3
الطائر الذي كان يثير الفوضى هدأ أخيرًا بعدما حررته دزيريا من الشبكة ووضعت له غطاء العينين. فهزّ الصقّار رأسه بإعجاب.
“يا للعجب، إنه ساكنٌ تمامًا.”
“أخبر الصنّاع أن يصنعوا المزيد.”
ثم تدخل فابريس ساخرًا.
“أتضعين ذلك الجلد الثمين على رأس طائر؟ خياطة عينيه بالخيط أرخص وأسهل. لكنكِ تحبين الترف بأموالي؟”
“وما حجم رأس الطائر أصلًا؟ قصاصات الجلد تكفي.”
“تتكلمين كأنكِ من صنعته بيديكِ؟ هل تلامستِ مع أيدي الخدم القذرة؟”
فحاول فابريس استفزازها أكثر، لكن دزيريا تجاهلته وسألت الصقّار،
“أين أبي الآن؟”
“يُناقش خطة الصيد مع السيد أوفيد على الأرجح.”
“لننتقل إلى هناك إذاً.”
و ما إن أومأ الصقّار حتى صرخ فابريس،
“إلى أين؟ أتتجاهلين وجودي؟”
فنزعت دزيريا غطاء العينين عن الطائر. و عندما خفق بجناحيه بعنف تراجع فابريس مذعورًا.
بدت عليه ملامح الخوف فضحكت دزيريا بخفة.
“بما أن السيد الثاني لا يزال عاجزًا عن ترويض طائره، فسيحتاج مساعدتكَ. أما أنا فعليّ اللحاق بوالدي قبل أن يغيّر مكانه. أعتمد عليكَ.”
وغادرت قبل أن يتمكن الصقّار من إيقافها، متجهةً نحو والدها وأوفيد.
فلم يكن عليها فقط مواجهة T أو L في مسابقة الصيد، بل كانت أمام مهمةٍ أخرى.
الأصل أن الابن الأكبر، أوفيد، سيُقتل في مسابقة الصيد.
وإذا أصبح فابريس هو الحاكم، فسيموت ما لا يقل عن سبعة أشخاص بلا معنى، منهم دزيريا نفسها.
لذلك كان لا بد أن يصل أوفيد إلى الحكم بدلًا منه.
***
عاد أحد الصيادين بعد تفقد آثار الفرائس،
“إنه يومٌ محظوظ. سنتمكن على الأقل من اصطياد اثنين أو ثلاثة من ذكور الأيائل.”
تمنت دزيريا في قلبها أن يكون يومًا محظوظًا حقًا. و اقترحت على أوفيد تغيير خطة الصيد قليلًا، لكنه رفض.
قال إن موسم تزاوج الأيائل الآن، وإنها ستكون أكثر خطورة، وأن التأجيل فقط هو الأنسب، بل وذكر حلمًا مزعجًا رآه كنوعٍ من التشاؤم.
رغم ذلك أصرّ أوفيد على متابعة صيد الأيائل، بل إن الحاكم نفسه أيّد الفكرة لأنه موسمها.
كان ذلك يجعل دزيريا تغلي من الداخل. فهؤلاء الطغاة لا يدرون حتى أنها تحاول إنقاذهم.
أما المشاركون في الصيد فهتفوا بحماس. ابتسم الحاكم رابنيا.
“جيد. سأصطاد أولًا، ثم يأخذ كلٌ منكما واحدًا.”
انشغل الخدم بتحضير وجبة الإفطار. دجاجٌ مشوي، فطائر محشوة بالمكسرات، جبن، وأطايب أخرى.
و كانت دزيريا تمضغ الخبز بقوة. فهي لا تستطيع مضغ هؤلاء الحمقى بدلًا من الخبز.
“دزيريا.”
“نعم؟”
“هل بينكِ وبين الخبز عداوة؟”
حدق جيرار بذهولٍ في قطعة الخبز بين أصابعها.
فنظرت دزيريا إلى ما صنعته بيديها. وقد حولت الخبز إلى فتاتٍ مبعثر يسقط على الأرض.
