كان لا يزال قبل غروب الشمس، لكن داخل فرع فينيكس كان هادئًا. حدث هذا لأن جميع الناس قد خرجوا من العمل في الوقت المحدد. بعد تجاوز الطابق الأول الهادئ، وقفت في دائرة سحرية ووصلت إلى مكتب مدير الفرع في الطابق العلوي. كان مكتب لومونت مشهدًا مألوفًا.

“تفضلي بالجلوس، يا جلالة الإمبراطورة.”

جلس جيد ولومونت على كلا الجانبين. بادرت هيلين بإعداد الشاي لنا.

“كيف حال سموه؟”

بمجرد أن وضعتُ الكوب، سأل جيد بوجه قلق. ربما كان قد علم بالفعل من لومونت أن كارلايل أصبح الآن بصحة جيدة وتحت حماية شديدة. ولكن بسبب ذلك، لم يتوقف جيد عن القلق. كما كنتُ أنا أيضًا، كنتُ قلقة حتى رأيتُ جيد بأم عيني.

“إنه بخير. أردتُ أن آخذه معي، لكن درس معلم الإتيكيت كان أطول مما كان يعتقد، لذلك لم يتمكن من الحضور معي.”

“دروس الإتيكيت؟ هل سموه يتكيف بشكل جيد؟”

ضحك جيد وهو يتذكر مظهر كارلايل، الذي كان يتجول هنا وهناك.

“أقلقني الأمر في البداية، لكن كارلايل يتأقلم بشكل أفضل مما كنتُ أعتقد.”

“إنه لأمر مريح أنه يتأقلم جيدًا مع اقتراب موعد المأدبة.” 

ابتسم جيد كما لو أن ذلك أزال قلقه.

“لم يتبقَّ الكثير من الأيام على مثول كارلايل أمام النبلاء.”

اختفت ابتسامتي عند هذه الكلمات. ثم سألت جيد.

“هل وجدتَ الدليل؟”

“هناك خبران جيدان وخبران سيئان.”

“سأسمع الأخبار السيئة أولًا.”

“بحثتُ في ظهور المرتزقة بحثًا عن دليل، لكن لم يكن هناك ما يربط الشابة ناسيوس.”

“ممم…”

“لقد عملوا بأيدي الدوق درويت، وتلك الخادمة المرتزقة لم تغادر القصر أبدًا. أي أنني أريد أن أقول بهذا أنه لا يوجد شهود يؤكدون أن الخادمة ذات الشعر الرمادي غادرت القصر. لكن… سيصبح من الصعب معاقبة ناسيوس على محاولة اغتيال عائلة الملك.” 

قال جيد بصوت مستاء.

مهما كانت الأدلة المخفية، ألن يتبقى شيء؟ وحتى جيد، الذي كان يعلم ذلك جيدًا، لم يستطع فعل أي شيء. أظهرت لي النتيجة بوضوح أن ريجينا عملت بجد من أعماق قلبها عندما تعاملت مع هذا الأمر. ولكن مع ذلك. حتى لو لم يكن من الممكن تدمير ناسيوس على الفور، فإن تركهم وشأنهم أمر غير مسموح به. وإلا، فسيعيشون أكثر من كارلايل. لذلك، طلبتُ من الجميع الاستعداد في حالة عدم قدرتنا على تقديم دليل.

“إذًا الخبر السار هو أنك وجدت أدلة أخرى؟”

منذ عودتي إلى الإمبراطورية، عانى الماركيز ناسيوس من ضربات القدر، وكان الدوق كروفت على ظهور الخيل. في الأيام الأخيرة، عاد الدوق كروفت إلى وزارة الخارجية، مُظهرًا قدرته على النهوض من رمادها. أصبحتُ الإمبراطورة مجددًا، ومنح رايموند كارلايل قصر ريجولوس علنًا. وهكذا، أفلتت السلطة من أيدي ناسيوس واتجهت إلى منزل كروفت. وفي خضم هذه الفوضى، كان من الطبيعي أن يرتكب أتباع الماركيز ناسيوس أخطاءً. ففي السنوات الست الماضية، نمت ثروة الماركيز ناسيوس إلى أبعاد لا تُصدق بفضل راتب الوزير. وهذا، ناهيك عن مخططات الكسب غير المشروع.

“وقعت بين يدي العديد من الادلة غير المتوقعة، وكذلك أولئك الذين تعرضوا للفساد.”

اشتعلت عينا جيد الآن حماسًا.

“ما هذا؟”

نظر جيد إلى لومونت، الذي سلمني بعض الأوراق. عندما استلمت الأوراق، اتسعت عيناي.

“هذا بالفعل…!”

لم تكن البيانات التي قدمها لي لومونت أكثر من معلومات حول الصفقة مع القوافل التجارية الأجنبية. الشيء الذي وضع والدي في مأزق. معاهدات نيابة عن ناسيوس، مستثمر في القوافل، ورسائل تبادلها الماركيز ناسيوس سرًا مع الدوق درويت المقتول. وموقع المخبأ السري في ضيعة الكونت بارتن.

“كيف وجدتَ هذا أصلًا؟”

الشخص الوحيد الذي يمكنه امتلاك مثل هذه التفاصيل الدقيقة هو فرويد درويت. لكنه لا يزال ميتًا… رفعتُ رأسي، متذكرةً شخصًا معينًا.

