التفت بودوان إلى أليس.
“ماذا؟ لا تفعلي ذلك. ليس عليكِ أن تفعلي.”
“كنتُ مستعدةً لهذا منذ البداية.”
فتحت ديزيريا فمها بحذرٍ وهي تراقب بودوان وأليس.
“في الأصل، كان عليّ أن أبلّغ فورًا.…”
وما إن خرجت كلمة “التبليغ” من فم ديزيريا حتى سُمع صوت حفيف. و بودوان، الذي كُشف أمره وهو يحاول الفرار، انطلق راكضًا دون تردد.
“ما هذا؟ إلى أين تذهب؟”
فلحقت ديزيريا به.
أن يفرّ مذعورًا لمجرد سماع كلمةٍ واحدة، بينما كانت تنوي الاستماع إلى القصة كاملة.
أليس خادمةٌ تعمل في القصر، ويمكن رؤيتها لاحقًا، أما بودوان فلا.
“اهدئي، آنسة، اهدئي!”
قال بودوان ذلك كما لو كان يهدئ حصانًا هائجًا.
“اهدئي؟ من تعامل كحيوان؟ قف مكانكَ!”
التقطت ديزيريا مذراةً* كانت ملقاةً على الأرض ورمتها.
* أداة زراعية تراثية تشبه الشوكة الطويلة بمقبض وخمس أو سبع شوكات مدببة
“آه!”
فصرخ بودوان وقفز متفاديًا إياها بسرعة.
تحولَت المطاردة التي بدأت في الحديقة إلى الأروقة. ومع اقتراب نهاية الرواق الطويل، غيّر بودوان اتجاهه نحو مستودع السلاح.
فانتزعت ديزيريا سيفًا من درعٍ معروض. و لو كان هناك قوس، لكانت أطلقت سهمًا لتثبيت ثيابه في الجدار، لكن للأسف لم يكن حولها قوس.
“لا، إلى أين اختفى هذا الوغد الآن؟”
استدار بودوان وهو يبحث عن لازار، فتجمد رعبًا. فالسيف في يد ديزيريا كان يلمع تحت ضوء القمر.
انتزع بودوان بدوره سيفًا كان معلقًا على ستارة جدارية. فرفعت ديزيريا حاجبًا واحدًا عندما رأت وضعية بودوان.
لم تمسك السيف لتقتله. ولو أرادت ذلك، لما اختارت سيفًا احتفاليًا لم يُشحذ جيدًا.
كانت تنوي أن ترميه أو تُسقطه أرضًا، لكن سوء الفهم حدث.
“إذًا تريدُ القتال؟”
لوّحت ديزيريا بسيفها نحو بودوان. فخدش صوت اصطدام الفولاذ الأذن.
و تمكن بودوان من صد الضربة لكنه تمايل.
“كان يجب أن يبقى أوفيد حيًا كي لا أُجبر على الزواج من ذلك الإنسان اللعين، فلماذا تفسدون الأمور؟”
“وهل كنتُ أعرف ظروفكِ أصلًا؟!”
“إذًا سأخبركَ الآن. بموت أوفيد، سيصبح فابريس اللورد القادم. وذلك الأحمق لا يصلح لإطعام الناس، بل سيبيعهم للأعداء!”
كان سيف بودوان أضعف، ومع كل تبادل ضرباتٍ كان يزداد إنهاكًا.
شق السيف الهواء، وارتطم النصل بالنصل بصوتٍ حاد. وفي النهاية أفلت السيف من يد بودوان. فدفعتْه ديزيريا تدريجيًا نحو الجدار.
رفعت ديزيريا سيفها مستهدفةً جانب عنق بودوان.
“انتظري.”
ثم أوقفها صوت ناعم. كان لازار.
وقبل أن تدرك ديزيريا، أخذ لازار السيف منها بسلاسة. فحدقت به ديزيريا ويداها فارغتان.
هل يمكن أن تكون الخطة التي قال أنه سيعدلها هي اغتيال أوفيد؟ لو علمت بذلك لاستجوبته من البداية.
“لم أكن أنوي قتله أصلًا.”
استغل بودوان انشغال ديزيريا بلازار ومدّ قبضته.
