اشتدت نظرة فابريس حدةً، فهزّت ديزيريا رأسها نفيًا.
أنكرت أولًا لطمأنته، لكن مجرد التشكيك في عفتها كان مثيرًا للسخرية.
أن يُشكك بوفائها رجلٌ زار بيت الدعارة قبل أيامٍ كان أمرًا مقرفًا.
كانت ديزيريا قادرةً على أن تقول بثقةٍ أنها لا تزال عذراء، وإن لم يصدق فليستدعِ الراهبات أو السيدات النبيلات ويفحصنها.
لكن فابريس لم يرفع عنها نظرته المرتابة.
“يقولون أن الحوامل يكثر لديهن الغثيان.”
“لكن هذا لا يعني أن كل من تتقيأ تكون حاملًا.”
ردّت ديزيريا بحدة. و وقف الاثنان يتبادلان النظرات عبر باب مكتب الحاكم.
وفجأة انفتح باب المكتب بعنف، وخرج الحاكم يتبعه خادم.
“ظننتني سمعت كلمة حمل؟”
راح الحاكم ينقل بصره بين ابنه وكنّته المستقبلية، وملامحه توحي بأنه قد ينفجر ضحكًا لو دُغدغ قليلًا.
فهزّت ديزيريا رأسها ببطء.
“لا، صحتي ليست على ما يرام فتقيأتُ قليلًا.”
“همم، حقًا؟ يا للخسارة، كان ذلك سيُنعش الأجواء الكئيبة بعد موت أوفيد.”
فتنحنح الحاكم مرارًا وكأنه نادمٌ فعلًا.
“على كل حال، لا أمانع الحمل قبل الزواج، فهذا أمرٌ طبيعي بين شابٍ وفتاة، وإن أُثير جدلٌ ديني فالأمر سهل التغطية.”
غطّت ديزيريا وجهها بيد واحدة. لم يكن الكلام محرجًا فحسب، بل كانت تُعامل كدجاجةٍ بيّاضة.
“لكن ما الذي جاء بكما منذ الصباح؟”
و تحدث فابريس أولًا.
“بما أن أخي مات، فلا بد من مراسمٍ يُعلن فيها والدي اعترافي وريثًا، جئتُ أسأل عن ذلك.”
“مم، صحيح، ديزيريا، سمعتِ ما قلته لكِ أمس، أليس كذلك؟”
التفت كلٌ من الحاكم وفابريس نحو ديزيريا. فأجابت باقتضاب.
“نعم.”
“إذًا يمكنكما الدخول معًا.”
أشار الحاكم بيده، فتولى الخادم إدخالهما. ثم ذهب الخادم ليحضر بعض الضيافة، بينما أخذ الحاكم يقلب الأوراق.
جلس فابريس في منتصف الأريكة الطويلة مترهلًا، وجلست ديزيريا عند الطرف، لكنه انتقل ليقترب منها.
“لماذا هذا العبوس؟ أهو لأنكِ كنتِ معجبةٌ بأخي ومات؟”
“لم أكن معجبةً به، وأنت بالمقابل لا تبدو حزينًا على موت أخيكَ.”
“اختفى منافسٌ قد يكون خانني مع امرأتي، ومن الجيد أن منصب الحاكم المستقبلي صار لي.”
فأطلقت ديزيريا صوتًا مختنقًا من شدة الذهول.
كان لديها الكثير لترد به، لكنها لم تشأ خوض جدالٍ عقيم لا نهاية له. و سواءً صمتت أم لا، واصل فابريس استفزازها.
“سمعت أنكِ لم تنامي حتى وقتٍ متأخرٍ أمس، ترى ماذا كنتِ تفعلين؟ هل زاركِ رجلٌ أخفيتِه؟”
لم تجبه ديزيريا. و قررت ألا تنجرّ مهما حاول استفزازها.
لم يكن يسأل لأنه يعلم بزيارة لازار، بل لأن طعنةً عشوائية أصابت الهدف صدفة.
صحيحٌ أن لازار جاء ليلًا، لكن شيئًا لم يحدث، لذا كانت ديزيريا واثقةً من نفسها.
