الفصل 5 : حفل الخطوبة ¹
‘هل حان الوقت للتحرُّك مُجددًا؟’
وقفتُ وظهري إلى النافذة التي انعكست عليها أشعة الغروب، وبدأت أفكّر فيما يجب أنْ أفعله بعد ذَلك.
بما أنّني أثرتُ تلكَ الفوضى صباحًا في قصر دوق تيسيوس، فلا بدّ أنْ خبر فسخ خطوبتي معه قد انتشر انتشار النار في الهشيم بحلول الآن.
‘الآن، وقد فقدتني أنا وعائلتي، الذين كنّا حجر الأساس القوي لتتويجكَ إمبراطورًا، كيف يكون شعوركَ يا ترى؟’
تملّكني الفضول فجأةً. وأيضًا، كيف سيكون وجه تيسيوس عندما يسمع بخبر خطوبتي الجديدة؟
‘في كلتا الحالتين، ترقّب الأمر. فَلَن أُخيّب آمالكَ.’
أنهَيتُ أفكاري، ثم التفتُّ نحو كايا، التي كانت تُرتب الفراش بجانبي.
“كايا، علينا إعداد قائمة بالأشخاص الذين سنرسل لهم دعوات الخطوبة. هل تُساعدينني؟ يجبُ إرسال الدعوات إلى جميع العائلات المرموقة. آه، ولا تنسي عائلة كوينتوس أيضًا.”
“عائلة كوينتوس؟ لكنهم ليسوا نبلاء.”
“صحيح، لكنهم يملكون مِن النفوذ ما يضاهي النبلاء.”
“هَذا صحيح، ولكن…”
“يجبُ أنْ تُرسل لهم الدعوة، مفهوم؟ وأيضًا، هناك أمرٌ آخر، أرسلي دعوة إلى عائلة البارون ديليا.”
“لكنكِ قلتِ إنْ الدعوات ستُرسل فقط إلى العائلات المرموقة، فما شأن البارون ديليا؟ مهما سألتكِ، لَن تُجيبي، أليس كذلك؟”
كايا تمتمت بعبوس، لكن كلماتُها لَمْ تصل إلى أذني.
كان ذهني قد امتلأ بالفعل بالتفكير في حفلة الخطوبة، وكيف أجعلها الحفل الأجمل والأكثر لفتًا للأنظار في الإمبراطورية.
وطبعًا، كنتُ أُفكر مليًا في كيفية التعامل مع تلكَ الفتاة الماكرة مِن عائلة ديليا.
‘صحيح. كما قلتِ، الخطيبة تظل مُجرد خطيبة يا ليزي ديليا. لكن هَذهِ المرة ستكون مُختلفة. هَذهِ المرة، لَن أظل مُجرد خطيبة.’
“كايا! مَن هو أفضل حدّادٍ يصنع السيوف في الإمبراطورية؟”
“ماذا؟ لماذا تسألين فجأةً عن السيوف؟”
“لأنني أحتاج إلى واحد. تحققي في الحال. آه! ويفضل أنْ يكون مِن أولئكَ الذين يصنعون السيوف للقصر الإمبراطوري.”
“بحلول متى تحتاجينه؟”
“يجبُ أنْ أُحصل عليهِ قبل يوم الخطوبة.”
“حاضر. سأحاول العثور عليه. ما دامت آنستي ترغبُ في ذَلك، لا يوجد مستحيل! وإنْ لزم الأمر، سأخطفه!”
عندما رأيتُ كايا تضع يدها على خصرها وتتظاهر بالجدية، لَمْ أستطع منع نفسي مِن الانفجار ضاحكة.
**
في الوقت نفسه، في قصر دوق كايلوس.
“صاحب السمو الدوق، هل أنتَ بخير؟”
كان كرونو قد دخل غرفة الاستقبال بعجلةٍ مِن أمره، لكنه بات الآن أكثر هدوءًا، يُراقب سيده بحذر.
“ألآن تقلق عليّ؟ قبل قليلٍ كنتَ مُصمّمًا على تزويجي مِن هيسيتيا بكل طريقةٍ ممكنة.”
“ذَلك لأن…”
تمتم كروينو قائلاً: “لأنني خشيتُ أنْ نخسر فرصةً عظيمة”، ثم بدأ يسرد مدى الفائدة التي قد نجنيها م ن الارتباط بعائلة ماركيز هيسيتيا، خاصةً في هَذهِ الأوقات.
