بلاد الشرق، الواقعة في الطرف الشرقي من القارة. كانت الأمطار تهطل بغزارة، ورغم اقتراب الفجر، إلا أن السماء كانت لا تزال كئيبة. كان الرجل في عجلة من أمره، يشق طريقه وسط الرذاذ. كان يرتدي ملابس محلية، لكن مظهره لم يكن من بلاد الشرق. عيون خضراء، شعر أشقر. هرع الرجل مسرعًا تحت وطأة الرياح والمطر. تحت خطواته المتواصلة، تناثر رذاذ المطر في كل اتجاه. بدا وكأنه يهرب من شيء ما.

“يا إلهي!”

ومع ذلك، اضطر الرجل للتوقف. بسبب الرجال ذوي الملابس السوداء الذين ظهروا أمامه. عض شفته واستدار، لكن طريق العودة كان مقطوعًا أيضًا بأشخاص ذوي ملابس سوداء. تجاوز عدد الرجال المسلحين الخمسة. كل ما كان في يديه أنبوب به لوحات. من الصعب القتال بهذه الطريقة ضد السيوف. والأهم من ذلك كله، لم تكن لديه موهبة المبارزة بالسيف. في الشارع الذي لم تُضيئه الشمس بعد، لم يكن هناك من يستطيع مساعدته. كانت جميع الأبواب مغلقة بإحكام تحت المطر الغزير.

“لا يوجد مكان للركض. ليون ناسيوس. لا تفعل أي شيء غبي واتبعنا بهدوء.”

تقدم أحد الرجال ذوي الملابس السوداء.

“كيف تتخيل ذلك؟ أنتَ تطاردني هكذا، وسأذهب معكَ؟ إلى أين تأخذني أو ما الذي تبحث عنه بحق الجحيم؟ لقد دُمرت عائلتنا بالفعل، ولم يتبق منها حجر. ماذا تريد مني؟”

تأوه ليون للرجل ذو القناع الأسود. ربما كانت إمبراطورية أجريتا بعيدة عن هذه المملكة الشرقية، لكن هذا لا يعني أن الأخبار لم تصل إليه. كانت إمبراطورية أجريتا مركز قوة قويًا بأكثر الأراضي شيوعًا في القارة. الإمبراطورة الجديدة وولي عهد الإمبراطورية. وخراب والده. كانت مثل هذه الأحداث تسبب القلق في جميع أنحاء القارة. لذلك عرف ليون كل شيء. أنه لم يتبق سوى ظل من عائلته. إن خبر وقوع والده في العبودية ووفاة والدته يثقل كاهله. لكن والده ارتكب خطايا كثيرة، وأمه كانت ببساطة حمقاء. 

“من يبحث عني؟”

على الرغم من تفكك عائلة ناسيوس، لم يُصدر الإمبراطور أمرًا بقتل جميع أقاربهم.

“لكن لماذا فجأة؟ ما سبب البحث عني؟ كنتُ أقرب إلى شبح من كوني فردًا من عائلة ناسيوس.”

في تلك اللحظة، طفت على السطح حقيقة خطيرة في ذهنه، لم تُكشف بعد. “لكن لا ينبغي لأحد أن يعرف هذا…”

كانت هذه هي الحقيقة، التي عرفها هو ووالده وريجينا فقط في العائلة. لن يفتح والده وريجينا أفواههما الآن. خلع الرجل الذي كان ينظر إلى ليون قناعه فجأة بينما كان الأخير في تفكير. وسع ليون عينيه فجأة عندما رأى الوجه المقابل. لأنه كان يعرف الوجه خلف القناع.

“قائد الفرسان الرابع.”

كان عميلاً سريًا، ولكن إذا كنت نبيلًا إمبراطوريًا، فلا خيار أمامك سوى معرفة اسمه. ولأنه كان مشهورًا جدًا، فقد رأى بشكل طبيعي صورة كارتر. تصلب وجه ليون بعد التأكد من وجهه. حقيقة أن رئيس الفرسان الرابع اقترب منه، تعني أن الإمبراطور هو الذي كان يبحث عنه.

“جلالته يبحث عنكَ.”

“الإمبراطور.” 

تسابق قلب ليون عند سماع صوت كارتر المنخفض. كان ذلك لأنه كان يستطيع تخمين سبب بحث الإمبراطور عنه. وقف ليون ساكنًا دون أن يتحرك.

“لا مكان لكَ للهرب. إذا تمردتَ، فلن تتمكن من العودة إلى الإمبراطورية سالمًا.” 

اتجهت يد كارتر إلى السيف.

“لن أهرب.”

ضحك ليون ضحكة عابسة ومسح وجهه المبلل من المطر.

