4
“ألستَ أنتَ من أرسل الحمامة قبل قليل؟”
حمامة رسائل….
الآن تذكّر أنه هو أيضاً كان قد بعث رسالةً إلى ديزيريا.
كان يريد أن يسألها إن كانت قد وصلتها، لكن كان هناك ما ينبغي فعله قبل ذلك. فهزّ لازار رأسه.
‘كان هناك ما يجب التأكد منه أولاً.’
فحرّك لازار رأسه.
“ليس ذلك. أقصد المحليين.”
كان لازار يريد التخلص من أوفيد بسرعة، لكنه لم يستطع التسرّع خشية أن تتورّط ديزيريا.
المحليون، أي إحدى الخادمات اللاتي يعملن في قلعة الحاكم، قالت أن أوفيد يُظهر تفاعلات غريبة إذا تناول المكسّرات.
استخدام الحيوانات أو المهرّبين كان يحتمل الكثير من المتغيرات، كما أن أوفيد لم يمت خلال وقت الفطور.
فأسند لازار ظهره إلى الشجرة. وما إن همّ بودوان بالإجابة حتى استل لازار خنجره.
فدفع بودوان جانباً ثم تحرك باتجاه جنب الدب الذي اندفع فجأة. ولوّح الدب بمخالبه وهو يهاجم.
***
كانت ديزيريا تنتظر كلاب الصيد أن ترفع رؤوسها.
و على مسافة ثلاثين خطوة ظهر أوفيد بين الأشجار. وجاء فابريس يقود حصانه حتى توقّف بجانبها.
“ما بكِ اليوم؟ نظراتكِ كلها متوحشة. لماذا تتقربين من أخي فجأة؟”
“أي هذيانٍ هذا؟ متى فعلتُ ذلك؟”
“لا تتظاهرِي! لا تستطيعين نزع عينيكِ عنه. تظنين أنه سيفسخ خطبته مع الآنسة ويتزوجكِ؟”
“لماذا قد أفكر بتلك الحماقة؟”
وزتجاهلت ديزيريا فابريس تماماً.
كان الوريث، أوفيد، مخطوباً لإحدى نبيلات دولةٍ أجنبية مرموقة لكسب نفوذٍ خارجي.
خطبةٌ منذ أن كان الاثنان في بطون أمهاتهما، هكذا كانوا يقولون.
بما أن جنس المولود لم يكن معروفاً، فقد تمت الخطبة سريعاً قبل أن يخطفه أحد، وإن لم يكن الجنس مناسباً فسينجبون غيره.
“تقولين أنكِ لا تفكرين بذلك؟ لكن نظراتكِ كانت مشتعلة.”
“هل أكلتَ شيئاً أفسد رأسكَ؟ بأي عقلٍ وصلتَ لهذا الاستنتاج؟”
“إذا لم يكن صحيحاً، فلماذا تنكرين بشدة؟ هل ضُربتِ في الصميم؟”
“أنا أنكر لأنه غير صحيح. ماذا تريدني أن أفعل؟”
لم تكن ديزيريا راغبةً أبداً في تمثيل مسرحية غرامية سخيفة.
كانت تراقب أوفيد فقط لتحميه من الموت، لكن فابريس، بغبائه، اعتقد أن هذا من باب مشاعر الحب لا الولاء.
وقد واصل فابريس سخريته،
“في النهاية، ستتزوجينني، فاستيقظي من أحلامكِ.”
أما فابريس، الابن الثاني للحاكم، فكان هناك حديثٌ عن زواجه من ديزيريا.
هذه المرة لمصلحة تقوية الروابط الداخلية. ولإخفاء الأغراض السياسية كانوا يقولون أن زواج ابن الحاكم من ابنة مربيته أمرٌ رومانسي.
وبما أنهما يعرفان بعضهما منذ الصغر، ظنّت ديزيريا أنها قد تتحمل.
كانت تعرف أن طبع فابريس سيئ، لكنها بقيت بجانبه بدافع ما ظنّت أنه وفاء.
وثمرة ذلك كله؟ لا شيء سوى هذا.
“من أين تأتيكَ الثقة بأنني سأتزوجكَ؟”
حتى حين خاطبته ببرود، ضحك فابريس بسخرية.
“وإن لم تتزوجيني؟ أتعتقدين أن أحداً سيتقدم لخطبتكِ؟”
“لا أحد يعرف المستقبل.”
