2
الفصل 2
متجر العبيد هنا هو، بالمعنى الحرفيّ، أكبر متجر “راقٍ” للعبيد معروف في الإمبراطوريّة.
للسيطرة بشكل أكثر تنظيمًا على العبيد ذوي الجودة العالية، تمّ تقسيمهم إلى مجموعات تعيش حياة جماعيّة، مع تحديد أوقات للطعام، والدراسة، واللعب.
من الخارج، قد يبدو متجر العبيد هذا وكأنّه يُدار بعناية فائقة، لكنّ الأطفال الذين يرتدون الملابس نفسها، ويضعون الأطواق ذاتها، ويُتركون في المكان ذاته، بدوا في عينيّ كالسجناء المحتجزين في معسكر اعتقال.
‘يا لها من فظاعةٍ…’
حتّى في الرواية، كنتُ أشفق على الكوارث التي أستغلتها منظومة العبوديّة، لكن عندما دخلتُ هنا بنفسي، وجدتُ الأمر أكثر بشاعة ممّا تخيّلتُ.
في وقت الطعام، كان هناك أطفال لا يأكلون شيئًا، وينظرون إلى الجدران بعيون ميتة فقط.
—مضغ
في خضمّ ذلك، رأيتُ ليزي وهي تأكل موزة بنهمٍ إلى جانبي، فشعرتُ بالراحة نوعًا ما ومررتُ يدي على رأسها بحنانٍ.
“إن كانت لذيذة، هل تريدين أن تأكلي حصّتي أيضًا؟”
“لكن… هذا…”
ربّما لأنّ الموز الذي قُدّم كتحلية كان لذيذًا، بدت ليزي مرتبكةً بعيونٍ متردّدة. أمسكتُ يديها ووضعتُ الموزة فيهما، مبتسمةً بحرارةٍ.
“لا بأس. أنا لا أحبّه كثيرًا.”
نعم هذه هي الحقيقة، لم أكن أحبّ الموز، لذا أعطيتها إيّاه بسهولةٍ.
نظرت ليزي بين الموزة وبيني مرّاتٍ، ثمّ احمرّ وجهها وفتحت فمها بحذرٍ.
“شـ-شكرًا…”
يا إلهي! يا لها من طفلةٍ رائعة!
شعرتُ بالفخر كأنّني جدّتها.
كيف يمكن لموزةٍ واحدةٍ أن تجعلها تبتسم كأنّها تملك العالم بأسره؟ تمنّيتُ لو أستطيع إعطاءها كلًّ موز العالم.
لا أصدّق أنّ هذه الطفلة ستصبح يومًا مستحضرة أرواحٍ تسيطر على أكثر من مليون روحٍ.
مررتُ يدي على رأس ليزي وهي تأكل الموزة بسعادةٍ، ثمّ رفعتُ عينيّ لأنظر إلى طفلٍ آخر قريبٍ.
كان هناك طفلٌ ذو شعرٍ أحمرَ مميّزٍ. بعد مراقبته، لاحظتُ أنّه لم يلمس الطعام منذ أيّامٍ، ولم أره يشرب شيئًا أبدًا.
بسبب ذلك، كانت ذراعاه وساقاه النحيفتان بالكاد تحملان ملابسه، وكان من الواضح أنّه يعاني من سوء التغذية.
أظافره المتشقّقة التي ظهرت من أطراف الأكمام كانت كافيةً لتؤكّد ذلك دون الحاجة إلى رؤية المزيد.
‘اسم هذا الطفل… أظنّه سيسيل، أليس كذلك؟’
في الرواية، إذا ذُكر الشعر الأحمر، فلا يمكن أن يكون سوى سيسيل، القادرة على التعامل مع ملك الأرواح.
سيسيل، التي عقد صفقةً مع ملك أرواح النار القادر على تحويل إمبراطوريّةٍ بأكملها إلى بحرٍ من اللهب في ليلةٍ واحدةٍ، كانَ ثاني أخطر كارثةٍ بعد ليزي، مستحضرة الأرواح.
