اليوم الثالث من سجن ليون ناسيوس. أزعجني قلة الأخبار لدرجة أنني قررتُ البحث عن رايموند بنفسي.

“الإمبراطورة.”
غادر رجال البلاط المكتب بسرعة، هل لاحظوا وجهي الصارم على غير العادة؟
“جلالتكَ، هل لا يزال ليون صامتًا؟”
“لا يفتح فمه بسهولة.”
تنهد بتعب ومسح وجهه بيده. مرّت ثلاثة أيام. لم يتعرض لتعذيب شديد، لكنه مُنع من الأكل أو النوم. لم يفتح فمه بعد، رغم أن الخبر قد وصل إليه بأننا وجدنا مخبرًا آخر.
“سمع أن لدينا شاهدًا آخر بين أيدينا، لكنه لم يبدُ عليه التوتر على الإطلاق؟”
“قال لا. عندما سمع ذلك، لم يُبدِ أي انفعال…”
أدار رايموند رأسه.
كان ليون محبوسًا في القبو، عاجزًا عن النوم ويتضور جوعًا منذ ثلاثة أيام. لو كان شخصًا عاديًا، لكان قد بدأ يفقد صوابه. هل يهمه حقًا مصير ريجينا وإدموند؟
“لقد وصل إلى هذا الحد… لا أظن أنني أستطيع الانتظار أكثر.”
ارتسمت على وجه رايموند دهشة للحظة. يبدو أنه قرر اللجوء إلى التعذيب. لكن هذه المرة، حتى أنا لا أستطيع إيقافه. لم يكن هناك سبيل آخر لفتح فم ليون.
“إذا لم ينطق حتى وهو على شفا الموت، فسنقبض على ريجينا ونكتشف الحقيقة.”
بدا رتيموند شبه متأكد من أن الأمير الأول هو ابن أخيه. بالطبع، لم يكن رأيي مختلفًا أيضًا. في البداية، رأيتُ هذا مجرد احتمال واحد. لكن مع مرور الوقت، ازداد ميلي للاعتقاد بأنها مزحة قاسية من ريجينا. وحتى عندما قتل رايموند أخاه، حاولت ريجينا دفع إدموند إلى العرش. الأمر أشبه بابن أمير مقتول تمرد واستولى على العرش.
“افعل ما تشاء جلالتكَ، سأبحث عن المملكة الغربية مرة أخرى تحسبًا لأي طارئ.”
“أعتذر عن إرهاقكِ ببعض العمل على الأمير الأول.”
مشكلتنا لا تقتصر على إدموند وحده.
“حسنًا، لا تُبالغ. فكما أن كشف الحقيقة مهم… صحة الإمبراطور مهمة أيضًا.”
“سأُبقي ذلك في ذهني.”
من خلف الباب، جاء صوت خادم.
“جلالتكَ، جلالتكِ. وصل سمو ولي العهد.”
حدّق بي رايموند بوجهٍ مُحير.
“كارلايل؟”
نظرتُ إلى ساعتي وقلتُ.
“يبدو أن درس المبارزة قد انتهى.”
“أمي، أبي!”
عندما دخل كارلايل المكتب، تبدّل وجه رايموند الكئيب في لحظة. لم يعد كارلايل خجولًا في حضور الإمبراطور.
“ولي العهد، هل ما زلتَ تهتم بي؟”
ومن الغريب أنه اقترب من رايموند أولاً وعانقه.
“أحيي جلالتكِ الإمبراطورة.”
وعلى الرغم من ذلك، لم يترك كارلايل يد رايموند. لقد تغلب عليّ الندم، لكنني الآن أُحب علاقتهما. كان كارلايل لطيفًا للغاية الآن لدرجة أنني لم أستطع إلا أن أبتسم. كنا سعداء بأخذ استراحة قصيرة مع كارلايل بعد الكثير من الألم بسبب مشكلتنا.
سأل رايموند، وهو يمسد شعر كارلايل برفق.
“هل كانت حصة المبارزة ممتعة؟”
“حسنًا، لقد تعلمتُ اليوم بشكل جانبي. كان الأمر صعبًا، ولكنه ممتع! انتظر، سأتعلم كيفية المبارزة، ثم سأهزم والدي!”
“همم، إذًا عليّ أن أبذل قصارى جهدي حتى لا أخسر أمام ولي العهد.”
“أوه، لستَ بحاجة إلى بذل الكثير من الجهد… قال المعلم أنه من أجل هزيمة والدي، يجب أن أكون أكبر بعشرين عامًا. أم يجب أن نحاول؟”
عندما سأل كارلايل هذا السؤال بصدق، ضحكتُ. وكان رايموند لطيفًا جدًا الآن أيضًا، بابتسامته.
“حسنًا، إذا طلب ولي العهد ذلك… فلماذا لا نحاول؟”
“نعم!”
فجأة انفتح باب المكتب. انحنى كبير الخدم وتحدث.
“يا صاحب الجلالة، لقد جاءت خادم سمو الأمير الأول بأخبار.”
“دعه يدخل.”
عبس رايموند في وجه الضيف غير المتوقع.
“ما الأمر؟”
“يا صاحب الجلالة. يطلب سمو الأمير الأول الإذن لتناول العشاء معكَ هذا المساء.”
أعاد ذكر إدموند أنا ورايموند إلى أرض الواقع.
“أخبره أن ذلك مستحيل.”
