ضحكت فيستين، ونطقت بكلمات بذيئة. وفي تلك اللحظة، دخلتُ اللعبة.

“يبدو أنكِ تشاركين قصصًا شيقة هنا.”

لم تشكّ النبيلات الشابات، اللواتي قمن باهانة روزلين بحماس، حتى في أن مضيفة الأمسية تقف خلفهن. كانت الفتيات الآن يُصفّين حناجرهن بإهمال، ويُصففن شعرهن، ويتجنبن نظراتي.

عضت روزلين على شفتها، وشحب وجهها، كما لو أن الكلام المُهين قد مسّها من الداخل. كانت عيناها حمراوين وقلبها يؤلمها، وإذا تراجعنا الآن، فكأننا نعترف بكل الإهانات التي تلقيناها.

“لا تخفضي رأسكِ.”

وقفتُ بجانبها وهمستُ في أذنها بهدوء. ونظرتُ إلى الشابات أمامي، واللواتي كنّ يُديرن أعينهن بغطرسة.

“لماذا توقف الجميع فجأة عن الكلام؟ ظننتُ أن لديكم قصة لتحكوها. أخبروني أيضًا.”

سألتُ شابة ترتدي فستانًا أصفر تقف بجانب فيستين.

“هل أنتِ ابنة عائلة ميلتون؟ كرري القصة، التي ضحك عليها الجميع.”

لكنها رمقتني بنظرة خفيفة ولم تستطع قول أي شيء.

عبست روز فيستين عندما رأت صديقتها تخجل وقالت، وهي تنظر إليّ بتحدٍّ.

“لقد ناقشنا أمر الآنسة سيلين.”

“آه، هذه قصة روزلين… أنا متشوقة جدًا لمعرفة القصة. من يستطيع إخباري؟”

“الجميع هنا يعرف ملابسات الماركيز، لكن من المدهش أنها ظهرت بفستان ومجوهرات فاخرة كهذا. ربما ساعد رجل؟ لكننا لم نسمع عن إعلان خطوبة، لذا…”

“هذا تصرف خالٍ من الكرامة النبيلة…”

ضحكتُ وأنا أستمع إلى هذا الهراء.

تشوّه وجه فيستين، كما لو أنها اعتبرت سخريتي أمرًا شخصيًا.

تجاهلتها وسألت روزلين بلطف.

“روزلين. ألم تقولي إن الفستان هديتي؟”

عند كلماتي، ظهر الإحراج على وجوه الفتيات.

لم يعتقد أحد حتى أنني أنا؟ 

“حاولتُ أن أقول، لكن فيستين لم تسمح لي بالتعبير.”

نظرت روزلين مباشرةً إلى فيستين دون أن تُخفض بصرها.

يبدو أن روزلين قد فهمت نصيحتي بعدم التردد. الآن أستهدف فيستين.

“إذًا… لم تسألي روزلين عن رأيها، وتحدثتِ هنا عن كرامة عائلتها النبيلة. فيستين، أليس كذلك؟”

عندما سألتها ببرود في وجهها، ارتجفت ملامح فيستين.

“حسنًا، ليس الأمر أنني لم أسأل، إنه فقط…”

ألقت فيستين نظرة خاطفة على السيدات الأخريات، كما لو كانت تطلب المساعدة، لكن لم ينظر أحدٌ في عينيها، كما لو أن الجميع أراد التراجع.

“لم تسألي سيلين عن سببها، وتحكمين على عائلتها وفقًا لفهمكِ الخاص وتُهينيها. أين كرامتكِ كنبيلة يا فيستين؟”

عضت فيستين شفتيها كما لو لم يكن لديها ما تقوله.

“بيت سيلين عائلة عريقة ومشهورة. لن يتوقفوا عن تحمل إهانات عائلة الكونت.”

يبلغ عمر بيت الكونت فيستين خمسين عامًا فقط، بينما كان تاريخ الماركيز سيلين أكثر من مئتي عام.

“على الشابة الاعتذار للسيدة سيلين. وإلا، فسيتم استبعادك بسبب هذه الحفلة. بصفتي مضيفة، لا يمكنني غض الطرف عن هذا الاستبعاد.”

