تابع جيريمي بهدوء.

“عندما أفكر في عائلة درويت، أشعر دائمًا وكأن حجرًا ثقيلًا يتدلى في زاوية قلبي.”

في النهاية، تحدث رايموند بوجهٍ جليديّ، اختفى منه حتى السخرية.

“الشيء الوحيد الذي نجى هو حياة درويت. يمكنكم البقاء في هذا العالم، لا أكثر.”

لمعت عينا رايموند السوداوان كوحشٍ يُصوّب على حلق فريسته. وبسبب ردة فعله الحادة، خفض النبلاء أعينهم على عجل. في لحظة، حتى الموسيقى توقفت عن التدفق.

كان عليّ أن أقول إنني دعوتُ جيريمي بنفسي، لكن لم يكن لديّ وقت. لو كنتُ إمبراطورة، لحاولتُ تهدئة غضب رايموند دون خوف من العواقب، لكن الآن لن يكون هناك عذر لمثل هذه الخطوة. 

رأيتُ جيريمي يُحني رأسه في ذهول.

عض ريموند شفتيه. هل فكرت في استدعاء الفرسان؟

“لا ينبغي أن يكون هناك أي شجار هنا في يوم كهذا. ارفع رأسكَ يا وريث درويت.”

التفتُّ إلى رايموند بوجهٍ مُندهش. لماذا غيّرتَ رأيكَ فجأة؟

“توقفت الموسيقى بسببي. آسفٌ على الجو المُلوث يا سيدة كروفت.” 

قال لي ريموند.

“لا بأس يا جلالتكَ.”

نظرتُ إلى الموسيقيين ليبدأ العزف من جديد. دوت موسيقى فالس هادئة في القاعة، وارتخت وجوه النبلاء، الذين كانوا مُتوترين سابقًا.

التفتُّ إلى جيريمي. كنتُ خائفًة من أن يواجه رايموند وجهًا لوجه. تساءلتُ إن كان قد شحب في هذا الموقف المُرهق. نظرتُ إليه بقلق، لكن جيريمي بدا بخير، على عكس مخاوفي.

رفع جيريمي رأسه وابتسم لي عندما التقت أعيننا. اختفى القلق فورًا، وتسللت ابتسامة غريبة على وجهه. نظرتُ في عينيه، مُلمّحًة: كنتَ تعلم أنه لا يجب عليكَ المثول أمام الإمبراطور. وها قد أتيتَ.

“بالمناسبة، لماذا دعا خليفة الدوق درويت السيدة ناسيوس فجأةً للرقص؟ هل تعرفان بعضكما البعض؟”

أنهى سؤال رايموند تبادلنا القصير للآراء.

“الأمر ليس كذلك يا جلالة الإمبراطور. هذه أول مرة أراه فيها.”

صرخت ريجينا على الفور. لم يكن هناك أي كذب على وجهها المتوتر. لكن لماذا ذهب جيريمي إلى ريجينا؟ كان يعلم جيدًا أن ريجينا لا تستطيع قبول طلبه.

“آباء عائلاتنا يعقدون اجتماعات عمل أكثر فأكثر، وأنا أيضًا، من كل قلبي، كنتُ أرغب في تكوين صداقة مع السيدة ناسيوس.”

تحدث جيريمي بطلاقة، ناظرًا إلى ريجينا.

“بما أن رؤساء عائلاتنا قريبون جدًا من بعضهم البعض، ألن يكون من الرائع أن ينشئ الورثة أيضًا صلة قرابة؟” 

هل أصبح الماركيز ناسيوس والدوق درويت الآن على جانب واحد؟ فوجئتُ بالتركيبة غير المتوقعة، فتعثرتُ جانبًا، وارتفع حاجبا رايموند في حيرة وانزعاج.

وارتجفت عينا ريجينا كما لو كانت مصدومة.

“انتظر لحظة… ما هي علاقة والدي بالدوق؟”

قاطع جيريمي ريجينا وأخرج شيئًا من جيبه.

“هذه ساعة جيب أسقطها خلال زيارته الأخيرة. عليها ختم عائلة ناسيوس، ويبدو أن هذا العمل مهم جدًا. لهذا السبب أحضرتها اليوم. أردتُ أن أعطيها للسيدة ناسيوس.”

أضاف جيريمي بهدوء، كما لو كان لطيفًا.

