1
“هيا! لنهدم بوابة القلعة!”
سحبَ العدوُّ معهم دِقّة حصارٍ لا يعرف أحدٌ من أين حصلوا عليها.
ربما ضاقوا ذرعًا بمحاولات تسلّق الأسوار بالخطافات فأرادوا الآن تحطيم البوابة بالقوة.
كانت منشأةً صغيرة تشبه كوخًا خشبيًّا تهتزّ الأرض تحتها وهي تقترب. ولعلهم شعروا باقتراب النصر، فتعالى صخبهم.
صرخت ديزيريا من فصيل فاسيديا متحدّية، وعيناها الذهبيتان تتلألآن من تحت الخوذة المحكمة.
“اصمدوا! حتى لو خسرنا….فلننتهِ بشرفٍ، كمحاربين!”
عاد العدو ليرمي الخطافات نحو الأسوار. فارتطم الحديد بالحجر بصوت طنينٍ حاد.
أخرجت ديزيريا خنجرها وقطعت الحبل المربوط بالخطاف، لكن أحد جنود العدو كان قد وصل بالفعل ورفع رأسه فوق السور.
فتركت خنجرها ووجَّهت القوس. و اخترق السهام جبهة الجندي. ثم اختلطَت أصوات الارتطام والصرخات بجنودٍ آخرين سقطوا بعدما كانوا يتسلّقون.
“تراجعوا! أعيدوا ترتيب الصفوف وسنخترقهم مجددًا!”
أصدر قائد العدو الأمر. بينما مدّ جنديٌ من الأعداء يده نحو حافة السور، لكن سهم ديزيريا أصاب حلقه فور ظهوره.
“آااه!”
صرخ وسقط، فتشتت من تحته الجنود المترددون، وتوقفت دِقّة الحصار الزاحفة.
التقطت ديزيريا أنفاسها. و خلعت خوذتها فانحدرت خصلات شعرها الأشقر الداكن المبتل بالعرق.
“هــه.…”
لم يكن معظم المقاتلين هنا يستمتعون بالقتال؛ بل جاؤوا فقط تنفيذًا لأوامر الملك. وكان ثِقَل قلب دِيزيريا يزداد كلما اضطرت لقتل آخرين كي تعيش.
وضعت إنريكا سلةً مليئة بالحجارة. و وضعت يدها على خصرها وتمتمت بتذمّر،
“لماذا تركتِ ذلك الرجل غير المسؤول يهرب؟ لا، لماذا تزوجتِ به أصلاً؟”
فصحّحها الخادم جانكارلو بهدوء،
“قولي السيد القائد العام. ثم إن السيدة دِيزيريا مخطوبةٌ له فقط، لم يتزوجا بعد.”
“وأسوأ من ذلك! ماذا؟! يترك خطيبته — وليست حتى زوجته — وكيلةً عنه ثم يهرب وحده؟ هذا أسوأ!”
رفعت إنريكا حاجبيها وهي تمدّ جسدها المرهق، بينما ابتسمت دِيزيريا بمرارة.
‘يبدو أن الموت هنا….هو قدَري.’
كان فابريس إتيين — سيد فاسيديا الهارب — مخطوبًا لديزيريا منذ أن كان الابن الثاني للّورد السابق.
لم تكن لدى دِيزيريا خلفيةٌ تسمح لها بالحصول على خطّاب أفضل، لذا كان زواجها منه أمرًا محسومًا.
فسألت ديزيريا أحد القادة قربها،
“ألا توجد أخبارٌ من المبعوث؟”
“رفضٌ آخر، سيدتي.”
“كما توقعت.”
فجأة التقطت ديزيريا حصاةً صغيرة من سلة إنريكا ورمتها. فأصابت حصاةٌ خفيفة خوذة أحد الجنود.
رنّ صوت المعدن الصافي، فاستيقظ الجندي المنتبه.
“لا تغفُ. العدو لم ينسحب تمامًا. سيعودون قريبًا. لم ينتهِ شيءٌ بعد.”
“نـ-نعم!”
فأومأَت له ديزيريا بحزم.
“أرى رايةً صديقة!”
ثم صرخ الجندي المراقب وهو يشير إلى غابةٍ على اليسار.
كانت هناك مجموعةٌ صغيرة على ظهور الخيل تقترب من القلعة. فعقدت ديزيريا حاجبيها.
كان الأمر غريبًا. اللورد هرب منذ زمن، وقائد الفرسان الذي أُرسل بعيدًا لم يكن موعد عودته قد حان. كما أن اللوردات المجاورين لن يرسلوا دعمًا بهذه السرعة.
“إنها راية أسرة الكونت إتيين!”
“نجونا! إنها قوات الدعم!”
“انتظروا.”
أوقفتهم ديزيريا. فحدّق الجنود ببعضهم. بدا عليهم الاستغراب: لماذا تمنعهم من رفع معنوياتهم؟
“علينا التأكد أولاً أنهم أصدقاء.”
