2
كانت تفوح من الرسالة رائحة بخورٍ باردة. حتى الخط كان نظيفًا بقدر يضاهي رهبان الدير المتخصّصين في النسخ.
و تذكّرت ديزيريا هوية المرسل إليها.
جاسوس مملكة آفنديل، الدولة العدوّة، الذي تبادلت معه خمس رسائل بعد هذه الرسالة الأولى.
[أعلم مسبقًا بأن أجواء الحرب تخيّم في كل مكان. وإن اندلعت الحرب، فسأُقاتل بلا شك. – ديزيريا لوات.]
[لا داعي لأن تجرّي نفسكِ إلى وسط ذلك. ابقي حيّةً كي تتمكني على الأقل من فعل شيء. – T.]
[لن أُصبح جنديةً فارّةً أمراً مشيناً، أو خائنةً لبلدي، سأموت بشرفٍ كفارسة أفضل. – ديزيريا لوات.]
[ديزي، لنهرب معًا. – L.]
ظل يوقّع دائمًا بحرف T، لكن آخر رسالةٍ حملت توقيعًا مختلفًا: L. و لم يرسلها مع خادمٍ كما يفعل عادة، بل جاء بها بنفسه.
ظنّت ديزيريا أن الأمر مجرد زلةٍ بشرية، لكنه ربما كان يريد منها أن تلاحظ شيئًا.
“أنا….لن أهرب.”
قالت ذلك حين جاء الرجل بنفسه إليها، ثم ألقت بالرسالة في الموقد.
فتشنّج وجهه من شدّة الانزعاج. حتى أصابعه التي أمسكت بذراعها كانت ترتجف، ربما حاول جاهدًا أن يدفع نفسه لخطفها بالقوة.
“إن أُسرتِ، سأعود لإنقاذكِ. انتظريني.”
ورغم أنه كان قادرًا على التسلل إلى قلعة فاسيديا وقلبها رأسًا على عقب، لم يفعل شيئًا من ذلك.
تتبعت ذاكرتها: أول مرةٍ رأته فيها كان ضمن فرقةٍ مرتزقة ترافق مخدومهم. وقد قضت ديزيريا أغلب حياتها في فاسيديا، فكانت حذرةً من الغرباء.
وحين اندلعت الحرب فعليًا، وراح يهرّب سكان الإقليم واحدًا تلو الآخر، تركته يفعل ما يشاء. فقد كان أفضل بكثير من فابريس الذي هرب وحده تاركًا رعاياه خلفه.
وبسبب ذاك الرجل الذي حاول إنقاذ حياتها حتى آخر لحظة، شعرت لوقتٍ قصير وكأنها بطلةٌ مأساوية من إحدى القصص.
ترى….ماذا لو أنها اختارت الذهاب معه بدل التعلّق بشرفٍ لا يحميها، وولاءٍ لبلد لا يرى فيها إلا قطعةً تُستعمَل ثم تُرمى؟
“من أرسل هذه الرسالة؟”
سؤال أمها قطع عليها شرودها.
وبدا على الأم تعبيرٌ يوحي بالتوقع، فبادرت ديزيريا بإخفاء الرسالة سريعًا.
“لا أعرف….التوقيع بالأحرف فقط. أين أبي؟”
كان صوتها ما يزال سيئًا. وبعد أن سعلت قليلًا، أشارت بيدها لتوضّح أنها ستذهب لترى التقويم المعلّق على الدرج.
و راقبتها الأم بقلقٍ وهي تترنح في نزولها.
[السنة 21 من حكم الملك كاليست، 29 أغسطس.]
كان ذلك نحو ثلاث سنواتٍ قبل اليوم الذي نُفّذ فيه إعدامها.
وبينما تواصل تصفّح التقويم، توقفت عند ملاحظةٍ كتبها والدها.
‘لم يتبقَّ الكثير على موعد مسابقة الصيد.’
عادت ديزيريا إلى الطابق العلوي، وفتحت باب غرفة والدها بعنف.
“استيقظ يا أبي!”
فتح جيرار لوات عينيه فورًا على صوتها الخشن….لكن لثوانٍ فقط.
“لا تنم هنا مرةً أخرى، ماذا تفعل!”
أجل….كان هذا طبعه حقًا.
شعرت ديزيريا بشيءٍ من الدفء حين رأت وجه والدها بعد فترةٍ طويلة….لكنها دفعت مشاعرها جانبًا، فليس الآن وقت العاطفة.
