اعترضت ديزيريا على كلام لازار.
“هل تنوي تحميل الطباخ المسؤولية؟”
“لا. المسؤولية تقع على عاتق الزوجين الإقطاعيين اللذين أطعما الطعام دون تدقيق، فلماذا نُقحم الطباخ؟ مهما كان ابن الإقطاعي، لا يمكن حظر المكسرات داخل القلعة من أجل شخصٍ واحد فقط، أليس كذلك؟”
“يبدو كأنه منطقٌ مُغالِط.”
“لهذا الحد فقط؟ أنتِ تعرفين جيدًا كم يُعلي النبلاء شأن الذرائع.”
لم يكن كلامه خاطئًا. فقد قيل إن أحد الكونتات أشعل حربًا لأن صفقةً مع بارون رُفضت، أو شيءٍ من هذا القبيل.
كانت الذريعة تتعلق بالتجارة، لكن الحقيقة أن السبب لم يكن سوى ملكيةٍ قط.
حتى ديزيريا، التي يُعد والدها بارونًا وبالتالي هي نبيلة صراحةً، لم تستطع فهم مثل هذا السلوك.
فسألت لازار.
“هل يمكن لمثل هذه الذريعة أن تُقنع؟”
“بالطبع.”
ابتسم لازار ابتسامةً جانبية. وقد كان واثقًا إلى حدٍ لافت.
ثم مسحت ديزيريا وجهها الجاف بيدها مرةً واحدة ونظرت إليه.
“وما الدليل؟”
“لا وقت للشرح الآن. ثقي بي أولًا.”
***
عاد لازار وبودوان وديزيريا وأليس إلى قاعة المأدبة.
و كان الزوجان الإقطاعيان لا يزالان يضغطان على الطبيب.
“لا يمكن أن يكون قد مات فجأةً هكذا! هذا اغتيالٌ بالسم دون شك!”
“عادةً ما تظهر أعراضٌ واضحة مثل تغيّر لون الجلد عند تناول السموم، لكن.…”
“بلى، هذا الوجه الوسيم منتفخٌ حتى يبدو أرجوانيًا! إذن أي سمٍ هذا؟!”
اقترب لازار من الطبيب المرتبك.
“هل تسمحون لي بإلقاء نظرة؟”
فنظر الزوجان الإقطاعيان إلى لازار بنظرة تساؤل. كانت نظرة “ومن أنت؟”.
وردّ لازار بهدوء.
“أحد أقاربي يعمل عطّارًا، ولديّ بعض المعرفة.”
“وماذا في ذلك؟”
رمقته السيدة الإقطاعية بحدة.
“يُقال أن الطعام والدواء والسم يفصل بينها خيطٌ رفيع.”
كاد الطبيب يعترض ثم أغلق فمه. بدا أنه أدرك أن عليه مساعدة لازار للخروج من هذا المأزق.
“حسنًا؟ إذاً بمَ مات؟”
“من الواضح أنه اختناق.”
شعرت ديزيريا أن لازار كاد يقول إن أوفيد أكل بنهمٍ حتى حدث ما حدث، ثم كتم ذلك.
و أكمل لازار بلا أي ابتسامة.
“أكل بنهمٍ دون أن يشعر بأن جسده غير طبيعي، فمات.”
فردّ خاكم الإقطاعية ووجهه يتقلب بين الاحمرار والازرقاق.
“أنت، وجهكَ غير مألوف. هل تتفوه بكلامً فظ عن ميت؟”
وانضمت السيدة الإقطاعية إليه.
“من أنتَ حتى تُهين ابني! مجرد عاميٍ يعمل كعطّار!”
“قلتُ أن أحد أقاربي يعمل عطّارًا، ولم أقل أنني عطّار. ذاك القريب راهب، فهل أبدو لكم راهبًا؟”
“عـ-على أي حال!”
“حسنًا، إن ظننتم أن كلامي خطأ، فشقوا عنق ابنكم فحسب. ستنسكب كميةٌ كبيرة من الطعام، على الأرجح.”
فشحبت ملامح السيدة الإقطاعية عند سماع ذلك.
“لـ-لا، لا يمكن! لا أستطيع أن أسمح بتدنيس جثة ابني بهذا الشكل!”
“و على حد علمي، لديكم ابنٌ آخر. أليس من الأفضل احتواء الأمر والمضي قدمًا؟”
فارتجفت يد السيدة الإقطاعية.