حتّى الآن، كان يهمس للهواء، خمّنتُ أنّه ربّما كان يتحدّث مع الأرواح التي لا نراها.
‘إن استمرَّ هكذا، سينهار حقًّا…’
طفلٌ في الثامنة من عمره تقريبًا، يبدو وكأنّه يعاني من سوء التغذية، لم أستطع تحمّل رؤيته هكذا.
لستُ من النوع الذي يملؤه الحماس للعدالة، لكن بغضّ النظر عن ذلك، كنتُ أخشى أن يصبح جثّةً إن تُركت على حالها.
تركتُ ليزي تأكل موزتها بهدوءٍ واقتربتُ من سيسيل. كان لا يزال ينظر إلى الجدار ويهمس بشيءٍ، فمددتُ يدي أمامه فجأةً.
“مرحبًا؟”
“…!”
انتفضَ سيسيل مذعورًا، وتراجع خطوةً للوراء، محدّقًا بي بعينيه القرمزيّتين المختبئتين خلف غرّته.
بدا حائرًا من تحيّتي، وبدأ يعبث بشعره الذي يغطّي نصف وجهه، محاولةً إخفاء المزيد منه.
“تشرّفتُ بمعرفتكَ. اسمي ماري. وما انت اسمكَ؟”
“أ-أنا-أ…”
بينما كان سيسيل مرتبكًا ولا يستطيع الكلام، بحثتُ بسرعةٍ عن شيءٍ يمكن أن يكون موضوعًا للحديث.
لاحظتُ أوراقًا متناثرةً بجانبه، عليها آثار رسوماتٍ.
“ما هذا؟ هل رسمتَ كلّ هذا؟”
“لا… ليس… هذا…”
“رائع جدًّا! من أين رأيتَ هذه؟ هل هي حيواناتٌ من خيالكَ؟”
جلستُ بجانب سيسيل بشكلٍ طبيعيّ، لكنّه تحرّك قليلاً إلى الجانب، متفاجئًا.
لم أبالِ بذلك، وجمعتُ الأوراق المتناثرة، ونظرتُ إليها بعنايةٍ.
كانت رسومًا ملونةً باللون الأسود فقط، مع عيونٍ وأنوفٍ وأفواهٍ، لكنّني أدركتُ أنّها ربّما تمثّل الأرواح.
لم يكن لديه ما يعبّر عنه سوى الأرواح، لذا تصرّفتُ بطبيعيّةٍ، قائلةً: “يا لها من رسوماتٍ لطيفة!”، “من أين رأيتَ هذه؟”، “أريدُ رؤيتها أيضًا!”، محاولةً إظهار ردود فعلٍ قد تعجب طفلًا.
واستجاب سيسيل بشكلٍ جيّدٍ.
“ليست… خيالًا! لقد رأيتُها… حولي… حتّى الآن، إنّها… بجانبي…”
في الرواية، كان سيسيل منبوذًا في متجر العبيد، والآن فهمتُ السبب.
لو كنتُ طفلةً عاديّةً، ربّما تجنّبتُه بعد هذا الكلام. لكن لحسن الحظّ، لستُ كذلك.
“حقًّا؟ إذًا هي مرئيّةٌ لكَ فقط؟ أنا أحسدكَ! أريدُ رؤيتها أيضًا!”
“هـ-هل تـ… تصدّقينني؟ لقد قلتُ شيئًا غريبًا…”
“بالطبع! قلتَ إنّها بجانبكَ، أليس كذلك؟ إذًا، أليس هناك واحدةٌ حولي الآن؟ مرحبًا! مرحبًا! تشرّفتُ بلقائكم!”
لوّحتُ في الهواء عمدًا، وأعدتُ الرسومات إلى سيسيل.
كان متوترًا قليلاً، لكن عندما رأيتُ عينيه تلمعان،
علمتُ أنّه بدأ يقتنع.
