رغم أنّ في القصر الإمبراطوري الكثير من الحدائق، إلّا أنّ الحديقة الموجودة داخل قصر الأميرة كانت ثاني أكبر حديقة بعد الحديقة الكبرى في القصر الرئيسي.
فالإمبراطورة، التي لم تكن تستمتع بالزهور بقدر ما تفعل الأميرة، أمرت بأن تُجلب الزهور التي كان من المفترض أن تُزرع في قصرها، ليُنشأ للأميرة حديقة أكبر حتى من حديقة قصر الإمبراطورة.
وكانت حديقة قصر الأميرة مليئة بكل أنواع الزهور النفيسة التي يُمكن تخيّلها، ولم يكن مسموحاً بدخولها إلا لمن يملك المفتاح.
لذلك، كانت تلك الحديقة واحدة من أكثر الأماكن أهمية بالنسبة للأميرة.
‘لكن أن تُوكل إليَّ إدارة مكان بهذه الأهمية؟’
الابتسامة التي ارتسمت على وجه الأميرة لم تبدُ في عيني ذات معنى طيّب.
لكنّي لم أملك سوى إخفاء تردّدي وقبولي طلبها.
“…نعم، فهمتُ يا مولاتي.”
“المفتاح ستُعطيكِ إيّاه الآنسة رينيه.”
ما إن سمعت رينيه كلمات الأميرة حتى سارعت، وكأنها كانت تنتظر، وقدّمت المفتاح الذي كان في يدها.
“ابتداءً من اليوم، ستكون إدارة حديقة قصر الأميرة بالكامل على عاتق الآنسة إلينيـا.”
ارتسمت ابتسامة رضا على محيّا الأميرة وهي تنظر إلى المفتاح الذي انتقل إلى يدي.
وبعد أن سلّمتني المفتاح، قالت إنّه يكفي لليوم، وصرفتني مع الوصيفات الأخريات.
قبل أن أغادر القصر، اتّجهتُ أولاً إلى الحديقة لأبدأ مهمّتي.
سرتُ عبر ممر طويل يمتدّ داخل القصر حتى وصلت في النهاية إلى باب ضخم.
باب ذهبي منقوش عليه زخارف بارزة على شكل زهور وأوراق متشابكة.
أدخلتُ المفتاح في القفل.
كككك—
مع صوت احتكاك المعدن، فُتح الباب العملاق ببطء.
‘إنها عالم آخر.’
ذلك كان أول ما خطر في بالي حين رأيت الحديقة خلف الباب.
كنتُ قد سمعت أنها مليئة بالزهور النفيسة، لكنّ المشهد أمامي كان يفوق الوصف.
أزهار نادرة وجميلة بشكل لا يُمكن للكلمات أن تُجسّده.
ليس فقط زهور تنمو في الإمبراطورية، بل حتى أنواع لا تُرى إلّا في أراضٍ وراء البحار.
قيل إن الإمبراطورة استعانت بعلاقاتها في موطنها الأصلي، مملكة ديّوس، لجلب هذه النباتات، ولم يكن ذلك مبالغة.
شدّ انتباهي بشكل خاص زهرة في وسط الحديقة.
اقتربتُ من اللوحة الصغيرة الموضوعة أمامها، وقد نُقش عليها اسمها: “زهرة القمر”.
رغم أنّ شكلها بسيط ويبدو للوهلة الأولى كزهرة بيضاء عادية، إلّا أنّها حين يطلع القمر في الليل، تمتص ضوءه لتُضيء أوراقها بلون فضيّ شفاف.
كانت من أندر الأزهار في الإمبراطورية.
لكن في النهار، ما لم يعرف المرء أوراقها الفريدة المسنّنة بشكل يُشبه التروس، فسيصعب تمييزها عن الزهور العادية.
راقبتُ الخدم الذين دخلوا خلفي وهم يعتنون بالزهور: يسقونها، ويُغطّون التربة، ويُهذّبون الأغصان.
وحين أنهوا عملهم وتأكدتُ أنّ كل شيء على ما يُرام، أغلقتُ الباب الضخم وأحكمت قفله.
صوت الباب الثقيل وهو يُغلق بدا غريباً ومُخيفاً مقارنةً بجمال ما كان خلفه.
—
مضى أسبوع منذ أوكلت إليّ مهمّة إدارة الحديقة.
اليوم، كان عليّ أن أُسلّم المفتاح إلى الآنسة التالية بعد دخولي القصر.
وصلتُ إلى أمام جناح الأميرة، والمفتاح مشدود بين أصابعي.
كيييك—
وما إن فُتح الباب ودخلتُ، حتى كان أوّل ما رأيت الأميرة أرياجين تنهض من مقعدها ووجهها مغطّى بالغضب.
