“هل جلالته والدي؟”

كشف وجه كارلايل لي الآن عن دهشته المطلقة. على الرغم من صغر سنه، إلا أنه كان يعلم بالفعل مدى منزلة ملك الإمبراطورية. كيف لا يُفاجأ بالشخصية التي أصبح عليها والده فجأة؟ وحتى لو كان كارلايل أذكى من أقرانه، فليس كل طفل قادرًا على تقبّل مثل هذا الخبر. سيستغرق كارلايل الكثير من الوقت والجهد لمعرفة والد رايموند. من المفترض أن يُعرض هذا الأمر خطوة بخطوة، لكن الآن ليس لدينا وقت. العالم كله على وشك سماع الحقيقة، لذا كان عليّ إخبار كارلايل. لكان الأمر أصعب بكثير لو سمع ذبك من غرباء. أكدتُ ذلك وأنا أنظر في عيني كارلايل الداكنتين المرتبكتين.
“نعم. جلالته هو والد كارلايل.”
أطبق كارلايل شفتيه بإحكام وتجنب نظري. لكارلايل عادة عدم الإعجاب بشيء ما.
“لستَ مضطرًا للتحمل إذا أردتَ إخباري بشيء.”
نظر إليّ كارلايل وبدأ حديثه بحذر.
“أمي… هل من الضروري حقًا أن يكون لي أب؟”
“ممم؟”
غمرتني كلماته غير المتوقعة. هل يجب أن يكون لديكَ أب؟ كنتُ أعرف أكثر من أي شخص آخر أن كارلايل يفتقد والده، حتى لو التزم الصمت بشأن ذلك. في مملكة لوند، كان يسأل دائمًا عما إذا كان بإمكاننا العيش مع والده. وفجأة جاء تصريح مماثل؟
قال كارلايل وهو يمسك يديّ بإحكام.
“أمي، أنا خائف من جلالته. أريد فقط أن أعيش مع أمي، وليس مع أبي.”
أمسك كارلايل بذراعيّ كما لو أنه لم يعد يريد الاستماع إلى أي شيء. ماذا حدث لرايموند بينما كنتُ مستلقية فاقدةً للوعي؟ كان الأمر محرجًا للغاية، لكن الأولوية الآن هي تهدئة طفلي.
“كارلايل، ألا تريد رؤية والدكَ؟ جلالته ليس شخصًا سيئًا.”
ربتتُّ على رأس كارلايل برفق وحاولت أن أُهدئه، لكن الطفل صر على أسنانه وقاوم. لم أتخيل أبدًا أن كارلايل سيكره رايموند هكذا. لكن عندما التقى رايموند صدفةً في السوق، ترك انطباعًا جيدًا. لكن ذكريات كارلايل بدت وكأنها تلاشت مع مرور الوقت.
“أمي، هل يمكننا العودة كما كنا من قبل؟”
قلبي مثقلٌ بما سيحدث في المستقبل. لم أُحرضه قط على رايموند. مع ذلك، كان رد فعله هذا مفاجئًا.
“هذا كارلايل، وهذا منزلنا الآن. انظر كم المساحة المتوفرة. ربما سيظل كارلايل يُحب المكان هنا.”
ابتسمتُ ابتسامةً مشرقةً عمدًا، لكنه أطبق شفتيه مجددًا في استياء. شعرتُ بتردده وأنا أنظر إليه. عندما أسرعتُ في التفكير في كيفية تهدئته أكثر، ربت والدي على كتفي. عند نظرتي المتسائلة، هز والدي رأسه، كما لو كان يُلمح الآن إلى ترك كل شيء كما هو.كنتُ قلقةً بشأن اكتئاب كارلايل وتردده، لكن والدي كان محقًا. إن إجباره على التصالح لن يؤدي إلا إلى زيادة رفض كارلايل.
انحنى طفلي برأسه على صدري ونام بسرعة.
“ربما يكون منهكًا جدًا أثناء الجري في جميع أنحاء القصر.”
نظر والدي إلى كارلايل النائم وابتسم.
“أبي، ماذا حدث بين الإمبراطور وكارلايل؟”
“في الواقع، لا شيء على الإطلاق. ربما… هل لأن كل شيء لا يزال غير مألوف ومخيف بالنسبة له؟ كارلايل يحتاج إلى وقت.”
