الفصل 6 : حفل الخطوبة ²
“إنكِ جميلةٌ للغاية، آنستي!”
“أأجمل مِن خطبتي الأولى؟”
“آنسَتِي…!”
خرج صوتٌ غاضب بسرعة إثر سؤالي المازح.
“حسنًا، إنْ كنتِ تصرّين على السؤال، فأنتِ الآن أكثر جمالًا بكثير مِن ذي قبل.”
أجابت كايا رغم عبوسها دوّن أنْ تنسى إكمال كلامها.
أمعنتُ النظر مرةً أخرى إلى انعكاسي في المرآة.
كان فستان الحرير، المطرّز باللؤلؤ والمصبوغ بلون وردي فاتح، جميلاً للغاية حتى في نظري.
بفضل بساطة زينة الفستان، بدا وجهي الطبيعي أكثر تألقًا. ومِن بين رموشي المرتعشة مع كل رمشة عين، كانت قزحية عيني البنفسجية تظهر بوضوح.
ظللت أتأمل صورتي المنعكسة طويلًا حتى بدأت كايا مُجددًا بإلقاء محاضرتها المعتادة.
“ألَمْ يُنفق على هِذا الفستان أموالٌ طائلة؟ إنْ المشغل والمصمّم كلاهما الأفضل في الإمبراطورية…”
شعرت أنّها لَن تتوقف عند هَذا الحد، فسارعتُ إلى مُغادرة الغرفة مستغلةً انشغال كايا بإدارة ظهرها.
أردتُ البقاء وحدي لبعض الوقت، فأخذتُ أبحث بعينيّ حتى توجّهت نحو الغرفة الأبعد عن الرواق.
“آنسة.”
فتحتُ الباب بلا تفكير، وإذا به يقفُ هناك.
أول ما وقعت عليه عيناي كان كايلوس، مرتديًا بدلة توكسيدو سوداء.
كان شعرهُ الأسود وبشرته البيضاء وعيناه بلون الزمرد يكوّنون مزيجًا متناغمًا بشكلٍ عجيب، حتى إنه بدا فخمًا دوّن أنْ يرتدي أيَّ حُلي.
نظر إليّ مطولًا بلا أيِّ أثرٍ للدهشة، ثم حوّل نظرهُ بهدوء نحو النافذة.
“يقال إنه في مثل هَذا اليوم، لا ينبغي للرجل أنْ يرى وجه المرأة قبل بدء المراسم.”
“ذَلك عند حفلات الزفاف.”
“أحقًا؟ لَمْ يسبق لي الزواج مِن قبل.”
قالها مُمازحًا وابتسم بخفة.
كلماتُه وخزت ضميري قليلًا.
ففي الحقيقة، بما أنني عدت إلى الماضي، كان يجبُ أنْ أقنع نفسي أنْ زواجي السابق مِن تيسيوس لَمْ يحدُث قط.
“بالمُناسبة، إلى متى ستُناديني ‘آنسة’ فقط؟”
“هل هُناك مشكلةٌ في هَذا اللقب؟”
“بدءًا مِن اليوم، أصبحنا مخطوبين رسميًا، لذا يبدو لي هَذا اللقب رسميًا أكثر مِن اللازم.”
“وكيف تُريدين أنْ أناديكِ إذن؟”
“أمم… يُمكنكَ مناداتي باسمي مُباشرةً.”
“باسمكِ، هاه…”
دار برأسهِ نحوي ببطء والتقت أعيننا.
“… إلينيا.”
‘آه؟’
في تلكَ اللحظة، شددت قبضة يدي التي كانت تُمسك بطرف الفستان دوّن وعيّ. اجتاحتني مشاعرٌ غريبة يصعبُ وصفها بالكلمات.
‘هل توترتُ أكثر مِن اللازم؟’
كنتُ أظن أنني تماسكت، لكن يبدو أنني كنتُ مخطئة. شعرت بوخزٍ لطيف في جانب قلبي لا يتوقف.
***
سرعان ما دوّت أصوات أبواق في الخارج تُعلن بدء حفل الخطوبة.
مدّ كايلوس يده إليّ.
“يبدو أنْ الوقت قد حان لدخول البطلين، إلينيا.”
“أجل.”
وضعتُ يدي برفقٍ فوق يدهِ الممدودة.
كان حفل الخطوبة يسيرُ بسلاسةٍ.
خارج حديقة القصر، احتشد الناس لمشاهدة حفل خطوبتنا، وكانت الأجواء صاخبة.
