لم تفهم أوفيليا. كيف له أن يتصرّف هكذا و هو غير مبالٍ بفيرونيكا ولا يعتبرها هي زوجة له.
فكّرت أوفيليا مليًّا في سبب تصرّفه بهذه الطريقة ، ثمّ أدركت السبب.
“… هل سيؤثّر طلاقنا على ترقيتك؟”
نظرت أوفيليا إلى لينور بلطف.
ارتعش حاجبه قليلاً. قبل أن تلتقي عيناهما ، أنزلت نظرها على الفور.
كانت البحرية مكانًا يتمتّع فيه الملك بتأثير كبير.
إنّ صعود لينور إلى منصب مقدّم في سنّ مبكّرة كان بسبب إنجازاته العديدة ، و لكنّه كان إلى حدّ كبير بسبب كونه صهر الملك.
‘بما أنّ الملك أمرني بالزواج منه ، فقد يعتبر الملك طلاقنا تمرّدًا و قد يهمّش لينور’
إذا كان الأمر كذلك …
قد يجد لينور صعوبة في الترقية مستقبلاً.
كان من الطبيعيّ أن يكون لينور حسّاسًا ، فهو بحاجة باستمرار إلى إثبات ذاته بين النبلاء لأنّه الابن غير الشرعيّ للماركيز السابق فيلهلمير.
“… أنا آسفة. لم أفكر في ذلك. لم أقصد أن أضعك في موقف صعب”
اعتذرت أوفيليا لأنّها لم تأخذ وضعه في الاعتبار. و قدّمت له شرطًا آخر قد يرضيه هذه المرّة.
“إذًا ، هل يمكنني أنا و فيرونيكا العيش في لارني؟ سأعود إلى كويلتشر بانتظام لتجنّب القيل و القال. و أيضًا عندما يكون هناك حدث يتطلّب ظهورنا كزوجين”
“….”
“لارني هي مسقط رأس والدتي ، السيدة الثانية فيوليتا ، لذا لن يعتبر الملك الأمر غريبًا”
كانت لارني دولة صديقة لكويلتشر ، و لم يكن الذهاب و العودة صعبًا لأنّها قريبة من العاصمة.
لكنّه ظلّ صامتًا لبعض الوقت.
شعرت أوفيليا بأنّه يضغط عليها بقوّة داخل ذراعيه ، فتفاجأت و تمللت.
“أوفيليا”
فتح لينور فمه بعد أن ظلّ صامتًا.
“يبدو أنّكِ تسيئين الفهم تمامًا”
تحدّث ببطء و كأنّه يمضغ كلماته.
“فيرونيكا هي الطفلة التي ستصبح وريثة فيلهلمير. إنّها في طريقها لتصبح الماركيزة بعدي ، فتقولين إنّكِ ستعيشين معها في لارني”
صوته الهادئ هزّ قلب أوفيليا ببرودة.
“إذا كنتِ ستذهبين ، فاذهبي وحدكِ. و دعي فيرونيكا ورائكِ”
صدمت أوفيليا و صمتت.
أن يطلب منها ترك فيرونيكا و الذهاب؟
‘كيف يمكنه أن يقول مثل هذا الشيء …’
كبتت مشاعرها الجيّاشة و أبعدت جسدها قليلاً عن صدره.
“…!”
في تلك اللحظة ، رفع لينور يده فجأة و أمسك بذقنها.
كانت قبضته قوية و هي تمسك بخطّ فكّها الرفيع.
“… اتركني”
أغلقت أوفيليا فكّها و حاولت التحرّر ، لكنّ لينور لم يتحرّك. شعرت بالعجز لأنّها لم تستطع الإفلات منه رغم أنّ قوّته لم تكن مؤلمة.
توقّفت أنفاسها قليلاً. أُجبِر رأسها على الارتفاع ، و تقابلت عيناهما. عيناه الغائرتان كأعماق البحار جمّدتا جسدها بمجرّد النظر إليهما.
“أو—”
ضحك للحظة.
“أنجبي طفلاً آخر”
مرّت أنفاسه الممزوجة بالضحك الساخر بأذنها قليلاً.