كايلوس استمع إلى كلام كرونو وكأنه مُجرد موسيقى خلفية، واتكأ بهدوء إلى الوراء على كرسيه. وفي ذهنه، عاد وجه إلينيا الذي قابلهُ في وقتٍ سابق مِن اليوم يلوح أمام عينيه.
“تزوّجني، صاحب السمو دوق كايلوس.”
على الرغم مِن أنَّ خديها احمرّتا بسبب التوتر الشديد، إلا أنَّ ملامحها كانت مصممة، وكأنها واقفةٌ أمام هاويةٍ لا يُمكن التراجع عنها.
“لماذا وافقتَ على ذَلك؟”
“…؟”
“أعني عرض الزواج. صحيح أنني كنتُ مُصِرًا بعض الشيء، لكنكَ في البداية كنتُ ترفض بشدة.”
“فجأةً، تذكّرت شيئًا.”
“ماذا تذكرتَ؟”
سأل كرونو بدهشةٍ بسبب الجواب الغامض.
“لا أدري…”
مرت ذكرى غامضةٌ في عقل كايلوس، كطيفٍ عابر.
‘…إنْ خرجتُ مِن هُنا، سأحقق لكَ طلبكَ أيضًا.’
‘وكيف تعرفين ما الذي سأطلبُه؟’
‘رُبما قد تختلط الأمور، لكنه هَذا وعد.’
تمتم كايلوس بصوتٍ خافت وهو يستعيدُ ذكرى قديمة. ثم أنزل بصره، وفكك وضعية الاتكاء ببطء.
“وماذا عن دوق تيسيوس؟”
“الوضع هادئ. لا يبدو أنه يقوم بأيِّ نشاطٍ خاص.”
‘هل كان فسخ الخطوبة باتفاقٍ مُتبادل خلافًا للتوقعات؟’
أغلق كايلوس عينيه، غارقًا في التفكير للحظة.
على أيِّ حال، كما قال كرونو، كانت إلينيا هيسيتيا بالتأكيد فرصةً يصعبُ التخلي عنها.
“راقب الوضع باستمرار.”
“أمرك.”
تلقى كرونو الأوامر بهدوء، ثم استدار مُتجهًا نحو خارج الغرفة.
***
مرّ الوقت سريعًا حتى اقترب يوم الخطوبة.
كان قصر الدوق كايلوس يعيش أكثر أيامهِ صخبًا منذُ بنائه.
وكذَلك كان حال الخدم العاملين في القصر؛ فقد كانوا يقضون أكثر أيامهم حيويةً وانشغالًا منذُ أنْ بدأوا العمل هُناك.
ذَلك القصر، الذي لَمْ يكُن يطرقه حتى نملٌ في العادة، بدأ منذُ الصباح الباكر يستقبل نبلاء الإمبراطورية ذوي النفوذ تباعًا.
كان إعلان دوق كايلوس، الذي لَمْ يتوقع أحد أنْ يعيش مع شخصٍ آخر طيلة حياته، عن خطوبةٍ مُفاجئة كفيلًا بإثارة اهتمام الجميع، لا سيما أنْ خطيبته كانت…
وعد بالزواج مِن آنسةٍ مِن عائلة الماركيز العريقة، وكان ذَلك وحده كافيًا لجذب فضولهم. فضلًا عن أنْ تلكَ الآنسة كانت إلينيا هيسيتيا نفسها.
انشغل الجميع بالحديث عن الدوافع التي جعلت عروس الدوق المُرتقبة تتخذ قرارًا سيغيّر مستقبلها بالكامل.
ولَمْ يكُن ذَلك مُقتصرًا عليهم وحدهم.
“مضى وقتٌ طويل يا كونت تريجي. يبدو أنْ القول بجمع جميع أصحاب النفوذ في الإمبراطورية كان صحيحًا.”
قال رجلٌ ذو بنيةٍ قوية وهو يترجل مِن عربةٍ فخمة ويتجه نحو النبلاء الذين وصلوا قبله محييًا إياهم.
بادل كونت تريجي تحيتهُ بإيماءةٍ خفيفة. وكان هُناك كونتٌ مسن ذو شعرٍ أبيض جالس في المنتصف، واضح النفوذ مقارنةً بِمَن حوله.
في تلكَ اللحظة، لًمْ يستطع رجلٌ كان يجلس عند طرف الطاولة، يراقب الأجواء بقلق، أنْ يصمت أكثر، فانفجر بالكلام.
