انطلقت أوفيليا مسرعة من الغرفة قبل أن تنهي ميريل كلامها. كانت تركض حافية القدمين و هي تمسح الدموع بظهر يدها.
بدأ قلبها يخفق بجنون. لم تستطع أن تصدّق الأمر قبل أن تراه بأمّ عينيها.
بعدما ركضت في الممرّ و هي بالكاد تكبت أنفاسها اللاهثة ، وصلت إلى مدخل غرفة الطعام.
كان الباب مفتوحًا نصف فتحة.
تنفّست أوفيليا بعمق و هي تلهث ، ثمّ تمكّنت بصعوبة من دفع الباب.
“… فيرونيكا؟”
خلف الباب ، ظهر جسد صغير.
خدّان ممتلئان و أبيضان يميل لونهما قليلًا إلى لون الخوخ.
شفاه سميكة مطبقة ، و أطراف قصيرة و رشيقة بحجم قبضة يد مطويّة.
إنّها فيرونيكا.
“آه … صغيرتي … فيرونيكا …”
احتضنت أوفيليا الطفلة في مكانها.
ضمّت الجسد الصغير و الناعم إلى صدرها.
كان دافئًا.
عانقت أوفيليا ظهرها بيدين مرتعشتين ، و قرّبت أذنها من صدر فيرونيكا.
بوم— ، بوم— ، بوم—
استمرّ صوت نبضات القلب المنتظمة و الواضحة في الرنين.
إنّها على قيد الحياة.
“طفلتي …”
كانت تتنفّس.
عندها فقط ، انهمرت الدموع التي حبستها.
“… صاحبة السموّ؟”
نادتها فيرونيكا ، التي كانت محتضَنة بهدوء دون أن تتملّص ، و هي ترمش بعينيها.
في تلك اللحظة—
طقطقة— طقطقة—
سُمع صوت خطوات ، و دخل شخصٌ ما إلى غرفة الطعام.
عندما أدارت رأسها ، وقع بصرها أولاً على شعر أحمر مجعّد.
“يا زوجة أخي”
كانت روزالين ، الأخت غير الشقيقة للينور.
كانت روزالين زوجة الكونت غلين بعد الزواج.
ألقت روزالين نظرة سريعة على أوفيليا و هي تحتضن فيرونيكا ، ثمّ تحدّثت ببرود.
“أعطيني بعض التمويل لأعمالي. زوجي سيبدأ تجارة النبيذ هذه المرّة. اعتبريه استثمارًا”
وقاحة المطالبة بهذه الطريقة فجأة. ضيّقت أوفيليا عينيها مستشعرةً إحساسًا مألوفًا.
“لا أحتاج الكثير”
كان الصوت و التعبير و حتّى المحتوى متطابقًا.
‘في الماضي أيضًا ، طلبت أموالاً لتجارة النبيذ …’
لم يكن سقوطها من الشرفة و موتها بعد فقدان طفلتها على يد كاساندرا و السيّدة مارغريت مجرّد حلم.
‘لقد عدتُ إلى الوقت الذي كانت فيه فيرونيكا على قيد الحياة’
في السابق ، أخذت روزالين أموالاً استثماريّة بذريعة تجارة النبيذ.
‘في ذلك الوقت بالتأكيد … فشلت التجارة على الفور بسبب مشاكل في توريد النبيذ’
انغمست أوفيليا في التفكير بدلاً من أن تسأل كم تحتاج كما فعلت سابقًا.
إذا كانت بحاجة إلى تمويل ، فمن الأسهل أن تطلب من والدتها كارولين ، ماركيزة فيلهلمير الكبرى.
لماذا أتت إليها تحديدًا؟
كان الاستنتاج سهلاً.
‘الماركيزة الكبرى لا تحبّ أن يبدأ الكونت غلين أيّ عمل. لأنّه يفشل في كلّ مرّة تدعمه فيها’
أتت إليها لأنّ كارولين لم تعد تدعم الكونت غلين.