“أحقًا؟”
لكن لازار أمسك بقبضة بودوان وسحبه فورًا. فسقط بودوان أرضًا.
“جئتَ بسرعة. حين كنا نبحث عنكَ لم يظهر لك أثر، كنتَ تتفرج من بعيد، أليس كذلك؟ هل كان ممتعًا؟”
نهض بودوان ينفض الغبار وهو يتذمر. فابتسم لازار رغم التوبيخ.
“آسفٌ لأنني تأخرتُ.”
شعرت ديزيريا، لسبب ما، أن لازار لا يقولها لبودوان بل لها.
وعندما نظرت إليه بعينين متسائلتين، ابتسم دون أن يعطي جوابًا صريحًا.
ثم حوّل لازار نظره إلى بودوان.
“ألا يبدو أن هناك سوء فهم يجب توضيحه؟ بيننا وبين هذه الآنسة.”
فرفعت ديزيريا قبضتها.
“وهل هناك مجالٌ لسوء فهم أصلًا؟”
و فتحت الإبهام والسبابة والوسطى واحدًا تلو الآخر.
“أوفيد ارتكب خطأً ما بحق شقيقة أليس. وأليس أرادت الانتقام. فاستأجرتكما لتنفيذ الاغتيال. أليس كذلك؟”
بدأت ديزيريا تطوي أصابعها واحدًا واحدًا. و لم يبدُ على لازار أي ارتباك.
“إجابةٌ صحيحة. لكن مع ذلك، رغم أنكِ تنصتِّ، لم تذهبي للتبليغ. كان بإمكانكِ أن تطرحيهما أرضًا وتمضي، أو تنسحبي بهدوء وتُبلّغي، لكنكِ تدخلتِ.”
حاول بودوان أن يتكلم، لكن لازار أسكته بنظرةٍ حادة.
فاحتج بودوان بحركة شفاهه قائلًا أنها كانت ستضربه فعلًا. و تجاهله لازار وابتسم لديزيريا.
“كان بإمكانكِ أن تقولي أنكِ لا تعرفين التفاصيل وتنسحبي، لكن لديكِ سببٌ يجعلكِ غاضبةً إلى هذا الحد، أليس كذلك؟ لذلك، لنتحدث بهدوء.”
وضع لازار السيف على الأرض. فرفعت ديزيريا يديها.
ومن منظورٍ موضوعي، لم يكن هناك سببٌ يجعلها تتحمس إلى هذا الحد لموت أوفيد.
فكما قال بودوان، موته يجعل فابريس الوريث، ويقوّي مكانة ديزيريا باعتبارها خطيبته المستقبلية.
“حسنًا. محاولة الاغتيال ليست أمرًا مشرفًا، لكنني سأستمع إلى السبب.”
***
كانت أليس تقف وحدها في الحديقة، فالتفتت عند سماع خطوات ثلاثة أشخاص.
“من الأفضل أن نسمعها منها مباشرة، أليس كذلك؟”
أشار لازار إلى أليس. فتنفست أليس الصعداء بعدما فهمت الموقف على نحوٍ عام.
ثم سألت ديزيريا أليس،
“هل أنتِ من طلبتِ من هذين الرجلين قتل أوفيد؟”
“نعم، آنسة.”
“ماذا فعل أوفيد حتى وصفتهِ بالقاتل؟”
“لأنه قاتلٌ فعلًا.”
قالت أليس ذلك بصوتٍ مرتجف.
وقفت أليس ساكنةً تلتقط أنفاسها. و ابيضّت قبضة يدها وهي تشدّ على تنورتها.
“أنا وأختي ابنتا فلاحٍ بسيطتين. قبل مدة، بينما كانت أختي تغسل الأغطية، ناداها….أحد السادة النبلاء المارّين.”
ترددت أليس، كأنها لا تريد حتى نطق اسم أوفيد. فهدّأت ديزيريا أليس المترددة.
“إن كنتِ لا تريدين ذكر اسمه، اكتفي بالإشارة إليه. نعرف من هو.”
“نعم، شكرًا. ذلك الرجل قال أن ساقي أختي جميلتان، وهي ترفع تنورتها، وطلب منها أن تصبح عشيقته.”
