“من هذه اللحظة فصاعدًا، أنتَ رئيس وزراء إمبراطورية أجريتا. من فضلك ابذل قصارى جهدك للمساعدة في استقرار وضع الإمبراطورية بسرعة.”

“نعم، جلالتكَ.”

بعد انتهاء محاكمة ناسيوس، زار الماركيز فارين الإمبراطور بتقرير. ووضع رايموند الماركيز فارين في منصب رئيس الوزراء. لم يفاجأ أحد بهذا التحول.

“ماركيز، لن يكون تحضير الأمير كارلايل للتعيين مشكلة، أليس كذلك؟”

“تم وضع البيان الرسمي. سيكون كل شيء وفقًا للجدول الزمني. سنعلن الأمير الثاني وريثًا للعرش غدًا.”

“سيتحدث النبلاء عن ذلك لفترة من الوقت. سيكون من الجيد أن يسير كل شيء بسلاسة.”

“نعم جلالتكَ. لا بد من وجود الكثير من العمل، لذا سأغادر الآن.”

عندما غادر الماركيز فارين المكتب لأول مرة، ظهر خادم.

“جلالتكَ. طلب الدوق درويت مقابلة على وجه السرعة.”

“الدوق درويت؟” 

عبس رايموند، وفكر: “لم يكن اللقاء الأخير مع درويت على ما يرام. بالإضافة إلى ذلك، عرفتُ أن جيريمي قد أرسل لإيلي الوثائق التي دفنت ناسيوس. لا يمكن جمع هذا النوع من الأدلة إلا من قبل الدوق السابق درويت، الذي كان شريك الماركيز ناسيوس. على الرغم من أنني كنتُ أعلم ذلك، إلا أنني أغمضتُ عينيّ، متظاهرًا لإيلي. لكن جيريمي جاء إلى هنا. اعتقدتُ أنه سيجلس صامتًا لبعض الوقت.”

وبالطبع، عرف الدوق درويت أن الإمبراطور سيخمن الدليل القادم من إليشا أتى منه.

“ماذا عليّ أن أفعل؟”

“أحضره إلى هنا.”

“نعم، جلالتكَ.”

بعد ذلك بوقت قصير دخل الدوق درويت المكتب.

“تحياتي، جلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية.”

“انهض.”

سأل رايموند، ناظرًا إلى جيريمي وهو يقف.

“ماذا حدث لكَ حتى أصبحت فجأة هكذا؟” 

“أريد أن أبلغكَ بشيء. قبل ذلك، أطلب منكَ إخلاء المكان، جلالتكَ.”

ارتفعت حواجب رايموند عند رؤية وجه جيريمي غير المعتاد، لكنه سرعان ما غمز لكبير المرافقين، وأخرج جميع رجال الحاشية، وانفرجت شفتا رايموند.

“ما الأمر إذًا؟”

“لقد وجدتُ شيئًا في خزنة والدي السرية.”

“هل هو دليل ما؟”

“لا. الأمر مختلف، ولكن هذا هو السبب في أنه لا يقل أهمية. ولهذا السبب أحضرته إلى جلالتكَ.”

“شيء آخر؟”

بدلاً من الإجابة، وضع جيريمي الورقة على الطاولة.

“هذه…”

ارتد نظر رايموند عن الورقة عندما رأى الصورة عليها. ففي النهاية، كان إدموند هناك. في الصورة، كان أصغر مما هو عليه الآن، لكنه كان إدموند بالتأكيد.

“لماذا صورة الأمير الأول؟”

فكر رايموند: “هل سيعتلي الأمير الأول العرش في المستقبل؟ هل سينتقم للماركيز ناسيوس؟”

نظر رايموند إلى جيريمي، ووجد أن ما يحدث سخيف.

“ماذا يعني هذا أيضًا؟”

“انظر إلى الخلف، يا جلالة الإمبراطور.”

“إلى الخلف؟”

قلب ريموند الورقة عندما سمع كلمات جيريمي، وكان غاضبًا عندما رأى الاسم مكتوبًا: (تيوين أجريتا.)

اسم مألوف لن ينساه. كان أخوه غير الشقيق الذي ذبحه.

“لماذا يوجد هذا الاسم هنا؟”

“لا أعرف، ولكن… تم العثور على صورة تحمل الاسم في خزنة والدي.”

تحدث جيريمي بحذر شديد.

“وأنا… لا أعتقد أن الاسم كان سيُنقش على ظهر صورة صاحب السمو الأمير الأول دون معنى.”