‘… أنتَ حقًا لا تعلم أيّ شيء’
أغمضت عينيها بشدّة ، و اجتاحها صداع عنيف كتيّار مائيّ.
نبض قلبها بألم ، و ارتعشت أطراف أصابعها. وضعت أوفيليا يدها على بطنها.
كان أفراد العائلة المالكة يسعون لإنجاب أكبر عدد ممكن من الأبناء. لضمان استمرار سلالة العائلة المالكة لفترة أطول.
من بين جميع أفراد العائلة المالكة البالغين ، سواء من السلالة المباشرة أو الفرعيّة ، كانت أوفيليا الوحيدة التي أنجبت طفلاً واحدًا فقط.
لذلك ، تركت سخرية لينور أثرًا واضحًا عليها.
كانت ذكرى مؤلمة جدًا لدرجة أنّها حاولت دفنها.
لكن لم تستطع نسيانها تمامًا.
كان ذلك في الخريف—في إحدى الليالي ، جاء لينور إلى غرفة نومها فجأة و هو سكران و احتضنها.
هكذا حملت بطفلها الثاني.
تغذّت على الأمل. أنّه سيعود مرّة أخرى ، و أنّ علاقتهما ستتحسّن.
أنّها ستنجب و تُربّي طفلها الثاني.
لكن الأمر كان مجرّد نزوة. لم يعد إليها بعد ذلك.
لم تستطع إخباره عن حملها بطفلها الثاني بسبب موقفه البارد الثابت.
ثمّ—
أجهضت الطفل بسبب الصدمة عندما علمت بوفاة فيرونيكا.
كان هذا طفلاً لن يعرف عنه لينور أبدًا.
عندما وضعت قدميها على الأرض ، فتحت جفونها ، فإذا بهما قد وصلا أمام غرفة نومها.
“… هييك”
استيقظت ميريل ، التي كانت نائمة و هي تهزّ رأسها ، على الصوت.
“ألم أقل لكِ أن تعتني بالأميرة بعناية خاصّة؟”
“….”
“هل تستحقّين البقاء هنا إذا لم تخدمي غرضكِ؟”
نظر لينور إلى ميريل بغضب.
‘لماذا …’
تفاجأت أوفيليا لرؤيته يغضب من ميريل.
“أنا آسفة ، أيّها الماركيز …!”
لذلك ، ساعدت أوفيليا ميريل على الوقوف التي كانت تنحني و تعتذر باستمرار.
“لينور ، كلماتك قاسية جدًا …! ميريل لم تنم عمدًا ، و من الطبيعيّ أن تشعر بالتعب … أنا من خرجتُ دون أن أقول شيئًا. كنتُ أرغب في المشي قليلاً لأنّني كنتُ متضايقة”
لم ينظر إليها لينور في النهاية. أدار رأسه ببطء.
“اعتني بالأميرة جيّدًا. هذا القدر من التساهل هو كلّ ما ستحصلين عليه”
استدار لينور و غادر بعد أن وجّه تحذيره إلى ميريل.
“أنا آسفة ، يا صاحبة السموّ …”
أمسكت أوفيليا بيدي ميريل التي كانت تلوم نفسها بلطف.
“ميريل ، هل تفاجأتِ. أنا آسفة. كان لينور متوتّرًا بسبب خلاف بيننا للتوّ”
“لا بأس. أنا أتفهّم الماركيز”
تنهّدت ميريل بحزن.
“ماذا؟ ما الذي تعنيه؟”
لقد كان الأمر غريبًا حقًا. شعرت و كأنّهما الاثنان يعرفان شيئًا لا تعرفه هي ، فحثثتُ ميريل.
“تكلّمي بسرعة”
“… حسنًا ، يعني—”
فركت ميريل أصابعها بقلق بسبب إلحاح أوفليا ثمّ قالت.
“أنتِ مصابة بمرض المشي أثناء النوم ، يا صاحبة السموّ. نادرًا ما يحدث ذلك لأنّكِ تتناولين حبوبًا منوّمة و تنامين بعمق عادةً …”
“… ماذا تقولين؟”
“نعم. لذلك كنتُ أرافقكِ ليلاً في بعض الأحيان. و عندما تستيقظين في الصباح ، لا تتذكّرين أيّ شيء”
المشي أثناء النوم.
