لم أستطع أن أبقى هادئًة في مثل هذا الموقف. ففي النهاية، سار طلاقي من رايموند بسلاسة، وظننتُ أن أحبائي لن يواجهوا محنة كبيرة. وكالعادة، إذا طُردت الإمبراطورة قسرًا من العرش، فسيفشل أقرب مساعديها أيضًا، لكنني سلّمتُ بكل شيء، ولم تكن هناك أي خطايا خلفي. لذا ظننتُ أن شعبي لن يتأثر. لكن هذا كان مجرد وهم. أُلقي كل من والدي وعائلة سيلين في فخ الذئاب.

“سيدة كروفت، إن مخاوفكِ تُزعجني. لم نرَ بعضنا البعض منذ فترة طويلة، لذا دعينا نتحدث فقط عن الأشياء الممتعة.”

حتى لو فات الأوان، من هذا اليوم فصاعدًا سأكون درعًا لشعبي. لا يزال من الممكن انتشال عائلة سيلين من الحفرة.

نظرتُ إلى الماركيزة وابتسمتُ.

“بالتأكيد.”

“هل ترغبين في الجلوس؟ آسفة، منزلنا صغير، ولا توجد غرفة معيشة منفصلة هنا.”

أخذتني الماركيزة إلى أريكة في الردهة. ابتسمتُ بلطف، كما لو كانت في حرج. نظرت إليها الخادمة، التي كانت تتجول بصخب، فجأة بقلق. إذا جاء إليهم نبيل متغطرس، فسيغضب ويرفع صوته، معتبرا هذه الحيلة البسيطة إهانة. النبلاء أناس عاشوا وماتوا بكرامة. وعندما نظرت إلى هذا الوجه المغطى بالقلق، شعرت أن الخادمة كانت تتوقع كلمات قاسية مني. ومع ذلك، لم أفقد أدبي وأنا على الشواطئ البعيدة.

“المكان مريح للغاية هنا.”

ضحكتُ وجلست على الأريكة.

“هذه الوسادة من صنع الماركيزة، أليس كذلك؟”

“أوه نعم. ليس لدي ما أفعله الآن، لذلك أنا أطرز وأحيك.”

“الأسلوب ليس بهذه البساطة التي تحاولين قولها. في الأيام الخوالي، كانت الماركيزة مشهورة بمهارتها بين جميع الزوجات الأرستقراطيات.”

“أنتِ تمدحيني. هذه ليست أكثر من مجرد هواية.”

حينها فقط، وبعد أن استرخينا، جلست الماركيزة وابنتها على الأريكة. جلست الماركيزة سيلين في الجهة المقابلة، بينما بقيت روز بجانبي. 

عندما وضعت الخادمة الأكواب على الطاولة، تحدثت الماركيزة.

“هل السيدة بخير؟”

“نعم. أنا بخير. ولكن ما نوع المشاكل التي حلت بمنزلكِ؟”

“في البداية مررنا بوقت عصيب حقًا… لكننا تعلمنا التأقلم. لا تقلقي يا سيدة كروفت.”

“يا له من ارتياح.”

“هل ترغبين في إخبارنا عن مملكة لوند؟ لم أسافر إلى الخارج، لذا فأنا فضولية.”

غيرت الماركيزة الموضوع كما لو كان بالصدفة. يبدو أنها كانت مصممة على عدم مشاركة مأساتها. كنت أعرف أنها كانت عنيدة مثل والدي، لذلك لم أكن في عجلة من أمري للاستمرار.

سعلت الماركيزة فجأة بحدة وسط الضحك.

“هل تشعرين بالسوء يا ماركيزة؟”

“أنا…!”

نظرت روز إلى الخادمة.

“ماري، خذيها إلى الطابق العلوي. أمي، عليكِ تناول دوائكِ.”

“لا بأس، لا داعي للقلق.”

قالت الماركيزة وهي تسعل هذا فقط لأنها شعرت بعدم الارتياح أمامي. لكنها مع ذلك استسلمت ومشت وهي تحني رأسها.

بمجرد أن اختفت خلف الدرج، ابتسمت روز بجانبي بارتباك.

“لا تخافي عليها. ستأخذ الدواء وسيكون كل شيء على ما يرام.”

“هل من المؤكد أنها ستكون بخير؟ إذا كان هذا أمرًا خطيرًا، أريد المساعدة.”

“لقد عانت من الربو لفترة طويلة. من كل تقلبات القدر، ساءت صحتها فقط. لكن الآن أصبح الأمر أسهل عليها حقًا.”

تجنبت روز سيلين رغبتي في المساعدة. كنتُ أرغب حقًا في إرسال طبيب ذي خبرة إلى هنا، لكنني تراجعتُ لأنني كنتُ أعرف أن المساعدة غير المرغوب فيها كانت غير مريحة لهم.

“إذًا. إذا كنتِ بحاجة إلى مساعدة، فأخبريني على الفور. أنا مدينة للماركيزة، لذا أريد أن أسدد لها.”

“بالتأكيد.”