وحتى لو لم يتقدم أحد….تستطيع هي أن تتقدم بنفسها.
كانت مضطرةً للبقاء قرب فابريس الآن، لكنها رغبت بشدة في الاقتراب من ذلك الرجل الآخر.
ثم عاد فابريس ليستفزها،
“يا للغباء. اعرفي قدركِ. إن لم أتزوجكِ ستقضين حياتكِ في الدير عجوزاً عانساً إلى أن تموتي.”
“أرى أن قدرُكَ أنتَ أيضاً بائس.”
ثاني أبناء حاكم مقاطعةٍ ريفية على الأطراف.
مجرد احتياط، في حال حدث مكروهٌ للابن الأكبر. وفي يوم ما ستخفتُ مكانته حتى أمام ابن أخيه.
ولم يكن فابريس من النوع الذي يعيش في ظل أخيه كعالة. لكنه أيضاً لا يمتلك الجرأة ليصبح جندياً أو رجل دين، فسيبحث عن منصب صهرٍ لعائلة نبيلة.
وبالطبع، لم تكن ديزيريا تنوي ترك ذلك يحدث.
إحراجها لكونها تُرفض من ذاك الأحمق أمر، لكن ما ذنب تلك النبيلة التي سيلتصق بها لاحقاً؟
فتابعت ديزيريا،
“ومع أن النساء يقتربن منكَ، فهن دائماً من النوع الرخيص. آه، ودفعكَ المال لبائعات الهوى هو أول—”
“اخرسي!”
صرخ فابريس، فتجهم وجه ديزيريا من الصوت العالي.
“حتى لو نظرتِ لغيري، لماذا أخي؟ إعجابٌ برجال أكبر منكِ؟ لكن في النهاية سيموت قبلَكِ بعشر سنوات، وستعيشين معي أطول مدة.”
و لم تكلف ديزيريا نفسها عناء الرد.
لم يكن ذلك غيرة. حتى لو كان غيرة، لكان أمراً بغيضاً.
كان الأمر مجرد طفل فقد لعبته التي رماها بنفسه، فجنّ جنونه الآن لأنها قد تؤول لشخصٍ آخر.
هذا فقط….جنون تملّكٍ طفولي.
“لماذا لا تردين؟ أصِرْتِ بكماء فجأة؟”
غصرخت ديزيريا بوجه فابريس،
“اخرس. أنا خرجت للصيد، لا لأتبادل الثرثرة معكَ!”
وفي تلك اللحظة أنهت كلاب الصيد التفتيش وانطلقت تعدو، فحثّت ديزيريا جوادها ولحقت بها.
***
كانت كلاب الصيد تنبح بشراسة. و ركض الغزال رافعاً قائمتيه الخلفيتين.
أخرجت ديزيريا قوسها وسهماً وهي فوق صهوة الحصان ووجّهتهما نحوه. فقفز الغزال بعنف وقد أصاب سهمها فخذه.
“تباً!”
اندفع الغزال المضطرب خارج المسار وانحدر متدحرجاً في منحدرٍ يشبه الهاوية. فسارعت ديزيريا إلى نفخ البوق. و تجمعت كلاب الصيد عند الصوت وبدأت بالنباح المحموم.
“أمسكناه!”
الغزال المحاصر، وهو يعرج، رفع قرنيه مهدداً. فانزلق الصيادون نزولاً عبر المنحدر وألقوا الحبال عليه.
وفي لحظات صار الغزال مكبلاً بإحكام.
“تراجعوا!”
تراجعت الكلاب بأمر الصيادين. وما إن تقدّم أوفيد حتى صرخ فابريس،
“أخي، دعني أتولى الأمر بدلاً منكَ! يدكَ لم تشفَ بعد!”
و نظر جميع الصيادين إلى فابريس. فمرّرت ديزيريا أصابعها في شعرها بضيق. لم تتوقع أن يتصرف فابريس بهذا الغباء.
وتحدّثت له بصوتٍ منخفض،
“ابقَ مكانك. فالشرف يُمنَح ولا يُنتزع بوقاحة.”
لكن فابريس تظاهر بأنه لم يسمع.
ثم اقترب أحد الصيادين من الغزال الذي انهارت قواه.
“أظن أن السيد أوفيد يمكنه تولّي الأمر بنفسه الآن.”
