5
صرخ أحدهم من مسافةٍ قريبة، فأجابه الجريح الذي ناداه باسم لازار.
“اسمي ثيودور هنا.”
“آه، صحيح.”
“لن أموت، فاهدأ. بسببكَ سيجتمع الناس والوحوش معًا.”
سمعت ديزيريا اسمي لازار و ثيودور، فغرقت في التفكير.
إن كان حرف T يرمز لقيودور، وL للازار، فالأمر يفسّر نفسه. ولعل الثاني هو اسمه الحقيقي.
“يبدو أن أحدًا قد اقترب.”
قال لازار ذلك وهو يسعل.
“أين؟ آخ!”
فصرخ رفيق لازار عندما لمح ديزيريا، و دوّى صوته حتى أثقل أذنيها، فعبست بوجهها.
“اوه! هـ، هذه!”
أمسك لازار يد صديقه بودوان الذي كان يشير بإصبعه نحو ديزيريا.
“لا تشير هكذا يا بودوان. هذا تصرفٌ غير مهذب. فهذه الآنسة.…”
تلاقت عينا لازار وديزيريا، فابتسم.
كانت حالته سيئة من شدة الجروح، ومع ذلك أرغم نفسه على الابتسام، فشعرت ديزيريا بشيءٍ من الأسى.
“مرحبًا، ديزيريا.”
أيقنت ديزيريا أن الرجل أمامها هو ذاك الشخص.
كان خصمًا، لكنه في لحظةٍ ما اهتم بها أكثر من حليفها فابريس نفسه.
فنادته بالاسم الذي لم تعرفه إلا الآن.
“لازار؟”
ابتسم لازار وكأنه يسألها لمَ تناديه، فبادلتْه ابتسامةً خفيفة بشيءٍ من العاطفة.
“لكن من تكونين.…”
سأل بودوان فجأة وهو ينظر إلى ديزيريا، فرماه لازار بنظرةٍ حادة، واكتفى بودوان برفع كتفيه.
ثم تنهد لازار قليلًا و أجاب بعد صمتٍ قصير،
“ابنة قائد الفرسان، تلك التي كان الآخرون يتساءلون عنها قبل قليل.”
“آه، فهمت.”
هز بودوان رأسه. أما ديزيريا فشهقت عندما رأت جراح لازار. كانت ذراعه اليسرى وساقه اليسرى مغطّيين بالدم.
“هل أنتَ بخير؟ هل أستدعي طبيبًا؟”
“لا. أنا بخير.”
و رفض لازار عرضها بصرامة.
“سأتدبر أمري. متى ما أحضر هذا الرفيق الأعشاب التي طلبتها منه، حينها….ااه….”
“ولِم لا تذهب إلى القلعة وتتلقى العلاج؟”
أشارت ديزيريا إلى الفرس الذي جاءت عليه. أما خيل لازار وبودوان فقد لاذت بالفرار على ما يبدو.
فهمس لازار لبودوان،
“علينا تعديل الخطة قليلًا.”
كانت كلمة “الخطة” مريبة، لكن ديزيريا لم تشأ السؤال. فحالته لا تسمح بالريبة أو الحذر اللحظي. وكانت تعرف أصلًا أنه جاسوس.
تظاهرت بعدم السماع وأدارت وجهها. أما بودوان فراح ينشط وينثر الأدوات حوله ويُسعف لازار بسرعة.
ناولته ديزيريا قطعة قماشٍ نظيفة. كانت قد أحضرتها تحسبًا لإصابة أوفيد، لكنها وجدت لها استخدامًا آخر.
“استخدمها كضماد.”
“شكرًا.”
و سرعان ما انتهت الإسعافات الأولية. فحاول لازار النهوض مستندًا إلى الأرض. و همّ بودوان أن يساعده، لكن نظرة لازار الحادة أوقفته.
فقدّمت ديزيريا يدها إلى لازار.
“أتريد المساعده؟”
وما إن أمسكت بيده لتحاول رفعه، حتى مالت بجسدها وسقطت في أحضانه بدلًا من ذلك.
