كان مكان لقائنا الأول في حقلٍ مُغطّى بالأعشاب، لم يكن مُناسبًا لأجواء القصر الإمبراطوري الزاهية.
كانت هذه أول زيارة لي للقصر الإمبراطوري. التقيتُ برايموند لأول مرة عندما تهتُ في متاهات الحديقة الإمبراطورية وأنا طفلةٌ في العاشرة من عمري. جلستُ القرفصاء وبكيتُ. تمنّيتُ لو يأتي والدي لإنقاذي في أسرع وقت. وفجأةً أمسك أحدهم بيدي.
“هل أنتِ تائهة؟ لا تبكي، انهضي، أمسكي بيدي.”
عندما رفعتُ رأسي، كان صبي مراهق في السادسة عشرة من عمره أسود الشعر بكدمة على خدّه يُحدّق بي. كان هذا رايموند.
والغريب أنني توقفتُ عن البكاء في اللحظة التي نظرتُ فيها في عيني رايموند السوداوين. عندما نهضتُ ممسكةً بيده، بدا لي أن القصر الضخم لم يعد مُرعبًا. كان جسده النحيل وكدماته على وجنتيه جديرين بالمشاهدة.
منذ تلك اللحظة، غرق رايموند، بطلي، في أعماق قلبي. لقد أمرني القدر أن أقع في حب رايموند. لقد أسر قلبي قبل أن أستعيد وعيي. ومنذ ذلك اليوم، فكرتُ فيه باستمرار. وعندما حان وقت ظهوري الأول، تبعتُ والدي إلى القصر الإمبراطوري وهناك التقيتُ برايموند. في ذلك الوقت، كان والدي كونتًا يعمل في البلاط وكثيرًا ما يزور القصر. كان بإمكاني بسهولة الذهاب مع والدي بحجة أنني كنتُ أشعر بالملل الشديد في ممتلكاتنا. كان والدي يهتم بي كثيرًا.
في محاولاتي لمقابلة رايموند، ذهبتُ إلى حد دراسة خريطة المتاهة بالكامل. لذلك التقيتُ به في يوم مشمس، وبدأنا نرى بعضنا البعض من وقت لآخر. كل يوم كنتُ أجده في المكان الذي التقينا فيه لأول مرة. ولكن في يوم من الأيام لم يظهر رايموند. انتظرتهُ حتى النهاية، وعندما حجبت الشمس السماء بالفعل، ذهبتُ للبحث عنه. بعد تجوال طويل حول القصر، وصلتُ إلى أقدم جزء منه، قصر صغير على مشارف القصور الإمبراطورية. كان المبنى صغيرًا جدًا لدرجة أنني ظننت أنه لا ينتمي إلى القصر الإمبراطوري على الإطلاق. بعد كل شيء، كان الجزء الرئيسي من القصر الإمبراطوري مُغطّى بذهب لامع، وكان هذا المبنى مُغطّى بالطحالب والكروم.
“أمير من عامة الشعب. يا للعار! لماذا لا تعرف والدتكَ حتى ما هي الكنوز المحفوظة في هذا القصر؟”
بصق الشاب الذي كان أطول من رايموند بحوالي متر على الجانب ولكمه بقوة على خدّه. لم يرد رايموند.
“يا له من عار أن يكون لهذه الإمبراطورية أمير تافه كهذا. عش كما لو كنتَ ميتًا بالفعل.”
احنى رايموند رأسه.
في تلك اللحظة، عضضتُ على شفتي بشدة، لكن لم يكن هناك ما يمكنني فعله حيال ذلك. لم يكن الشاب ذو الشعر الأسود الذي تنمّر على رايموند سوى الأمير أستور، ولي عهد إمبراطورية أغريتا. درستُ صور العائلة الإمبراطورية، منذ اللحظة التي تعلمتُ فيها التحدث، لذلك لم أستطع إلا التعرف على وجهه.