“لا….فقط فقدت شهيتي فمزقته بلا قصد.”
أعادت ترتيب مكانها متظاهرةً باللامبالاة. فعلى أي حال، كثرة الطعام ستثقل حركتها.
أما ذلك الرجل، فلم يظهر بعد. مظهره ملفت، لكن حين يختفي يعرف كيف يمحو وجوده تمامًا.
‘حقًا إنه جاسوسٌ من طرازٍ رفيع.’
وبما أن صيد الأيائل سيجري رغم كل شيء، ازدادت قلقًا على أوفيد.
لحسن الحظ، لم يظهر أي أمرٌ غريبٌ بعد. كل ما هنالك أن أوفيد أكل قطعةً من الفطيرة ثم بدأ يحكّ فمه ويديه بقلق ٍزائد.
“إلى ماذا تنظرين؟”
زمجر فابريس في وجه دزيريا. فسألته ببرود،
“ماذا؟”
“لا تتغافلي. أتظنين أني لا أفهم؟”
“فابريس، كفى ثرثرة.”
ثم وبّخه الحاكم، والده.
“حسنًا، لنمضي وفق خطة الحاكم. بعد انتهاء الصيد، عودوا إلى هنا.”
أنهى الصياد ترتيبه وذهب ليطلق كلاب الصيد.
وحين امتطت دزيريا حصانها عادت ترى المرتزقة هنا وهناك. لكن ذلك الرجل ظل غير ظاهر.
و أحد المرتزقة نظر إليها باستغراب ثم تحدّث إلى رفيقه،
“هل ستذهب تلك المرأة معنا أيضًا؟”
“يبدو كذلك.”
“إلى هناك؟”
“أعتقد أنها ابنة قائد الفرسان. قبل قليل، كان الصقّار أو أحد الصيادين يمدحها كثيرًا.”
“هي ابنة قائد الفرسان، لكنها ليست القائدة نفسها.”
“يقولون أنها ابنته الوحيدة. و يبدو أنه درّبها بصرامة.”
“وماذا يفيد ذلك؟ المهم هو القتال الحقيقي.”
“صحيح. يكفي ألا تكون عبئًا.”
عقدت دزيريا حاجبيها عند سماع همساتهم من بعيد. و عندما رمقتهم بنظرةٍ حادة، بدا أنهم أدركوا ذلك لوهلة، ثم عادوا للثرثرة.
فنقرت لسانها وأبعدت نظرها. لكن حين عاد بصرها نحوهم، كان رجلٌ ما قد وقف في مسار رؤيتها.
كان يرتدي عباءةً سوداء بقلنسوةٍ فلم ترَ إلا ظهره.
لم يظهر شكله بالكامل، لكن كتفيه العريضين وطوله الفارع كانا واضحين. و كان يفيض منه تهديدٌ قاتمٌ حاد.
صحيحٌ أن المرتزقة يقتلون الناس أحيانًا، لكن حتى مع هذا الاحتمال كان حضوره مرعبًا. حتى دزيريا، وهي لا ترى سوى مؤخرة رأسه، شعرت بذلك.
“لنذهب.”
“مـ-ماذا؟ حاضر.”
غادر المرتزقة على عجل. وحين تابعتهم دزيريا بعينيها أدركت أن الرجل قد سحب ذلك الجو القاتل عنه.
وكادت تلتفت لتبحث عن أوفيد، حينها التفت الرجل نحوها. و كان على شفتيه ابتسامة.
اختفت تمامًا تلك الوحشية التي ملأت الجو منذ قليل، وحلّ مكانها نظرةٌ حلوة رقيقة—نظرةٌ تكفي لإصابة أي أحد بعشقٍ قاتل.
‘هل….ابتسم لي؟’
تدلّت خصلاتٌ سوداء من تحت القلنسوة، وتألقت عيناه بمزيجٍ ساحر بين الأزرق والأخضر.
لم يدِر بجسده، فلم ترَ من وجهه وجانبه العلوي إلا نصفه. ومع ذلك بدا واضحًا أنه شديد الوسامة.
