همستُ له بكلماتٍ واضحةٍ حتى وصلت الكلمات إلى أذنيه فقط. ثم حوّل نظره إلى ريجينا. أغمض عينيه وفتحهما على الفور، كما لو أنه استعاد السيطرة على مشاعره.

“إصابتكَ لا تزال بحاجة إلى عناية. لا يمكنكَ المشي هكذا.”

ربّت رايموند على رأس الأمير. لم تكن لمسة حب، لكنها كانت لطيفة مع ذلك. عندما رأيتُ هذا، تذكرت وجه كارلايل وشعرتُ بشيءٍ من الغرابة.

“لكن الآن كل شيء على ما يرام. قالت والدتي إن جلالة الإمبراطور كان قلقًا عندما سمع عن تلك الحادثة.”

ارتفع حاجبا رايموند قليلاً. شيءٌ لم يتذكره من نفسه مثل هذا الرد.

“لو كنتُ أعرف مُسبقًا أن جلالتكَ ستصل إلى الحفلة، لكنتُ أتيتُ معكَ، أنا آسفةٌ جدًا.”

اقتربت ريجينا منا وقالت.

“لكنكَ عملتَ بجدٍّ في الأيام الأخيرة لدرجة أنكَ لم تستطع حتى النوم بشكل طبيعي. كيف يمكنكَ الخروج في هذه الحالة…؟ أخشى أن هذا ضارٌ بصحتكَ.”

كانت تتحدث الآن إلى الإمبراطور، ممسكة بيد الأمير كما لو أنني لم أكن موجودًة على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك، بدت كلماتها وكأنها زوجة محبة قلقة على زوجها. هل كانت علاقتهما قوية إلى هذه الدرجة؟ كان هناك حنان في نظرة ريجينا. 

تساءلتُ فجأة عن نوع العيون التي سينظر بها رايموند إلى ريجينا، لكنه لم يلتفت إليها على الإطلاق. ومع ذلك، مهما كانت صلتهما، لا ينبغي أن أظهر في هذا السيرك. على الرغم من أنني ما زلتُ أتساءل عما إذا كانت قلقة حقًا بشأن رايموند؟ بدت هذه العائلة المكونة من ثلاثة أفراد غير موثوقة لدرجة أنه لن يكون من المفاجئ سماع خبر الانفصال في أي لحظة. 

واجه رايموند ريجينا بالرد عليها بحدة. قال رايموند وهو يسحب يده التي كانت على رأس الأمير.

“لا تتحدثي هراءً. وليس لديكِ ما تفكرين به من أجلي. من الأفضل أن تستمري في رعاية الأمير.”

كان الصوت مكتومًا، لكن هذا جعله أكثر برودة. لم تُظهر عينا رايموند الداكنتان أي شعور تجاه ريجينا. كان الأمر كما لو كان يضع علامة على الخط الفاصل بينهما. 

كأنها تشعر بالحرج، ارتجفت شفتا ريجينا. لكنها سرعان ما ابتسمت ابتسامة خفيفة وبدأت من جديد.

“جلالتكَ مهتم جدًا للأمير، لذا عليّ أن أتخذ هذا مثالًا. سأبذل قصارى جهدي لأكون مثل جلالتكَ.”

انحنت ريجينا برأسها لرايموند. في لحظة، حوّلت رايموند إلى أب قلق جدًا على مصلحة الأمير. رأيتُ رايموند يحدق بريجينا بعينين فارغتين دون شعور. لو فاتتني هذه المعلومة، لكنتُ مندهشًة مثل النبلاء الآخرين من غرائز رايموند الأبوية. لكنني شعرتُ بالبرد بوضوح. ما قاله رايموند لريجينا لم يكن أكثر من تحذير بعدم تجاوز الحدود. ولم يكن قلقه على الأمير حقيقيًا. وحتى لو شعرَت به، فهل لم تكترث ريجينا الماكرة حقًا؟

لقد فهمت ريجينا التلميح تمامًا وحرفت كلمات رايموند عمدًا. حتى لا تجد نفسها في وضع غير مؤات.

“كفى.”

نظر رايموند إلى ريجينا ببرود، لكنه لم ينطق بكلمة أخرى. كانت أزواج لا حصر لها من العيون مثبتة عليهم الآن، ولم يتمكنوا من مواكبة ذلك. لا أعرف أي قط ركض بينهما في السنوات الأخيرة، لكن يبدو أن ريجينا وريموند لم يعد لديهما مشاعر تجاه بعضهما البعض. 

في خضم هذا الجو المحرج، ظهر والدي.

“لم أكن أعرف أن سموه سيزورنا. إنه لشرف عظيم أن أستضيفكَ.”

“لم أذهب إلى قاعة الولائم الخاصة بكَ بعد، لكنها رائعة حقًا. ليست أسوأ من قاعتنا في القصر.” 

أعرب الأمير عن إعجابه. 

“كان الجميع قلقين للغاية من أن الدوق لن يعود أبدًا إلى القصر الإمبراطوري، لكنني سعيد لأنكَ بُرئتَ. كنتُ أعرف منذ البداية أن الدوق لن يخطئ. الأشرار الذين شوهوا سمعة الدوق، سنعاقبهم جميعًا.”