ثم أمسك فابريس بذراعها.
“هل جننتَ؟ اتركني!”
“لن أطلب منكِ التودد، لكن اخفضي نبرتكِ، فأنتِ ستكونين تحت أمري مهما فعلتِ، وسواءً أعجبكِ أم لا ستصبحين زوجتي، فعامِليني كما يُعامل الملك.”
ذُهلت ديزيريا. ومن الذي يحتاج فعلًا إلى كبح غضبه؟
“إن أردتَ أن تُعامل كملك، فعليكَ أن تعاملني كملكة.”
“ليست كل عشيقة ملكٍ ملكة، هل تعلمين كم امرأةً تُضرب لأنها تجرأت على زوجها؟ كوني ممتنةً لأنني لا أضربكِ.”
استنفذ فابريس صبر ديزيريا تمامًا، فضربته بجانب كفها على جبهته. و تجمد فابريس لحظة من الصدمة، ثم استوعب الموقف وصرخ.
“أنتِ، ماذا تفعلين.…!”
ثم تنحنح الحاكم ليُشعرهما بوجوده.
“أفهم الحماسة، لكن أليس من الازم ألّا يحدث هذا هنا تحديدًا؟”
يبدو أنه أساء الفهم، فظن أن فابريس كان يضغط عليها بدافع العاطفة.
ثم تركها فابريس أخيرًا، لكن نظرته اللزجة التي مسحت جسدها جعلتها ترتجف اشمئزازًا.
عينان بلون الطحالب القاتمة، لون كدرٍ وضيق كالمستنقع، يليق تمامًا بالإقطاعية التي سيرثها.
كان بإمكانها أن تضربه مرةً أخرى، لكن الحاكم سيتدخل حتمًا.
“مقرف.”
فسخر فابريس.
“وما فائدة النظافة إن كانت بلا طعم؟”
لم يعلّق الحاكم، وكأنه لم يسمع مشاحنتهما. ثم جلس وسأل ديزيريا.
“حسنًا، سنكتفي بخطوبةٍ رمزية، ومع الزفاف سنعلن فابريس الإقطاعي التالي، الأمر شكلي، لكن نحتاج جوابكِ، أليس كذلك يا ديزيريا؟”
“أرجو منحِي مزيدًا من الوقت.”
ارتعش حاجبا الحاكم، فضرب فابريس الطاولة المنخفضة أمامه.
“ماذا؟ أي وقت؟ هل ستعصين أمر أبي الآن؟”
“اهدأ يا فابريس، لم يصل الأمر إلى حد الأوامر.”
أسند الحاكم ذقنه إلى يده، وحاول التظاهر بالسعة، لكنه عض شفتيه بضيق.
ثم سأل ديزيريا.
“هل هناك سبب؟”
“لم أستعد بعد، فترة الحداد أربكتني، والزواج قرارٌ مصيري.”
“حسنًا، لعلنا كنا متعجلين، سأمنحكِ ثلاثة أيامٍ إضافية، اتخذي قراركِ خلالها.”
‘ثلاثة أيام؟’
شدّت ديزيريا نظرها و ردّت بحزم.
“ثلاثة أيام مدةٌ قصيرة جدًا. ينبغي أن تمتد فترة الحداد نصف عام على الأقل، والزواج يعني العيش مع الشخص نفسه لعشرات السنين ما لم يحدث طارئ، أليس من القسوة أن يُتخذ مثل هذا القرار خلال ثلاثة أيام؟”
كان الإقطاعي يبدو وكأنه استسلم أخيرًا، بينما ازداد وجه فابريس عبوسًا.
“وماذا تقترحين إذاً؟ عشتِ معي منذ طفولتنا، قرابة عشرين عامًا، ومع ذلك تقولين أنكِ لا تستطيعين تقرير الزواج خلال ثلاثة أيام؟”
“طول معرفتي بكَ شيء، والعيش زوجةً لكَ شيءٌ آخر تمامًا.”
فتدخل الحاكم مؤيدًا.