“الأمير الأول واسم الأمير الميت.”

لا أحد يستطيع تخمين مدى غضب رايموند في تلك اللحظة إذا رآهما مقيدان معًا. كان بإمكانه، بعد كل شيء، ببساطة انتزاع السيف وقتل إدموند على الفور. يعلم الجميع كم كان رايموند يكره الأمير المخلوع ويحتقره. 

حدق رايموند في جيريمي في صمت. كانت عيناه المتلألئتان وتعابير وجهه الخالية من المشاعر أشبه بوحش كمين. ساد صمت كئيب في المكتب. في وقت لم يُسمع فيه سوى أنفاسه في الغرفة، وضع رايموند الصورة على الطاولة. نقر على الطاولة بأطراف أصابعه وقال ببطء.

“إذًا… إن اكتشافك يقودنا إلى أمير مات قبل ولادة إدموند. ماذا يعني هذا؟”

إذا كانت هناك صلة بين أخيه غير الشقيق المقتول والأمير الأول، المولود لاحقًا، فلن يكون هناك سوى صلة واحدة من هذا القبيل.

“ميلاد الأمير الأول.”

كان صوتًا هادئًا، لكن جيريمي شعر بالخطر الكامن فيه، ومع ذلك أجاب دون تردد لأنه كان مستعدًا.

“لهذا السبب سلّمتُ الورقة مباشرة إلى جلالتكَ.”

عندما أجاب جيريمي بوجه صارم، تدفقت الطاقة على الفور حول رايموند.

“هل لديكَ أدنى فكرة عن مدى خطورة الأمر؟ الشخص الذي تشك فيه الآن هو أول أمير للإمبراطورية. بكلمة واحدة عابرة، أستطيع أن أذبحكَ.”

“أعرف، ولكن حتى لو هُددتُ بهذا، فلن أخفي شيئًا. لكن يا جلالتكَ. ما كان والدي ليُخفي ذلك في خزنة دون سبب. إذا كان هناك غموض في هذا، ألا ينبغي لنا أن نُلقي بعض الضوء عليه؟”

كانت حياة رايموند حافلةً بالأحداث مؤخرًا. وكان جيريمي من أوائل من ملأوا حياته بالدراما. الآن يلهث لالتقاط أنفاسه، محاولًا إخراج الكلمات الأخيرة، وقد كبته طاقة الإمبراطور.

نظر ريموند إلى الصورة مرة أخرى. أو بالأحرى، باسم الأمير المخلوع. 

فكر رايموند: “كنتُ أعلم ذلك بنفسي. أن الدوق المتوفى درويت لم يكن ليقفل شيئًا كهذا من أجل لا شيء. ربما ارتبطت هذه الصورة بخطايا ناسيوس. كانت نقطة ضعف في حالة خيانته لدرويت. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه الصورة كانت ذات أهمية كبيرة. أنجبت ريجينا طفلاً في بلاد بعيدة، وأكد الكاهن من المعبد فقط أن الصبي كان من العائلة الإمبراطورية. لم أستطع معرفة من هو الطفل. إذا كان حقًا… إذا كان قريبًا للأمير الأول…”

من فكرة واحدة، سالت النار في الداخل إلى الخارج، كما لو أن رأسه على وشك الانفجار. أخذ ريموند نفسًا عميقًا ونظر إلى جيريمي، الذي كان يحني رأسه الآن، كما لو كان ينتظر العقاب.

“هل هناك أي شخص آخر يعرف هذا؟”

“لا أحد.”

“لم تسلّمني هذه الصورة أبدًا. امحِ كل شيء من رأسكِ. لا بد أنني الوحيد الذي يعرف هذا السر.”

كان الأمر فظيعًا للغاية، وقد يكون أكبر عار في تاريخ الإمبراطورية إذا تسرب. كان لدى جيريمي شيء واحد فقط ليقوله.

“سأضع ذلك في اعتباري، يا جلالتكَ.”

في البداية، كان دوره مجرد نقل الورقة، ولكن الآن سيصبح كل شيء أكثر إثارة للاهتمام.

“ارجع.”

غادر جيريمي المكتب، وقفز رايموند من مقعده وهو منزعج.