“نعم.”
لسبب ما، كنتُ قلقةً من أن رد فعل ابني تجاه رايموند لن يتلاشى، بل على العكس تمامًا. لكنني حاولتُ تهدئة مخاوفي، لأنه لم يكن سيئًا للغاية. إذا قضينا المزيد من الوقت معًا، سيتصالح كارلايل تدريجيًا. وضعتُ رأس كارلايل برفق على الوسادة وداعبتُ برفق خديه الناعمين. لا يزال صغيرًا للغاية. كان المكان يحترق بالنار، لا يخطر ببالي سوى التفكير في الطريق الصعب الذي ينتظره في المستقبل. أردتُ أن أدعكَ تعيش حياةً حرة. حتى أنني محوتُ وجود والدكَ. آسفة يا كارلايل. في النهاية، لم أستطع حماية طفلي من الدماء والرياح، وأصبحتُ الأم التي أخذت الطفل من والده.
“إيلي، ليس خطؤكِ.”
سمعتُ صوت والدي المقلق.
“لقد فعلتِ كل ما بوسعكِ. فلا تلومي نفسكِ على أي شيء. كل الإثم يقع على عاتق أولئك الذين ارتكبوا تلك الفظائع. من الأفضل أن نفكر فيما سيأتي في المستقبل.”
لم تُشعرني كلمات والدي ببعض العزاء. كما قال والدي، لن يكون هناك مكان للحزن في المستقبل.
“هل أعلن الإمبراطور بالفعل وفاة فرويد درويت؟”
“حتى أنه كشف عن كل التفاصيل.”
ربما سيذكر المقال غدًا أيضًا الدفتر الموجود في منزل الدوق، وأن اسمه ناسيوس. ستثير الشائعات شكوكًا جديدة حول العلاقة بين المنزلين.
“بالتأكيد. سأراقب توازن القوى، فلماذا لا تعتني بصحتكِ؟ كارلايل… سيتطلب الأمر الكثير من الجهد للحفاظ عليه آمنًا.”
“أعلم.”
سيكون من الرائع لو تم تدمير منزل ناسيوس فورًا بحجة الانتقام لمقتل درويت. ولكن إن لم يحدث ذلك، فسندور. يقولون أيضًا إن هيبة ناسيوس قد تراجعت، لكن القوى التي دعمت على إدموند لا تزال قوية. لن يكون من السهل إزاحة الأمير الأول من منصبه وإقامة كارلايل هناك. أعلم أنه ليس بالأمر السهل، وربما سأضطر إلى المخاطرة بحياتي مرة أخرى، ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على كارلايل آمنًا. منذ اللحظة التي اتضح فيها أن دماء الإمبراطور تتدفق فيه، لم يكن من الممكن تجنب صراع العرش ببساطة .بالإضافة إلى ذلك، فإن ماركيز ناسيوس لديه كراهية شديدة تجاهنا، لذا فإن التراجع بالنسبة لنا هو موت محقق. حتى لو بقينا على قيد الحياة، ستكون هذه الحياة مليئة بالمصاعب. لن أطلب من كارلايل أبدًا أن يتحمل ذلك. سأفوز بالتأكيد في هذه الحرب، الحرب التي أطلقتها ريجينا ناسيوس، فقط لحماية طفلي. مصممةً، قبّلتُ كارلايل النائم على جبهته.

عقار درويت.
انبعث دخان أسود خلف الدير الدوقي. كانت جنازة الراحل فرويد درويت. لم يبدو أن الجنازة كانت لرجل كان دوق الإمبراطورية، لكنه وُصف بأنه مجرم ومتآمر ضد الملك. أمر جيريمي بنثر الرماد في أعماق الغابة، وعاد إلى المنزل فرأى الدخان الأسود يتلاشى في السماء.
“مات دوق. نهض دوق.”
كان الليل حالكًا، ولم يهدأ تذمر الخدم. لم يمضِ وقت طويل حتى عاد جيريمي إلى مكتبه وتجول بكثافة بين ممتلكات الدوق السابق. كان المبنى لا يزال مليئًا بآثار والده. ورغم أنه لم يكن حزينًا بشكل خاص، إلا أن الحجر على القلب ظل يشعر به.
