“متى قال أنه يريد مقابلتنا؟”
“قال أن نأتي فورًا. وكأننا بلا أعمال، يبدو أنه شخصٌ لا يعرف معنى المراعاة.”
ظل قائد فرقة المرتزقة يلوك سيرة الحاكم بمضغٍ غاضب. لكن ما إن خرجوا من الحانة حتى لزم الصمت تمامًا.
وكان الصمت نفسه يخيّم على مكتب الحاكم.
دخل قائد المرتزقة بعد تحيةٍ عابرة، ووقف لازار خلف الكرسي الذي جلس عليه.
“أمم….كنتُ أتمنى لو تبقون مدةً أطول.”
فتح الحاكم فمه بالكلام، فأضاف قائد الفرسان جيرار،
“لا أظن أن في ذلك ضرورةً ملحّة.…”
“اصمت! جيرار، أنتَ أيضًا مرتزقٌ عندي، أخائفٌ أن يُسلب منكَ رزقكَ؟”
“ليس هذا ما أعنيه. سمعت من رئيس الخدم أن الميزانية.…”
“يمكن تعديلها!”
كان الحاكم يقاطع جيرار في كل مرة. فاحمرّ وجه جيرار ثم ازرقّ، لكنه لم يرد. و تجاهله الحاكم ووجّه نظره إلى قائد المرتزقة.
“أين كنا؟ آه نعم، ابقَ عامًا إضافيًا فقط. نحتاج في هذه الفترة إلى الحفاظ على الاستقرار بسبب مسألة تبديل الوريث.”
“وكم ستدفعون مقابل ذلك؟”
“ذلك يتوقف على أدائكم.”
من فرط الذهول، مدّ قائد المرتزقة عنقه إلى الأمام وحدّق في الحاكم. أما الحاكم فابتسم كأن لا مشكلة في ذلك، وفرك يديه.
“وبالمقابل، حين يستقر ابني تمامًا بوصفه الحاكم القادم، سأزيد المبلغ بسخاء. سيتعلم إدارة الإقطاعية، ويتزوج، وينجب الأطفال.”
فرمقه جيرار بنظرةٍ حادة، لكن الحاكم لم ينتبه.
كان لازار يعلم أن الحاكم استدعى قائد الفرسان ليكبح قائد المرتزقة، لكن في هذه اللحظة لم يكن غريبًا لو أن قائد الفرسان هو من هاجم الحاكم.
ثم أشار لازار سرًا إلى جيرار بإيماءة تفيد: لنتحدث لاحقًا.
“سنتشاور مع أفراد الفرقة ونبلغكم.”
قال قائد المرتزقة ذلك بصعوبة.
“متى؟”
“أليس من الطبيعي أن نتشاور أولًا؟”
“إذًا متى ستتشاورون وتخبرونني؟”
عضّ قائد المرتزقة على أضراسه بقوة.
“سنبلغكم بعد أسبوع.”
“جيد،إذًا نلتقي بعد أسبوع.”
سواءً بدا قائد المرتزقة وقائد الفرسان مستائين أم لا، اتكأ الحاكم إلى الخلف بارتياح، وكأنه يفكر: وما المشكلة إن ساء مزاجهما؟
ثم أشار الحاكم بيده بإهمال، ففتح الخادم الباب وأخرج الآخرين.
تذرّع لازار لقائد المرتزقة بتوعكٍ صحته وأنه سيلتحق لاحقًا ،ثم اقترب من جيرار.
“قائد جيرار، لدي ما أود قوله.”
“ما الأمر؟”
نظر لازار إلى مكتب الحاكم المغلق، ثم اقترح تغيير المكان وهمس،
“يتعلق بزواج ابنتكَ.”
فتصلّب وجه جيرار.
“هل بسبب الوريث الذي ذُكر قبل قليل؟ وكيف علمتَ بذلك؟”
“يبدو أن ابنتكَ ترغب في الزواج من شخصٍ آخر.”
لم يكن يقصد الاستفزاز، بل جسّ النبض. أراد لازار أن يسمع من جيرار كيف بدأ الحديث عن زواج ديزيريا من فابريس.
فتنهد جيرار بعمق.
