حين عدتُ إلى المنزل، كانت الشّمس قد بدأت تميل نحو المغيب. استقبلتني كايا عند المدخل وأخذت عنّي معطفي.
“آنستي، وصلتِ في توقيتٍ مثاليّ لوقت العشاء. الماركيز بانتظاركِ في غرفة الطعام.”
بدّلتُ ملابسي على عجل، ثمّ توجّهت إلى غرفة الطعام.
حين دخلت، كانت الأطباق الشهيّة تُرتَّب على الطاولة لتوّها. رائحة لحم البط المدخّن بخفّة نفذت إلى أنفي.
والدي، الذي جلس قبلي، نظر إليّ بقلق.
“تأخّرتِ قليلًا. لم يحدث شيء غريب، أليس كذلك؟”
“إنّه اليوم الأوّل فقط. لم يحدث شيء.”
تعمّدتُ أن أُجيب بنبرة قوية لأُطمئنه، ثمّ أمسكتُ السّكين والشوكة.
“بالمناسبة، أبي… أنت تعرف الكونت فيديلت، أليس كذلك؟”
عند سماعه اسم فيديلت، اتّسعت عينا والدي للحظة.
“كيف عرفتِ ذلك الاسم؟”
“رأيته عدّة مرّاتٍ عندما كنتُ صغيرة. لقد زار قصرنا من قبل، أليس كذلك؟”
“أتتذكّرين ذلك؟”
“ليس كلّ شيء، لكن جزءًا منه.”
“صحيح… لكن، لماذا تسألين عن الكونت فيديلت الآن فجأة؟”
حاولتُ أن أبدو عاديّة وأنا أُقطّع لحم البط أمامي وأجبتُ:
“لأنّ له علاقة بالمهام التي تولاها الدوق كايلوس مؤخرًا. يبدو أنّه يعيش الآن في حدود الشّمال، وقد وجّه لنا دعوة، لي أنا والدوق.”
‘رغم أنّه دعا الدوق كايلوس وحده في البداية…’
ما إن سمع والدي كلامي، حتّى تغيّر وجهه فجأةً وامتلأ بالقلق.
“دعوة، تقولين؟”
“نعم.”
‘لماذا يبدو مصدومًا هكذا؟ هل مجرد حصولي على دعوة أمرٌ مفاجئ لهذه الدّرجة؟’
تنهد أبي تنهيدة قصيرة، فتوقفتُ عن تقطيع اللحم ونظرتُ إليه. كان ينظر إليّ بوجهٍ جاد للغاية.
“إلينيا، أنصتي إليّ جيدًا.”
“نعم، أبي.”
ابتلعتُ ريقي من شدّة التوتّر، دون أن أشعر.
لكنّ الكلمات التي خرجت من فمه كانت غريبة وصعبة الفهم:
“احذري من الكونت فيديلت. إنّه لا يدعو أحدًا دون سببٍ وجيه.”
***
طرق القصر الإمبراطوري معقّدة. السائق الذي لم يكن قد اعتاد بعد على الطّرق أنزلني في مكانٍ خاطئ.
وحين أدركتُ أنّني لم أُنزَل أمام قصر الأميرة، كانت العربة قد اختفت بالفعل في الأفق.
“لا بأس، لا خيار آخر.”
لحسن الحظ، لم تكن المنطقة غريبة عليّ كثيرًا. لم تكن بعيدة، وإذا مشيتُ قليلًا فسأصل إلى قصر الأميرة.
قرّرت أن أقطع الحديقة الخلفيّة للوصول إليه بشكلٍ أسرع.
‘لكن…’
‘أن أحذر من الكونت فيديلت؟’
لم تكن كلمات والدي على مائدة العشاء بالأمس شيئًا يُمكن تجاهله بسهولة.
أليس الكونت فيديلت كان صديقه القديم؟ أم أنَّ بينهما أمرًا لا أعرفه؟
أسئلتي التي لم أجد لها جوابًا راحت تتكاثر في رأسي.
كما أنّني لم أرَ والدي منذ تلك اللّيلة. في الآونة الأخيرة، باتت خروجاته أكثر تكرارًا.