هزّت ذراعه، لكنه لم يتحرك.
كان ضخم البنية وصلبًا، أشبه بصخرةٍ لا تهتز. وبعد محاولاتٍ فاشلة، وقفت تنظر إليه مطولًا دون جدوى.
“يا حضرة القائد، أهذا معقول؟”
عقدت ذراعيها. وقدّمت الأم كوب ماء.
سكبت ديزيريا قليلًا من الماء على راحة يدها، ثم نثرت القطرات على وجه والدها.
“أوه! بارد!”
فقفز جيرار من النوم دفعةً واحدة.
و تساءلت ديزيريا هل كانت تتصرف بوقاحة….لكنها كانت مسألة حياةٍ أو موت على المدى الطويل. ثم إن والدها واسع الصدر ولن يغضب من أمرٍ كهذا.
“آسفة….لكن يجب أن أخبركَ قبل أن أنسى.”
“ماذا هناك؟”
“مسابقة الصيد هذه المرة….أريد أن أشارك.”
“عجيب! كنتِ تقولين دائمًا أنكِ لا تريدين الذهاب.”
“فكرت في تغيير الجو قليلًا….لا بأس بذلك، صحيح؟”
لم يسألها أكثر. ربما ساعدت الحجة التي جهّزتها مسبقًا حول خروجها لتغيير الهواء.
“حسنًا، لنذهب معًا.”
وحصلت على الإذن فوراّ.
ستتمكن من رؤية ذلك الرجل مجددًا….الرجل الذي سيشارك في المسابقة كمرتزق.
لو كان مصيرها الحقيقي هو الموت بجوار فابريس، لما أعيد الزمن للوراء أصلًا. لذلك….هذه المرة ستختار ذلك الرجل.
هناك الكثير من العقبات، لكن التعامل معه….أو عقد صفقةٍ ما….ربما يكون ممكنًا.
***
حرّكت دزيريا الطُّعم المعلّق بالخيط. فانقضّ النسر البَرّي «إينياس»، الذي كان جاثمًا على مجثمٍ يبعد عشرين خطوة، ناشرًا جناحيه.
قبض إينياس على الطُّعم وطرحَه بقوةٍ على الأرض. فناولته دزيريا قطعة لحمٍ بدلًا عنه وسحبت الطُّعم.
عندها أطلق الصقّار الذي كان يراقب المشهد شهقة إعجاب.
“كنتِ تصرّين على أنكِ لن تخيطي عينيه، ومع ذلك روّضتِه بهذه السرعة. يمكن أخذه إلى الصيد حالًا.”
عادةً ما يُخاطُ طرفا عين الطائر الذي يُؤخذ للصيد، ثم يُحمل على ذراع الإنسان كي يعتاد وجود البشر.
لكن دزيريا لم تستسغ ذلك. فكرة خياطة العيون أصابتها بالقشعريرة. فهو وإن كان حيوانًا، إلا أنه شريكٌ في الصيد.
“لا أفهم حتى الآن لماذا اخترتِ صقرًا من هذا النوع، لكن يبدو أنكِ ستروّضين أي طائرٍ بسرعة.”
“أريد أن أركّز على هذا الصغير أولًا.”
حين قالت دزيريا أنها تريد ترويض أحد صغار الصقور التي فقست في العش خارج النافذة، بدا الصقّار غير مرتاح.
بعيدًا عن النسور والصقور البيضاء التي يستخدمها أفراد العائلة المالكة، كانت سيدات النبلاء يستخدمن عادةً صقور الشَنّار، والفرسان يستخدمون الشواهين.
أما صقورٌ مثل «إينياس»، فكان يستعملها الخدم أو عامة الناس ممن يملكون بعض المال.
ولأن دزيريا امرأةٌ نبيلة وفارسة في آن، فقد شقّ على الصقّار اختيار ما يناسبها، وربما أُصيب بالارتباك من اختيارها غير المتوقع.
“أهذا يصلح للصيد حقًا؟ حجمه لا يتعدى قبضة اليد، هل سيقدر حتى على صيد حمامة؟”
ظهر فابريس فجأة ساخرًا. فالتفتت إليه دزيريا. بينما ارتسمت على فم فابريس ابتسامةٍ ازدراء واضحة. لكنها لم ترد عليه.