اندفعت إليها رائحة الأعشاب العذبة فجأة. فرفعت عينيها نحو عينيه بلون البحر، وقد أخذها الارتباك، بينما اكتفى لازار بابتسامةٍ هادئة.
“مـ-ما هذا التصرف.…”
قاطع بودوان ذلك الجو الخفيف بحدة، فانتفضت ديزيريا وأسرعت بالوقوف.
وبعد لحظة من الحرج، مدت يدها من جديد. فأمسك لازار يدها ونهض.
ثم، وهو يعرج، ركب ظهر الفرس وسألها،
“ألن تركبي يا ديزيريا؟”
و ارتبكت. كانت نيّتها ألا تركب، بل أن تمسك بزمام الحصان فقط.
إن ركبت خلفه فلن ترى أمامها شيئًا، وإن جلست أمامه فسيكون الوضع حميميًا للغاية، من رائحة الدواء إلى القرب المفرط، مما أحرجها حتى قبل حدوثه.
“هل من ضرورة؟”
خرجت الكلمات منها دون قصد. فانطفأت ابتسامة لازار فجأة.
لم يكن هناك أي داعٍ لأن تتصرف وكأنها في خلوةٍ رومانسية مع رجل، سواءً جلست أمامه أو خلفه، حتى لو كان الوسيم الذي يرافقها.
فأمال لازار رأسه متسائلًا: وما المشكلة إذاً؟
بينما كانت تفكر في طريقة للرفض حينها،
“لا أريد إرهاق الحصان.”
كان لازار طويل القامة. وإن بدا نحيلًا، إلا أن وزنه لن يكون خفيفًا تمامًا.
وفي الواقع، هناك فرقٌ في فرس الجنود الذي يتخذ من ركوب رجلين معًا رمزًا له، لذا فمسألة الوزن ليست سوى حجةٍ واهية.
“إذاً، أين يفترض بي أن أتمسّك وأنا أركب؟”
تمتم لازار مع نفسه.
“هناك….في مقدمة السرج ستجد مقبضًا.”
اختلقت ديزيريا عذرًا. فحرّك لازار عينيه فقط نحو المقبض ثم عاد بنظره إليها. و تحت حدّة نظره شعرت بحرارةٍ تتصاعد إلى وجنتيها.
فتظاهرت بإبعاد خصلات شعرها وهي في الحقيقة تهرّب وجهها عنه.
“يـ-يا هذا! ستسقط!”
صرخ بودوان. وما إن مال جسد لازار إلى جانبٍ واحد حتى أسرعت ديزيريا تمسكه. و أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما مجددًا.
على أي حال، لم يكن الحصول على فرصةٍ للحديث مع لازار أمرًا سيئًا. فقط وجود بودوان بجانبهم كان يزعجها قليلًا.
“ارجع قليلًا للخلف.”
أطاعها لازار دون مقاومة. وما إن اعتلت ديزيريا ظهر الحصان وضبطت جلستها، حتى ضرب لازار خاصرة الحصان بقدمه السليمة. و فهم الحصان إشارة الانطلاق فاندفع يعدو بقوة.
صرخ بودوان بشيءٍ من خلفهم، لكن الرياح ابتلعت صوته. فانفجر لازار ضاحكًا.
ثم نظرت ديزيريا خلفها وتذمرت،
“ما الذي تفعله؟ أتترك صديقكَ هكذا؟”
“سيتفهم الأمر.”
وضع يده السليمة على خصرها، بينما بقيت يده المصابة مربوطةً أمام صدره، ثم جذب اللجام ليهدّئ الحصان.
و قد أصبح بودوان بعيدًا لدرجة يستحيل عليه اللحاق بهم ركضًا.
“اشتقتُ إليكِ، يا حبيبتي.”
اصطدم صوته بأذنَي ديزيريا بعبارته المليئة بالحنو على حين غرّة، فشهقت مذهولة.
“ألم نلتقِ اليوم لأول مرة؟”
ضيّق لازار عينيه بانزعاجٍ واضح. فسارعت ديزيريا تنبش ذاكرتها في هلع، لكن ارتباكها زاد الطين بلّة.
ثم انفرجت شفتاه عن ابتسامةٍ مريرة.