“افتحوا البوابة! بسرعة!”
صرخ قائد المجموعة الراكضة من بين الأشجار.
“فابريس؟”
و لم تصدق ديزيريا أذنيها ولا عينيها. بينما ذهب أحد الجنود لفتح البوابة.
نزلت ديزيريا من السور فوجدت فابريس مرتبكًا مضطربًا. و سألته بوجهٍ مشدود،
“ما الأمر؟ هل تغيّر رأيكَ فجأة؟”
“ارفعي الراية البيضاء! أحضري أي بطانيةٍ وعلّقيها على السور!”
كانت ديزيريا عاجزةً عن الكلام، ولم تستعد هدوءها إلا بعد ثوانٍ قليلة.
“إعلان استسلام؟ كنتُ أحاول أن أمنعكَ من-“
“إنه أمر! افعلي ما أقول!”
أمر؟
اشتعل الغضب في صدر ديزيريا. و نَدِمَت على أنها تركت القوس النشاب فوق أسوار القلعة.
حتى حين قيل له أن جيش العدو يقترب، لم يتردد فابريس في إصدار أوامر غير مسؤولة.
“سيدي اللورد، العدو يزحف نحونا!”
“بهذه السرعة؟ و….ووفقًا للعادة، أُسلِّم قيادة الجيش مؤقتًا لابنة قائد الفرسان وخطيبتي ديزيريا!”
“ماذا؟ إذًا أنتَ؟ اللورد وحده من سيهرب.…”
“اخرسي! ابقي لتحمي القلعة. هذا أمرٌ كحاكم!”
“أنتَ لا تتذكّر أنك حاكم إلا في مثل هذه اللحظات؟”
“أنتِ فارسةٌ وأنا نبيل. أليس الشرف الذي تحبينه أنت ووالدكِ يعني أن تحموا حاكمكم؟”
“أبي أيضًا يحمل لقبًا.”
“لقب؟ من دون أرضٍ حتى! إن أُسرتُ فعليكم أن تدفعوا وزني ذهبًا فديةً لي! هل ستدفعينه؟ إن لم تفعلي فاصمتي!”
وها هو الآن يريد أن يستسلم؟ كان الأمر مثيرًا للغثيان.
مسحت ديزيريا وجهها بكفها في ضيق بعد أن تذكّرت ذلك.
“حتى لو لم تقل إنه أمر، كنتُ سأبقى بإرادتي. أما الآن؟ استسلام؟”
“يقولون أنهم سيضموننا إلى أراضي مملكة آفنديل ويتراجعون بأناقةٍ إذا استسلمنا.”
وقبل أن تسأله ديزيريا كيف يمكنه تصديق ذلك، ظهر قائد العدو من خلف فابريس يرافقه جنديان ضخما الجثة.
“ما….فابريس، هل تركت بوابة القلعة مفتوحة؟”
لم يجرؤ فابريس على مواجهة نظراتها. وأشار القائد لجنوده. فأمسكوا ديزيريا من ذراعيها، بينما نظرت إلى فابريس وكأنها ستقتله.
ثم أدار ظهره لها و تحدّث للقائد،
“لقد وعدتني بترك حياتي إذا سلّمتكم القائدة فقط.”
كلماتُه سحقتها بفراغٍ قاتل.
لِمَ كانت تقاتل طوال هذا الوقت؟
لم تلطّخ يديها بالدماء على مدى ثلاثة أشهر دفاعًا عن القلعة فحسب، بل شعرت كأن تاريخها كله كفارسة يُنسف.
فردّ القائد بلا مبالاة،
“آه، حقًا؟ صحيح.”
وهكذا بيعت ديزيريا للعدو. على يد حليفها وخطيبها نفسه.
***
بدأ المسؤول عن تنفيذ الإعدام بإلقاء شرحٍ طويل، لكن ديزيريا لم تسمع شيئًا.
كان نبض قلبها يملأ أذنيها. فالوقوف على المشنقة بجوار هذا العدد من الناس جعلها تشعر وكأنها قطعة لحمٍ معلّقة في مسلخ.
و تبادل سكان الإقليم نظرات القلق.
“هيه، هذا ليس ما اتفقنا عليه! ألن تتركوني؟”
كان صوت فابريس. الذي اختبأ وحده في غرفة، لكنه أُخرج بالقوة كما يبدو.
فضحكت ديزيريا بسخرية.
يخون حلفاءه ثم يصدق أن العدو سيفي بوعده؟
كانت تتمنى لو تراه يُعذّب ولو قليلًا، لكن جلاد الإعدام كان يقترب منها أكثر فأكثر.
“غغ.…!”
بدأ المحكوم عليهم المعلّقون يتخبطون وهم يشعرون بدنوّ الموت. و حدقت ديزيريا أمامها، رافضةً النظر إلى أي شيءٍ آخر.