عندما رنّ صوتي البارد، بردت الأجواء المحيطة بهذه المجموعة أيضًا.

ارتجفت عينا فيستين الخضراوان بعنف. حتى الإمبراطور والأمير كانا حاضرين هذا المساء. إذا طُردت بشكل مخجل من مثل هذه الحفلة، فلن تتمكن من إظهار وجهها في المجتمع الراقي. لكن الانحناء لروزلين لن يكون سهلاً أيضًا. حتى هذه اللحظة، تولت فيستين زمام المبادرة بحرية وأذلت روزلين هنا وهناك.

عضت فيستين شفتها بشدة حتى بدأ الدم يسيل. حتى أنها ضغطت على قبضتيها بقوة حتى ابيضت عظامها.

نظرتُ إلى فيستين ببرود. حان وقت التحذير الأخير.

“إذا لم تكوني ستعتذرين، فانصرفي الآن.”

حدقت فيستين في روزلين بعينين مليئتين بالغضب. يبدو أنها بحاجة إلى استجماع قوتها للاستماع.

بعد لحظة، دوى صوت امرأة عميق. هرعت يد العون إلى فيستين.

“روز.”

استدرتُ، فرأيتُ ريجينا تتجه نحونا. منذ اللحظة التي بدأ فيها هذا الشجار، عرفتُ بالفعل أن نظرة قائدتهم كانت مركزة علينا.

توقفت خطوات ريجينا أمام فيستين.

“روز، من فضلك اذهبي واعتذري لابنة الماركيز سيلين.”

فتحت ريجينا الطريق لها، وانحنت فيستين لروزلين.

“لقد أخطأت، يا آنسة سيلين. أرجوك سامحيها بسخاء.”

رفعت فيستين رأسها بهدوء إلى روزلين. 

نظرت إليّ روزلين بحثًا عن جواب.

“نعم، يا آنسة فيستين. نأمل أن نتجنب مثل هذا سوء الفهم في المرة القادمة.”

لم يأتِ ردُّ روزلين على كلمات فيستين، بل من ريجينا.

“بالتأكيد. سأشرح الأمر لروز حتى لا تتكرر مثل هذه المشاكل. روز، من الأفضل أن تجلسي في المنزل وتفكرين. اذهبي فحسب.”

“نعم.”

كانت عينا فيستين حمراوين كما لو كانت تتألم، لكنها لم تُنفّس عن غضبها. غادرت الحفلة ورأسها منحني.

أصبح الجو من حولنا غريبًا، لكن ريجينا لم تتوقف عند هذا الحد والتفتت إلى الشابات من حولنا.

“سيكون من الأفضل لو كان الجيل الأصغر حذرًا من مثل هذه التصريحات في المستقبل. لا ينبغي تكرار مثل هذا الهراء.”

“نعم، سيدة ناسيوس.”

ردّت الفتيات بإمالة رؤوسهن، كما لو كنّ يتأمّلن في سلوكهن.

لذا رتبت ريجينا كل شيء بسرعة، كما لو كانت المنظمة الحقيقية لحفلة الليلة. تولت جميع الأدوار التي كان عليّ القيام بها. كان الأمر مضحكًا بعض الشيء، لكن لم يعترض أحد. ومع ذلك، انتابني الفضول كيف استطاعت ريجينا تغيير مزاجهم بكلمة واحدة. كنتُ أعرف بالفعل أن ريجينا كانت قوية في المجتمع. كانت حقيقة كنتُ أعرفها مسبقًا، لكن كان من غير المريح رؤيتها بعيني. وكان لدي أيضًا حدس بأنه لن يكون من السهل التخلص من تأثير ريجينا. بدت وكأنها قد بنت حصنًا أقوى مما كنتُ أعتقد. 

أدارت ريجينا رأسها كما لو شعرت بعينيّ عليها. ريجينا، التي التقت نظراتي، فتحت فمها بوجه جاد.

“سيدة كروفت. أعتذر عن الحادثة. في المستقبل، لن يتصرف أي منهم بوقاحة مع السيدة سيلين أو السيدة كروفت.”

هل تخبرني أنها تستطيع التأثير على جميع الأرستقراطيين؟ يا لها من مزحة رائعة.