هززتُ رأسي ردًا.

“لا، لم أخطط لذلك ليقترب جيريمي بريجينا.”
“لا؟”
“لم أكن أعلم مُسبقًا أن الماركيز ناسيوس التقى بالدوق درويت.”
“اتضح أن وريث الدوق درويت ساعدنا بالصدفة. على حد علمي، حتى جلالته هدّد بقتل جيريمي… لذا فهو أيضًا شخص عنيد وخطير.”
لم يفهم لومونت أيضًا دوافع جيريمي. مع أن الأخير أوضح أنه نفّذ خدعته بدافع اندفاعي، إلا أن هذا يبدو مستبعدًا بالنسبة لي. يبدو أنه كان يلعب لعبته.
“عنيد… بطريقة أو بأخرى، كل شيء قد حدث بالفعل. والأهم من ذلك، أخبرني ما هو رد فعل النبلاء على ظهور الوريث؟”
“كما أعلم، الأمر ليس حارًا ولا باردًا.الغريب، أن هذا الرجل انفجر فجأةً كالمُذنَّب. ظهوره وحده يُساوي شيئًا…”
“حقًا. لومونت، آمل أن تُساعدني في إيقاف هذا الوريث إذا بدت تحركاته خبيثة.”
ابتسم لومونت.
“ماذا عن الدوق كروفت؟”
“إنه بخير. خاصة مع مشروعنا الأخير. كان الجميع مهتمًا بمعاملاتنا مع منزل سيلين. يبدو أن النبلاء ليس لديهم أي هموم أخرى… لماذا لا نترك انطباعًا جيدًا لدى عامة الناس؟”
خطرت لومونت فكرة.
“سيكون من الجيد التبرع لعامة الشعب في الإمبراطورية وكسب بعض الدعم بين عامة الناس.”
“همم…”
“ماذا عن التبرع لدار أيتام؟”
“دار أيتام إذًا؟”
ربما يكون التبرع الأكثر لفتًا للانتباه هو التبرعات لدور أيتام الإمبراطورية. تكمن المشكلة في أنه كان من المعتاد تقديم التبرعات لدار الأيتام من خلال المعبد. لقد كان دين الدولة للإمبراطورية، ودينًا له تاريخ طويل يمتد من تأسيس دولتنا. ولأن هذا الاعتقاد ينطوي على تاريخ طويل، فقد أصبح الآن مغطى بالوحل من البداية إلى النهاية. بدلاً من التبرع عبر المعبد، يُفضّل إرسال التبرعات مباشرةً إلى كل ملجأ، متجاوزةً رجال الدين. إذا أرسلتُ تبرعًا إلى المعبد، فمن المُرجّح ألا يصل إلى دور الأيتام. لا أعتقد أن المعبد سيُحبّ إرسال المال مباشرةً. مع ذلك، لن أُرسل المال إلى المعبد. من الواضح أنه سيذهب فورًا إلى جيوب رجال الدين. لم أُصدّق الكهنة، فقد رأيتُ ما يكفي منهم، حين كنتُ الإمبراطورة.
وافق لومونت، كما لو أنه سمع أيضًا عن فساد المعبد.
“حسنًا.”
نظرتُ إلى الزهور لأُهدئ من روعي، ثم فتحتُ عينيّ على اتساعهما ورأيتُ برعمًا فضيًا مُلفتًا.
“إنه زهرة بيلوس.”
“هاها، نعم، زهرة بيلوس. زهرة ثمينة جدًا تنمو في الجبال في الصحراء.”
“كيف يمكنكَ…”
لم يكن من السهل العثور على زهرة بيلوس، حتى في الصحراء نفسها. نظرًا لأنها تزهر في الجبال، لم يكن من السهل جمعها ولم يكن هناك الكثير من الزهور.
“هاها، كان عليّ أن أجهد نفسي. عندما درستُ كتالوج الزهور المسموح بها في صناعة العطور، وجدتُ أن رائحة بيلوس هذه تتمتع بسمعة طيبة في القارة. لهذا السبب سحبتُ الخيوط وحصلتُ عليها.”
أضاف لومونت باندفاع.
في وقت آخر كنتُ سأضحك على رضاه، لكنني الآن معجبة به حقًا.
“هذا رائع. لم أتخيل أبدًا أنني سأرى بيلوس هنا.”
كما قال لومونت، كانت رائحة بيلوس رائعة، لذلك لا توجد امرأة نبيلة إمبراطورية لا تريد زهرة واحدة على الأقل لنفسها.
بينما كنتُ معجبًة به بصدق، حك لومونت ذقنه في حرج.
“لا، حسنًا، إذا فكرتُ في الأمر، فهذا ليس إنجازًا كبيرًا من جانبي… أحضرتُ القليل جدًا. ففي النهاية، تنمو على الصخور، لذا أخشى الآن أن تزدهر في الدفيئة…”
“لا داعي للقلق بشأن ذلك.”
ابتسمتُ له بتلميح.
عندما أدار لومونت خجلًا وجهه، سحبتُ يدي إلى زهرة بيلوس. فتحتُ البرعم الذي لم يتفتح بعد بحرص. ومع ذلك، كم كان جميلًا. تسرب ضوء أبيض باهت إلى البرعم، والذي لحسن الحظ لم يلاحظه لومونت..ستتفتح زهرة بيلوس فجأةً كزهرة جميلة، مليئة بالحيوية.
أدار لومونت رأسه إليّ مرة أخرى.
“أخبر روزلين أن تعمل مع بيلوس أولًا.”