أكد رايموند بحزم أنه لن يفكر في الأمر حتى. كانت الإجابة باردة، ولكن كيف يمكنني لومه؟.كان متأكدًا تقريبًا من أن الأمير الأول كان طفلًا من أخيه غير الشقيق.
“يا صاحب الجلالة، سمو الأمير الأول يتوسل إليكَ. والدته بعيدة، ومنزله قد سقط، ولا يستطيع تناول الطعام بشكل صحيح. من فضلك ألقٍ نظرة على سمو الأمير الأول.”
هز الخادم رأسه كما لو كان يتوسل، لكن نظرة رايموند لم تُظهر حتى أدنى قدر من التعاطف. وبينما ساد الصمت الثقيل، سُمع صوت كارلايل الحذر.
“ألا يمكننا تناول الطعام معًا؟”
“ولي العهد. هذا ليس من شأنكَ.”
“لكن… أريد تناول العشاء مع أخي! جميعنا معًا! لأول مرة، تكون العائلة بأكملها معًا!”
نظر كارلايل إلى رايموند وإليّ بدوره. لم يكن كارلايل على دراية بعد بالظروف الصعبة للبالغين. لذلك، سيكون من الطبيعي أن يرغب في تناول الطعام مع الأخ الأكبر الذي يرغب في رؤيته. لأن كارلايل مرتبط بشدة بإدموند. لم أستطع إخبار كارلايل بما كان يحدث، وحتى لو فعلت، فلن يفهم كارلايل الصغير.
“أمي وأبي، دعونا نتناول الطعام معًا. أطلب منكما.”
أمسك كارلايل بيدنا وتحدث بنبرة جادة. الآن لا يمكنني رفضه. وقع رايموند في نفس الفخ. نظر بقلق إلى كارلايل ورفع الراية البيضاء في النهاية.
“أخبر الأمير الأول بحضور العشاء…”

“سموكَ، جلالته أمركِ بحضور العشاء.”
عاد الخادم، الذي ذهب إلى قصر الشمس للحصول على إذن، بوجه مشرق وتحدث إلى إدموند.
“حسنًا.”
كان إدموند، الذي كان يفتقر دائمًا إلى عاطفة والده، سيكون سعيدًا بتناول العشاء مع والده بعد فترة طويلة. ولكن على عكس التوقعات، لم يتوهج وجه إدموند بالحماس. حتى عندما حصل على الإذن. سأل الخادم، مندهش من بشرة إدموند الداكنة.
“سموكَ. هل أنت مريض؟”
“لا، لا. أنا بخير.”
“يبدو أن سموه قلق بشأن الوجبة مع جلالته.”
ردت ليلى على الخادم. في اللحظة التي قاطعت فيها ليلى المحادثة، تجعد وجه الخادم، لكن لم يكن لديه ما يفعله. على الرغم من أن مكانة ليلى كانت متدنية، لم يعتبرها أي من سكان قصر الأمير الأول خادمة حقيقية.
“إذا كان كل شيء على ما يرام، فسأذهب للتحقق مما إذا كانت جميع الحلويات جاهزة للعشاء.”
“سأتحقق من ذلك بنفسي، لذا أحضرها.”
“نعم.”
بعد أن غادر الخادم، نظر إدموند بقلق إلى ليلى بجانبه. وصلت ليلى في زيارة قبل يومين. حدث ذلك بناءً على أوامر والدته.
“سيتعين على سموكَ وضع هذا في الطعام لثلاثتهم.”
“ما هو؟”
“الطريقة الوحيدة لحماية مستقبلكَ.”
وبعبارة حاسمة، سلمت ليلى إدموند زجاجة من سائل عديم اللون. حتى الطفل سيفهم أنه سم.
“هل تطلبين مني تسميم والدي والإمبراطورة والأخ غير الشقيق؟”
سأل إدموند بصوت مرتجف.
لكن ليلى نظرت ببرود إلى إدموند ونقلت كلمات ريجينا إليه.
“هذا يعني فقط أنه من أجل فتح الطريق أمامكَ لتحقيق إنجازات مستقبلية، عليكَ أيضًا أن تلطخ يديكَ بالدماء. بهذه الطريقة فقط يمكنكَ حماية نفسك وأحبائكَ.”
“لا أستطيع. لن…”
“إذا لم يستطع سموه، فسوف يموت.”
“ما هذا الهراء؟”
“إذا عاش جلالته، فستموت، ولكن العكس صحيح أيضًا. أم ستشاهد والدتكَ تموت في صمت؟”
أمسكت إدموند من كتفه بقوة وقالت ذلك.
كان إدموند خائفًا من هذه الكلمات: “لا يمكنني تصديق أن والدتي ستموت. بعد كل شيء، كانت الشخص الوحيد المتبقي معي. أتجول كمنبوذ في القصر الإمبراطوري.”
كان إدموند خائفًا جدًا. بمجرد التفكير في الأمر بدأ في البكاء وارتجف جسده كله.
“إذا فعلتُ هذا، فهل ستكون والدتي بأمان حقًا…؟”
“بالتأكيد. ستكون هي وسموكَ بأمان.”
ربّتت ليلى على كتف إدموند برفق وابتسمت. كان إدموند خائفًا جدًا من هذه الابتسامة، التي سرت قشعريرة في جسده، لكن في تلك اللحظة، لم يكن أمامه خيار سوى الضغط على الزجاجة وأومئ برأسه، فقد ظن أنه مضطر لإنقاذ والدته.