الفصل 9 : الوهم
“إلينيا.”
“نعم، يا أبي.”
“أنا أسألكِ الآن ليس بصفتي والدكِ، بل بصفتي رئيس هًذهِ العائلة. هل تُدركين ما الذي عنِته تصرفاتكِ قبل قليل؟”
“…….”
لابد أنه كان يتحدث عن تقديمي سيف العائلة وتحفتها إلى الدوق كايلوس. كنتُ قد استعددتُ مُسبقًا لاحتمال إثارة غضب والدي بهَذا التصرف.
“هَذهِ ليست مسألةً تخصكِ وحدكِ. ما فعلتِه قد جرّ العائلة بأكملها إلى هَذهِ المسألة.”
“أنا على علمٍ بذَلك. لكنني اعتقدتُ أنْ هَذا هو الخيار الأفضل. ولا أزال أؤمن بذَلك حتى الآن.”
“الأفضل؟ حقًا تعتقدين أنْ هَذا هو الخيار الأفضل؟! لا أستطيع فهم تصرفكِ هَذا مطلقًا. كان الدوق تيسيوس يملك المؤهلات الكافية ليكون إمبراطورًا. لو كنتِ تسعين حقًا إلى الأفضل، لكان عليكِ الزواج منه بدلًا مِن الإقدام على أمرٍ كهَذا لا يُصدق!”
“أنتَ مخطئٌ يا أبي. إنه ليس جديرًا بأنْ يكون إمبراطورًا!”
“وماذا عن الدوق كايلوس إذًا؟ أتنوين أنْ تجعلي ابنًا غير شرعيّ، لَمْ يعترف بهِ الإمبراطور، يرتقي إلى عرش البلاد؟ إلينيا، بحق السماء… ما الذي سيطر عليكِ لتتخذي قرارًا كهَذا؟”
“لا أستطيع شرح كل شيء الآن، ولكن سيأتي يومٌ تثق فيه بخياري، أنا واثقةٌ مِن ذَلك. لذَلك، أرجوك، كُن إلى جانبي على الأقل. كل ما أفعله الآن هو مِن أجلنا ومِن أجل العائلة، وهَذهِ حقيقةٌ لا شك فيها!”
“أيُمكن أنْ تكوني قد وقعتِ في حب الدوق كايلوس؟ هل هَذا هو السبب؟”
كلما واصلتُ الحديث، ازداد وجه والدي امتلاءً بالحيرة.
“الدوق كايلوس هو الابن الوحيد لصاحب الجلالة. ومهما كانت أصول ولادته، فإنَّ الدم النبيل الذي يجري في عروقه لَن يتغير أبدًا. إنه الشخص الأقرب إلى العرش، مهما قال الناس. ولهَذا السبب، سأجعلُه إمبراطورًا مهما كلّف الأمر.”
صمت والدي برهةً إثر حماستي الشديدة وكأنني كنتُ على وشك أنْ أبصق دمًا، ثم تحدث مُجددًا.
“هل أخبركِ إنه يرغبُ بأنَّ يكون إمبراطورًا؟”
“ماذا؟”
“أسألُكِ: هل عبّر عن رغبتهِ في اعتلاء العرش؟”
فاجأني سؤال والدي المُفاجئ حتى عجزتُ عن الرد للحظة.
بصراحة، لًمْ أُوجّه له هًذا السؤال بشكلٍ مُباشر مِن قبل. ولكن…
“طبعًا. سيُصبح إمبراطورًا، لا شك في ذَلك.”
ألم يكُن هَذا أمرًا بديهيًا؟ مَن الذي قد يرفض اعتلاء عرش البلاد؟
أجبتُ بثقة.
لكنني كان يجبُ أنْ أدرك في تلكَ اللحظة… أنني أغفلتُ أمرٍ مهمٍ للغاية.
وهو أنني لم أكن أعرف بعدُ الدوق كايلوس حق المعرفة.
***
في ليلةٍ حالكة السواد، انساب ضوء القمر عبر النافذة المفتوحة، فأضاءت الغرفة.