“لكن، ما الذي تُفكر فيه الآنسة؟ أنْ تهجر دوق تيسيوس لا يكفي، بل تعقد خطوبةً فجائية أخرى! وذَلك مع مُجرد… لقيط!”
“هش! خفّض صوتكَ. ذَلك ‘اللقيط’ الذي تتحدُث عنه مرشحٌ لخلافة العرش.”
قال كونت تريجي بوجهٍ مشدود، ونبرةٍ متعمدة الصرامة، وهو يوجه حديثه للرجل.
“ولكنه…”
تلعثم الرجل ولَمْ يستطع إكمال جملته، ونظر بتوتر حوله. وكأنَّ الكونت المسن قد توقع تمامًا ما كان الرجل سيقوله.
“أما بخصوص نسبه فلا سبيل لتغيّره… لكن هَذهِ الخطوبة قد غيّرت موازين القوى بالفعل. وسيبادر أصحاب الخطى السريعة باتخاذ إجراءاتٍ قريبًا.”
“وماذا عنّا… ماذا ينبغي أنْ نفعل؟”
سأل أحد النبلاء بحذر، وهو يجلس في ركن الطاولة، وقد كان يستمع بصمتٍ حتى تلكَ اللحظة.
عندها، توجهت أنظار الجميع نحو رجلٍ واحد.
أمسك كونت تريجي بكأس النبيذ الأحمر الموضوع أمامه. وانعكست على سطح النبيذ الأحمر صورةُ الكونت المسن المتأمل.
هزّ الكأس بخفةٍ وهو يتنشق عبيره، ثم قال:
“مَن يدري. علينا أنْ نراقب أكثر في الوقت الراهن. وبعد ذَلك… سنضطر إلى اتخاذ ‘خيار’ أيضًا. يبدو أنْ الأحداث المثيرة لَمْ تبدأ بعد.”
ارتسمت ابتسامةٌ غامضة على شفتي الكونت تريجي وهو يرتشف النبيذ.
وفي اللحظة ذاتها، بدأ جوٌ مِن التوتر الخفي يسري بين النبلاء المجتمعين حوله.
***
لو سألنا مَن كان أكثر توترًا وترقبًا بين جميع الحاضرين يوم الخطوبة، فالجواب البديهي سيكون: الشخص المعني بالأمر نفسه.
وقد كنتُ ذَلك الشخص.
غير أنْ توتري وحماسي كانا مُختلفين قليلًا عما يشعر به الآخرون.
“الآن يبدأ كُل شيء.”
“نعم، سيبدأ كل شيء… بمُجرد أنْ تنتهي الآنسة مِن ارتداء هَذا الفستان! تحملي قليلًا! شدّي بطنكِ أكثر!”
لأكثر مِن ثلاثين دقيقة، كانت كايا تشد الكورسيه الذي أرتديه تحت الفستان بقوةٍ بدت وكأنها ستُحطم أضلعي.
كانت تضع إحدى قدميها على الكرسي كدعامة، وتشد خصري بكل ما أوتيت مِن قوة، وهي تتصبب عرقًا.
“كايا! ألا يمكنكِ أنْ تفعلي هَذا برفقٍ قليلًا؟! بهَذا الشكل لَن أتمكن حتى مِن حضور الحفل، فضلًا عن شيءٍ آخر!”
ردت كايا على كلماتي بعنف، وكأنها ستنفجر في أيِّ لحظة:
“برفق؟! لا تقولي مثل هَذا الكلام! أنتِ بطلةُ اليوم! يجبُ أنْ تكوني الأجمل والأكثر بروزًا مهما حدث!”
“أنا بالفعل أبدو بارزةً كفاية! ولو شددتِ أكثر، فاليوم لَن يكون يوم خطوبتي، بل جنازتي! يجبُ أنْ أتنفس على الأقل!”
عند تهديدي هَذا، توقفت كايا أخيرًا عن الشد.
حدّقت بامتعاضٍ إلى خصري المنحوت كما يظهر في المرآة، وهمستُ قائلة إنْ بعض الشد الإضافي كان سيجعل المظهر مثاليًا أكثر.
قبل أنْ تضع يدها مُجددًا على الكورسيه، سارعتُ إلى الإمساك بالفستان وارتدائه.
عندها فقط، ساعدتني كايا بترددٍ على ارتداء الفستان.
وبينما كنتُ أرتدي الفستان أخيرًا، كانت عينا كايا تتلألآن ببريقٍ واضح.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 5"