“هذا جيد. أنا أيضًا لا أريد أن تتزوج ديزيريا من فابريس، ذلك الأحمق. لكن هل هناك من يريد الزواج منها؟ كلما عرضت المساعدة رفضت بشدةٍ فلم أستطع.”
“مثل من؟”
“لم أتحرَّ بدقة. طالما ترفض،فما الحيلة؟ لذا ظننتُ أنها تكرهه لكنها تحبه في الوقت نفسه.”
“كان دافعًا من الواجب.”
‘واجبُ ألا تخيّب أملكَ.’
قال لازار ذلك بنبرةٍ ساخرة قليلًا، لكن رد جيرار جاء غير متوقع.
“الواجب….قد يكون. على كل حال، لو كان فابريس، فلن تنتقل فجأةً من النفور الشديد إلى الإعجاب. كم مرةً قلتُ لها أن سعادتها هي ما يساعدني.…”
تفاجأ لازار، إذ لم يرَ فيه أبًا يسعى لاستغلال ابنته، بل يتمنى لها السعادة حقًا.
و عندما لاحظ جيرار ارتباكه، سأله،
“بالمناسبة، أأنتَ ذلك المرتزق الذي تخلف؟ لا تقل أنك وقعت في حب ديزيريا أثناء تمريضها لكَ؟”
“آه،لا،ليس كذلك.”
لوّح لازار بيديه نافيًا.
صحيحٌ أن ديزيريا أنقذته، لكن لم يكن حبًا وُلد أثناء التمريض.
“على أي حال، سيصل طلب زواجٍ قريبًا.”
قال لازار ذلك مبتسمًا وكأنه يخبره بالمستقبل. بيتما ظل جيرار مذهولًا وهو يراقب ظهر لازار وهو يبتعد.
***
كانت ديزيريا تذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا.
أرادت التحدث مع فابريس، لكنه خرج ولم يعد حتى الآن. وقد مرّ اليوم كله كأنه ومضة.
لم تختلف غرفة فابريس كثيرًا عمّا كانت عليه قبل ثلاث سنوات. الفارق الأبرز أن المكتب كان نظيفًا للغاية.
فجمعت ديزيريا الأوراق المبعثرة ورتبتها.
“ماذا تفعلين في غرفة غيركِ؟ ليست أغراضكِ، فلا تعبثي بها كيفما تشائين!”
اندفع فابريس بخطواتٍ واسعة، وانتزع الأوراق من يد ديزيريا. فعبست من خشونة تصرّفه.
مع أنه بعد ثلاث سنوات، حتى لو تراكمت الوثائق على مكتبه، كان يلقي بكل شيءٍ على عاتق الخدم.
ثم نقرت ديزيريا بلسانها بضيق.
“حتى لو نظّفتُ لكَ الفوضى، ستجد ما تقوله.”
“ومن طلب منكِ أن تنظّفي؟”
“الأشياء المهمة إلى حدٍ لا يجوز أن يلمسها أحد، لا ينبغي أن تُترك مبعثرةً هكذا.”
“أكره من الأساس أن تلمس أشيائي فتاةٌ تافهة مثلكِ.”
عند كلماته، عضّت ديزيريا باطن فمها بأسنانها. ذلك الأسلوب الطفولي غير المنطقي كان يخنق صدرها دائمًا.
وإن صمتت اقتناعًا بأن الحديث معه بلا جدوى، فسيحسب نفسه منتصرًا، لذا لم يكن الصمت خيارًا مريحًا.
“آه حقًا؟ إن كنتُ بهذه التفاهة، فلماذا رشوتَ المنادي ليشيع أنكَ ستتزوجني؟”
“لأن منظر تشبثكِ بكبريائكِ مقرف. أتظنين نفسكِ أميرة؟”
“وأنتَ، هل لديكَ ما تتفاخر به أصلًا؟”
فرفع فابريس زاوية فمه بابتسامةٍ ساخرة.
“أفضل منكِ. جدكِ؟ أو كان سلفكِ؟ اختار الطرف الخطأ وأضاع مستقبل أحفاده. أما جدي، فعلى الأقل ورّثني منصب الحاكم.”
“دعنا من هذا الجدال الطفولي عن من الأفضل، وقل لي: بأي تفكيرٍ أمرتَ المنادي أن يعلن الزواج من الآن؟”
“سنفعلها على أي حال، أليس كذلك؟ فلا داعي لتكليف المنادي العمل مرتين.”