“نعم، نعم، كلامها صحيح. لا تضغط عليها أكثر من اللازم يا فابريس.”
ولوّح بيده، إذ لم يعد هناك سببٌ للإبقاء على ديزيريا.
“اذهبي الآن. سنعود لنتحدث في الأمر لاحقًا.”
فانحنت ديزيريا له باحترام ونهضت.
وحين حاول فابريس الإمساك بمعصمها، وضع الحاكم يده على كتفه.
“دعها. ليس لديكَ خطيبةٌ أخرى أصلًا، وستهدأ الأمور من تلقاء نفسها.”
في النهاية أنزل فابريس يده. وظل بصره يتتبع ظهر ديزيريا حتى أغلقت الباب وخرجت.
***
كان لازار يراقب من المبنى المقابل فابريس وهو يقذف أثاث الغرفة بعنف.
“يا لسوء طباعه. إن كان سيحطمها هكذا، فليعطها لفقراءٍ مثلي بدلًا من ذلك. إنه يشبه شخصًا بعينه تمامًا.”
قال بودوان ذلك ونقر بلسانه وهو يجلس قبالة لازار.
و تذكّر لازار الشخص الذي قصده بودوان. أخوه غير الشقيق وولي عهد آفندل، أنسيرم، الذي كان قد استدعاه إلى الاستراحة الملكية من قبل.
الخادم الذي جاء ينقل الرسالة بدا متلعثمًا، وقد فاجأه فارق العمر الذي يجعل العلاقة أقرب إلى الأب والابن منها إلى الأخوين.
فأجاب لازار ببرود بأنه فهم، ثم صرف الخادم.
“اذهب إلى قلعة فاسيديا وتعامل مع وريث الحاكم هناك. هو مجرد الابن الأكبر لحاكمٍ ريفي لا يتجاوز رتبة الكونت، لكن لإحداث فوضى في تالوريا مرةً واحدة، فهو الهدف الأنسب.”
“نعم، أخي. سأغادر حالًا.”
انحنى لازار تحيةً ثم استدار. و لوّح أنسيرم بيده بلا مبالاة.
وبمجرد خروجه، عدّ لازار حتى ثلاثة.
“يا ابن الشيطان، يا حثالةً لا تموت، يا ثمرة زنا قذرة!”
من خلف الباب المغلق، دوّى صوت أنسيرم وهو يسبّ ويقذف الأشياء.
‘ابن الشيطان….’
في وقتٍ ما، تمنى لازار حقًا لو كان قد وُلد من شيطان أحلام، إلى هذا الحد كان شعوره بالخيانة من أبيه عميقًا.
في طفولته، ظنّ أن أنسيرم ضحيةٌ مثله، لكنه اكتشف لاحقًا أن أنسيرم كان يحاول قتله كلما سنحت له الفرصة، وبطرقٍ لا تترك أثرًا.
“مع ذلك، من الغريب أن ذلك المنافق كان مفيدًا هذه المرة.”
“إذًا لماذا أصررتَ على القدوم إلى هذا المكان البعيد بنفسكَ؟ مع أنكَ كنتَ دائم التذمر منه.”
“لو أصررتُ على الرفض، لكان ذلك الإنسان قد زجّ بي في السجن تحت الأرض بتهمة عصيان الأوامر.”
“صحيح.”
هزّ بودوان رأسه ونظر إلى الطاولة. وحين همّ بإلقاء ورقة، قرّب وجهه فجأة من الأوراق الموضوعة.
“هاه؟ ما هذا؟”
“هذه الجولة الثانية لي اليوم.”
ضحك لازار ولوّح بالأوراق المتبقية في يده. فقذف بودوان أوراقه على الطاولة.
“لا أعترف بذلك! لنلعب خمس جولات، والفوز لمن يسبق بثلاث!”
_________________________
العببببب لازار أمير! و بودوان نبيل متزوج رااايع
المهم يارب يطقون بسرعه مره يقرف فابريس وابوه وعععععع
ذلع اهل لازار يعين على الأقل اهل ديزيريا حلوين يعوضونه😔
وشسمه متى ذكرياتهم ياخي
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"