كان تلميحًا إلى أن التستر سيضمن انتقال الإرث بسلاسة دون انتشار شائعة أن فابريس اغتال أوفيد.
فاندهشت ديزيريا من استراتيجية لازار.
ظنت أنه سيقول أن أوفيد مات بعد أن تناول طعامًا يحتوي على مكسرات، لكنه أفلت بالقول أنه مات اختناقًا بسبب الإفراط في الأكل.
بهذا الشكل، لن يمكن تحميل أي شخصٍ المسؤولية.
ثم أطلق حاكم الإقطاعية صوت تذمر.
“حسنًا. سأستدعي الخدم للتصرف في الأمر، فاذهبوا.”
فانحنى لازار بأناقة مودعًا. وفعل بودوان وأليس الشيء نفسه.
وحين همّت ديزيريا بالخروج، ناداها الحاكم.
“ديزيريا.”
“نعم، سيدي.”
“أبلغي المنادي أن أوفيد مات متأثرًا بجراحٍ أُصيب بها أثناء الصيد.…”
“حاضر.”
كان قصده تجنب الفضيحة، إذ إن إعلان موت الابن أثناء الطعام أمرٌ مخزٍ، فأراد حفظ ما تبقى من الهيبة.
و تساءلت ديزيريا إن كان ذلك يجعل موته شريفًا، لكنها لم تجادل. فمهما جادلت، لن تسمع سوى أمرٍ بالتنفيذ.
كان لا يزال الطريق غامضًا للنجاة من عائلة الحاكم، بما فيهم فابريس. لكن ربما تتيح الجنازة وما يليها بعض الوقت.
***
كانت السيدة الإقطاعية تتجول أمام مكتب زوجها. فصرخ الحاكم، وهو يشد شعره.
“آه، كفى حركة! ستُفقدينني صوابي!”
“الغريب هو جلوسكَ بهدوء! ابننا مات!”
صرخت السيدة بدورها. فأدار الحاكم رأسه.
“كفى. ما الفائدة من شجارنا؟”
“نعم، نعم. كلامٌ صائب نادرًا ما نسمعه.”
عبست السيدة بشفتيها. و كان في نبرتها سخريةٌ وغضب، لكن الحاكم لم يفعل سوى أن تنهد.
لم يكن هذا وقت الشجار مع زوجةٍ صغيرة السن وعديمة الرشد.
“لا يمكننا أن نجعل فابريس يتزوج الأميرة بدل أوفيد.…”
فلو فعلوا ذلك، لثاروا محتجين بأنهم يفرضون عرف الزواج بالأخ، وهو تقليدٌ بربري لقبائل لا تزال تعيش حياة الترحال.
كونه كونتًا لا يملك سوى إقطاعيةٍ صغيرة في الأقاليم، فسيكون من حسن الحظ إن لم يُعلن الحرب فقط لأنه أهان بيت دوق.
“ما الذي ينبغي فعله إذاً؟”
كان الحاكم يشد شعره الذي بدأ الصلع يزحف إليه دون توقف.
لم يكن موت الابن أمرًا يمكن تجاهله ببساطة. فقد ضاعت فرصة المصاهرة مع عائلة نافذة، وكان ذلك مؤلمًا للغاية.
كما أن إعادة تربية الابن الثاني ليؤدي دور الوريث على نحو لائق لم تكن بالمهمة السهلة.
‘بعد كل هذا العناء في تربيته!
“ليطلب فابريس يد فتاة من عائلةٍ جيدة فحسب.”
و نقر الحاكم لسانه عند كلام زوجته.
“تسك، وماذا عن هيبتي إذاً؟ وبماذا أعتذر لجيرار؟ ربطتُ رجلًا يحمل لقبًا، ولو كان شرفيًا، بابنته، ثم أعود لأطلب فسخ الخطبة؟”
“لم يتم إعلان الخطوبة رسميًا بعد.”
“وهل تظنين أن طرد ديزيريا سيجعل فتاةً صالحة تقبل بالزواج؟ ستنتشر الشائعات قريبًا بأن هذا مكان مشؤومٌ يموت فيه الناس!”
“ولِمَ لا؟ ما العيب في فابريس!”
ثم تخلى الحاكن عن مواصلة الحديث مع زوجته التي لا ترى فيه سوى ابنها.
“ألا يوجد أحدٌ هنا؟”
“نعم، سيدي الحاكم! هل ناديتني؟”
دخل أحد الخدم مسرعًا.