امتزج سكان الإقليم بالجنود المحتلين وهم يصرخون بحماس. و كانت مئات العيون المشتعلة تحاصر منصة الإعدام.
“انظروا! إنه يرقص! سيصعد إلى السماء! هذا أمتع من الدمى والمسرح!”
“يا إلهي، مقزّز. يجب أن أعيش بهدوءٍ كي لا أصبح بهذا الشكل.”
“هكذا يموت الإنسان إذاً….مذهل.”
كان المحتضرون مجرد فرجةٍ للناس.
الجنون راحوا يتفشّون شيئًا فشيئًا. و ارتدّت صرخات الحشود عن أسوار القلعة وملأت السماء كلها.
“آه….!”
ظنّت لوهلة أنها تسمع بكاء أمها. لا تدري هل يجب أن تشعر بالامتنان لأن أمها بقيت حيّة، أم بالحزن لأنها ستضطر إلى مشاهدة موت ابنتها.
ثم انزلق الكرسي من تحت قدمي ديزيريا. وحين ارتكز وزن جسدها كلّه على عنقها، انقطع نَفَسُها.
“غغ.…”
ثم جمعت ديزيريا ما تبقّى من وعيها لتتمنى.
أتمنى، لن أتمنى بطلًا منقذًا، فقد فات الأوان. ولن أرجو معجزة، فأنا لست حتى مؤمنةً مخلصة.
لكن….أتمنى أن يُعاقب ذاك الإنسان الوضيع. إن لم يُعاقب، فلن أستطيع إغماض عيني بسلام.
ومع هذه الأمنية المفعمة بكل آلامها، لفظت ديزيريا آخر أنفاسها.
***
نهضت ديزيريا وهي تلهث. كان الشعور بالاختناق حول عنقها مرعبًا. فانطلق منها السعال والغثيان بلا إرادة.
و في زاوية الغرفة، بدأت الصقر الذي كانت تدجّنه للصيد يصرخ بفزع.
“يا ابنتي، ما بكِ!”
ثم اقتحمت أمها الغرفة مسرعة.
حاولت ديزيريا التوقّف عن السعال عندما رأت أمها أمامها. و تحسّست عنقها فلم تجد حبلًا….ولا أي أثر للخنق.
فاحتضنتها أمها وبدأت بتهدئتها، حتى الصقر كفّ عن الصراخ.
مهلًا….صقرها؟
“إنياس؟”
صقرها إنياس كان على قيد الحياة.
مال الطائر برأسه، كأنه فهم أنها نادته.
“لِ….لمَ إنياس هنا؟”
“ألم تتركيه في غرفتكِ لتُدجّنيه؟ ماذا بكِ؟”
“لكن….لقد دفنته قبل ثلاث سنوات!”
“عمّ تتحدثين؟ لماذا تدفنين طائرًا سليمًا؟”
“أنا أيضًا….كنتُ ميتة. فكيف أكون حية؟ لا، هل أنا حيّةٌ أصلًا؟ هل هذا ليس حلمًا؟”
“ولِمَ تموتين؟ هل رأيتِ كابوسًا؟”
شهقت أمها في رعب.
أرادت ديزيريا مناداة أمها، لكن صوتها اختنق. و اغرورقت عيناها، وقد غمرها الشوق والحنين.
ثلاث سنواتٍ كاملة….أطول من أن تكون مجرد حلم، وأكثر وضوحًا من أن تُتجاهل.
هل عاد الزمن إلى الوراء؟ لا يكاد يُصدَّق.
“يا إلهي.…”
فهمست أمها لرؤيتها دموع ابنتها.
هل يمكن أن تكون أمنيتها الأخيرة قد تحققت؟
على الأغلب….لا.
‘اليوم بالتحديد….أي يوم.…’
لكن صوت ديزيريا كان مبحوحًا جدًا، فعجزت عن إكمال السؤال. و اكتفت بالإشارة.
نظرت نحو النافذة، فكان الفجر ما يزال خافتًا. وعلى حافة النافذة، وُضعت ورقةٌ بيضاء. فنهضت مترنّحة والتقطت الظرف.
[ستندلع الحرب خلال ثلاث سنوات. لا تتأخري وتعالي إليّ. – T.]
______________________
هللللوووووووووووو ذي رسالة من البطل؟ بس ليه يدري ان الحرب بتقوم لايكون راجع؟ او انه مساعد انها تبدا؟😂 بطل عربجي وناسه
البطل جاسوس اصلا من العنوان واضحه
المهم البطله شقرا بس في الغلاف شعرها بني؟ شكلها صبغته
احم طبعاً من زمان وانا حاجره الروايه بس عاد تو يجي دورها اخيرا فالي ماتعجبه بلوك😘
وذي حساباتي عشان ابلكم😘 وبلكوني عادي او خل نتهاوش ثم بلكوني وابلكم
انستا: dan_48i توتر: Dana_48i تلقرام: dan_xor
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 1"