كان هناك رجلٌ وامرأة يتعانقان داخل الغرفة. كانت المرأة عاريةً تمامًا، تتغلغل في صدر الرجل الذي لَمْ يكُن يرتدي شيئًا هو الآخر.
كانت أنفاس المرأة الساخنة تتردد باستمرار، وبينما كانت تتطلع إلى الرجل الذي فوقها، نطقت باسمه.
“هاه… تيسيوس.”
ظل الرجل يُحدّق بصمتٍ بالمرأة التي كانت تتنفس تحت جسده، بعينين يغمرهما الشوق.
تحت كتفيها المتلألئين بنور القمر، تدلت خصلات شعرها البني المبلل بالعرق.
كان خصرها النحيل، الذي التف بإحكام حول ذراعه، يتعمق في أحضانه أكثر فأكثر، مِما جعل شعرها يلامس ساعده القوي ويلامسه بلطف.
بينما كانت المرأة تناديهِ باسمه بشفاهٍ مبللة، رفعت رأسها فجأةً وكأنها لاحظت شيئًا غريبًا في تصرفاتهِ المُختلفة عن المعتاد.
“ما الأمر؟ هل حدث شيءٌ ما؟”
“…….”
لَمْ يكُن تيسيوس يستمتع باللحظة كما كان يفعل في العادة.
بالطبع، لَمْ تكُن هَذهِ المرة الأولى التي يلتقي فيها بلايزي في غرفةٍ طُرد منها جميع الخدم.
كانت لايزي تعرف جيدًا كيف تُلهب مشاعر الرجال. كان مظهرُها الجذاب وجسدها الرشيق يزيدان متعة احتضانها، إلا أنْ هَذهِ الليلة كانت استثناءً.
في الحقيقة، منذُ حفل الخطوبة الذي حضره نهار اليوم، لَمْ تُغادر إلينيا رأسه للحظة.
حين جاءت فجأةً وأعلنت رغبتها في فسخ الخطوبة، شعر بالذهول، لكن الخبر التالي الذي وصله بشأن خطوبتها الجديدة جعله يكاد لا يُصدق أذنيه.
بل والأسوأ مِن ذَلك، كان الطرف الآخر لتلكَ الخطوبة.
كيف يُمكن أنْ تكون الفتاة النقية والمخلصة قد انقلبت إلى شخصٍ آخر بين ليلةٍ وضحاها؟ مهما فكر، لَمْ يستطع فهم الأمر.
وما زاد مِن اضطرابه أكثر هو التصرفات التي أظهرتها إلينيا أثناء حفل الخطوبة.
‘إلينيا هيسيتيا التي يعرفها كانت فتاةً خجولةً للغاية، ترتبكُ وتحمر خجلًا حتى عند أدنى تلامس، لدرجة أنها كانت سلبيةً للغاية.
بسبب ذَلك، كان مِن السهل عليهِ التعامل معها، وكان يظن أنْ الأمر سيظل كذَلك مستقبلًا.
لكن كل شيء انقلب رأسًا على عقب. لذا، كان عليهِ أنْ يُعيد حساباته وخططه مِن البداية.
وفي هَذهِ الخطط الجديدة، لَمْ يكُن لهَذهِ المرأة الملتصقة به الآن أيُّ فائدةٍ تُذكر.
لو كانت الأمور سارت كما خُطط لها وتزوج مِن إلينيا، لكانت لايزي مفيدةً للغاية. لو تم الزواج فقط.
بالنسبة له، كانت إلينيا وجودًا لا غنى عنه ليُصبح إمبراطورًا، لكنها في الوقت ذاته كانت تشكل أكبر تهديد له إنْ أصبح إمبراطورًا.
فأسرتها، التي تأتي مُباشرةً بعد عائلة الدوق مِن حيث النفوذ داخل الإمبراطورية، كانت ستزداد قوةً لو أصبحت إلينيا إمبراطورة.
والعائلات القوية دائمًا ما تشكل تهديدًا على العرش. يكفي النظر إلى تاريخ النزاعات الدموية على العرش بين أفراد العائلة الإمبراطورية طوال القرون الماضية.
لهَذا، كان عليه أنْ يضع شخصًا آخر في منصب الإمبراطورة، شخصًا لا يُشكل عليهِ تهديدًا، مثل لايزي ديليا.