“… إذا تحدّثتِ مع الماركيزة الكبرى ، فستساعدكِ”
“يا لكِ من مملّة. قالت أمّي إنّها لن تساعد هذه المرّة. بالإضافة إلى ذلك ، أمّي ليست في قصر الماركيز الآن ، بل ذهبت إلى الفيلا”
“….”
“على أيّ حال ، ليس لديّ وقت لأضيعه معكِ. سأذهب لأخذ المال من كبير الخدم بنفسي”
لم يكن تصرّفها تصرّف شخص أتى لطلب الإذن. كان أشبه بإخطار لا يفترض أن أوفيليا قد ترفض.
‘… إذا أعطيتها المال و غادرت ، ستكون الأمور هادئة لفترة’
في الماضي ، سمحت لها أوفيليا بأخذ المال لأنّ لينور كان لا يمانع المساعدة.
لكن الآن ، لا يمكنها فعل ذلك.
في كلّ مرّة تسمح فيها لروزالين بالتأثير عليها ، ستوجّه نظرات الاستخفاف نفسها نحو فيرونيكا.
الآن ، كلّ شيء يتكرّر تمامًا كما حدث من قبل.
إذا كانت تريد أن لا يتمّ الاستخفاف بطفلتها من قبل أيّ أحد.
لتحمي فيرونيكا ، عليها أن تتغيّر هي أولاً.
أخذت أوفيليا نفسًا عميقًا و تحدّثت.
“أعتقد أن هذا سيكون صعبًا”
“… ماذا قلتِ؟”
تجّعّد جبين روزالين على الفور.
“لن أقدّم التمويل لعمل عائلة الكونت غلين ، ليس اليوم فقط ، بل في المستقبل أيضًا”
“… يا زوجة أخي ، هل جننتِ حقًا؟”
مع لهجة روزالين التي أصبحت حادّة ، انتفضت فيرونيكا التي كانت بين ذراعيها بخوف.
أنزلت أوفيليا فيرونيكا و خبّأتها خلف ظهرها.
“إذا علمت أمّي بهذا-!”
“ماذا لو علمت؟”
سألتها أوفيليا بهدوء و هي تحدّق في روزالين مباشرةً. عندما اقتربت خطوة ، تراجعت روزالين دون أن تكمل كلامها ، ربّما لأنّها تفاجأت.
“على الرغم من أنّها … الماركيزة الكبرى ، إلا أنّه لا يمكنها فعل أيّ شيء لملكة كويلتشر. من المضحك أيضًا أن روزالين ، التي هي مجرّد كونتيسة ، تتحدّث إليّ بهذه الطريقة”
احمرّ وجهها و تشوّه من شدّة الانفعال.
“… ما أنتِ سوى ابنة غير شرعيّة وُلدت من عاهرة وضيعة”
هدأت عينا أوفيليا البنفسجيتان ببرودة.
“حتّى لو كانت والدتي من راقصات لارني ، فهي زوجة ثانية لجلالة الملك. الإشارة إليها كـ ‘عاهرة’ أو ‘ابنة غير شرعيّة’ هو بمثابة إهانة لجلالة الملك”
ظهر الارتباك في عيني روزالين.
“أتمنّى أن لا ترتكبي المزيد من الوقاحة التي تتجاوز حدودكِ”
“….”
“تصرّفي بذكاء ، من فضلكِ”
حوّلت أوفيليا نظرها إلى كبير الخدم الذي كان يراقب الموقف باهتمام.
“يا كبير الخدم”
“… نعم ، يا سيدتي الصغيرة”
“اطرد الكونتيسة غلين على الفور ، و لا تسمح لها بدخول قصر الماركيز دون إذني. إذا تكرّر مثل هذا الموقف اليوم ، فسأحمّل كبير الخدم المسؤوليّة الكاملة”
“… سأضع هذا في الاعتبار”
انحنى كبير الخدم بأدب ، إذ شعر بالجوّ غير المعتاد.
