أخذ لازار علبة الخاتم من يد ديزيريا، وما إن تفحّص محتواها حتى انفجر ضاحكًا.
“لم يحدث في حياتي أن تلقيتُ عرض زواجٍ من امرأةٍ أولًا، إنه أمرٌ طريفٌ حقًا.”
“قلتُ أنه ثمن الصفقة.”
“لو كان ثمنًا، أما كان يمكن أن يكون شيئًا آخر؟ لماذا خاتمٌ بالذات؟”
“لأنه صغيرٌ وسهل الإخفاء.…”
وضعت ديزيريا يدها على جبينها.
كانت قد بادرت أصلًا بطلب الزواج، ولم يكن ذلك سيئًا تمامًا، لكنها أرادت إنكاره دون سببٍ واضح.
لم تكن في عمر تبدأ فيه حبًا أولًا أو تُضايَق بدعوى الإعجاب، فما هذا الوضع الغريب؟
“حسنًا. فلنعتبر أنني تقدّمتُ لكَ بطلب الزواج. هذا الخاتم يحمل ذوقي، لكن قيمته عالية، ولو بِيع لكان ثمنه جيدًا. لن يكفي لإعالة العائلة كلها، لكنه يكفي لإخراجي أنا ووالديّ من هذه القلعة البغيضة.”
“إما أنه طلب زواجٍ أو لا، ما المعنى الذين تريدين اعتباره به؟”
سعلت ديزيريا بخفة وقد استبدّ بها الخجل. فابتسم لازار، وأخرج الخاتم، ثم وضعه في إصبع الخنصر من يده اليسرى.
“مبدئيًا، أعجبني عرضكِ. لكن ما أريده ليس المال.”
“إذًا ماذا؟”
شحب وجه ديزيريا. فما تستطيع تقديمه فورًا لم يكن سوى المال، ورغم أنها ليست ثريةً أصلًا.
لم تكن ديزيريا من عائلةٍ عريقة ولا ذات مكانةٍ عالية، ولا كانت جميلةً جمالًا خارقًا.
“فماذا تريد؟ أنا حتى في الزواج السياسي لم أفكّر إلا في فابريس. ماذا يمكن لشخصٍ مثلي أن يقدّم؟”
“قدّمي ما تستطيعين تقديمه.”
“أليس الخاتم كافيًا؟”
“لأنكِ تفكرين في إنهاء الأمر بخاتم فقط، وتحجبين ما يجب أن يكون فيه أصلًا.”
“أتريد قلبي مثلًا؟”
“وهل يجب أن يُقال ذلك صراحة؟”
فركت ديزيريا وجهها وقد انتشر فيه دفءٌ مفاجئ. بينما انفجر لازار ضاحكًا.
و ظنّت ديزيريا أنه يسخر منها فاحتجّت،
“لماذا تضحك؟”
“لأنكِ لطيفة.”
لطيفة؟ ديزيريا، في نظر نفسها، لم تكن صغيرة الملامح ولا ذات طابعٍ لطيف أصلًا.
و لم يكن في نبرته تهكم، لكنها لم تستطع إلا أن تشعر بذلك.
ضيّقت ديزيريا عينيها. فخفّف لازار ابتسامته قليلًا.
“قلتُ لكِ أن حربًا ستندلع، أليس كذلك؟ وهذا جزءٌ من الأمر. هل يناسبكِ أن تغادري هذا المكان فقط لأنكِ لا تريدين خطيبكِ؟”
“إن كان هذا مكانًا سأتخلى عنه في النهاية، فلا داعي لأن أنتظر حتى يُلقى بي خارجه.”
تالوريا لا تضمن لديزيريا شيئًا. كان التخلي عن الإقليم كله لأجل فابريس أمرًا ثقيلًا على القلب، لكنه حقيقة.
كما أنها لم تعد تتوقع تغيّر فابريس، ولا مساعدة من الآخرين. فأسلوب الملك كاليست والحاكم حسم الأمر منذ خطاب النهار.
“بعيدًا عن الوطنية، أنا أعني الانتقال إلى مكانٍ جديدٍ كليًا، لا يمتّ لجذوركِ بصلة. هل هذا مقبولٌ لديكِ؟”
“مقلق، لكن عليّ أن أفعل شيئًا. لا أستطيع إشعال تمرد، لذا سأخطو خطوةً إلى الوراء أولًا.”