“أتعلم؟ أريدُ سماع المزيد. هل يمكنكَ الحديث معنا أثناء تناول الطعام هناك؟”
“حـ-حسنًا… موافق…”
فوجئتُ بسهولة موافقته. فأمسكتُ صينيّته بسرعةٍ، وقمتُ من مكاني لأعود إلى جانب ليزي، ثمّ ربّتتُ على الأرض، مشيرةً إليه ليأتي.
“هنا، هنا!”
“حـ-حسنًا…”
وضعتُ الصينيّة أمام سيسيل وهو يقترب بخجلٍ، ثمّ قدّمتُ له موزةً. فتح عينيه بدهشةٍ، ينظر إلى الهواء بتردّدٍ.
نظرتُ حولي مثله، “هل الكائنات من حولكَ منعتكَ من الأكل؟
يا لهم من أشرار! أشرار جدًّا! ابتعدوا!”
“لا… ليس كذلك…هم… طلبوا منّي أن آكل… لكنّني…”
لحسن الحظّ، بدا أنّ الأرواح من حوله قلقةٌ عليه مثلي.
شعرتُ بالارتياح، ووضعتُ الموزة في فم سيسيل مباشرةً.
“إذًا هم طيّبون. هذا جيّد. هيّا، تناولها الآن، إنّهم قلقون عليكَ!”
“…!”
تردّد سيسيل، ثمّ بدأ يأكل الموزة بحذرٍ.
تنفّستُ الصعداء سرًّا، مرتاحةً.
فجأة، شعرتُ بنسيمٍ يهزّ شعري، ففتحتُ عينيّ بدهشةٍ. نظرتُ حولي لأرى مصدر الريح، لكنّ سيسيل، وهو يمضغ الطعام، أوضح السبب.
“لا… لا تخافي! إنّهم… يطلبون منّي أن أشكركِ…”
“هل هم هنا الآن؟ لم أفعل شيئًا يستحقّ الشكر. أخبرهم أنّه لا داعي لذلك!”
آه، إنها روح الريح، أليس كذلك؟
رتبّتُ شعري المتناثر بلا مبالاةٍ، وابتسمتُ ناحية الريح.
في الحقيقة، تحدّثتُ إلى سيسيل لراحتي الخاصّة،
فلا داعي للشكر.
هبّت الريح مرّاتٍ أخرى، لكنّني كنتُ مشغولةً بمراقبة سيسيل للتأكّد من أنّه يأكا جيّدًا.
“أنهيتَ كلّ شيء! برافو! يا لكَ من رائع!”
كنتُ فخورةً بسيسيل الذي أفرغ صينيّته، فربّتتُ على رأسه وأغدقتُ عليه المديح.
ربّما كنتُ أعامله كطفلٍ صغيرٍ جدًّا، لكنّه لم يبدُ منزعجًا،
بل احمرّ وجهه وأنزل عينيه خجلاً.
بينما كنتُ أفكّر في مدحه أكثر، شعرتُ بشيءٍ يسحب طرف ثوبي.
“ماري… أنا… أنتهيتُ أيضًا…”
كانت ليزي، تغوص بوجهها في دميتها الأرنب، وتشير بصوتٍ مرتجفٍ إلى صينيّتها الفارغة، كأنّها تنتظر المديح.
ضحكتُ قليلاً، ومددتُ يدي الأخرى لأقول لها الكلام نفسه.
“ليزي الحبيبة أنهت كلّ شيء أيضًا؟ يا لكِ من رائعة! أنتِ الأفضل! ستأكلين كلّ شيء هكذا دائمًا، أليس كذلك؟”
“نـ-نعم…!”
ما الذي يجعلها سعيدةً لهذه الدرجة بمديحي؟
ابتسمتُ وأنا أراها تخجل، وخدّاها محمرّان، وهي تهزّ رأسها.
ربّتتُ على رأسها أكثر، حتّى تشعث شعرها، لكنّها ظلّت تبتسم بسعادةٍ، ممسكةً بدميتها الأرنب بقوّةٍ.
ملحوظة: سيسيل صبي وليس فتاة رغم ان الترجمة الانكليزية مخاطبته بصيغة انثى الأ انه تم التأكيد بكونه فتى في الاحداث المستقبلية
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"