بعد فترة، عندما غادر ولي العهد هذا المكان القديم، حبستُ أنفاسي عندما رأيتُ رايموند ورأسه منحنيًا. لقد آلمني قلبي كثيرًا بسبب هذا المنظر. خرجت شهقاتي، ثم لاحظني رايموند.
“لا تبكي. كل شيء على ما يرام.”
ابتسم لي رايموند بهدوء، مع كدمات على خديه، تمامًا مثل اليوم الذي رآني فيه لأول مرة. بكيتُ بين ذراعيه، لأنني شعرتِ بالأسف عليه، لأنه لم يستطع حتى ذرف الدموع.
كان شتائي السادس عشر عندما أدركت أنني أُحبّه. في اليوم الذي تجمّدت فيه حتى الأعشاب، ابتسم لي رايموند لأول مرة بابتسامة مرتعشة.
“قابلتُ امرأةً جميلةً جدًا. أفكر فيها كل يوم. إنها…”
خفق قلبي بشدة، لكنني ابتسمتُ لرايموند. تمنيت له السعادة. منذ ذلك الحين، تحدث عنها كثيرًا. عمّا يحدث معها، وما الذي تحدثت عنه معه، وكم يخفق قلبه بشدة عند رؤية ابتسامتها. عرفته منذ زمن طويل، لكن لأول مرة كان سعيدًا جدًا. لكن المفارقة، أنه كلما زاد فرحه، زاد حزني. لقد فات الأوان عندما أدركتُ أن سبب انزعاجي هو حُبي له. أدركتُ أنني أُحبه، لكنني لم أستطع الاعتراف له بذلك، لأنه كان يُحدّق في شخص آخر.
كان يوم الحفل الراقص في القصر الإمبراطوري، يوم بداية الربيع. في يوم ربيعي دافئ، بينما كان الجميع يبتسمون، رأيتُ صديقة رايموند لأول مرة. ريجينا ناسيوس، امرأة جميلة بشعر أشقر وعيون خضراء. كان ريجينا ورايموند ثنائيًا رائعًا. عندما رأيتُ كيف يبتسمان لبعضهما البعض، قررتُ التخلي عن حُبي له. لم يسمح لي ضميري بالتدخل بينهما وهما في غاية السعادة.
لكن سعادتهما لم تدم طويلًا. سرعان ما انهار الثنائي عندما تزوجت ريجينا لتصبح محظية الملك العجوز للمملكة الغربية. رايموند، الذي جاء إليّ ثملًا في ليلة مظلمة، انحنى فوق كتفي وأخذ نفسًا عميقًا.
“لم أستطع فعل أي شيء. أنا بائس لدرجة أنني لم أستطع حتى الاحتفاظ بها.”
بعد أن غادرت ريجينا ناسيوس إلى المملكة الغربية، لم يبتسم رايموند. مهما حاولتُ جاهدةً، لم أستطع استعادة ابتسامته. ومع ذلك لم أتركه، على أمل أن يبتسم يومًا ما.
ثم توفيت والدة رايموند في العام الذي بلغتُ فيه الثامنة عشرة. والسبب هو أنها سكبت النبيذ عن طريق الخطأ على ملابس ولي العهد في حفلة. تحولت هذه الحادثة غير المهمة إلى موقف سخيف، مما شوّه أيضًا شرف ولي العهد. والدة رايموند، التي كانت فقيرة لدرجة أنها لم يُعترف بها حتى كمحظية، قُطع رأسها في النهاية. لم تسمح العائلة الإمبراطورية حتى بإقامة جنازة.
عندما سمعتُ الخبر وركضتُ إلى قصره، رأيتُ أن عيني رايموند قد امتلأتا بالدموع لأول مرة منذ أن عرفته. على الرغم من تعرّضه للضرب والتجاهل، لم يبكي. وحتى عندما غادرت حبيبته لم يبكي. لكنه في النهاية بدأ يبكي وهو ممسك بملابس والدته. لقد انكسر قلبي عندما رأيته يبكي، ممسكًا بملابس والدته على صدره كطفل صغير، لكن كل ما استطعتُ فعله هو الوقوف ساكنةً حتى توقفت دموعه.