لم يكن قتل فابريس خيارًا، ولا كان ذلك من أسلوب ديزيريا. إلا لو أُعطي فرصةً لتصحيح خطئه ورفضها بنفسه، فالأمر لم يصل بعد إلى ذلك الحد.
لكنها أيضًا لم تنوِ الهرب أو البقاء مكتوفة اليدين.
أرادت فسخ الخطوبة، وإسقاط فابريس سياسيًا، و أن تُمنعه من الارتباط بعائلةٍ نافذة. وذلك ممكن حتى دون البقاء هنا.
“بالنسبة لي لا بأس، لكن لا أدري كيف سأقنع والديّ.”
غطّت ديزيريا فمها بيدها وهي تفكّر. لم يكن والدها عديم المرونة، لكنه كان عنيدًا أحيانًا.
“سأساعدكِ، وأحاول كسب ود عائلتكِ أيضًا.”
“كيف؟”
“أخبريني. ماذا تحبّون وماذا تكرهون أنتِ وعائلتكِ، وما الذي جرى خلال السنوات التسع التي لم أكن فيها إلى جانبكِ.”
ترك لازار يد ديزيريا وتقدّم أعمق داخل الغرفة. و جلس على حافة السرير وربّت بلطفٍ على المكان إلى جانبه.
ورغم الإشارة الواضحة، ترددت ديزيريا في الاقتراب. فضيّق لازار عينيه وأسند ذقنه إلى يده.
“ماذا؟ ألستِ تثقين بي إلى هذا الحد بعد؟”
بدا منزعجًا من تردّدها. فأخذت ديزيريا نفسًا عميقًا.
“أنا من اقترحتُ الالتزام بهذا العُرف،لكنها المرة الأولى التي أطبّقه فيها فعليًا.”
“إذًا، هل أنا أول رجلٍ يبقى في الليل معكِ؟”
“….نعم،على ما أظن.”
أجابت ديزيريا بصوتٍ خافت وعينيها مغمضتان بإحكام. و شعرت وكأن لازار يجرّها إلى إيقاعه.
حين كانت قد بلغت سن المراهقة، حاول فابريس يومًا أن يلمسها بوقاحة. وبعد أن فضحت الأمر وأذلّته علنًا، لم يجرؤ على الاقتراب منها مجددًا.
ربما كان يلوك سمعتها بكلامٍ فاحش من خلفها، لكن ذلك لم يكن بيدها.
“تأخّر الأمر كثيرًا، لكن لحسن الحظ لم يسبقكَ أحد.”
بسبب فابريس، لم تشعر ديزيريا بالحاجة إلى حضور مناسباتٍ اجتماعية للبحث عن زوج.
لذا لم تحظَ باهتمامٍ يُذكر، وبالطبع لم يزرها رجلٌ ليلًا قط. وكانت تكره الاعتراف بأن ذلك قد يعني افتقارها للجاذبية.
أما لازار، فبدا سعيدًا بذلك.
“نحن فقط سنتحدث، أليس كذلك؟ لماذا كل هذا التوتر؟”
فركت ديزيريا مؤخرة عنقها خجلًا. و وقعت عيناها على خنجر قتالٍ قريب.
“أهذا مجددًا؟”
نهض لازار من مكانه. وما إن سُمِع صوت فكّ الحزام حتى تجمّدت ديزيريا في مكانها.
وحين التفتت نحوه، كان قد عاد و جلس على السرير.
“هل يكفي هذا وحده؟”
رفع لازار الحزام المعلّق به خمسة أو ستة خناجر، ثم وضعه في منتصف السرير.
و في النهاية جلست ديزيريا إلى جانبه.
ورغم إشارته الواضحة إلى أنه لن يلمسها، عقدت ديزيريا ذراعيها بتوتر.
ثم استلقى لازار على جانبه وكأنه في سريره هو، فأطلقت ديزيريا ضحكةً جافة.
“تبدو و كأنكَ على وشك أن تستلقي على حجري.”
“أوه، أيمكنني ذلك؟”
رفع لازار رأسه الذي كان يستند إلى ذراعه. و لم يكن بينهما سوى مسافة قصيرة، تكفي فعلًا ليضع رأسه على حجرها إن تحرّك قليلًا.
فأدارت ديزيريا وجهها بعيدًا.