“عندما أفكر في الأمر… في حفل الشاي، لم أستطع حتى أن أقول مرحبًا لكِ. متأخرة قليلاً، لكن سررتُ بلقائكِ. لقد سمعتُ كثيرًا أن للماركيزة ابنة جيدة.”

“يشرفني مقابلتكِ، سيدة كروفت. من فضلك نادني روزلين.”

ابتسمت روزلين. احمرت وجنتاها.

“روزلين. لأكون صادقة، السبب وراء زيارتي لمنزل الماركيز اليوم هو أنتِ.”

“أنا؟”

اتسعت عينا روزلين في دهشة. 

في الرسالة أشرتُ إلى أن الماركيزة هي التي أردتُ زيارتها، لذا كان الأمر مفهومًا.

“نعم. لدي عرض لأقدمه لكِ، روزلين.”

“عرض؟”

“نعم. أريد التدخل وبيع عطركِ…”

“عطري؟”

بدت روزلين مذهولة، كما لو كان الأمر مفاجئًا للغاية.

غمرني الحنين إلى حياتي البسيطة في مملكة لوند، وجاءتني روزلين كبركة. كان النبلاء يتعطرون عدة مرات يوميًا، تقريبًا كل يوم. لذا، كان ماء العطر سلعة لا غنى عنها للنبلاء. ربما، لو كان لومونت وجيد حاضرين في حفل الشاي آنذاك، لقفزا على الفور وسحبا روزلين معهما.

“فوجئتِ بسماع أن العطور فعالة للأرق.”

“لقد صنعتها كتجربة فقط…”

“أنا أيضًا مهتم بالزهور والأعشاب الطبية. فكرتُ كم هو رائع أن روز تفهم هذا.”

“أنا ببساطة أحب العطور، لكنني أعاني من ربو حاد… صنعتها فقط بدافع الرغبة في استخدام عطور آمنة لي. إنها ليست جيدة جدًا للتجارة…”

ارتجفت عينا روزلين الزرقاوان كما لو كانت في حالة ذعر. 

ابتسمتُ لها بلطف وقلتُ لأهدئها.

“لا تقلقي بشأن أي شيء. أنا هنا فقط لأتقدم بعرض عمل. لا أتوقع ردًا فوريًا.”

في الواقع، أردتُ إرسال لومونت لإرسال عقد العمل فورًا، لكن روزلين ستُبلّغ بالأمر. إذا ورثت روز شخصية الماركيزة، فسيستغرق الأمر وقتًا حتى تقرر.

“آه…”

“بالتأكيد، إذا وافقت روزلين، فسأتولى جميع الاستعدادات. يمكنكِ نسيان قلة المال تمامًا.”

ابتسمتُ بهدوء، متظاهرةً بأن مشروعنا لم يكن عبئًا عليّ.

لحسن الحظ، ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه روز المُحرج.

بينما كنتُ أشاهدها تشرب الشاي، فكرتُ للحظة. ألا يجب أن أسأل لماذا يمر منزل الماركيز بأسوأ أيامه؟ أوضحت الماركيزة أنها لا تريد مناقشة هذا الأمر. أي شيء… عن حياة الماركيز الخاصة؟

“سيدة، هل هناك شيء تريدين إخباري به؟”

لاحظت روزلين نظرتي وأخفت عينيها.

يبدو أنه سيؤلمها إن كشفت هذه القصة، التي أرادت الماركيزة إخفاءها أيضًا. سأحتاج لمعرفة ذلك من خلال لومونت.

“روز جميلة جدًا لدرجة أنني لم أستطع أن أرفع عيني عنها. أنا آسفة إذا أحرجكِ هذا.”

“أنتِ جميلة أيضًا… السيدة كروفت أجمل مني بكثير.”

احمرّ وجهها مرة أخرى.

“شكرًا لكِ على الثناء. لكن روز، أعتقد أنه يجب عليّ الذهاب. هل يمكنني أن أسألكِ شيئًا؟”

“نعم، لا يهم.”

“ربما… هل لديكِ أي عطر إضافي؟”

عندما سألتها بعناية، انفجرت روزلين حماسًا.

“بالتأكيد. انتظري لحظة.”

نهضت روزلين ودخلت الغرفة في الطابق الأول. وعادت بعدة زجاجات عطر.

“إليكِ بعض الروائح. يخفف سيلان الأنف، ويساعد على الأرق، ويخفف آلام العضلات. وشيء آخر يا سيدتي كروفت. إذا ذهبتِ إلى السوق، ونظرتِ حولكِ هناك، ستفهمين أن عطري ليس مميزًا على الإطلاق.”

“لا تقولي هذا. عطر روز مميز، مهما كان متوفرًا في السوق. لا داعي لجلد الذات.”

فتحت روزلين عينيها الزرقاوين على اتساعهما. بدا أنها اعتادت على الاستخفاف بكرامتها. كم تُذكرني هذا بنفسي السابقة.

“شكرًا لكِ يا سيدتي.”

“أقول هذا حقًا. لكن عليّ الذهاب يا روزلين.”

ابتسمتُ وغادرتُ منزل سيلين.