“أي شخصٍ من هذه المنطقة يعرف أن لأوفيد خطيبةٌ ذات مكانةٍ عالية.”
عند كلام ديزيريا، أومأت أليس برأسها.
“أختي كانت تعرف ذلك، ولهذا حاولت الرفض. لكن كيف لفتاةٍ عامية أن تنتصر على شابٍ نبيل يحيط به فرسانه؟”
“كان مجرد طلب.”
قال لازار ذلك بسخرية. بينما احمرّت عينا أليس بالدم.
فقالت ديزيريا لها أنه إن كان الأمر مرهقًا يمكنها التوقف قليلًا، لكن أليس تابعت.
“في النهاية، حملت أختي. وحين بلغه الخبر، أنكر وقال: كيف أتأكد أن الطفل طفلي؟ قال أنه قد يكون ابن أحد الفرسان الذين يرافقونه دائمًا، فلماذا يتحمل هو المسؤولية؟”
هنا اشتعل الغضب في صدر ديزيريا بمعنى آخر.
لم تكن تعلم حتى الآن أن أوفيد إنسانٌ وضيع إلى هذا الحد. و الآن اتضح أنه وقحٌ بلا حدود، شقيق فابريس فعلًا.
قد يكون أذكى من أخيه، لكن ذكاءه كله موجّهٌ نحو الشر.
ثم انحدرت دمعةٌ واحدة من عيني أليس المحتقنتين.
“توسلت إليه فقط أن يسمح لها بالولادة، لكنه أرسل البلطجية. هل تعلمين ماذا رأيتُ عندما عدتُ إلى البيت بعد انتهاء عملي في القصر؟”
شدّت ديزيريا على أسنانها. كانت تعلم، حتى من دون سماع، كم سيكون الكلام التالي مروّعًا.
“ضربوا تلك الفتاة الجميلة حتى غطّت الكدمات جسدها كله، ثم قتلوها وعلّقوها بحبل….ليبدو الأمر كأنه انتحار!”
كان المشهد أفظع مما توقعت. فشعرت ديزيريا بصداعٍ حاد.
ثم سأل لازار ديزيريا.
“تخيلي أن شخصًا كهذا يصبح لوردًا. ينتهك رعيته، ولا يتحمل مسؤولية البذور التي زرعها. هل تظنين أنه سيحسن الحكم؟”
“لا.”
“أليس جديرًا بالقتل؟”
“أود أن أقول نعم، لكن هذا.…”
مسحت ديزيريا وجهها بيدين جافتين.
وفقًا للمبادئ، كان عليها الإبلاغ عن أليس وبودوان ولازار جميعًا. هؤلاء الثلاثة، بحجة معاقبة شخصٍ مخطئ، ارتكبوا خطأً آخر بإرادتهم.
“كل ما حدث هو أنني أنا، بدافع الحقد على ما جرى لأختي، قدّمتُ طعامًا خاطئًا. هذان الشخصان بريئان تمامًا.”
بدت أليس متوترةً وهي تدافع عن لازار وبودوان. فازدادت حيرة ديزيريا.
بعد سماع ما فعله أوفيد، لم تعد قادرةً على الغضب.
كان لا يزال لدى ديزيريا وقتٌ قبل أن تُباع لفابريس، لكن أخت أليس ماتت بالفعل بسبب أوفيد.
حتى لو أبقته حيًا، ألن يكون إنسانًا محكومًا بالموت بسبب جرائمه؟
أمسكت أليس بيد ديزيريا متوسلة.
“آنسة، سأعترف بنفسي، فاسمحي بمرور الأمر. يكفيني أنني انتقمتُ لأختي التي سبقتني.”
“لا داعي لذلك. سأتولى أنا الأمر.”
عند كلام لازار، نظر الثلاثة الآخرون إليه بدهشة.
“أليس، قلتِ أنكِ قدّمتِ الطعام «بالخطأ»، أليس كذلك؟”
___________________
بالخطأ🥺 هااااااااااااااااهااهاها وناسه يجنوون عصابة كامله
واوفيد الزفت ليه بس كذا فطس مفروض مفروض عطوه سم يخليه يتعذب لين يفطس😔
المهم بعد كذاته متى يكملون سالفة الزواج؟🥰
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"