“أي هراءٍ هذا؟”
احتجّت ديزيريا. ولوّح فابريس بيده بملل.
“كفى، سأنام، اخرجي.”
“تطلب مني الخروج دون أن نصل لنتيجة؟”
“إذًا، هل تنامين معي؟”
فشدّت ديزيريا على أسنانها حتى آلمها فكّها.
“لا أنوي تقاسم فراشٍ والجدال معكَ.”
“ولا أنا.”
تفحّص فابريس جسد ديزيريا من أعلى إلى أسفل. لم يكن ظاهرًا سوى يديها وما فوق عنقها، لكن ما يُخفى غالبًا ما يثير الفضول أكثر.
ارتجفت ديزيريا من نظرته الفجّة التي تناقض كلماته. وحتى بعد أن أغلقت الباب وخرجت،ظل ذلك التحديق اللزج يلاحق مؤخرة رأسها.
وعبر الممر الداخلي، ثم حديقة القلعة، ثم حديقة المباني الملحقة، وحتى وصلت إلى غرفتها، كانت تمرر يدها على شعرها كلما تذكّرت.
لم يكن التسويف بالقول أنها تحتاج وقتًا للتفكير في الزواج من فابريس كافيًا. كانت بحاجةٍ إلى حل آخر.
‘قذر….كان يكره حتى الاختلاط بي في الصغر، والآن لا يتردد في محاولة لمسي. وإلى أين بعد؟’
طحنَت ديزيريا أسنانها بقوة.
لم تكن تعاني عقدة نقص، لكنها تمنت لو كانت أميرةً حقيقية لا يجرؤ فابريس على التفوّه أمامها. ولو كانت كذلك، لما اضطرت أصلًا إلى التفكير في الزواج من شخصٍ مثله.
توقفت ديزيريا وهي تفرك وجهها الجاف. ثم سُمِعَ طرقٌ خفيف على الخشب. كان من جهة نافذة الشرفة.
“إنه أنا، لازار.”
“قلتَ أننا سنلتقي مجددًا، لكن لم يمر سوى يوم واحد، فما الذي جاء بكَ بهذه السرعة؟”
ابتسمت ديزيريا بخفّة، وضَحِكَ لازار ضحكةً منخفضة.
“سأشرح لكِ التفاصيل في الداخل.”
“يعني إن لم أُدخلك، فلن تخبرني؟”
“تعرفين أنني أستطيع فتحها إن أردتُ، أليس كذلك؟”
“حسنًا، سأفتحها إذًا.”
فتحت ديزيريا باب الشرفة وهي تضحك، متسائلةً أي نوعٍ جديد من التهديد هذا.
وقد بدا فم لازار المبتسم من تحت الغطاء الذي أسدله متسعاً بمرح.
“آسف، إنه حديثٌ لا يَحسُن أن يسمعه الآخرون.”
ما إن دخل لازار حتى أغلقت ديزيريا الباب بسرعة، ثم سألته،
“إذًا،هل فكّرتَ في اقتراحي؟”
كانت تهمّ بتشابك ذراعيها، لكن يد لازار أمسكت بيدها.
“دافئة.”
و ابتسم لازار بعينين ناعستين. بينما نظرت ديزيريا إلى يدها الممسوكة.
لم يكن الجو باردًا بعد،ومع ذلك كان يمسكها كأنه يحتاج إلى دفئها.
وحين حاولت سحب يدها، شبك لازار أصابعه بأصابعها. كانت يده ناعمة في مجملها، لكن الندوب الصغيرة منحتها خشونةً خفيفة.
ومع لمسة يده،تذكّرت الخاتم الذي اشترته نهارًا.
“هل يكفي هذا ليكون ثمن الصفقة؟”
_____________________
الوضع من البدايه اصلا يضحك عي الي جابت الخاتم مب هو والحين تطلعه له على اساس صفقه مب خاتم زواج😭
ابو ديزيريا مره يجنن حنون وصابر عشان اهله😔
بس يعني شف حتى الحاكم الخيخه ذاه مب معطيك حقك ويقول انت مرتزق عندي! خلاص خلوه جعلها تقب في ديرته انتم وش دخلكم
المهم لازار حمار يدور اي فرصه معها 😂🤏🏻
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"