‘… هل كنتُ أتجول و أنا نائمة؟’
لم تفهم أوفيليا هذا الأمر الذي تسمع به للمرّة الأولى.
“في إحدى المرّات ، سقطتِ في البحيرة و أنتِ تتجوّلين ليلاً”
“… في البحيرة؟”
“نعم. لو لم ينقذكِ الماركيز في ذلك اليوم … لحدثت كارثة. أنتِ تخافين من الماء ، يا صاحبة السموّ”
كانت كلمات ميريل صحيحة. كانت تخاف من الماء بشدّة لأنّها كادت أن تغرق في طفولتها ، و لم تكن تقترب حتّى من ضفاف الأنهار.
إذًا—
‘لو لم ينقذني لينور عندما سقطتُ في البحيرة …’
كان من الممكن أن أموت.
‘لذلك … قال “مرّة أخرى” في وقت سابق’
الآن فقط أدركت لماذا كان لينور غاضبًا جدًا و أمسك بكتفها. و أيضًا لماذا غضب من ميريل و طالبها بالعناية الخاصّة بها.
“… منذ متى؟”
“ممم … منذ فترة ليست بطويلة بعد ولادة سموّ الأميرة فيرونيكا”
“إذًا … لقد مضى وقت طويل. لماذا لم تخبريني؟”
سألت أوفيليا بصوت منخفض.
“طلب الماركيز منّي ألّا أخبركِ … أنا آسفة ، يا صاحبة السموّ”
“لماذا …”
لم تستطع أوفيليا أن تكمل كلامها من شدّة الارتباك.
“ربّما خشي الماركيز أن تنزعجي …؟”
بسبب إجابة ميريل ، ضغطت أوفيليا على زاوية عينيها ، إذ شعرت بالتعب من التفكير أكثر.
“… حسنًا. يمكنكِ أنتِ أيضًا أن ترتاحي الآن”
دفعت أوفيليا ميريل بلطف التي كانت مصرّة على البقاء لحراسة باب غرفة النوم ، ثمّ دخلت.
كانت فيرونيكا نائمة و هي قابضة يديها و ملفوفة على شكل كرة. لم تتحرّك عندما جلست على السرير ، فشعرت بالقلق لسبب ما.
مدّت يدها المرتعشة و وضعت سبّابتها على طرف أنف فيرونيكا.
زفرت الطفلة أنفاسها الناعمة على يدها ، فسحبت يدها و شعرت بالاطمئنان.
‘لماذا لينور …’
كانت ليلة لم تستطع فيها النوم بسبب الأفكار المعقّدة التي تملأ رأسها.
***
“سمعتُ أنّ أمّي عادت؟”
في صباح اليوم التالي ، جاءت روزالين مسرعة.
نظرت أوفيليا إلى كبير الخدم بينما كانت تنزل وحدها بوجه متعب من الأرق طوال الليل.
انحنى كبير الخدم و هو يراقب ردّ فعلها.
‘… يبدو أنّه لم يستطع منع روزالين من الدخول بعد عودة الماركيزة الكبرى’
كانت روزالين واقفة بوقفة مستقيمة و بموقف واثق.
عقدت ذراعيها على صدرها و نظرت إلى أوفيليا بنظرة حانقة.
“يا زوجة أخي ، اعتذري الآن إذا كنتِ لا تريدين أن تُغضبي أمّي. عندها ، سأحتفظ بالسرّ عن أمّي على وجه الخصوص”
ضحكت أوفيليا من موقفها و كأنّها تقدّم خدمة عظيمة.
كان الأمر مثيرًا للضحك لأنّها لا تشعر بأيّ تهديد.
“يا زوجة أخي ، بالأمس حقًا …!”
توقّفت روزالين فجأة بسبب وجود شخص آخر شعرت به.
“هل الكونت غلين يخطّط لعمل آخر؟”
كانت كارولين واقفة على الدرج ، تتّكئ على عصاها العاجيّة ، و تنظر إلى روزالين.
التعليقات لهذا الفصل " 6"