قد لا يعلم فابريس الآن شيئًا، لكن مجرّد تذكُّر أنها ماتت بسببه جعل معدتها تنقلب. و كانت تريد أن تعلّقه رأسًا على عقبٍ لتنتقم.
“صحيح….النساء يحببن الأشياء الصغيرة لأنها لطيفة وخفيفة. ضعيفة، لكن يعجبهن ذلك….يا له من غرور.”
ثم أدارت دزيريا رأسها عنه ببرودٍ تام، غير آبهة بسخريته.
“إن كان الشيء كبيرًا بلا فائدة فهو يجذب الانتباه فقط. الصغير القوي أفضل بكثير.”
“بارنابي! هناك فريسة!”
أشار فابريس إلى إينياس وهو يأمر صقره. فسارعت دزيريا لتقف أمام إينياس وتحميه.
“هل جننتَ؟ لماذا تستهدف صقري.…!”
كان صقر فابريس ضخمًا فقط، لكنه غبيٌ كصاحبه. سبق و أن ركل طائرًا بريًا بدلًا من صيده، وحتى حاول مهاجمة إينياس نفسه.
ولم تكن دزيريا مستعدةً لخسارة الطائر الذي اجتهدت في تنسيق العمل معه.
فخطفَت غصنًا من الأرض بسرعة. وما إن بسط الطائر جناحيه حتى بدا واضحًا ضخامته المفرطة كشاهينٍ هائل يهدر جناحيه.
“آه! ابتعدي! لماذا يهاجمني بدلًا من أن يطير!”
الشاهين الأنثى «بارنابي» لم تطِر، بل راحت تهاجم فابريس نفسه. عندها تنفست دزيريا الصعداء وضحكت بخفة.
“أي فكرةٍ هذه أن تسمّي أنثى باسم مذكر؟ الأمر يبدُو غريبًا في كل مرةٍ أسمعه.”
“يا لغباء هذا الطائر اللعين!”
زمجر فابريس. و همّ بضرب الطائر، لكن الصقّار منعه محذرًا إياه أن ذلك سيجعله أعند.
فحاول فابريس الإمساك بالحبل المربوط بقدم بارنابي، لكنها كانت أسرع منه، وطارَت بعيدًا نحو الأرض.
فأعادت دزيريا إينياس إلى كفها المغطاة بالقفاز فوق المجثم.
كان فابريس غارقًا حتى أذنيه في الغرور. أراد أن يمسك أضخم صقر بري ويُروّضه، دون أن يعرف حتى أن الإناث أكبر من الذكور في هذا النوع.
وطبعًا لم ينجح في ترويضه أبدًا.
“ليس غبيًا، بل عنيداً. كيف تتوقع منه أن يتصرف كحيوانٍ أليف وهو ليس كذلك أصلًا؟”
قالت ذلك وهي تربت على إينياس. فغمز الطائر بعينيه السوداوين وسكن هادئًا.
كانت تطعمه إن طال غياب أمه، ومنذ بدأ يستقل عنها أبقته معها في الغرفة، فاعتاد عليها بسرعة.
“كل هذا التفاخر على شيء لا يستحق.”
رمق فابريس دزيريا بنظرةٍ حانقة، ثم ركض مجددًا محاولًا الإمساك بطائره، لكن الشاهين ظل يهرب منه، فاستشاط غضبًا وضرب الأرض بقدمه.
عاد الصقّار وهو يحمل غطاءًا جلديًا صغيرًا، فألقت دزيريا شبكةً على بارنابي. و وقع الطائر في الشبكة وبدأ يصرخ متخبطًا.
“ماذا تفعلين بطائري!”
فصرخ فابريس غاضبًا. لكن صراخه كان أسوأ من صراخ الطائر نفسه.
و من دون أن تلتفت إليه حتى، ردت دزيريا بحدّة،
“أي طائرك؟ أنتَ حتى لم تنجح في ترويضه. اصمت.”
________________________
وناسه امها وابوها حيين وحلوين وحايتهم رايعه😔🤏🏻 كله من ابو راس مربع ذاه خرب عيشتها يوم خطبها
اصلا ليه خطبها؟ ابوه حاكم منطقتهم وابوها قائد فرسان منطقتهم وش الفايده؟ مب مفروض يخطب وحده عائلتها تفيدهم؟ مجانين
المهم وناسه البطل جا بنفسه قبل عشان تطق معه؟ يالرومانسي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 2"