“أممم….هل يمكن.…”
لكن قبل أن تُكمل دزيريا، قطع فابريس الطريق.
“أين كنتِ؟ لماذا لم تتبعيني حتى الآن؟”
كان يظن أن دزيريا ستتبعه طائعةً كما كانت قديمًا.
ربما في الماضي كان ذلك صحيحًا—عندما كانت تظن منذ طفولتها أن مصيرها هو أن تصبح زوجةً له.
أما الآن، فلم ترَ فيه إلا عقبة. ووقوفه في طريقها جعلها تفقد فرصة التحدث إلى ذلك الرجل.
فحبست دزيريا شعور الضيق في صدرها ولم تردّ على فابريس.
وحين نظرت نحو أوفيد الذي كان يعتلي حصانه من بعيد، بادرها بالتحية،
“أنتِ الآنسة دزيريا، صحيح؟ ابنة القائد جيرار، وصديقة فابريس. لم أتوقع أن تأتي حقًا.”
“أه….نعم.”
ردّت باقتضاب. و ظنّ فابريس أنها خجولة، فازدادت علامات الانزعاج على وجهه.
ضحك أوفيد بخفّةٍ على ردة فعله. يبدو أنه رأى غيرته الطفولية أمرًا لطيفًا.
ثم أصلحت دزيريا ملامحها كي لا تُظهر ضيقها.
سواءً أكانت تلك غيرة أم تنمّرًا، أو ظنًّا منهم أنها مسألةٌ رومانسية، فلم يعجبها أيٌ منها.
ولتغيير الموضوع، أشارت إلى يد أوفيد الملفوفة بضماد،
“ما الذي أصاب يدكَ؟”
“آه، هذه؟ يبدو أنني لمست شيئًا ما بالخطأ فانتفخت. ستتحسن سريعًا.”
فأدركت دزيريا أن الأمور بدأت تنحرف.
معها ضماداتٌ ومسكنات ربما، لكنها لم تجلب مرهمًا. ومع هذا الانتفاخ لن يستطيع القبض على رمحٍ أو سيفٍ جيدًا.
“ربما يجب أن تعود لترتاح.…”
لكن أوفيد ركض إلى داخل الغابة قبل أن تُكمل كلامها.
حتى فابريس رمقها بنظرة ساخرة قبل أن يلحق بأخيه.
‘لدي شعورٌ سيئ.’
مسحت دزيريا وجهها بيأس.
كانت تعتقد أن كل ما عليها فعله هو منع قتله….والآن حتى سمعته يجب أن تحميها.
صيد الأيائل كان تدريبًا عسكريًا وترفيهًا، لكنه أيضًا طقسٌ رسمي. ولهذا فإن شرف توجيه الضربة القاضية للغزال يُمنح فقط لأعلى الرجال مقامًا في فريق الصيد.
ولو كان الأمر بيد فابريس، لما فهم أبدًا قدسية هذا الطقس.
كان لا بد من منعه من إهانة أخيه الأكبر بتجاوز دوره وإظهار نفسه كأنه الوريث بعد والده مباشرة.
***
ربط لازار حصانه وجثا على ركبتيه. كانت هناك آثار حيوانٍ ضخم واضحةٍ على الطريق داخل الغابة.
لم يكن الدور المطلوب منه كبيرًا—فقط حماية ودعم كما طلب منه قائد المرتزقة—لكن التهاون لا يفيد. فقد كانت آثار المخالب تملأ جذوع الأشجار.
وبينما كان لازار يحدق حوله بحذر، سأل نائبه بودوان،
“هناك آثار دب. ابقَ متيقظًا. و هل التقيتَ بعميلنا؟”
_____________________
وناسه ذاه البطل لازار اسمه يضحك بس شنسوي😂 و عشان كذا حط L
اجل ليه قبل يقول T؟ وبعدين شقومه خلا ديزيريا ياهوه رح الحقها
المهم الله يعين ديزيريا وابوها على ذا الاغبياء
وفوق ذاه هم أسيادهم؟ اخ ياراسي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 3"