يوم الحفل، دخل القصر بأمرٍ خاص من جلالة الإمبراطور، لكن لا أدري إن كانت خروجاته الأخيرة تتعلّق بالقصر أيضًا.
بات يخرج دون أن يُخبرني، ويغيب طويلًا، ثمّ يعود ويتوجّه مباشرةً إلى مكتبته، حيث يبقى حتى ساعات متأخّرة من الليل.
‘هل للأمر علاقةٌ بالإمبراطور؟’
اقترب يوم رفع التّقرير الأوّل، وكنتُ أفكّر بالطريقة المناسبة لتقديمه، حين لمحتُ شخصًا يقترب من الجهة المقابلة دون أن ألاحظ.
“آه…!”
كنتُ أسيرُ وأنا أنظر إلى الأسفل، فرأيتُ فجأةً طرف فستانٍ أمامي.
رفعتُ رأسي بسرعة، وكانت أوّل ما وقعت عليه عيناي، عيون ورديّة تُحدّق بي.
المرأة التي كانت واقفة وسط الحديقة الخلفيّة بالقصر وتنظر إليّ، لم أعرف رتبتها بالتحديد، لكن الهيبة التي تشعّ من حضورها، إضافةً إلى السيّدة التي ترافقها، جعلتني أدرك أنّها ليست امرأةً نبيلة عاديّة.
“وجهٌ جديد، من أيِّ جهةٍ أتيتِ؟”
امرأةٌ تتجوّل بحريّة داخل الحديقة الملكيّة وتُخاطب من تصادفهم بلا تكلّف… قلّة فقط مَن يملكن تلك الجرأة في القصر.
لابدّ أنّها…
“قدّمي الاحترام للملكة يوليا.”
قالتها الخادمة المسنّة التي ترافقها، فأسرعتُ أرفع طرف فستاني وأركع.
“أتشرف بمقابلة الملكة الأولى، يوليا. أنا إلينيا من عائلة الماركيز هيستايا.”
“هيستايا؟”
حين سمعت اسمي، بدا على الملكة يوليا الاهتمام.
نظرت إليّ من أعلى إلى أسفل بعينيها الورديّتين الفضوليّتين.
“سمعتُ بأنّك دخلتِ القصر بأمرٍ من جلالة الإمبراطور، لكن لم أتوقّع أن أراكِ هنا.”
لهجتها صارت ألطف بعد أن عرفت مَن أكون.
“نعم. جئتُ بأمرٍ من جلالته لخدمة الأميرة.”
وبعدما أنهيتُ حديثي، بدأتُ أُلاحظ ملامحها بوضوح.
شعرها البنفسجي يُشبه زهور البنفسج، وعيناها ورديتان كالألماس. الملكة الأولى، يوليا إيسفينيا.
إنّها أوّل امرأة أُعلن عنها كزوجةٍ للإمبراطور أفيون، وابنة عائلة مركيز مشهورة تُدعى إيسفينيا.
دخلت القصر باكرًا بعد التتويج، وكانت من أطول النّساء مكوثًا بجانب الإمبراطور باستثناء الإمبراطورة نفسها.
لكن، رغم هذه المدّة، أنجبت منه طفلًا واحدًا… وقد وُلد ميتًا.
كانت في السّابق تبذل جهدًا للفت نظر الإمبراطور، لكن بعد فقدان طفلها، اختفت تمامًا من الواجهة، واكتفت بالجلوس في جناحها بهدوء.
‘الآن أفهم…’
الحديقة التي كنت أعبرها للوصول إلى قصر الأميرة كانت ملاصقةً لقصر الملكة يوليا.
“ما سبب وجودكِ هنا وأنتِ من المفترض أن تكوني في قصر الأميرة؟”
“لم يمضِ على دخولي القصر أيّام قليلة، وما زلتُ أتعوّد على الطرق. يبدو أنّني تهتُ ووصلت إلى حديقة جلالتكِ. أرجو أن تسامحيني على هذه الإساءة.”
“لا بأس. كنتُ قد سئمتُ من المناظر المتكرّرة كلّ يوم. لقاؤكِ اليوم أنعش روحي.”