كان الجميع يتسابقون لحجز أماكن أفضل لمشاهدة خطوبتي الثانية، التي اتسمت هَذهِ المرة بفخامةٍ غير مسبوقة.
بعد تبادل كلمات التهاني الرسمية مِن النبلاء، وإلقاء والدي خطاب العائلة الرسمي، لَمْ يتبقّ سوى تبادل الخواتم.
أرسلتُ نظرةً خفيفة نحو كايا الواقفة جانبًا.
فهمت كايا إشارتي وسلمتني شيئًا ملفوفًا بقطعة قماشٍ بيضاء كانت تحملُه طوال الوقت.
“أشكر جميع الضيوف الكرام الذين حضروا لمباركة خطوبتنا. اليوم يومٌ مميز نُعاهد فيهِ بعضنا البعض على الارتباط والمُستقبل المُشترك. لذِلك، رغبتُ بأنْ أقدم لخطيبي هديةً مُميزة بدلًا منِ تبادل الخواتم التقليدي.”
تحولت أنظار الجميع إلى القطعة التي كنت أحملها.
وعندما كشفتُ عن محتواها، تعالت أصوات الدهشة بين الحضور.
انعكست أشعة الشمس على النصل المصقول، فتلألأ بحدةٍ لافتة.
“إنه سيفٌ صنعه أحد حرفيي القصر الإمبراطوري. طلبتُه خصيصًا لهَذا اليوم. صُنع النصل مِن فولاذ سرين، وغُلف الغمد بجلد التنين. أما الزمرد المُثبت على الغمد فهو مِن الجواهر التي ورثتها عائلتنا منذُ أمدٍ بعيد. أقدمه لدوقنا العظيم عربون عهدٍ لمُستقبلنا.”
خلف وجه كايلوس، الذي كان يُحدّق في السيف بصمت، لمحتُ وجه والدي وقد بدا عليهِ شيءٍ مِن التوتر.
وكأنَّ وجههُ كان يسألني: “أهَذا هو حقًا قراركِ؟”
حينما رأى النبلاء السيف الذي قدّمتُه لكايوس، أطلق كل واحدٍ منهم صرخةً لَمْ يُعرف إنْ كانت دهشةً أم إعجابًا.
“سيف، أحقًا؟! وذَلك أيضًا سيفٌ صنعه حرفيّ السيوف الإمبراطوري!”
“لا بدّ أنَّ الآنسة تعرفُ جيدًا ما الذي يعنيهِ هَذا!”
“إنها ليست أيِّ أحد، بل آنسة عائلة هيسيتيا… لا بُدّ أنْ هَذا السيف…”
سرعان ما ساد الاضطراب قاعة الحفل بسبب همسات النبلاء.
تقديم السيف يحمل معانٍ مُتعددة.
فعادةً، يُقدّم السيف الإمبراطوري مُباشرةً مِن الإمبراطور إلى الفارس الذي أحرز إنجازًا عظيمًا، أو يُسلّم إلى أحد أفراد العائلة الإمبراطورية للإعلان رسميًا عن اختيارهِ وريثًا.
لكن كايلوس لَمْ يُعترف بهِ كوريث، ولذا لَمْ يحصل على سيفٍ إمبراطوري.
وعلى العكس، تقديم السيف للطرف الآخر يُعدّ بمثابة عهدٍ بالتضحية بالنفس لأجله، ومع هَذا الفعل، بدا أنْ كايلوس قد حصل على ولاء عائلة هيسيتيا بأكملها.
ظل كايلوس يحدّق طويلًا في السيف بصمت، ثم قال بصوتٍ خافت يُكاد لا يُسمع:
“كهدية… هَذهِ مُبالغة.”
“اعتبرهُ دليلًا على مشاعري.”
“……”
“في الأصل، كان مِن المفترض أنْ تحصل عليه. أليس كذَلك؟”
وجهُه وهو يحدق بالسيف لَمْ يُظهر أيًّ تعبير، مِما صعّب قراءة مشاعره.
للحظة، شعرت بالقلق مِن أنه قد يرفض السيف.
لكن لحُسن الحظ، سرعان ما مدّ يده وتسلّمه.
وما إنْ أمسك كايلوس بالسيف، حتى صدرت تنهيداتٌ غير مفهومة مِن بعض النبلاء.
“الآنسة قد عبّرت بوضوحٍ عن نيتها. سيف إمبراطوري وكنزٌ عائلي… لا شيء أوضح مِن ذَلك! هاهاهاه! يبدو أنْ الأمور ستٌصبح ممتعةً، أليس كذَلك، صاحب السمو الدوق تيسيوس؟”
ضحك الكونت تريجي، الذي كان يُراقب الحفل، بصوتٍ عالٍ. وعندما لاحظ النبلاء الآخرون وجود تيسيوس واقفًا خلف الكونت العجوز، شهقوا بدهشةٍ وبدأوا بمراقبة الوضع بحذر.