ولكن، كل خططهِ المثالية تبددت كفقاعات، بعدما خُطفت إلينيا على يد شخصٍ لَمْ يكُن يتوقعه إطلاقًا.
شعور فقدان شيء كان مِن المفترض أنْ يكون ملكهُ منذ البداية…
لو أنه لَمْ يعرفهُ أصلًا، لكان الأمر أسهل. ولكنه رجل لا يُفرط أبدًا فيما دخل بين يديه.
ومع ذَلك، هَذهِ المرة، أفلت الطائر مِن يده بكُل سهولة أمام عينيه.
‘إذًا، عليَّ أنْ أعيده إلى قفصي مِن جديد.’
خطوبة تم فسخها مرة، ما المانع أنْ تُفسخ مرةً ثانية؟ وإنْ لَمْ تعُد إليّه طواعية، فسيكسر جناحيها ويحطم ساقيها ليبقيها بجانبهِ بالقوة.
وسط الظلام، تلألأت عيناهُ كالبرق.
وفي اللحظة التالية، انقض على ‘لايزي مثل وحشٍ مفترس، والتهم شفتيها وكأنه سينتزعها.
تخبطت لايزي تحت قبلتهِ العنيفة التي باغتتها دوّن سابق إنذار، وكادت تختنق مِن شدتها، لكنها ما لبثت أنْ تعلقت به، تطلق أنفاسها اللاهثة بشوق.
***
حتى وأنا مستلقيةٌ على السرير، لَمْ أستطع النوم.
كان حوار والدي الذي دار بيننا في المكتب لا يزال يتردد في ذهني.
سؤاله عما إذا كان يرغبُ في أنْ يُصبح إمبراطورًا بدا لي بلا داعٍ.
مَن الذي قد يرفض فرصة اعتلاء العرش وارتداء تاج السيادة؟
رغم تفكيري هَذا، لَمْ أستطع التخلص مِن القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبي.
‘هل عليَّ أنْ أسأله؟’
إنْ حصلتُ على إجابةٍ واضحة منه، رُبما أستطيع تبديد هَذا القلق.
ففي النهاية، ما سيحدُث مستقبلاً، سنواجهه معًا.
وكان يبدو أنْ لديهِ أمورًا يرغبُ في قولها لي أيضًا.
لذَلك، حين يطلع الصباح، عليَّ أنْ أحصل منه على إجابةٍ حاسمة. وإلا، فلَن يزول هَذا الشعور الثقيل عن صدري.
حين عدت إلى قصر الدوق بعد يومّ واحد فقط مِن حفل الخطوبة، استقبلني الجميع بنظراتٍ مشتعلة.
وبينهم، كانت هُناك نظرةٌ مشتعلة أكثر مِن غيرها.
“أهلاً بكِ، آنسة هيسيتيا! زيارتكِ مُجددًا خلال يومٍ واحد فقط… هل اشتقتِ إلى صاحب السمو الدوق إلى هَذا الحد؟ هاهاها!”
كنتُ أود تفادي لقاء هَذا الرجل قدر الإمكان.
لكن، وكأنه قرأ أفكاري، ما إنْ دخلت مِن بوابة القصر حتى ظهر كرونو فجأةً أمامي، وبدأ يتحدث معي وهو يضحك ضحكةً صاخبة.
‘هل هو حقًا فارس؟’
اضطررتُ إلى كبح رغبتي في طرح هَذا السؤال عليه.
“أين صاحب السمو الدوق الآن؟”
“إنه في الحديقة الخلفية. دعيني أرافقكِ إليّه!”
وبينما أنا غارقةٌ في حيرتي، دفعني كرونو بلطفٍ نحو الحديقة الخلفية.
وهُناك، وجدت رجالًا ضخمي البنية يتدربون، يصيحون أثناء تأديتهم لضربات بالسيوف الخشبية.
ومِن بينهم، رأيتُ الدوق كايلوس، يتدرب وقد تبلل عرقًا، وهو يلوّح بسيفهِ الخشبي بتركيزٍ شديد.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 9"