“هـ، هل هذا معقول؟ ما الذي بيننا أصلًا.…”
“وما الذي بيننا؟”
نظر لازار إلى يده اليسرى ثم إلى ديزيريا. وبينما يتأمّل الخاتم مدّه نحوها بخفّة، فانحبس كلامها.
حتى في الضوء الخافت كان الخاتم يلمع بوضوحٍ لافت.
“صحيح،نحن على علاقة خطوبة، بعد أن تقدّمتِ أنتِ بطلب الزواج أولًا.”
فأضافت ديزيريا جملةً متعمّدة، وقد ضايقها أسلوبه.
“علاقةٌ قائمة على عقد. أنتَ تُخرجني أنا وعائلتي من فاسيديا، وأنا أدفع لك ثمن الصفقة بخاتم.”
“لماذا تصرّين على تسميته عقدًا؟”
ترددت ديزيريا قليلًا، ثم،
“لأنه إن لم يكن كذلك، فلن يكون لديكَ سببٌ لتساعدني.”
“ربما كان عليّ أن آتي بصفةٍ أخرى غير مرتزق.…”
تمتم لازار وهو يحكّ مؤخرة عنقه. فارتبكت ديزيريا وسألته فورًا،
“صفةٌ أخرى؟ مثل ماذا؟ تاجر؟ أم قاطع طريق؟”
و ضحك لازار ضحكةً قصيرة وكأنه لا يصدق ما سمع.
“أتظنينني همجيًا؟ هل تظنين أن التنكّر كلصٍ وخطفكِ بالقوة كان خيارًا أفضل؟ أنا من آفندل، لست من فينسترثال.”
“أعرف، أعرف. حتى أهل فينسترثال لا يفعلون ذلك. آسفةٌ لأنني عامَلتكَ كهمجي.”
أمسكت ديزيريا رأسها بكلتا يديها. شعرت أن كل ما تقوله بقصد عدم التراجع أمامه ينقلب إلى زلات لسان.
“أعرف أنني من اقترح الأمر أولًا ثم أؤجله الآن، وأعتذر عن ذلك، لكن امنحني بعض الوقت. أحتاج للتفكير في التفاصيل أكثر. من الأفضل ترتيب الأمور بوضوح، أليس كذلك؟”
ربما من التعب، لم يعد عقلها يعمل كما ينبغي.
فمرّرت يدها في شعرها. بينما أظهر لازار تعبير خيبةٍ عابرة، ثم عاد سريعًا إلى ابتسامته الهادئة.
“نامي الآن. ستظهر التجاعيد على وجهكِ.”
ضغط لازار بأطراف أصابعه على ما بين حاجبيها برفق. فاتسعت عينا ديزيريا من جرأة لمسته.
“هكذا يزول العبوس بين الحاجبين، لكن التجاعيد تنتقل إلى الجبهة.”
“عندما تكثر الهموم، من الطبيعي أن نعبس. لا داعي لأن تضغطها بيدكَ هكذا.”
“استعدّي للنوم فقط.”
في النهاية استلقت ديزيريا على ظهرها. و أغمضت عينيها محاولةً النوم، لكن النعاس لم يأتِ سريعًا.
وعندما فتحت عينيها من جديد، وقد ظنّت أنها غفت قليلًا، كان لازار قد اختفى.
***
استيقظت ديزيريا على صوت طرقٍ على الباب.
“آنسة، هل استيقظتِ؟”
دخلت الخادمة بعد الإذن وانحنت تحية.
“السيد فابريس يرغب في لقائكِ.”
أن يكون أول ما تسمعه صباحًا هو طلب فابريس، جعل مزاج ديزيريا يسوء.
“لماذا؟ ألا يكفي أن نلتقي وقت الطعام؟”
“يقول أنه يرغب بالخروج معكِ. وأمرني أن أنقل لكِ رغبته في زيارة الصائغ لاختيار هدايا الزواج.”
لم نُخطَب بعد، ولا يزال الحِداد قائمًا، ويريد اختيار هدايا زواج؟
‘حتى الوقاحة لها حدود. لم ندفن أوفيد بعد، وهو يتحدث عن هدايا زفاف؟’
___________________
مادفنوه؟ جثته قاعده تتحلل اجل ولا وش؟ ولا ينتظرون يدفنون فابريس معه؟
المهم وناسه عظته الخاتم واستانس به بس ليه مايعلمها وش ذكرياتهم وهم صغار غش ياخي😭
ويوم قال انسدح في حضنس؟ ابيها تصير لاتزوجوا
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 18"