“سأُرتب كل شيء. بالمناسبة… سمعتُ شيئًا أو اثنين عن الماركيز ناسيوس.”
“ماذا؟”
“يقولون إن الماركيز التقى بساحر.”
“ساحر؟”
عبستُ. إذا كان ناسيوس يستجمع قوته، فهذه أخبار مزعجة. ليس أن الساحر لا يجيد استخدام العنف، لكن محاربي السحرة كانوا نادرين وضعفاء. لمئات السنين، لم تشهد الإمبراطورية سحرة كبار بحق، وكان العلماء منهمكين بشكل رئيسي في الأبحاث المفيدة للحياة، مثل تطوير الأدوات السحرية.
“هل تعرف بالفعل ما يخططون له؟”
“لا. قيل لي فقط أنه جاء إلى ناسيوس بنظرة فخورة، وغادر على الفور.”
“هل تعرف من كان هذا الساحر؟”
“أشبه بساحر الماء.”
“الماء إذًا؟”
كان سحر الماء الأقل تدميراً عند استخدامه للعدوان. على الأرجح، لم تكن هناك حاجة إليه في معركة مفتوحة.
“احفر هنا واكتشف المزيد. وعن الدوق درويت في الوقت نفسه.”
“نعم.”
ساحر الماء… أعتقد أن شيئًا ما سيحدث قريبًا. سيطر عليّ نذير شؤم، وغادرتُ حديقة الزهور.

في مكتب الإمبراطور.
بعد يومين من الحفلة في ضيعة كروفت، طلب الماركيز ناسيوس مقابلة.
“هل كان اللقاء مع الدوق درويت مجرد مناقشة عقد؟”
نقر رايموند بأصابعه على العقد بين يديه.
“نعم. صحيح. نحن نحفر منجمًا، والمنجم مسجل منذ فترة طويلة باسم مشترك مع درويت… التقيت بالدوق درويت لتنظيم كل شيء. ولا شيء أكثر من ذلك…”
هز الماركيز ناسيوس رأسه.
“همم…”
فكر رايموند: “لم تكن هناك أي عيوب في تبرير الماركيز. وبدا الأمر مريبًا تمامًا مثل المقال الصحفي الأخير عنه. الآن لن يكون من الصعب عليه الخروج. أولًا، لم يكن هناك أي دليل على ما كان يفعله الماركيز والدوق حقًا، باستثناء ساعة جيب تؤكد اجتماعهما.”
عرف رايموند ذلك لأنه قرأ جميع الصحف. ومع ذلك، كان بالفعل يشك في ناسيوس. لذلك لم تصل كلمات ناسيوس إلى مسامع الإمبراطور.
“جلالتكَ، الشائعات من الشارع لا تصح أبدًا. أنا جد الإمبراطور المستقبلي. كيف لي أن أخطط لشيء ضد جلالتكَ؟”
“نعم، يبدو أن الوزير غير راضٍ عن حكمي.”
في هذه اللحظة، ارتجف الماركيز ناسيوس بحدة وصاح.
“هذا غير ممكن! لن أخاطر أبدًا!”
قال رايموند.
“نعيش مرة واحدة فقط، وأحيانًا نتخذ خطوات محفوفة بالمخاطر.”
كان صوت رايموند ناعمًا، لكن المعنى الخفي كان حادًا.
“حياتي لكَ على أي حال. إذا شككتَ بي، يمكنكَ قتلي هنا.”
انحنى الماركيز ناسيوس بعمق وتحدث بحزم.
“أصدقك يا ماركيز. ارفع رأسكَ.”
رفع الماركيز ناسيوس رأسه ببطء. في تلك اللحظة، التقت نظراتهما. نظر الماركيز ناسيوس غريزيًا في عيون رايموند الداكنة الشبيهة بالهاوية.
“أرجو المعذرة، أنا أسبب الإزعاج مرة أخرى.”
“كل شخص يمكن أن يخطئ. لكن تذكر، ليس كل شخص يستحق المغفرة بعد ذلك.”
“نعم، جلالتكَ.”
“اخرج الآن.”
انحنى الماركيز ناسيوس بعمق وغادر المكتب.
أرسل رايموند جميع الخدم بعيدًا وأحرق عقد الماركيز ناسيوس كدليل.
جاء صوت كبير المرافقين بينما كان رايموند يندم على عدم تمكنه من حرق الماركيز ناسيوس بنفسه.
“جلالتكَ، لقد وصلت الشابة سيلين.”
“دعها تدخل.”
مع ذلك، نهض رايموند. دخلت سيلين المكتب وأظهرت تحية لائقة.
“تحياتي لجلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية.”
“ارفعي رأسكٓ. دعينا نجلس هنا.”
ذهب رايموند إلى الأريكة.
تمسكت سيلين بنفسها وحدقت إلى الأمام مباشرة بوجه متوتر.
أخذ رايموند الشاي من الصينية وفتح فمه أولاً.
“لا بد أنكِ مندهشة جدًا من دعوتي المفاجئة. الأمر ليس مهمًا، لذا توقفي عن الارتعاش هكذا.”
“نعم، جلالة الإمبراطور.”
أجابت روزلين بابتسامة محرجة.
ولأنها صديقة لإليشا، تحدث رايموند بصوت خافت، لكن يبدو أن ذلك لم يُجدي نفعًا. قال رايموند وهو يضع كوبه.
“سيكون من الرائع الانتهاء من العمل على العطر في وقت أقرب.”