الأمير الميت المنسي. هو من قتل والدة رايموند وداس على حياته كلها بتهور. حتى عندما قطع رايموند أطرافه وشق حلقه، لم يختفي الغضب. ومع ذلك، بما أنه تولى منصب الإمبراطور الذي كان يتوق إليه ومنع الأمير من الدفن في مقبرة العائلة الإمبراطورية، فقد شعر رايموند على الأقل أن تلك الإهانات قد تم الانتقام لها.

“لكنني لا أصدق أنه مرتبط بالأمير الأول. أليست هذه علاقة صعبة وشريرة مزعجة حتى الموت؟”

استقرت نظرة رايموند على قصر الأمير الأول خارج النافذة، حيث لم يكن مرئيًا سوى السقف البعيد.

عندما أحضرت ريجينا إدموند إلى رايموند كطفل، لم يكن لديه أدنى شك، لأنها قضت معه الليلة قبل مغادرته إلى المملكة الغربية. ورغم أنه كان مع ريجينا لأكثر من عامين، إلا أنهما لم يتشاركا السرير قط حتى تلك اللحظة. ولكن عندما تقرر إرسالها إلى المملكة الغربية، بكت ريجينا وتوسلت أن تقضي الليلة الأولى لها مع رايموند. لم يُرد رايموند ذلك، لكنه لم يقاوم أيضًا، لأنه أفرط في شرب النبيذ، وغلبت عليه شفقته على ريجينا. وعندما فتح عينيه، كان الصباح قد أشرق. لم يتذكر رايموند بالضبط ما حدث في تلك الليلة، لكنه اعتقد إنه كان ابنه بالطبع… لم يتردد.

“وكيف تجرؤين على خداع الإمبراطور نفسه؟”

لكن الآن وقد أصبحت هذه الصورة أمامه، أصبح كل شيء مريبًا للغاية. في تلك الليلة، ريجينا، الأمير الأول. لقد مرت 7 سنوات منذ أن أصبح الأمير الأول ابنه. ومع ذلك، لم يكن لديه أي عاطفة تجاه الأمير الأول. كان ينظر إلى الصبي فقط على أنه مسؤولية صغيرة، لكنه لم يشعر أبدًا بالمشاعر الغريبة التي يشعر بها في كل مرة يرى فيها كارلايل. لدرجة أنه ليس لديه ما يقوله.

“هل لأنه لم يكن ابني؟”

لم يكن رايموند يؤمن بالانجذاب المجهول إلى روابط الدم، لكنه كان حساسًا لكل شيء من حوله.

“ما الذي أفكر فيه بحق الجحيم؟”

بالنظر إلى أحكامه التي لا أساس لها، التفت رايموند إلى النافذة. وقرع الجرس على الطاولة. سمع كبير المرافقين الصوت، ووصل إلى المكتب.

“بيل، اتصل بكارتر هنا.”

“نعم، سيدي.”

لم يكن هناك سوى طريقة واحدة لمحاربة الشكوك. هذه هي معرفة الحقيقة.

طوى رايموند الصورة ووضعها في درج.

مرت الأيام في حالة من الاضطراب بعد سقوط عائلة ناسيوس وتسمية الأمير الثاني، وأخيرًا جاء يوم مأدبة القصر الإمبراطوري. هذه أكبر مأدبة تُقام في القصر منذ عدة سنوات، وقد أُقيمت مأدبة اليوم تكريمًا لعودة الإمبراطورة وولي العهد. في ساحة العاصمة، كان هناك ضجة من المحادثات حول النبلاء وحول حفل الاستقبال في القصر الإمبراطوري. كان القصر نفسه على قدم وساق بالعمل منذ الصباح الباكر.

“هل انتهى كارلايل من التحضير بعد؟”

نظرتُ حولي في قاعة المأدبة وسألتُ هيلين.

“لقد انتهى سمو ولي العهد للتو من ملابسه.”

“مبكرًا جدًا؟”

“تمكنت الخادمات من إنهاء عملهن بسرعة لأنه كان هادئًا جدًا.”

كانت هذه هي المرة الأولى التي يرتدي فيها زيًا احتفاليًا للتتويج، لذلك كنتُ قلقة بشأن ما سيحدث إذا اشتكى كثيرًا، ولكن كان من المدهش أنه أبلى بلاءً حسنًا. ومن ناحية أخرى، اعتقدتُ أنه سيبدو غاضبًا جدًا الآن، لذلك ضحكت.

“يجب أن أنظر إلى كارلايل أولاً.”

صعدتُ إلى الطابق العلوي للتحقق من كارلايل قبل أن أبدأ في الاستعداد.