ابتسمت الملكة يوليا، وانحنت عيناها على شكل هلال.
“جلالتكِ، يجب أن ندخل. النسيم بدأ يبرد.”
وضعت الخادمة شالًا على كتفي الملكة، وبدت عليها علامات القلق.
‘النسيم ليس بذلك السّوء…’
كانت مجرّد نسماتٍ خفيفة من نسيم أوّل الخريف. إضافةً إلى أنَّ الشّمس ما تزال في السّماء.
ومع ذلك، كانت الملكة ترتجف بخفّةٍ رغم الشّال. يبدو أنَّ إشاعة تدهور صحّتها بعد فقدان طفلها صحيحة.
“أظنّ أنّه عليّ أن أعود. يمكنكِ الذهاب الآن. إذا واصلتِ السير بهذا الاتّجاه، ستصلين مباشرةً إلى قصر الأميرة.”
“شكرًا لكِ، جلالتكِ.”
وحين كانت تولّي ظهرها لتدخل، توقّفت فجأةً وعادت تلتفت إليّ.
“إن لم يكن لديكِ مانع، فلنلتقِ في جناحي لاحقًا ونتشارك كوب شاي.”
“سيسعدني ذلك. سيكون شرفًا لي أن أتلقّى دعوتكِ، جلالتكِ.”
“حسنًا، إذن إلى اللقاء، يا آنسة.”
“نعم، إلى اللقاء…”
انحنيتُ لها مرّةً أخرى، ثمّ استدرتُ وأسرعتُ الخطى باتجاه قصر الأميرة.
“… لو أنّه كان… حتمًا تلك الفتاة…”
سمعت صوتًا خافتًا تمتمت به الملكة من خلفي، لكنّني لم أفهم ما قالته بدقّة.
غير أنِّ نبرتها، التي حملها النسيم الخفيف، بدت مليئة بالحزن والوحشة.
لحسن الحظ، لم أتأخّر عن الموعد هذه المرّة. لم يكن هناك أيُّ تصرّفٍ صبيانيّ يُبقيَني عند الباب كما حدث في المرّة السابقة.
“تفضّلي بالجلوس، آنسة إلينيا.”
جلستُ بجانب الأميرة على المقعد الخالي. ولعلّ ما جرى سابقًا جعل الجميع يتقبّلون وجودي بصمت.
وضعت الأميرة فنجان الشاي جانبًا، ثمّ بدأت بالكلام:
“بما أنَّ الجميع قد وصل، فلنبدأ. بعد ما حدث في الاجتماع السّابق، شعرتُ أنّني كنتُ متساهلةً جدًا مع نظام هذا القصر. لذا، بهذه الفرصة، ضبطتُ الأمور، ونقّيتُ ما يجب تنقيته. لن يتكرّر ما حصل سابقًا.”
ما علِق في أذني لم يكن بدايات جملتها، بل نهايتها…
‘نقّيتُ ما يجب تنقيته؟’
هذا ما يفسّر أنّني لم أرَ نفس الوجوه أثناء قدومي اليوم. يبدو أنّها قامت بإعادة تشكيل الطاقم العامل في القصر.
وهكذا، طويتُ أيضًا صفحة تلك الخادمة الوقحة. ما حدث يصبّ في مصلحتي.
“آنسة إلينيا.”
“نعم، جلالتكِ.”
وجّهت إليّ نظراتها الزمرديّة البراقة.
“لديّ عمل أودّ أن أُوكلَه إليكِ.”
“عمل؟ لي أنا؟”
أجابت الأميرة بنبرةٍ وكأنَّ الأمر تافه:
“ليس أمرًا صعبًا. هو الإشراف على حديقة القصر. هناك من يتولّى ريّ الأزهار والعناية بها، لذا كلّ ما عليكِ فعله هو التأكّد من حسن إدارتها. سابقًا، كنّا نُوزّع المهمّة بالتناوب بين الآنسات، مثل الآنسة رينيا، لكنّكِ الآن واحدةٌ مِمّن بجانبي، لذا جاء دورك.”
ثمّ ابتسمت بلُطف.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 40"