ضحك الأمير بمرح، لكن الكبار من حوله لم يضحكوا.

ارتسمت على وجه والدي حيرة خاطفة. ورغم أنها كانت للحظة فقط، رأيتُ وجه ريجينا الجامد يرتجف قليلاً. لم يكن سوى الماركيز ناسيوس الذي عرّض الدوق كروفت للخطر، وكان الماركيز ناسيوس وريجينا هما من سيعاقبهما الأمير. عندما قال ابنها ذلك، بدا أنها لم تستطع إخفاء إحراجها في تلك اللحظة.

في هذه اللحظة، ابتسم الأب، على ما يبدو لتهدئة الجو المتوتر.

“شكرًا لكَ على رعايتكَ لعائلتنا، سموّكَ.”

التفت والدي تلقائيًا إلى رايموند وخاطبه قائلًا.

“جلالتكَ، شكرًا لكَ على زيارتكَ. لو أخبرتني مُسبقًا، لالتقيتكَ عند البوابة، أرجو المعذرة.”

“لقد جئتُ فجأة، ليس لدي ما تعتذر عنه.”

التفت رايموند إليّ مجددًا. نظر إليّ بنظرة مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه عندما استمع إلى ثرثرة ريجينا.

“الشخصية الرئيسية في هذه الأمسية هي السيدة كروفت. كيف لي ألا آتي؟ السيدة كروفت، أرحب بعودتكِ إلى الإمبراطورية بصدق.”

بدا صوت رايموند العميق هادئًا في الحفلة. في هاتين العينين اللتين لم تفارقاني، رأيتُ لمحة حنان. شيء ما عالق في حلقي.

نطقتُ له بكلمات واجبة قسرًا.

“شكرًا لكَ يا جلالتكَ.”

 قلتُ متجنبًة نظراته.

“إيلي، يبدو أن جميع الضيوف هنا. إذًا لنبدأ.”

عند سماع كلمات والدي، التفتُّ نحو الأبواب المفتوحة. 

جيريمي. ألن تأتي؟كنتُ آسفةً، ولكن لو فكّرتُ في الأمر… إذا التقى جيريمي ورايموند فجأة… حتى الفكرة ارتعش جسدي.

“إيلي، هل ننتظر أحدًا؟”

“لا، لسنا كذلك.”

عندما استدرتُ، التقت عينا رايموند بعيني. هل تشك في شيء؟ ذهبتُ إلى منتصف القاعة مع والدي، متظاهرةً بعدم رؤية نظرات رايموند الغريبة.

تجمع النبلاء حولي، وتحدث والدي.

“أود أن أعرب عن امتناني لجميع الضيوف الكرام الذين جاؤوا للترحيب بعودة ابنتي.”

نظر إليّ والدي.

“لقد مر وقت طويل منذ أن استضاف منزل كروفت الحفل، لذا آمل أن يستمتع الجميع بوقتهم. شكرًا.”

تدفقت موسيقى هادئة. هنا وهناك سُمع صوت رنين الكؤوس. تجمع الناس في مجموعات لمشاركة قصصهم. على وجه الخصوص، توافد النبلاء جميعًا على الإمبراطور والأمير.

لم يرفع رايموند عينيه الثاقبتين عني. كان هناك الكثير من الناس، ولكن عندما وقفتُ هناك تحت نظراته، بدا لي أننا الوحيدان المتبقيان في هذه المساحة الواسعة. وكان ذلك غير مريح.

“سأذهب وأغطيكِ.”

“نعم.”

ذهب والدي إلى رايموند. 

ذهبتُ حيث لم تصلني نظرات رايموند. على الطاولة مع الوجبات الخفيفة والحلويات، اجتمع النبلاء. وكانت روزلين تجلس بينهم. ولأن الحديث كان على قدم وساق، وصلتني تفاصيل غريبة عندما اقتربتُ. وسط كل هذا الحديث، كان صوت فيستين الكئيب هو أكثر ما جرح أذني.

“أليس هذا غريبًا جدًا؟ كانت سيلين قبل يومين فقط ترتدي فستانًا رثًا، والآن في غاية الروعة… أوه، إذًا هي! من أين يحصل الماركيز على المال؟”

أجابت شابة ترتدي فستانًا أصفرًا.

“والدها قائد الحامية؟ من الصعب الحصول على أخبار من الأراضي الشمالية. كيف أعرف أين يستخدم سلطته؟”

“قائد الحامية، كم عدد الفرسان الذين يمكنه أن يمتلكهم…”

كان هذا اتهامًا صريحًا بإساءة استخدام السلطة من قبل الماركيز سيلين.

“والدي ليس كذلك.”

كان صوت روزلين غاضبًا.

تقدمتُ خطوةً للأمام وأردتُ التعبير عما يستحقونه، لكنني تجمدتُ في اللحظة الأخيرة.

سُمع صوت فيستين مجددًا.

“أوه، إذًا ربما يوجد رجلٌ جديدٌ في منزل سيلين؟ بينما كان صاحب السعادة الماركيز يخدم في بلادٍ بعيدة… أليس هذا رائعًا؟”