تمتم جيريمي في نفسه: “لقد كان أبًا قذرًا حتى النهاية. كان رجلاً لم يستطع الاسترخاء حقًا للحظة.زوحتى بعد الموت، تسبب في صداع لي. ريجينا ناسيوس وماركيز ناسيوس.زسيتعين علينا تقديم هذين الاثنين للعدالة بتهمة قتل والدي ومحاولة قتل إيلي. ولهذا أحتاج إلى بعض المعلومات الأساسية عن ناسيوس…”
نهض جيريمي وأعاد فتح قبو الدوق السري. لا يزال فارغًا. هذا هو المكان الذي كانت فيه أدلة أفعال ناسيوس ذات يوم.
فكر جيريمي: “هل سرقه القاتل؟ هل وجد الخزنة حقًا؟ كانت الخزنة مخبأة خلف خزانة كتب، ولم يكن من السهل العثور عليها. هل يستطيع المصاب بجنون العظمة أن يخبر ناسيوس شخصيًا بالعثور على الخزنة؟ لو كان القاتل يعلم بوجود الخزنة فقط، وحاول العثور عليها، لانقلب المكتب رأسًا على عقب. كان كل شيء نظيفًا في الداخل منذ الصباح الباكر. لو لم يكن القاتل هو من سرق كل شيء، إذً…”
وبينما عبس جيريمي متعجبًا من هذا الاحتمال، سمع طرقًا.
“ادخل.”
“الوريث… لا يا سيدي، دوق. أعتذر.”
دخل كبير الخدم غرفة المكتب.
“لا بأس. أنا أيضًا لستُ معتادًا على اللقب الجديد. هل حسمتَ كل شيء؟”
“كل شيء يتم في الغابة. إن توديع الدوق بهذه الطريقة هو إثم على أرواحنا.”
ارتجف صوت كبير الخدم.
“إنه متآمر تعدى على العائلة المالكة. ممنوع عليكَ قول ذلك مرة أخرى. هذه آخر مرة أغمض فيها عيني.”
اضطر جيريمي إلى إصدار تحذير، لأنه كان يعلم أن كبير الخدم كان أكثر ولاءً للمتوفى من أي شخص آخر في العالم.
تراجع كبير الخدم ورفع رأسه بنبرة باردة.
“سأكون حذرًا في المستقبل. اعتذاري.”
“لن أجعل حياتك صعبة. اذهب، وافعل كل ما في وسعكَ لإعادة النظام إلى العقار.”
“نعم. ولكن ما قصة هذه الخزنة؟”
نظر كبير الخدم إلى الخزنة المفتوحة خلف جيريمي
فكر جيريمي: “هل كان يعرف عن هذا المكان أيضًا؟ عن قبو الدوق السري. كان كبير الخدم أحد الأشخاص القلائل الذين يثق بهم والدي تمامًا. لذا ربما كان يعرف عنها أيضًا.”
كما لو أن تنبؤ جيريمي كان صحيحًا، لم يُظهر وجه كبير الخدم الكثير من الحماسة.
“نعم. كنت أعرف عن هذه الخزنة.”
“منذ متى ووالدي يُرتب الأشياء فيها؟”
“لا أعرف ذلك. أعتذر.”
أجاب كبير الخدم أنه لا يعرف، لكن جيريمي رأى كل شيء بوضوح. ارتجفت عينا كبير الخدم وهو يتحدث.
تمتم جيريمي في نفسه: “إذا مزقتُ القناع، فسيطفو شيء ما بالتأكيد. بفضل هذا، تأكدتُ من أن الدليل الموجود في الخزنة لم يسرقه القاتل.”
“حسنًا، حسنًا. أنتَ متعب اليوم، لذا اذهب واسترح.”
“نعم جلالتكَ.”
غادر كبير الخدم وتحرك جيريمي. ولأنه يعلم أن القاتل لم يسرق الأوراق، لا يزال بإمكانه التحرك والعثور على الدليل. عندما غادر المكتب، صادف خادمًا.
“دوق، سيدي.”
“ما الأمر؟”
“أنا هذا… أنا اليوم، عندما كنتُ أنظف غرفة نوم السيد… وجدتُ هذا.”