“سيتم الكشف عن كل السر، أليس كذلك؟”

أسقط ليون الأنبوب الذي كان في يده على الأرض. اقترب الفرسان من ليون، الذي مدّ يديه كما لو كان يستسلم وربط معصميه. ليون، الذي استسلم والحبل مربوط حول معصميه، تبع كارتر وهو يمشي على الأرض الثقيلة.

بدا أن الوقت قد حان لحل كل شيء أخيرًا.

بعد بضعة أيام.

“من الغريب أن أرى وجهكَ في القصر مرة أخرى.”

ابتسمتُ ابتسامة مشرقة وأنا أنظر إلى ضيفي. بعد زيارة كوخ لاكر، جاء الجواب بعد ثلاثة أيام بالضبط. كان من المدهش أن يأتي الجواب في غضون ثلاثة أيام، حيث كنتُ أستعد للانتظار لمدة شهر على الأقل.

“لم أكن أعلم أن مثل هذا اليوم سيأتي. اليوم الذي سأجلس فيه هكذا في المدينة الإمبراطورية.”

بدا راكر محرجًا وهو ينظر حول غرفة المعيشة في قصر الإمبراطورة، ولكن لحسن الحظ، لم يكن هناك أي انزعاج. على الرغم من أنه كان يضمر كراهية عميقة للإمبراطورية، إلا أن عقله لم يكن مشوشًا بسهولة.

“غريب، ولكن… ليس سيئًا للغاية. حتى أنني أعتقد أن مثل هذا القصر سيكون مفيدًا لي.”

ضحكتُ على كلمات لاكر الصادقة.

“لقد استقريتَ جيدًا أيضًا.”

وكأن النكتة لم تسيء إليه، ضحك لاكر. ثم انتقل إلى الموضوع الرئيسي.

“جلالة الإمبراطورة. متى أبدأ تدريسي لسمو ولي العهد؟”

“كلما كان ذلك أسرع كان ذلك أفضل بالنسبة لي.”

“إذًا… سأبدأ بعد غد.”

“بعد غد؟ ألا تحتاج إلى وقت لتنظيم عملكَ؟”

“لا شيء يعيقني. المهم هو إرسال رسائل للطلاب ليعلموا أين أُقيم. ستفين بوعدكِ بقبول تلاميذي القدامى في الإمبراطورية، أليس كذلك؟”

“بالتأكيد. لقد أخبرتُ جلالته بالفعل. ربما سيُمنحون مكانًا في البلاط.”

بمجرد أن اقتنعت بأنه سيصبح معلم كارلايل، أخبرتُ رايموند بوعودي للاكر. وافق رايموند على ذلك بسهولة. بصراحة، أعجبته فكرتي أيضًا. لأنه كان يعلم أن النبلاء الآن فاسدون للغاية. لم يكن هناك سبب لرفض تدفق مياه جديدة إلى المستنقع.

“شكرًا لكِ.”

“أنا أحافظ على كلمتي دائمًا. لذا من فضلك ابذل قصارى جهدك لتعليم ولي العهد.”

“أعدكِ أيضًا بأن أكون مخلصًا لسمو ولي العهد.”

“حسنًا، حان وقت الغداء قريبًا… هل ترغب في تناول الطعام مع جلالته؟”

“شكرًا على العرض… أعتقد أن هذا… سيُصعّب عليّ هذه المرة. ففي النهاية، لم أتعود على القصر إلى هذا الحد بعد.”

أجاب لاكر، وهو يشد ربطة عنقه برفق. بدت على وجهه علامات الضيق والاختناق في القصر، فعاد إلى المنزل. كان الأمر مؤسفًا، لأنني أردتُ تعريفه برايموند، ولكن في المستقبل ستكون هناك فرصة أخرى. سأنتظر حتى يتأقلم جيدًا.

“إذًا هذا كل شيء لليوم. لنلتقي في المرة القادمة.”

“شكرًا لكِ. إذًا أراكِ بعد غد.”

بعد أن ودعته، نهض لاكر من مقعده. خرجتُ أيضًا إلى البهو لتوديعه. ركب لاكر العربة وانطلق. اقتربت مني هيلين.

“أهنئك على تنفيذ ذلك، يا صاحبة الجلالة.”

“شكرًا. لو رفض السير لاكر، لكنتُ انزعجتُ كثيرًا. لكن الآن يُمكنني النوم بسلام.”

ابتسمت هيلين بهدوء.

“لكن ألم يعد كارلايل من قصر الشمس بعد؟”

“سموه لا يزال مع جلالته.”

كان رايموند وكارلايل يقتربان بنشاط. اختفى الإحراج بشكل ملحوظ بعد أن كانا معًا في السوق الليلي. كان كافيًا أن يزور كارلايل رايموند كلما خرج. من الجيد أن علاقتهما كانت تزداد قوة. ومع تقدم هذا، انتشرت شائعات في القصر بأن الإمبراطور كان يعتز بشكل خاص بولي العهد. ستعزز عاطفة الإمبراطور كارلايل كولي للعهد.