روزالين ، التي كانت محمرّة الوجه بشدّة ، صرخت و هي تحدّق في أوفيليا.
“… لن أنسى أبدًا … إهانتكِ لي اليوم …!”
أقسمت روزالين و هي تفتح الباب بعنف و غادرت و هي تركل الأرض بقوّة.
انغلق الباب بعنف ، و ساد الصمت في غرفة الطعام.
“يا صاحبة السموّ …”
رفعت فيرونيكا رأسها قليلاً و نظرت في عينيها. كانت عينا الطفلة خائفتين.
“هل كنتِ خائفة ، يا صغيرتي. لا بأس الآن. لا تقلقي”
هدّأتها أوفيليا بصوت حنون. بدأ الخوف يزول تدريجيًا عن وجه فيرونيكا.
“… لا ، بيبي لا تقلق. بيبي تثق بصاحبة السموّ”
عند التفكير في الأمر—
لم تنادِ فيرونيكا أوفيليا بـ ‘أمّي’ أبدًا.
كانت دائمًا تناديها ‘صاحبة السموّ’ مثل الآخرين.
‘هل هذا لأنّني صعبت الأمر عليها؟ لأنّني لم أقترب منها حتى الآن؟’
تردّدت فيرونيكا للحظة ، ثمّ حرّكت شفتيها القرمزيّتين و قالت ، “هذا لأنّ … بيبي كانت تخشى أن تناديكِ ‘صاحبة السموّ’ أيضًا … لكن الجدّة و العمّة … أنتِ أميرة ، لكن لا أحد يناديكِ كذلك …”
اتّسعت عينا أوفيليا من الكلام الذي لم يخطر على بالها.
“في الحقيقة ، بيبي كانت تريد أن تناديكِ ‘أُمّي’ أكثر”
لأنّها كانت تُعامَل بلا احترام.
كرهت ذلك.
تعمّدت أن تناديها هكذا. لم يكن الأمر لأنّه كان صعبًا عليها التعامل معها.
عانقت فيرونيكا خصر أوفيليا بذراعيها الصغيرتين و الممتلئتين. ثمّ فركت خدّها بخدّها و ابتسمت بخفّة.
“… أُمّي”
“… نعم ، يا صغيرتي”
“سأكون طفلة مطيعة. لذا ، احضنيني غدًا ، و اليوم الذي يليه ، و استمرّي في حضن بيبي …”
شعرت باختناق في حلقها ، لكن كان عليها أن تقول هذا.
صفّت أوفيليا حلقها.
“… ليس عليكِ أن تكوني مطيعة. يمكنكِ أن تتذمّري ، و يمكنكِ أن تتصرّفي كطفلة. لا بأس حتّى لو بكيتِ و أنتِ ممدّدة على الأرض إذا أردتِ شيئًا”
انحنت أوفيليا على ركبتيها و نظرت في عيني فيرونيكا ، و أمسكت بيدها الرقيقة بإحكام.
“و مع ذلك ، سأحضنكِ يا صغيرتي. سأحبّكِ بلا تغيير”
“… لماذا؟ ستحبّين بيبي حتّى لو كانت طفلة سيّئة؟”
“… فيرونيكا. هل يمكنكِ أن تعرفي أنّ أمّك لم تتوقّف عن حبّكِ أبدًا؟”
عبست فيرونيكا قليلاً ثمّ ابتسمت.
“… أجل”
مدّت فيرونيكا يديها و كأنّها تطلب منها أن تحملها. رفعت أوفليا الطفلة و هي تسند ساقيها.
“أُمّي ، لنأكل الغداء في الخارج. الطقس جميل اليوم. يبدو أنّه سعيد مثل بيبي. أشعة الشمس تتلألأ”
التعليقات لهذا الفصل " 2"