رفع الصياد رأسه ونظر إلى المجموعة. و وحدها ديزيريا كانت ممسكةً بقوس.
“هل أنتِ من أطلق السهم يا آنسة ديزيريا؟”
فكرت أن تُعيد القوس إلى مكانه، لكن الأنظار كانت قد استقرت عليها.
“نعم…:حدث ذلك.”
“لقد أطلقتُ سهماً أيضاً! أنا.…!”
وتجاهل أوفيد أخاه،
“أحسنتِ. بفضلكِ صار الأمر أسهل.”
فتراجع فابريس أخيراً حين استل أوفيد سيفه.
غرس أوفيد السيف في عنق الغزال. و كانت حركة يده متواضعة بسبب الورم، لكنها كافيةٌ لإنهاء حياته.
و صفق فابريس، فوبخته ديزيريا،
“اصمت.”
“لمَ؟ إنه أمرٌ حسن، يستحق التهنئة!”
“الابتهاج بموت ملك الغابة ازدراءٌ مقدس. أما تعلم ذلك؟”
“وماذا في موت غزالٍ تافه ليستحق كل هذه الضجة؟”
“فابريس!”
زمجر الحاكم، فأطبق فابريس فمه بامتعاضٍ ظاهر.
ثم قام الصيادون بتقطيع الغزال المتوفى بحركاتٍ هادئة مفعمةٍ بالخشوع. و أُلقي جزءٌ من اللحم لكلاب الصيد كمكافأة.
كان الحاكم قد اصطاد غزالاً واحداً، والآخر قُتل الآن لحساب أوفيد. أما الغزال الذي كان يجب أن يصيده فابريس فلم يظهر، ومع غروب الشمس انتهى الصيد.
تورمت يد أوفيد قليلاً لكنه لم يُصب بضرر. واسترخت أنفاس ديزيريا بزفرةٍ خفيفة لم تستطع كبحها.
ثم تحدّث الحاكم بمرح،
“انتهى الأمر! عودوا إلى القلعة واستريحوا!”
كانت ديزيريا تستعد للعودة، وقد تيبّست مؤخر عنقها. و اجتاحها شعورٌ سيئ.
لم يتطابق عدد أفراد الصيد مع عددهم عند الانطلاق. اثنان من المرتزقة مفقودان. والرجل الذي تريده….لم يكن معهم أيضاً.
بحثت عن والدها، الذي كان يقود المقدمة بصفته قائد الفرسان. و شقّت طريقها بصعوبة عبر المسار الضيق حتى وقفت قربه.
“أبي، أظن أن شخصين تخلّفا.”
“ماذا؟ هذا سيئ.”
فمسح جيرار المجموعة بنظرته بسرعة.
“ليسوا من رجالنا….ربما من فرقة المرتزقة؟”
“على الأرجح.”
أبلغ جيرار الحاكم وزعيم المرتزقة بالأمر. بدت ملامح القلق على وجههما، وتجمّد وجه قائد المرتزقة وهو يعيد العد.
ثم أمر الحاكم،
“عودوا جميعاً إلى القلعة، وسأبقي مجموعةٍ صغيرة لا تتجاوز عشرة أشخاص للبحث! من يتطوع؟”
وانقسم الجمع إلى مجموعتين.
***
قال جيرار أن على ديزيريا العودة، لكنها أصرّت على البقاء.
اثنان من المرتزقة اختفيا….وأحدهما هو ذلك الرجل. يجب أن تجده مهما حدث. فقط ليكن بخيرٍ إلى أن تصل إليه.
ابتعدت قليلاً عن فرقة التفتيش واتجهت إلى المكان الذي مات فيه الغزال. و كانت الغربان تحوم فوق بقعة الدم.
لو صادفت وحشاً مفترساً ستكون المشكلة كبيرة. فكتمت أنفاسها، رغم أنها مسلحة وعلى صهوة حصان مدرّب، فلا ضرر من أخذ الحيطة.
ثم سمعت صوتاً بعيداً،
“تماسك يا لازار! لا يمكنكَ أن تموت هنا!”
___________________
شالسالفه انقلب الوضع؟ ماروض اوفيد يفطس
الا على طاري اوفيد وانا اترجم فجأه لقياني اكتبه كوفيد😭
المهم ابوها مره يجنن يارب تعطيه المؤلفه وجه🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 4"