“هل نحن ذاهبون إلى قصر الشمس؟”

تجمدتُ بعد سؤال هيلين. بعد السوق الليلي، شعرتُ بعدم ارتياح شديد. لم أشعر بالحرج من كره رايموند. لكنني لن أتوقف عن التفكير في ماضينا، وفي المظهر المتغير جذريًا للحاضر. بعد تلك الحادثة، يظهر في ذهني عدة مرات في اليوم. أصبح من الصعب تجاهل نظراته وكلماته. ظننتُ أنه لم يتبقَّ أيُّ مشاعر، ولكن أليس كذلك؟ ففي النهاية، كان هذا هو الشخص الذي أحببته لفترة طويلة. وكان لدينا أيضًا كارلايل. وعندما انفتح العقل المسدود، كان من الصعب السيطرة على العقل المرتبك. ومع ذلك، لم يكن من السهل مسامحته والعودة إلى ما كان عليه من قبل.

تنهدتُ بشدة وهززتُ رأسي.

“انتظري… لا. دعينا نذهب إلى هناك لتناول العشاء. أحتاج إلى أخذ قسط من الراحة.”

نظرتُ إلى قصر الشمس القريب، ثم استدرتُ داخل قصري.

“كش ملك! لقد فزت هذه المرة!”

كان كارلايل مبتهجًا وهو يُسقط الملك من رقعة الشطرنج منتصراً. كان رايموند قد علّمه الشطرنج قبل بضعة أيام، وكان قد سئم من الألغاز. تعلم كارلايل الذكي القواعد بسرعة، وكلما سمح الوقت، ذهب إلى قصر الشمس للعب الشطرنج مع رايموند. وبشكل أدق، ليهزم رايموند مرة واحدة على الأقل. في الواقع، لم يلاحظ رايموند رغبة كارلايل في الفوز لأنه ببساطة كان يحب قضاء الوقت مع طفله. لذلك لم يشاهد كارلايل يلعب الشطرنج أبدًا. كان يعتقد أن هذه هي الطريقة التي تعلم بها كارلايل الشطرنج بسرعة. ومع ذلك، بطريقة ما، سأل رايموند، الذي اعتقد أنه من الغريب أن وجه كارلايل كان دائمًا يحمل نظرة صارمة عند الشطرنج، كبير المرافقين الذي كان دائمًا بجانبه.

“هل أنا الوحيد الذي يلاحظ مظهره؟ يبدو أن لديه الكثير من الشكاوى.”

“هذا…”

“عندما ألعب الشطرنج، هل أفعل شيئًا خاطئًا؟ إذا كانت هناك مشكلة لا أعرف عنها، فأخبرني.”

“يا صاحب الجلالة، العب الشطرنج بإخلاص.”

“ماذا؟”

“لقد تعلّم سموه الشطرنج الآن، أليس كذلك؟ لكنكَ لم تمنحه استراحة أبدًا… إذا خسر في كل مرة، فسوف تثبط معنويات سموه.” 

“أوه…”

عرف رايموند الخطأ الذي فعله فقط في ذلك الوقت. لم يخسر أمام أي شخص ولم يكن لديه سبب للخسارة في المقام الأول منذ أن أصبح إمبراطورًا. لم يكن أمام الصبي الصغير خيار، لكنه لم يكن يعلم ذلك. أخيرًا، اليوم، أعطى كارلايل الفوز عن قصد. كان من الصعب بما فيه الكفاية التظاهر بعدم رؤية الضعف الواضح، ولكن كان من الممتع مشاهدة كارلايل، الذي أصبح عاطفيًا في كل مرة يفوز في الشطرنج. في الواقع، كان رايموند يستمتع بقضاء الوقت مع كارلايل، لذلك استسلم بنشاط.

“أوه، لم ألاحظ حتى هذه الحركة. لقد تحسنت مهارات ولي العهد كثيرًا. أقبل الهزيمة.”

أمسك رايموند بجبهته كما لو كان يشعر بخيبة أمل حقيقية.

“لقد كنتُ محظوظًا هذه المرة. سيفوز والدي في المرة القادمة.”

تظاهر كارلايل بالتواضع الزائف، لكنه ما زال لا يستطيع إخفاء خديه اللذين استمرا في الارتفاع. في هذه الأثناء، رأى رايموند غروب الشمس من النافذة.

“حان وقت العشاء. دعنا نتوقف عن لعب الشطرنج ونذهب إلى غرفة الطعام.”

“نعم!”

ما إن همّ بمغادرة غرفة المعيشة مع كارلايل، حتى دخل كبير المرافقين.

“يا صاحب الجلالة، لقد عاد قائد الفرسان الرابع مع ليون ناسيوس.”