“إيلي، لن أسمح أبدًا بأخذ أشخاص أعزاء على قلبي مني مرة أخرى.”
قال رايموند ذلك وظهر بريق في عينيه السوداوين الداكنتين.
وبعد عام بالضبط، قام رايموند بثورة. لم يكن من الصعب جمع الناس، لأن هناك الكثير من الناس غير راضين عن الإمبراطور وولي العهد غير الكفء، اللذان لم يفعلا سوى جمع الضرائب والولائم. كان والدي أول من وقف تحت راية رايموند. أصبحت العائلة الإمبراطورية آنذاك، التي كانت عارًا على تاريخ الإمبراطورية، الآن في أيدي رايموند. لم تحدث حرب واسعة النطاق. أصبح رايموند إمبراطورًا، وبعد ذلك بوقت قصير أصبحتُ إمبراطورة، كابنة كونت عظيم ساهم بشكل كبير في الانقلاب.
“نشأتُ وأنا أرى وحدة أمي يا إيلي. لن أملأ القصر أبدًا بمحظيات مثل الإمبراطور العجوز. لن أمنحكِ الحب، ولكن لن تكون لدي محظيات.”
في يوم الزفاف، لم يقل رايموند إنه يُحبني. وأقسم لي بأنني الوحيدة التي ستكون دائمًا معه. كانت هذه الوعود كافية لنا. لأنني اعتقدتُ أن حُبّي سيكون كافيًا لشخصين. كنتُ ةعتقد أنه في مستقبلنا لن يكون هناك سوى السعادة.
“أنتِ حامل. أُهنّئكِ.”
مررتُ بحزنٍ شديد بعد فقدان طفلي الأول. قالوا إن كل شيء سيكون على ما يرام معه، لكن الأمر تحول إلى مأساة. كنتُ أعلم أن رايموند يريد أطفالًا. فقط خلال فترة الحمل، كان ينظر إليّ بفرحٍ في عينيه، بتعبيرٍ صادقٍ على وجهه، دون أي اهتمامٍ مُصطنعٍ بي. ومع ذلك، بعد أن قال طبيب القصر إنه قد يكون من الصعب عليّ الآن إنجاب أطفال، أصبح رايموند بعيدًا عني عن ذي قبل.زلكنني لم ألومه. كان لديه آمالٌ كبيرةٌ في الطفل. فكم كان من دواعي سروري أن أسمع أنني حاملٌ مرةً أخرى؟ كنتُ متشوقةً لإخبار رايموند بالخبر.
“يا صاحبة الجلالة، كوني حذرةً. عليكِ أن تتأنّي قليلًا.”
“كل شيء على ما يرام. أحتاج بشدة لرؤية الإمبراطور.”
ابتسمتُ ابتسامةً مشرقة، متجاهلةً كلام هيلين، وصيفتي.
ما إن اقتربتُ خطوةً من مكتب الإمبراطور، حتى أخذتُ نفسًا عميقًا وفتحتُ فمي لأنادي الخادم. لم يُسمع صوت رايموند في المكتب. مع ذلك، دخلتُ المكتب بهدوء.
لم يُلقِ رايموند حتى التحية. خاطب الخادم الذي وقف وظهره إليّ ولم يُلاحظ وجودي.
“ريجينا ناسيوس ستعود إلى الإمبراطورية.”
“ريجينا ناسيوس؟”
نظرتُ إليه بوجهٍ مُتجمد.
“بعد غدٍ، ستعود ريجينا من الغرب، لذا حاول تجهيز الاستقبال دون أي عوائق.”
غرق قلبي عند سماع الأمر.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات