الفصل 55 : البداية
“إذن، سأغادر الآن.”
“نلتقي مجددًا في المرة القادمة.”
ودّعنا الكونت فيديلت وهو يعرج بخطواته حتى مدخل القصر.
كان ذلك يوم مغادرتنا الشمال وعودتنا إلى العاصمة. جلستُ أنا وهو داخل عربةٍ صغيرة، تمامًا كما في يوم زيارتنا الأولى لقصر الكونت قبل بضعة أيام.
“ليز، هل أنتِ بخير؟”
“نعم. فقط… أشعر ببعض الغربة.”
لكن المختلف هذه المرة هو وجود شخصٍ إضافي معنا داخل العربة.
كانت ليجينيا تجلس إلى جانبي، وتتحرك بتوتر وكأنَّ الفستان الأنيق الذي ارتدته ما يزال غريبًا عليها.
“عندما نَصِل إلى العاصمة، يجب أن ترتدي ملابس أكثر رسميةً من هذه.”
“ه-ها؟ أكثر من هذا؟”
شحَب وجه ليجينيا وكأنها سمعت شيئًا لا يمكن تصديقه.
“طبعًا. فستانكِ هذا مجرد ثوبٍ بسيط.”
قلتُ وأنا أنظر إلى فستانها البرتقالي المتواضع. كان واضحًا أنها لم ترتدِ مشدًّا حقيقيًا تحته.
يبدو أن كايا ستتعب معها كثيرًا… أم لعلها ستستمتع بذلك؟
تخيلتُ كايا وهي تهرع نحوها بحماسٍ شديد، فضحكتُ بيني وبين نفسي.
“يبدو أنكِ سعيدةٌ بالعودة، أما الآنسة أبنة الكونت… هل ستكون بخير؟”
قال كايلوس ذلك بينما ينظر إلى ليجينيا التي لم تتوقف عن الاضطراب في جلستها، وكأنَّ جسدها يحتج على الفستان.
وعلى وجهه ظهرت ملامحٌ تقول بوضوح: حقًا… هل علينا اصطحاب هذه الفوضوية إلى العاصمة؟
كنت قد شرحتُ له بشكل مقتضب أنها سترافقنا من أجل تحضيرات حفلة الظهور الاول القادمة في القصر الإمبراطوري.
لحسن الحظ، وافق دون اعتراض، وإن بدا أنه غير مرتاح تمامًا.
على الأقل لن تكون رحلة العودة مُملة مثل رحلة القدوم.
طرقتُ على باب العربة أمرًا بالانطلاق، فانطلقت الخيول بصهيل خافت، وبدأت العربة بالتحرك مبتعدةً عن قصر الكونت.
***
اختفت العربة عن الأنظار، فاقترب الخادم هايلو من الكونت.
“سيدي، لنعد إلى الداخل.”
“حسنًا.”
“بالمناسبة، إصلاح الساعة في مكتبك انتهى.”
“هكذا إذن؟ عملٌ جيد.”
أومأ الكونت.
“هل سيكون الأمر بخيرٍ حقًا؟”
قال هايلو ذلك وهو ينظر إلى الطريق التي اختفت عبرها العربة، وعليه ملامح قلق غير مخفي.
“لقد بدأ الأمر بالفعل. حتى لو أردنا التراجع، فات الأوان. علينا الإسراع… فلدينا استعدادات يجب القيام بها.”
“أمرُك، سيدي.”
مدّ هايلو يده، فسلّمه الكونت عصاه.
ثم سار الكونت بخطواتٍ ثابتة نحو القصر… من دوّن أيِّ عرج، ومن دون الاعتماد على عصاه.
***
“أهلاً بعودتكِ، آنستي! كيف كان الشمال؟”
ما إن دخلت القصر، حتى اندفعت كايا نحوي بسرعةٍ هائلة.
“لكن… أعتقد أن أمتعتكِ أصبحت أكثر مِما كانت عليه عند المغادرة، أليس كذلك؟ هذه كلها… لمن؟”
تجمدت عيناها عند رؤيتها لكل الحقائب وحزم الأمتعة التي دخلت بعدها، قبل أن تستقر نظراتها أخيرًا على ليجينيا.
“آه، هذه ليجينيا فيديلت. سنساعدها في الاستعداد لحفل الظهور الاول في القصر الإمبراطوري.”
“نحن؟”
بدت الصدمة على وجه كايا بشكلٍّ هائل.
غريب… ألم تصل الرسالة بعد؟
كنت قد أرسلتُ رسالةً مسبقًا لأخبرهم.
“ماذا عن الرسالة التي أرسلتها؟”
“أوه، وصلت صباح اليوم! وقد سلمناها للماركيز فورًا.”
إذن الرسالة وصلت.
لكن لماذا تبدو كايا وكأنها لم تسمع شيئًا؟ هل والدي لم يخبرها؟
“بعد أن سلمتُ الرسالة للماركيز، لم يغادر مكتبه بعدها… إطلاقًا.”
قالت كايا وهي تميل رأسها باستغراب.
ربما صُدم والدي من محتوى الرسالة.
من الطبيعي… فمن غير المتوقع أن أحضر فجأة بابنةً غير شرعية للكونت…
شعرت ببعض القلق.
والدي لم يتدخل كثيرًا في حياتي منذ خطوبتي لكايلوس، مدّعيًا أنه سيتابع الأمور من بعيد. ربما ظن أنه لا فائدة من التدخل بعد الآن.
لكن رغم ذلك… كانت خطواتي حتى الآن تسير تحت مظلّة موافقته الضمنية.
“لقد عدتِ؟”
جاء صوتٌ ثقيل من الأعلى، فنظرتُ لأرى والدي يقف عند مدخل مكتبه في الطابق الثاني.
“نعم، عدتُ.”
“لقد تعبتِ. وتلك الشابة خلفكِ… هل هي ابنة الكونت فيديلت؟”
“سعدت بلقائك. أنا ليجينيا فيديلت. سأُقيم لديكم لبعض الوقت، يا سيدي.”
تقدمت بخطوةٍ وانحنت برشاقة، وكانت تحيتها مهذبةً للغاية.
“مرحبًا بكِ. سمعتُ أنكِ ستحضرين حفل الظهور الأول. أتمنى أن تجدي مكاننا مريحًا لكِ.”
“أشكرك، يا سيدي.”
“كايا، خذي آنسة فيديلت إلى غرفة الضيوف.”
“نعم، اتبعيني يا آنسة.”
رحلت ليجينيا مع كايا.
“إلينيا، تعالي إلى المكتب قليلاً.”
لم أكد أحظى بفرصة العودة لغرفتي حتى استدعاني والدي، فأسرعت إلى المكتب.
دخلت، وأُغلِق الباب، فعمّ المكان صمتٌ ثقيل.
كان والدي واقفًا أمام النافذة، يديه خلف ظهره، ينظر طويلاً إلى الخارج دون كلمةٍ واحدة. ثم استدار نحوي فجأةً.
وعبر الضوء الخافت، برزت عيناه البنفسجيتان الحادتان.
“وصلتني رسالتكِ. وأعترف… لقد فاجأتني.”
“أعتذر. لكن بما أنكَ تعرف الكونت منذ زمن، ظننتُ أن تقوية العلاقات بين العائلتين ستكون أمرًا جيدًا.”
“صحيح… ولكن هل تلك الفتاة… حقًا ابنةٌ غير شرعية للكونت؟”
“نعم. وقد طلب مني مساعدتها في حفل الظهور الاول. لا داعي للقلق بشأن أصلها. لا أحد في العاصمة يعرف ذلك، وقد أكد لي الكونت أنه سيظل سرًا.”
هز والدي رأسه ببطء.
“حسنًا… كم عمرها؟”
“ستة عشر.”
“ستة عشر، هاه…”
بدا وكأنه يفكر بشيءٍ أثار قلقه، وظهرت تجاعيدٌ خفيفة بين حاجبيه.
“بالمناسبة، هذا… من الكونت.”
ناولته الظرف الأحمر الممهور بشعار عائلة فيديلت.
كان الكونت قد شدد كثيرًا على ضرورة تسليمه شخصيًا.
فتح والدي الظرف وقرأ.
“ما الذي كتبه؟”
“لا شيء مهم… فقط يطلب منا الاعتناء بابنته جيدًا. ويقول إن لديه الكثير من القلق لأنها تزور العاصمة لأول مرة.”
“هذا كل شيء؟”
“نعم. لقد تعبتِ، اذهبي لترتاحي.”
“حسنًا… أتمنى لكم ليلةً هادئة يا أبي.”
كان يُسرع في إنهاء الحديث، وهذا زاد من قلقي، لكن لم يكن أمامي سوى الخروج.
***
بعد خروج إلينيا، جلس الماركيز وحده أمام مكتبه.
كانت عيناه ثابتتين على آخر سطرٍ في الرسالة.
[آمل ألا تكون قد نسيت وعد تلك الأيام……]
“ذلك الوعد…”
مسح وجهه بتعبٍ شديد.
“لماذا… بعد كل هذه السنين…؟”
تنهد بعمق، وضاع صوته في الهواء.
***
طَرق– طَرق
“لحظة! نعم، يمكنكِ الدخول.”
دوّى صوت ارتباك وارتطام أشياء من داخل غرفة الضيوف، وعندما فتحت الباب، رأيت ليجينيا ملتفّةً نحو النافذة بسرعة.
كانت قد فتحت النافذة بالكامل، والستائر الحريرية الرقيقة تتطاير حولها، وتخفي نصف جسدها فقط، بينما ترتدي شيئًا غريبًا للغاية.
ابتسمتُ ابتسامةً متوترة.
“ماذا… كنتِ تفعلين؟”
“نعم؟ ماذا تقصدين؟”
سألت ببراءةٍ مصطنعة، بعينيها الواسعتين.
“وماذا عن… هذه الثياب؟”
أشرت إلى ما ترتديه خلف الستارة الشفافة المتمايلة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 55"