برنامج السفر إلى الشمال تمّ تقديمه أكثر مِمّا توقعت.
بعد حادثة الحديقة، نقل إليّ الإمبراطور رسميًا أنّه سيُعفيِني من دخول القصر لفترةٍ من الزمن.
ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى وصل الرد من منزل كونت فيديلت.
لم يُظهر الكونت أيّ رد فعلٍّ خاص تجاه زيارتي أنا وكايلوس معًا.
وقد وصلنا منه ردٌ إيجابي بأنّه إن شئنا فعلينا القدوم.
وقد كان الأمر يسيرًا لدرجةٍ أدهشتني أنا نفسي.
‘لعلّه لا يعرف شيئًا عمّا يجري هنا بعد؟’
فالمكان بعيدٌ جدًا عن العاصمة، وقد لا يكون خبر تعليق خطوبتي من كايلوس قد وصل بعد.
“آنسة… لكن، هل تظنّين أنّ منزل الكونت يملك غرف ضيوفٍ عديدة؟”
سألت كايا فجأةً بينما كانت ترتّب لي الثياب السميكة استعدادًا لبرودة الشمال القاسية.
“ماذا؟ لماذا هذا السؤال فجأة؟”
“أعني… لا أحد يعرف كم عمر ذلك القصر، أليس كذلك؟ ماذا لو كان قديمًا لدرجة أنّه لا توجد فيه سوى غرفةٌ واحدة صالحة للاستخدام؟ أو… ماذا لو حصل أمرٌ غير متوقّع!”
“كايا، ما الذي يقلقكِ بالضبط؟”
تردّدت كايا في متابعة كلامها، وهي تراقب وجهي بحذر.
“الأمر أنّه لا اللورد ولا الماركيز هناك، وأنتِ ستذهبين وحدكِ إلى الشمال… أشعر بالقلق قليلًا. بالطبع أثِق بأنّ دوقنا سيحميكِ جيّدًا، لكن…”
“لكن؟”
أخذ صوت كايا يخفت شيئًا فَشيئًا تحت نظراتي المباشرة.
“على كل حال… الدوق رجلٌ في أوج شبابه، تعلمين؟ والرجل والمرأة إذا انفردا… فالجو العام قد…”
فقاطعتها بسرعة.
“لا تقلقي. لن يحصل شيءٌ من الذي تفكّرين به أبدًا. لا من ناحيتي ولا من ناحية الدوق.”
اطمأنّت كايا قليلًا أمام ردّي الحاسم.
“هذا مطمئن، لكن… أيضًا أن يكون كل شيءٍ بلا أيّ حدث ليس جيدًا يا آنسة!”
“كايا!”
هربت كايا من الغرفة تحت ذريعة إكمال ترتيب الثياب.
التقطتُ المشط الذي أسقطته حين أسرعت بالخروج، ووضعته على الطاولة.
وحينها وقعت عيناي على صندوق المجوهرات فوق الطاولة.
أخرجت منه زينة الشعر التي قدّمها لي كايلوس سابقًا.
“هل آخذها معي؟”
يبدو أنّني منذ الحفل الراقص لم ألمسها، بل ظلّت داخل الصندوق طيلة الوقت.
وحين رأيتُ بريقها تحت ضوء الشمس، شعرت أنّ بقاءها حبيسة الصندوق ليس أمرًا جيدًا.
رفعتها وقرّبتها من رأسي.
انعكس في المرآة لمعانُ الياقوت الأحمر فوق شعري.
***
‘أشعر بالغثيان…’
اضطربت معدتي.
منذ قليل وأنا أنظر من نافذة العربة إلى المنظر ذاته بلا تغيير.
طريق الشمال كان وعرًا كما توقعت.
بعد مغادرة العاصمة كان الطريق مستقيمًا نسبيًا، لكن كلما اقتربنا من حدود الشمال، اشتدّت اهتزازات العربة.
تمسّكت بإطار الباب بقوّةٍ كي لا أفقد توازني.
“يبدو أنّنا أوشَكنا على الوصول. اصبري قليلًا.”
“ن-نعم.”
على عكسي تمامًا، بدا كايلوس هادئًا للغاية.
كان جالسًا بثباتٍ تام رغم الاهتزازات العنيفة.
كنتُ منبهرةً بالقوة التي تسند بها ساقاه جسده كأنّه ثابتٌ في الأرض.
دَررر—
“آه!”
اهتزّت العربة فجأةً بقوّةٍ أكبر من كل مرة.
فقُذفتُ إلى الأمام فاقدةً توازني.
حاولت شدّ قدميّ كي لا أسقط، لكن جسدي كان يتقدّم رغمًا عنّي.
التعليقات لهذا الفصل " 44"