صرخت وهي تُشير إليّ وتأمر الحرس الواقفين عند الباب:
“إن كنتِ تجهلين، فسأُخبرك بنفسي. زهور الحديقة قد اختفت. ليس أيّ زهرة، بل زهرة القمر!”
“هذا مستحيل! لقد تحققتُ منها بنفسي البارحة، وكانت جميع الأزهار بخير!”
كنتُ صادقة. فمنذ أن استلمت المفتاح، وأنا أتفقد الحديقة كل يوم، وحتى البارحة كانت الزهور كلها كما هي.
“إذن، تُلمحين أنني أكذب؟”
“…….”
التزمتُ الصمت، لكنها ازداد كبرياءً وغطرسة.
“هذا أمر لا يُمكن التغاضي عنه. لم تكتفي بإهمال ما أوكلتُه إليك، بل أفسدتِ الحديقة عمداً. هذا إهانة للأميرة وإضرار بممتلكات العائلة الإمبراطورية. يجب أن تُحاكَمي بالقانون الإمبراطوري.”
وكأنها كانت تقرأ من نصّ محفوظ، لم تتوقف لحظة وهي تُلقي كلماتها، ثم أمرت فوراً:
“خذوا المذنبة إلى القصر الرئيسي. سأُبلغ جلالته.”
أشارت إلى خادمها المرافق، فركض مسرعاً ليُوصل الخبر.
—
امتلأ مكتب الإمبراطور في القصر الرئيسي بعدد من الأشخاص: الأميرة، أنا، وبعض المسؤولين، إلى جانب كاتب ديوان الإمبراطور.
بدا الإمبراطور منزعجاً من هذه الفوضى غير المتوقعة، فعقد حاجبيه.
“ما الذي يحدث هنا؟”
أجابت الأميرة بوجه مُفعم بالحزن كما لو كانت بطلة مأساوية في مسرحية:
“يا جلالة الإمبراطور، الآنسة هيستيا قامت بتخريب حديقة قصر الأميرة وإزالة الأزهار.”
نظر إليّ الإمبراطور بدهشة.
“ولماذا تفعل مثل هذا؟”
“لأنها كانت ساخطـة على قرار جلالتكم. لقد أمرتم بأن يعملَ كخادمتـي خلال فترة تأجيل خطبتها، وهي لم تكن راضية عن ذلك منذ البداية. رغبتُ في كسب ودّها فسلّمتها إدارة الحديقة، لكن النتيجة كانت…”
اغرورقت عينا الأميرة بالدموع.
زفر الإمبراطور بتذمّر:
“زهور فحسب، أفكان لزاماً أن تأتوا إلى هنا وتتحدثوا عن القانون الإمبراطوري؟”
لكن الأميرة لم تتراجع:
“إنها ليست مجرد زهور، بل زهرة القمر! لقد كانت هدية رسمية العام الماضي من وفد مملكة ديّوس. أليس هذا يمسّ بعلاقاتنا الدبلوماسية؟”
ارتجف حاجبا الإمبراطور عند سماع كلمتي “مملكة ديّوس” و”دبلوماسية”، وأطلق تنهيدة عميقة.
ثم التفت إليّ قائلاً:
“آنسة هيستيا، هل هذا صحيح؟”
“لا يا مولاي. لقد تأكدتُ من الحديقة بنفسي، ولم يكن بها أيّ خلل.”
“حقاً؟”
“نعم، جلالتك.”
ألقى الإمبراطور نظرة حائرة.
“عجيب. الأميرة تقول إن الزهور اختفت، وأنت تقولين لا. فمن نُصدّق؟”
ثم نظر إلى كاتب الديوان:
“كاتب.”
“نعم، مولاي.”
“أرسلوا من يتفقد الحديقة حالاً، ليتأكد إن كان ما تقوله الأميرة صحيحاً.”
“أمركم، مولاي.”
أسرع الكاتب نحو الباب وأصدر أوامره إلى الوصيـف والحرس الواقفين.
وما هي إلّا لحظات حتى خرجوا جميعاً.
قال الإمبراطور وهو يدلك جبهته بأصابعه:
“سنرى أيّكما يقول الحقيقة قريباً.”
رمقتُ الأميرة بنظرة، ورأيت بوضوح ابتسامة ماكرة ترتسم على طرف شفتيها.
طرقٌ— طرقٌ—
قطع السكون طرقٌ خفيف على الباب.
“ادخلوا.”
دخل الكاتب، يتبعه الوصيف الذي كان قد ذهب للتأكد من الحديقة.
“هل تحققتم؟”
“نعم، يا مولاي.” أجاب الوصيف وهو ينحني.
“وهل وجدتم الزهور مفقودة؟”
“هذا…”
تردّد، ولم يُكمل كلامه مباشرة.
“؟”
ارتسمت علامات الشك على وجه الأميرة ووصيفاتها، وارتفعت الحواجب متسائلة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 41"
يا شيخة أخيراً