قال تيسيوس بنبرةٍ منخفضة وهو يُحدق بالسيف الذي كانت إلينيا تُمسكه.
“مُمتعة… علينا أنْ نرى إنْ كانت ستُصبح مُمتعةً حقًا.”
كانت عيناه تلمعان مثل وحشٍ يترصد فريسته.
تمتم وهو يكبحُ مشاعره المتأججة.
“الأمر لَمْ ينتهِ بعد، إلينيا.”
***
بعد انتهاء حفل الخطوبة، امتلأت حديقة القصر بمجموعات مِن النبلاء يتحدثون معًا وهم يتأملون ما حدث.
‘لا شك أنهم يفكرون فيمَن سيقفون إلى جانبه.’
كنتُ أرى بوضوحٍ كيف كانت عقولهم تحسُب المكاسب والخسائر.
‘حسنًا، الآن جاء دوري للقيام بما يجب.’
في تلكَ اللحظة، رأيتُ رجلًا يقف وحيدًا عند طرف أحد الطاولات.
كان يرتدي ملابس غريبةً وأنيقة مصنوعةً مِن خاماتٍ نادرة يصعبُ العثور عليها داخل الإمبراطورية.
كان الرجل يتلفتُ حوله، مبتعدًا عن تجمعات النبلاء.
اقتربت منه بهدوءٍ وخاطبته:
“شكرًا لحضورك.”
فوجئ الرجل وأسرع في الانحناء أمامي.
“آه، آنسة هيسيتيا. الشرف لي أنا، أنْ تتم دعوتي إلى مثل هَذا الحدث. أنا رئيس قافلة كوينتوس…”
“السيد مابيل كوينتوس، صحيح؟”
“نعم، هَذا صحيح.”
“بما أنكَ رئيسُ أفضل قافلةٍ تجارية في الإمبراطورية، أريدُ أنْ أسألك. كيف ترى حفل الخطوبة هَذا مِن وجهة نظر أفضل تاجر؟”
ارتبك قليلًا مِن سؤالي المفاجئ، لكنه سرعان ما بدأ بمُراقبة المكان بعينين حادتين.
“آه… ذوقكِ رائعٌ حقًا، آنستي. حتى النبيذ الذي أحمله الآن، ومعظم الأشياء هُنا، نادرة الوجود حتى داخل الإمبراطورية. كلها تبدو مِن أجود الأنواع.”
ابتسمتُ له ابتسامةً مشرقة وأومأت برأسي.
“تحليلٌ دقيق. بالمناسبة، هَذا النبيذ الذي تحملينه مرّ عبر قافلتكم، أليس كذَلك؟ لذا لطالما شعرتُ بشيءٍ مِن الأسف.”
“أسف؟ على ماذا؟”
“لو كانت هُناك فرصٌ أكثر للتواصل في مثل هَذهِ الأماكن، لكان ذَلك مفيدًا لقافلتكم أيضًا.”
“همم… لقد وصلت لما أنا عليه الآن رغم وضعي الاجتماعي، وهَذا بحد ذاتهِ يفوق ما أستحقه. هُناك بالتأكيد مَن يرى ذَلك هُنا أيضًا.”
قال مابيل وهو يبتسمُ ابتسامةً ساخرة ويلتفت حوله.
مابيل كوينتوس، رئيس أكبر قافلةٍ تجارية في الإمبراطورية. كان مِن المعروف أنْ أكثر مِن نصف سلع الإمبراطورية تمر عبر قافلته.
بل إنه تخصص في جلب السلع النادرة مِن خارج الإمبراطورية، لذا حتى النبلاء كانوا يلجؤون إلى قافلته للحصول على ما يرغبون فيه.
ومع ذَلك، حتى أفضل تاجرٍ في الإمبراطورية لَمْ يكُن بمقدورهِ الحصول على ما يرغبُ فيه أكثر مِن أيِّ شيءٍ آخر.
“السيد كوينتوس. ما رأيكَ أنْ نعقد صفقةً بيننا؟”
“صفقة…؟”
“بوسعي أنْ أقدم لكَ الشيء الذي ترغبُ فيه أكثر مِن أيِّ شيء آخر.”
ولأنني كنتُ أعرف تمامًا ما هو ذَلك الشيء الذي يتمناه.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 6"