“أرسله الدوق درويا، أليس كذلك؟”

“لقد مر يومان منذ أن زارنا الدوق وعرض علينا جميع الأدلة شخصيًا.”

“آه…”

ولكن ماذا بحق الجحيم؟ إذا وجدتَ كل هذه الأدلة، فسيكون من الصواب إرسالها شخصيًا إلى الإمبراطور. لم يكن جيريمي تابعي مثل لومونت أو جيد. ما رأيكَ في رايموند؟

“جيريمي… لماذا؟”

كيف يمكنني أن أكافئكَ على كل تعاونكَ؟ نظرتُ إلى الأدلة مرة أخرى. يمكنهم مصادرة جميع الممتلكات، وحرمان ناسيوس من مكانته أيضًا. من المؤسف أنه لا يمكن إعدامه، ولكن كان من الممكن جعله جثة حية، وتركه بدون سلطة وممتلكات.

“سأسلّم كل هذا مباشرة إلى جلالته.”

وبينما كانت إليشا تحمل الدليل بين يديها، توجه رايموند إلى قصر الإمبراطورة. بعد كل شيء، تم إبلاغه عن المناوشة بين الإمبراطورة وريجينا ناسيوس. ومع ذلك، في الشارع أمام القصر، توقف رايموند.

“جلالتكَ؟”

كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها وجه إليشا بعد أن رفضته ببرود. في اليوم التالي، اعتذر عن عدم فهم مشاعرها، وأرسل تلك الرسالة وهدية، ولكن لم يكن هناك رد. بالطبع، لم تأتِ إليه أيضًا.

[إذا حاولتَ فرض مشاعركَ عليّ ولو لمرة واحدة، فسأترك العرش وأبحر في البحار.]

تردد في سؤالها إن كان قد بالغ. لا، كان خائفًا فحسب. كان رايموند يخشى أن تفلت إليشا منه وتتركه مجددًا. 

فكر رايموند: “حتى عدم إجابتها يعني أنها غاضبة مني. هل أعود؟ ما أريد أن أخبر به إيلي اليوم كان عن مرافقة كارلايل. كان هذا خبرًا يمكن أن يتناقله الخدم. مع ذلك، جئتُ شخصيًا لرؤية إيلي وكارلايل. من الأفضل أن أغادر فحسب. كنتُ أرغب بشدة في رؤيتهما، لكننب الآن أفكر في مشاعرها، كما قالت إيلي.”

استدار رايموند، فسمع صوت كارلايل قريبًا.

“فايلين، أريد أن ألعب هناك!”

أدار رايموند رأسه، فرأى كارلايل والخادمة التي غادرت القصر لتوها. كارلايل، وهو يهرع إلى الحديقة أمام القصر، توقف عندما رأى رايموند.

“مرحبًا بجلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية.”

انحنت الخادمة بسرعة.

الآن لا يستطيع رايموند الابتعاد عن الزيارة، فقد التقى بالصدفة بكارلايل. انحنى كارلايل عندما اقترب رايموند.

“مرحباً جلالة الإمبراطور، شمس الإمبراطورية.”

“انهض الآن.”

التقت عيون رايموند وكارلايل. عيون سوداء، تشبه عينيه. ولكن لسبب ما، كان كارلايل يخاف من نظرة رايموند، على عكس والدته. كان خائفًا.

شعر رايموند بعدم الارتياح لأن إليشا لم تكن هناك. ولكن بعد ذلك مد يده الكبيرة إلى رأس كارلايل.

“أنتَ سريع جدًا في تعلم الآداب. ألم يكن الأمر صعبًا؟”

أجاب كارلايل وهو ينظر إلى رايموند.

“لا، ليس كذلك.”

لم يتجنب كارلايل لمسته، وهو أمر غريب في حد ذاته، وكان الشعر الحريري الذي يلامس راحة يده لطيفًا بشكل غريب. أدرك رايموند، الذي كان يلامس كارلايل لفترة طويلة، فجأة كيف يبدو من الخارج، وأبعد يده.

“لكن يا كارلايل. أين ذهبت والدتكَ؟”

“أوه، غادرت والدتي القصر في مهمة عمل. لذا سأتناول العشاء وحدي اليوم.”

“غادرت القصر؟”

ارتفع حاجبا رايموند قليلاً.

لم يكن على علم بأن الإمبراطورة ستخرج. سأل رايموند الخادمة.

“هل ذهبت الإمبراطورة إلى الدوق؟”

“هذا… لم تقل إلى أين ستذهب.”

عبس رايموند أكثر: “في الواقع، لو كانت ذاهبة إلى جيريمي، لما تركت كارلايل في المنزل. إلى أين ذهبت؟”

شعر رايموند بالقلق. في تلك اللحظة، التقت عينيه بكارلايل مرة أخرى. أشاح كارلايل بنظره، وكأن مخاوفه لا تزال قائمة.

“إذًا… هل خرجتَ للعب وحدكَ؟”

“نعم… كنتُ أشعر بالملل.”

لم يكن من الممتع الجلوس بدون والدته ولعب الألغاز. نظر كارلايل حول حديقة الزهور الواسعة. 

“ربما عليّ صنع باقة زهور جميلة؟”

فكّر في إعطائها لأمه، ثم دوى صوت عميق في أذني كارلايل.

“إذًا… هل تريد اللعب معي؟”