“أبلغ ديزيريا أن يتجاوزوا الخطوبة سريعًا ويتزوجوا.”
أجاب الخادم بالإيجاب وانحنى. فضربت السيدة مكتب زوجها بكلتا يديها، ثم مالت بجذعها نحوه وسألته بحدة.
“أحقًا ستُجبرهما على الزواج؟”
“نعم. وفي أقرب وقتٍ ممكن.”
قال الحاكم ذلك لزوجته المصدومة.
“لنُعجّل بالزواج، ولتنجب طفلًا أولًا، وحين يكبر الطفل ويهدأ كل شيء، يمكن خطبته من عائلة جيدة.”
“لا.”
فاستدارت السيدة بتمنع.
“لا أريد أن أصبح جدةً بهذه السرعة.”
ثم ضيق الحاكم عينيه.
فابريس ربما لا، لكن أوفيد كان من المحتمل أن يكون قد أنجب عددًا من الأبناء غير الشرعيين. ومع ذلك، كل ما يقلقها هو أن تصبح جدة.
‘كيف انتهى بي الأمر متزوجًا امرأةً بهذه السذاجة؟’
تمتم الحاكم بذلك لنفسه متذمراً.
***
كانت ديزيريا جالسةً عند رأس السرير.
فترة الحداد ستكون نحو نصف عام، على ما يبدو.
بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، كان من الأفضل لو أُلغي مشروع الزواج بالكامل وزُوّج فابريس من امرأةٍ أخرى. لكن ذلك سيجعل العلاقة بين والد ديزيريا، جيرار، و الحاكم متوترة.
ولم يكن الحاكم من النوع الذي يمنح تعويضًا سخيًا اعتذارًا. بل سيكون من حسن الحظ إن لم يُقدم، بدافع الشعور بالذنب، على عزل جيرار من منصبه قائدًا لفرسانه.
قبل مغادرة فاسيديا بمساعدة لازار، كان لا بد من إيجاد وسيلةٍ لحفظ شرف والدها ومصدر رزقه.
“آنستي، هل أنتِ نائمة؟”
طرقت إحدى الخادمات الباب. فسألت ديزيريا من مكانها.
“ما الأمر؟”
“سيدي الحاكم يطلب تبليغكِ برسالة. هل يمكنني الدخول؟”
فتحت ديزيريا الباب. و انحنت الخادمة بخفة،
“سيتم تجاوز الخطوبة بشكلٍ مختصر، وبعد انتهاء الحداد سيتم الزواج. وسيُحسب أنكِ متزوجة، لذا قال إن بإمكانكِ الحمل حتى خلال فترة الحداد.”
فاستنشقت ديزيريا نفسًا عميقًا.
خاب أملها تمامًا، وتسارعت الخطوة نحو الوضع الذي كانت تحاول تفاديه.
لم يخطر ببالها حلٌ فوري لرفض فابريس. ولو قالت أنها تنوي الزواج من شخصٍ آخر الآن، فسيتعرض لازار للخطر.
“….أخبريه أنني سأحضر في الصباح.”
أجابت الخادمة بأنها ستبلغه، ثم انسحبت. فجلست ديزيريا مجددًا على السرير.
وقد كان الضباب كثيفًا خلف النافذة، فازدادت كآبتها.
كانت فاسيديا، الواقعة في مكانٍ متوسط من مملكة تالوريا، كثيرة الضباب بسبب تضاريسها. قريبةٌ على نحو ملتبس من النهر، كثيرة المستنقعات، ولا يصلها ضوء الشمس جيدًا.
‘أسعار السلع جيدة، لكن المستنقعات مريعة على نحوٍ غريب.’
تمتمت ديزيريا لنفسها. وخطر ببالها فجأةً لون عيني لازار الزمردي المائل إلى الأخضر، لونٌ جميلٌ يذكّرها ببحر المنتجع الجنوبي الذي أحبته في طفولتها.
“مـ-ما الذي أفكر فيه؟”
و بعد بضع دقائق، صدر صوتٌ من النافذة الصغيرة المؤدية إلى الشرفة.
“ديزيريا، أنتِ في الداخل، أليس كذلك؟”
_______________________
يضحك اغلب عيالي مب معترفين بالباب تقل قرده يتعلبشون عشان الحب😭 واضح انه لازار قبل يقول شي
اوك بس ذاه اصلا حتى في الغلاف جايها من الدريسه معذور
المهم بالله ذي ردة فعل اهل تو ميت ولدهم؟💀 يروعون
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"