ختم محفور لعائلة ناسيوس. مع وجود هذا الدليل القاطع في متناول اليد، لم تعد ريجينا قادرة على إنكار ما قاله جيريمي. سواء كانت تعلم أم لا، كان لوالديهما صلة. 

لم تعد ريجينا قادرة على التظاهر بالرضى، فأخذت ساعة الجيب من يدي جيريمي بتعبير صارم.

“يا له من سوء فهم… شكرًا لكَ على الاهتمام بهذا.”

“سوء فهم… إذًا ماذا عن الرقص والتحدث معي؟ أريد أن أصبح صديق للسيدة ناسيوس.”

نظرت ريجينا إلى جيريمي ببرود. ومع ذلك، ابتسم جيريمي ابتسامة مبهرة، كما لو أنه لم يكن قلقًا بشأن تهديدها.

حدقت ريجينا في استفزاز جيريمي لفترة من الوقت، تاركة إياه دون إجابة. بعد ذلك، لا تزال تبتسم وقالت.

“بما أن اللورد الشاب يقول ذلك، فلا حرج في رقصة واحدة.”

اعتقدتُ أن ريجينا ستقاتل حتى النهاية، لكن الأمر انتهى بشكل مختلف. هل يرقص جيريمي وريجينا معًا حقًا؟ لقد أربكني هذا.

ابتسم جيريمي بخبث وهو يمر بي ويمد يده إلى ريجينا.

“إنه لشرف لي.”

أخيرًا، تشابكت أيديهما وتوجها إلى منتصف القاعة. هناك العديد من الأزواج متجمعين هناك، يرقصون جنبًا إلى جنب. ألقت ريجينا نظرة ساخرة، لكن لم يكن هناك المزيد من رد الفعل. واستدارت ريجينا مع جيريمي. 

بينما كانا يرقصان في صمت. نظرت ريجينا إلى جيريمي وقالت ضاحكةً.

“أنتَ ترقص جيدًا كمرتزق.”

ارتعشت يد جيريمي التي كانت تمسك بخصر ريجينا. ابتسم جيريمي، ناظرًا إلى ريجينا، على براءتها المزعومة.

“أرى أنكِ تعرفين الكثير عن ماضيّ، الذي كان مخفيًا عن الناس بشدة.”

لقاءات سرية بين ماركيز ناسيوس ودوق درويت. في البداية، تظاهرت بأنها تسمع هذا لأول مرة، لكن اتضح الآن أن ريجينا تعرف كل شيء. إن لم يكن كذلك، فكيف عرفت ماضيه؟ ربما يكون ماركيز ناسيوس قد تعمق في هذا الأمر. 

“أعتقد أن تأثير عائلة ناسيوس قوي حقًا. لقد مر يوم أو نحو ذلك منذ أن التقيتُ أنا والماركيز، لكنني معجب بمعرفتكِ لكل شيء عن ماضي.”

ضحكت ليزا على جيريمي.

“ما الذي لم أتمكن من اكتشافه مع كل هذه الموارد؟ لدي ملفكَ الكامل بين يدي.”

“أوه، أنتِ تهدديني الآن، كم أنا خائف، أوه.”

همس جيريمي بهدوء. على عكس كلماته، كانت عيناه الكهرمانية تنظران إليها واثقة.

“هل تعتقد أنني لستُ قادرًة على هذا؟”

ارتعش وجه جيريمي المبتسم قليلاً.

“بالطبع، يجب ألا نبالغ في الأمر. إذا لم يأتِ جيريمي إليّ أولاً، فلن يحدث شيء سيء.”

“هل أبدو كشخص متعطش لمثل هذه المغامرة؟”

“أليس كذلك؟ لقد بدوتَ كشخص يسعى إلى تعقيد حياتي.”

“آه. كنتُ أرغب بشدة في مقابلة السيدة ناسيوس. وإلا، فلماذا تسللتُ إلى حفلة منزل كروفت، حيث لم يدعُني أحد؟”

انحنى جيريمي أقرب إلى ريجينا. وكأنه يهمس لها بكلمات حب، قال في أذنها بهدوء.

“ألا تعلمين؟ إن ضيعة كروفت بمثابة رهان عدو لي. الظهور في مثل هذا المكان مخاطرة بحياتي. لذا ثقي بي يا سيدة ناسيوس.”

لو كانت أكثر غباءً، لصدقت كلامه. لكن ريجينا عاشت حياةً مخادعة، وطوّرت غرائز حيوانية ببراعة. أبعدت يده بوجهٍ مستاء.