“ظننتكِ تتظاهرين بعدم المعرفة، لكنكِ حقًا لا تتذكرين؟ إذاً لماذا ناديتِ اسمي بذلك الحنان؟”
“لقد سمعته من المرتزقه….و أيضًا عرفته عندما سمعت بودوان يناديكَ مرةً ثيودور ومرةً لازار.…”
بدأ صوتها يخفت تدريجيًا، وكأنها ارتكبت ذنبًا فادحًا.
“لم أتوقع أنكِ بلا مبالاةٍ إلى هذا الحد.”
حدّق فيها لازار بعينيه الرامقتين. فاحمرّ وجه ديزيريا وأشاحت بوجهها بعيدًا.
وماذا عساها تفعل إن لم تتذكر فعلًا؟!
“دعينا نكمل الطريق فحسب.”
“ماذا؟ لم أسمع.”
مد لازار وجهه فوق كتفها، فارتجفت هي، بينما هو ابتسم بخفة.
ساد صمتٌ ثقيل لفترة. و كادت ديزيريا تلتفت إليه ثم تراجعت. و ترددها المتكرر لم يفعل سوى إغاظته.
وفجأة، مد لازار يده وحرك شعرها المتطاير جانبًا.
ما إن لامست أصابعه مؤخرة عنقها حتى انكمشت بخفة.
“آه….وصلتني خصلات شعركِ بسبب الريح. و دغدغت وجهي فأبعدتها فقط. لا بأس، صحيح؟”
برر لازار الأمر. وكان في داخله رغبةٌ جامحة في أن يطبع قبلةً على ذلك الموضع، لكنه خشي أن تدفعه بعيدًا فزعًا أو غضبًا.
و همّت ديزيريا أن تقول شيئًا ثم ابتلعت كلماتها.
كان جسدها يعبق برائحةٍ خفيفة حلوة النفَس، فالتقط لازار أنفاسه ببطء. أما ديزيريا ففركت مؤخرة عنقها بخجل.
“ربطته حتى لا يتطاير كثيرًا….آسفة إن كان مزعجًا.”
كان رأسها مائلًا باتجاهه، لكن عينيها تهربان منه.
وبعد أن تأكدت من خلو الطريق حولهما تحدّثت،
“ربما يكون هذا كثيرًا عليكَ وأنتَ مصاب….لكن إن لم أقله الآن فلن أجرؤ أبدًا.”
“ما هو؟”
تنهدت ديزيريا. كانت تتصرف وكأن الوقت ينفذ، لكنها بقيت مترددةً في النطق.
ولأن صمتها طال، تكلم لازار أولًا،
“ماذا؟ هل تريدين….أن تقضي معي لحظاتٍ غرامية؟”
كان يعلم أن بعض المرتزقة يقبلون أعمالًا شبيهة بالدعارة أحيانًا، وبعضهم يستمتع سرًا بعلاقاتٍ محرمة مع سيداتٍ من الطبقة الراقية.
لكن لازار رفض دومًا مثل تلك الطلبات، كما أنه يعرف أن ديزيريا ليست من هذا النوع.
مرّ ما يقارب عشر سنوات، ومع ذلك كان واثقًا أنها لم تتغير إلى هذا الحد.
“لـ-لا! ليس هذا أبدًا!”
فزعت ديزيريا. أما لازار فلم يتخلّ عن مزاحه. و كان هذا انتقامه الطفيف لأنها لم تتعرف إليه.
“إذاً ماذا؟”
ضغطت ديزيريا صدغيها كأن رأسها يؤلمها. ثم أخذت نفسًا عميقًا و تحدّثت أخيرًا، بينما فتح لازار عينيه مندهشًا مما قالته،
“تزوّجني.”
____________________
وااااااااو طلعوا يعرفون بعض وهم بزران غير متوقعه (تسذوب) بس عادي عاجبني عشان كذا هو ناشب لها😂🤏🏻
بودوان المسكين مصيره مصير مساعد البطل في كل روايه عادي الصبر✨
المهممممم لازار اكيد بيقبل ذاه جته فرصه قدامه جاهزه مجهزه😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 5"