقّت الموفّر في الغرفة، ولم يخرج خلال وقت الراحة، ولم يكمل أيًا من الدروس المطلوبة.
لقد تخلّى القائمون على رعايتنا عنه منذ زمنٍ.
‘يبدو أنّه كان يؤذي نفسه أيضًا…’
عندما نظرتُ عن كثبٍ إلى ذراعه، لاحظتُ جروحًا متقشّرةً تغطّي خدوشًا عميقة.
كان جلده ممزّقًا، على الأرجح من خدشه المتكرّر بأظافره.
ذكّرني هذا المشهد بالحيوانات المحتجزة التي تُظهر سلوكيّاتٍ متكرّرةً ناتجةً عن الضغط.
‘كيف يمكنني مساعدته؟’
على عكس ليزي وسيسيل، كان آبيل الوحيد الذي كُشفت خلفيّته بوضوحٍ في القصّة الأصليّة.
في الأصل، عاش حياةً سعيدةً عاديّةً مع عائلته حتّى اقتحم تجّار العبيد منزله و ذبحوا عائلته، وباعوه إلى هذا المتجر.
‘هذا يعني أنّ آبيل الجالس هناك الآن فقد عائلته حديثًا.
لن ينفتح بسهولةٍ…’
طفلٌ يحمل جروحًا عميقةً كهذه لن يستجيب لتحيّةٍ بسيطةٍ مثل “مرحبًا!” كما فعل الآخرون.
لكن تركه وشأنه لم يكن خيارًا أيضًا.
بينما كنتُ أداعب رأس ليزي غارقةً في التفكير بما يمكنني فعله-
—طقطقة
فُتح الباب المغلق فجأةً.
“هل الخمسة جميعهم هنا؟”
عند سماع صوت المسؤول وهو يعدّ الأطفال كأنّه يتفقّد قائمةً، رفعت ليزي، التي كانت نائمةً، رأسها بنعاسٍ.
فركت عينيها وهي لا تزال ناعسةً، لكن ما إن رأت المسؤول على الرعاية الذي دخل فجأةً، ظهر الخوف على وجهها.
اقتربت منّي بسرعةٍ، ملتصقةً بجسدها الصغير بي.
“الخمسة هنا. من نرسل للتعليم هذه المرّة؟”
“همم…”
عندما نطق المسؤول بكلمة “التعليم”، فتحتُ عينيّ على وسعهما.
كانت هذه كلمةً صادفتُها في الرواية.
كان هذا المتجر الراقي للعبيد يدرّب الأطفال ليصبحوا عبيدًا متميّزين للعائلات النبيلة. تحت ستار التعليم، كانوا يُرسلون إلى نبلاء رعاة لخدمتهم.
في الرواية، بدأ هؤلاء المدرّسون―النبلاء―يُقتلون واحدًا تلو الآخر، كاشفين عن وجود الكوارث للعالم.
كان الأطفال اللذين أصبحوا كوارث جميعهم قد خضعوا لهذا التدريب المزعوم في وقتٍ ما، وقد أوضحت الرواية تفاصيل مروّعة عمّا عانوه.
“ذاك. أرسلوه.”
أشار أحد المسؤولين مباشرةً إلى آبيل، المنكمش في الزاوية.
“إنّه يقاوم كثيرًا. إذا أرسلناه إلى الماركيز دراموند الشهير، من يدري؟ ربّما يدرك أنّ الحفاظ على هذا الموقف المتعجرف اللعين لن يفيده.”
عند كلامه، نظر مسؤولٌ آخر إلى آبيل وأومأ موافقًا.
“صحيح. إذا لم نصلح هذه شخصيّته اللعينة هذه، سنكون نحن من يُعاتب في النهاية. لا أريد سماع المزيد عن مشاكل التعليم. اللعنة، لقد استُدعيتُ من قبل السيّدة مؤخّرًا، وسيكون مزعجًا إذا تكرّرت مثل هذه المشاكل.”
“آه، نعم. أُفضّل عدم التعامل مع ذلك أيضًا. حسنًا، فلنرسله هذه المرّة. إذا تسبّب في مشاكل، يمكننا التخلّصُ منه لاحقًا.”
بهذا، أنهى المسؤولون على الرعاية نقاشهم، وبدون تردّد، بدأوا يسيرون نحو آبيل، الذي كان مختبئًا في الزاوية.
توتر آبيل، الذي كان منحنيًا، على الفور عند اقترابهم.
تقلّص جسده أكثر، وأصبحت وقفته أكثر دفاعيّةً.
“لا… لا أريد…! ابقوا بعيدًا! لا تقتربوا منّي!”
“هاه… اسمع، أيّها الوغد. إذا لم ترغب في التعرض للأذى، فمن الأفضل أن تتصرّف بخضوع. بدءًا من اليوم، سيبدأ تعليمك.”
عند ذكر تلك الكلمة المشؤومة، شحب وجه آبيل و أختفى كل الدم من وجهه.
ارتجف الأطفال الآخرون خوفًا أيضًا، وارتعشت أجسادهم الصغيرة.
تمسّك كلٌّ من ليزي وسيسيل بي بيأسٍ.
شاهدتُ المسؤولين على الرعاية وهم يمسكوو آبيل من ذراعيه محاولينَ جرّه بالقوّة نحو الباب.
لحظةً…
المعلّم الأوّل لآبيل.
الماركيز دراموند.
كان متعصّبًا مختلًّا و بالتحديد مريضًا نفسيًا يؤمن بعقيدةٍ منحرفةٍ تزعم أنّ شرب دماء الأطفال سيمنح الحياة الأبديّة.
بعد لقاء دراموند كمعلّمه الأوّل، تدمرت شخصية آبيل تمامًا.
شكّلت أهوال ذلك التعليم الأوّلي طباعه القاسية والوحشيّة.
وبمجرّد أن هرب آبيل أخيرًا من متجر العبيد، كان أوّل شخصٍ اصطاده وقتله بوحشيّةٍ هو ذلك الماركيز بالذات.
‘لقد كشفت الرواية عن نقطة ضعفٍ رئيسيّةٍ حول ذلك المعلّم…’
الآن، بعد أن تجسّدتُ في هذا العالم، كنتُ أعرف بالضبط إلى من يُرسل هؤلاء الأطفال وما ينتظرهم.
بمعنى آخر، كنتُ أعرف كيفيّة التعامل مع هؤلاء النبلاء.
“لا…! اتركوني…! قلتُ لا أريد…! اتركوني! قلتُ اتركوني!”
“هذا فعلاً! ألا يمكنك البقاء ساكنًا؟ أيّها الوغد اللعين…!
هل تريد أن تُسحب إلى الحبس الانفراديّ هكذا!”
بينما كان آبيل يقاوم بعنفٍ عند الباب، رفع أحد المسؤولين عن الرعاية، الذي نفد صبره بوضوح، يده ليضربه.
دون تفكير، نهضتُ واقفةً.
“انتظر لحظة!”
تجمّدت يد المسؤول في الهواء عند هذا الصوت المفاجئ و التفت نحوي، عابسًا.
“سأذهب بدلاً منه.”
بما أنّني كنتُ أعرف بالفعل كيفيّة التعامل مع دراموند، ظننتُ أنّ الأمر سيكون أسهل إذا تولّيتُ الأمور بنفسي.
لكن ساد صمتٌ ثقيلٌ الغرفة و تحوّل الجوّ إلى باردٍ كالجليد.
لسببٍ ما، كان الجميع يحدّقون بي بنظراتٍ غريبةٍ.
…لماذا ينظرون إليّ هكذا؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"